لماذا تنحاز الصين للجانب الباكستاني في صراع كشمير؟

بعد تأييدها بحث الموضوع في مجلس الأمن

خريطة توضح توازن القوى في إقليم كشمير (الشرق الأوسط)
خريطة توضح توازن القوى في إقليم كشمير (الشرق الأوسط)
TT

لماذا تنحاز الصين للجانب الباكستاني في صراع كشمير؟

خريطة توضح توازن القوى في إقليم كشمير (الشرق الأوسط)
خريطة توضح توازن القوى في إقليم كشمير (الشرق الأوسط)

تدخل الصين حالياً على خط الأزمة الخاصة بإقليم كشمير المتنازع عليه، بعد أن أيّدت طلب باكستان من مجلس الأمن الدولي، ببحث قرار الهند بإلغاء الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير.
وطلبت من المجلس أن يعقد اجتماعاً مغلقاً اليوم (الخميس) وغداً (الجمعة)، وفق ما نقلت وكالة «رويترز» عن دبلوماسيين.
والإقليم الواقع في جبال الهيمالايا يعد بؤرة ساخنة بين الهند وباكستان والصين كذلك، وينقسم بين الهند، التي تدير وادي كشمير المكتظ بالسكان ومنطقة حول مدينة جامو معظم سكانها من الهندوس، وباكستان، التي تسيطر على قطاع من الأراضي في غرب الإقليم، والصين، التي تدير منطقة أراض على ارتفاع عال يقطنها عدد قليل من السكان في الشمال.
وتحكم الصين حالياً منطقة ديمشوك، ووادي شاكسغام، ومنطقة أكساي شن، وتنازعها الهند على هذه الأقاليم التي تصرح الصين بامتلاكها، منذ استيلائها على أكساي شن، خلال الحرب الهندية - الصينية عام 1962.

العلاقات الصينية - الباكستانية
تجمع بين الصين وباكستان مصالح مشتركة تؤرق نيودلهي منذ عقود، حيث تسعى الصين إلى جعل باكستان حلقة رئيسية في مبادرتها لإحياء ما يعرف باسم «طريق الحرير»، وقد شرعت في العمل على ربط إقليم سنغان بميناء غوادار الباكستاني الذي بنته الصين.
ويعرف هذا المشروع بالممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني، وتقدر تكلفته بـ46 مليار دولار ويمرّ عبر كشمير الباكستانية ويتصل بشبكة من الطرق الصينية البرية والبحرية والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب؛ الأمر الذي سيتيح للصين الوصول إلى المحيط الهندي، وبالتالي الدخول في تحدٍّ مع الهند في حديقتها الخلفية البحرية وخلق تهديد جديد أمامها، وذلك وفقاً لما جاء في تقرير سابق نشرته «الشرق الأوسط»، كما أن الممر سيسمح للصين بالتحرك سريعاً لنجدة إسلام آباد في حال اندلاع حرب بينها وبين نيودلهي.
وزار نائب الرئيس الصيني وانغ تشيشان باكستان في مايو (أيار) الماضي؛ تعزيزاً للعلاقات الدبلوماسية التي تجمع بين البلدين، والتقي رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، ووقعوا اتفاقيات التعاون الثنائي المتعلقة بالزراعة والجمارك والإغاثة في حالات الكوارث، حسبما ذكرت صحيفة «شاينا ديلي» الصينية.
واللافت للانتباه، أنه في الوقت الذي تتزايد مشاركة الصين في مشروعات استراتيجية داخل كشمير الباكستانية، فإنها لمحت بوضوح إلى أن التحالف الصيني - الباكستاني بمقدوره تضييق الخناق على الهند في كشمير. وعليه، تجد الهند نفسها في مواجهة جبهتين في حال اندلاع حرب مع أي من البلدين.
وتجري محادثات غير مثمرة بشأن الحدود المتنازع عليها بين الهند والصين منذ 1962، عندما خاض البلدان حرباً قصيرة، لكن وحشية بسبب المنطقة.

الحرب الصينية - الهندية
في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1962 بدأت الحرب بين البلدين، وعرفت أيضاً باسم الصراع على الحدود بين الصين والهند، حيث نشرت الهند نقاطاً عسكرية على طريق بري كانت الصين قد أنشأته ليربط إقليم التبت بإقليم سنجان.
وكانت الحدود في جبال الهيمالايا المتنازع عليها ذريعة رئيسية للحرب، بالإضافة إلى السيطرة على إقليم أكساي تشين، وشهدت سلسلة من الحوادث الحدودية العنيفة بعد انتفاضة التبت عام 1959، عندما منح الهند حق اللجوء للدالاي لاما، وانتهت بانتصار الصين في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1962.
وتتشارك الصين والهند في حدود طويلة، تقع أكساي تشين في الجزء الغربي من هذه الحدود، وتبرز أهمية المنطقة في احتوائها على بعض المنخفضات التي مكّنت الصين من إنشاء طريق يربط إقليم التبت بإقليم سنجان؛ وذلك بسبب الوعورة الكبيرة لإقليم التبت.
وبالعودة إلى مشروع القانون الهندي المتعلق بإعادة تنظيم وضعية المنطقة من ولاية إلى منطقتين تخضعان للإدارة الاتحادية: «جامو وكمشير» و«لاداخ»، فإنه من المقرر أن يظل لجامو وكشمير مجلس تشريعي خاص، بينما لن يكون الأمر نفسه للاداخ.

