متحف «مرصد حلوان» يبرز مقتنيات فلكية نادرة في القاهرة

يضمّ قطعاً فرعونية ومناظير وأجهزة قياس زلازل أثرية

غرفة الساعات الفلكية الأقدم بعد غرينتش
غرفة الساعات الفلكية الأقدم بعد غرينتش
TT

متحف «مرصد حلوان» يبرز مقتنيات فلكية نادرة في القاهرة

غرفة الساعات الفلكية الأقدم بعد غرينتش
غرفة الساعات الفلكية الأقدم بعد غرينتش

على هضبة مرتفعة من الحجر الجيري - جنوب القاهرة - يقع مرصد ومتحف حلوان الفلكي، بعيداً عن الزّحف العمراني، حاملا 116 سنة من تاريخ الاجتهادات العلمية المصرية، منذ رصد مذنب «هالي» الشهير عام 1909 - قبل عام من رصده عالميا - والموثقة على سلبيات زجاجة مرورا بتوقّعات حدوث أطول خسوف كلّي للشّمس على مصر، يمكن مشاهدته من منطقة الأقصر يوم الثاني من أغسطس (آب) من عام 2027.
ونظراً للقيمة التاريخية لهذه الاجتهادات فقد سعى مسؤولو المرصد إلى تسجيله ضمن قائمة التراث العالمي في منظمة اليونيسكو، وهو ما حصل بالفعل عام 2011. ويجرى العمل حاليا لتسليم المباني الأثرية السبعة للمرصد إلى وزارة الآثار كشرط الاستمرار في القائمة، وذلك بعد الانتهاء من التوسعات الحديثة لنقل العاملين.
الدكتور أشرف أحمد المشرف على ذاكرة المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية أكّد لـ«الشرق الأوسط» أنّ المرصد منذ التسعينات يشهد مجهودات لتوثيق تاريخه وإنجازاته التي لا يعرفها كثيرون، وذلك على عدة محاور منها جمع أخبار المركز من أرشيف الجرائد والمطبوعات، والحصول على أهم إصدارات المركز من دراسات وخرائط، إضافة إلى الاهتمام بالمتحف الفلكي الذي يضمّ مقتنيات لا تقدّر بثمن.
ويذكر دكتور أشرف أنّه جمع من المعلومات ما يؤكّد الدّور القوي الذي لعبه العلماء المصريون في تطور المرصد، منذ إنشاء أول مرصد مصري في منطقة بولاق عام 1839، بأمر من والي مصر وقتها محمد علي باشا، ثمّ مرصد العباسية عام 1872، بإدارة كل من محمود باشا الفلكي، وإسماعيل باشا الفلكي.
بعدها نقل المرصد إلى حلوان عام 1903، نظرا لتأثيرات خطوط الترام بالعباسية، وقتها كانت حلوان منطقة للاستشفاء تتمتع بهواء نقي، ولا يزيد عدد سكانها على خمسة آلاف نسمة، في حين وصل تعداد المدينة اليوم إلى ما يزيد على 700 ألف نسمة، هذا إضافة إلى تحويلها إلى مدينة صناعية.
وبعد نقل المرصد إلى مدينة حلوان سيطر عليه العلماء الإنجليز، وكان قبلة لأبرز العلماء الفلكيين بسبب موقعه المتميز، ومساهمته العلمية في اكتشافات كوكب بلوتو آخر كواكب المجموعة الشّمسية عام 1930. وساهم في تحديد إحداثيات مركبة الفضاء أبوللو 11. كما كُلّف من قبل الاتحاد الفلكي الدّولي عام 1909 برصد المجرات من نصف الكرة الجنوبي، ما ساهم في عمل تصنيف عالمي للمجرات نشر بالجريدة الشهرية للمرصد الفلكي البريطاني، قبل تصنيف العالم إدوين هابل بسبع سنوات.
وعلى المستوى المحلي يتابع دكتور أشرف موضحا أنّ مرصد حلوان ساهم في خريطة ترسيم الحدود لمصر عام 1906 خلال شهرين فقط، وهي الخريطة نفسها التي كانت فاصلة خلال قضايا التحكيم الدّولي بشأن منطقة طابا لصالح الجانب المصري، كما ساهم أيضا في حرب 1973، وعمل الشبكة القومية لرصد الزلازل عقب زلزال 1992، ولا يزال يلعب المرصد كثيرا من الأدوار المهمة إضافة إلى الرّصد الفلكي، منها القيام بأعمال هيئة المساحة قبل إنشائها، وهيئة الأرصاد الجوية، إضافة إلى رسم الخرائط المغناطيسية لرصد المعادن، في حين كان يتبع وزارة المالية من الناحية الإدارية.
ويذكر أنّ فروع المرصد اتسعت، فاستقبل مرصد القطامية أكبر منظار فلكي في أفريقيا حتى يومنا هذا عام 1964، يصل قطر مرآته إلى 74 بوصة.
وفي داخل المكتبة الخاصة بذاكرة المرصد آلاف الكتب والوثائق والسلبيات الزجاجية التي لا تقدر بثمن، الأمر نفسه بالنسبة للمتحف الفلكي التابع للمرصد، الذي يحتل اليوم الفيلا المخصصة لإقامة مدير المعهد وقت إنشائه توفيراً لمشقة الانتقالات وقتها.
وفاء زكريا الباحثة التاريخية تحتفظ بمفاتيح المتحف معها دائما، وتغلقه عند مغادرة الزوار، الذين غالباً ما يأتون بشكل جماعي، على شكل رحلات دراسية وعلمية إضافة إلى الخبراء الأجانب، تقول إنّ «المتحف مفتوح من دون أي رسوم، ويحتوي على عشرات القطع النادرة، التي يعود أقدمها إلى العصر الفرعوني، وهي الساعة المائية التي تقيس الوقت عن طريق منسوب المياه، مصنعة من مادة الألباستر، ويعود تاريخها إلى عهد الملك أمنحتب الثالث». وفي المتحف أيضا، صور لرائد علم المجرات محمد رضا، أول مدير مصري للمرصد، وصور لزيارة الملك فاروق له، وبجانب المنظار الفلكي الأثري الذي يصل قطره إلى 30 بوصة.
يحتوي المتحف أيضا على عدد من المناظير الفلكية الأثرية، وأجهزة مقاييس الزلازل، والإشاعة الشمسية، والساعات الفلكية التي تعدّ الأقدم في العالم بعد ساعة غرينتش، في حين ورد على موقع منظمة اليونيسكو أنّ ساعات المرصد تعدّ امتدادا لساعة غرينتش نفسها.
وتحفظ ساعات المرصد في غرفة خاصة تعرف بغرفة السّاعات، ولم تكن متاحة للزّيارة، لكن مشرفة المتحف وفاء أكّدت أنّ الزيارة باتت متاحة في الآونة الأخيرة لتعريف الجمهور بالتاريخ العلمي للمرصد.
يوجد في غرفة السّاعات أوّل ساعة كهربائية في مصر، جُلبت بواسطة الاكتتاب من قبل عشرات الشّخصيات المصرية والأجنبية، من ضمنهم تيدور كوتسيكا رجل الأعمال اليوناني الشهير الذي ما زالت تحمل اسمه منطقة في جنوب القاهرة.



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».