صراع حول منطقة «لاداخ»
وعليه، انتقدت بكين بشدة قرار الهند تحويل منطقة «لاداخ» التي تسكنها غالبية من البوذيين في كشمير إلى منطقة إدارية تحكمها نيودلهي مباشرة، حسبما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وتقول الهند، إن الصين تحتل 38 ألف كلم مربع من منطقتها الشمالية الغربية بشكل غير قانوني، بينما تزعم بكين أحقيتها في 90 ألف كلم من ولاية «أروناشال براديش» في شمال شرقي الهند.
وشهدت المنطقة الحدودية بين الهند والصين مواجهة استمرت لأسبوعين في سبتمبر (أيلول) 2014 عندما تقدمت القوات الصينية لكيلومترات عدة داخل القطاعات الشمالية من لاداخ.



ستولتنبرغ لـ«الشرق الأوسط»: وجّهنا «رسالة قوية» إلى الصين... وأتوقّع استمرار الدعم الأميركي لأوكرانيا

TT

ستولتنبرغ لـ«الشرق الأوسط»: وجّهنا «رسالة قوية» إلى الصين... وأتوقّع استمرار الدعم الأميركي لأوكرانيا

أمين عام «الناتو» خلال مؤتمر صحافي بواشنطن في 11 يوليو (أ.ب)
أمين عام «الناتو» خلال مؤتمر صحافي بواشنطن في 11 يوليو (أ.ب)

عندما تسلّم ينس ستولتنبرغ قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 2014، لم يكن، على الأرجح، يتوقّع أن تشهد أوروبا أكبر حرب على أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية. وقبل أشهر من تسليمه قيادة «الناتو» لمارك روته في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، نجح رئيس وزراء النرويج الأسبق في توحيد صفوف الحلفاء الغربيين، ووسّع الحلف ليشمل 32 دولة، كما انتزع التزاماً من الدول الأعضاء للاستمرار في دعم أوكرانيا مادياً وعسكرياً في حربها مع روسيا.

وبينما تُخيّم عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض على أعمال الحلف، عبّر ستولتنبرغ عن تفاؤله حيال «ثبات» الدعم الأميركي لكييف، والتزامه بتعزيز «الناتو».

وقال في حوار خصّ به «الشرق الأوسط»، في ختام قمة الحلف بواشنطن، إن «الالتزام الأميركي بهذا الدعم يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة الأمنية»، لا سيّما أن «ما يحدث في أوكرانيا اليوم قد يحدث في آسيا غداً».

ورحّب ستولتنبرغ بتخفيف الدول الأعضاء القيود المفروضة على كييف لضرب أهداف عسكرية مشروعة داخل روسيا، مشدداً على ضرورة استمرار مستوى الدعم الغربي لأوكرانيا.

ورفض الأمين العام اتّهام بكين «الناتو» بزعزعة استقرار منطقة المحيط الهندي والهادي، عادّاً أن الصين هي التي تقترب من حدود الدول الأعضاء في الحلف عبر مناوراتها العسكرية مع بيلاروسيا. كما رحّب بتوجيه الحلف «رسالة قوية» للصين للمرّة الأولى في واشنطن؛ لدعمها حرب روسيا على أوكرانيا.

وعن الشرق الأوسط، قال الأمين العام إنه يدعم جهود وقف إطلاق النار في غزة، بيد أن «الحلف لا يلعب دوراً مباشراً» في هذا الصراع. في الوقت ذاته، سلّط ستولتنبرغ الضوء على شراكات الحلف في الشرق الأوسط، مشيداً بالتعاون مع السعودية في مكافحة الإرهاب، وأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، وتعزيز الأمن البحري.

وفيما يلي أبرز ما ورد في الحوار.

صمود أوكرانيا... ومسؤولية «الناتو»

اتفق قادة الدول الأعضاء في «الناتو»، الذين اجتمعوا في واشنطن هذا الأسبوع، بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيس الحلف، على واحدة من أكبر حزم المساعدات النوعية والمادية لأوكرانيا. وللمرة الأولى منذ الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022، وافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها على إرسال مقاتلات «إف - 16» لكييف، كما التزموا بحدّ أدنى من المساعدات بقيمة 40 مليار يورو العام المقبل. ويأمل القادة في أن تعزز هذه المساعدات قدرة الجيش الأوكراني على الصمود في وجه قتال شرس على الجبهتين الشرقية والجنوبية، «يذكّر بحرب الخنادق في الحربين العالمية الأولى والثانية» كما وصفه مسؤول رفيع في الحلف.

وأقرّ ستولتنبرغ بالتحديات في أوكرانيا، وقال إن «الوضع في ساحة المعركة صعب. نرى أن الروس يحاولون شنّ هجمات جديدة، ويضربون المدن الأوكرانية، ويقتلون المدنيين الأبرياء»، مشيراً إلى «الهجوم على مستشفى الأطفال» الذي شنّته موسكو عشية انعقاد «قمة الناتو».

في الوقت ذاته، لفت ستولتنبرغ إلى أنه «عندما بدأت هذه الحرب في فبراير 2022، اعتقد معظم الخبراء والرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين أنه سيسيطر على كييف في غضون أيام، وبقية أوكرانيا في غضون أسابيع. هذا لم يحدث».

وتابع: «تمكّن الأوكرانيون من تحرير 50 في المائة من الأراضي التي احتلتها روسيا في بداية الحرب. كما تمكّنوا من فتح ممر في البحر الأسود لتصدير الحبوب والمنتجات الأخرى إلى السوق العالمية. وهم قادرون أيضاً على توجيه ضربات وإلحاق خسائر فادحة بالغزاة الروس. لذا فإن الحروب بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها، لكن الأوكرانيين أثبتوا قدرتهم على الصمود وصدّ قوات الدفاع الروسية. وتتمثل مسؤوليتنا في الاستمرار في تقديم دعم كبير».

وأشاد الأمين العام في هذا الصدد بموافقة الحلفاء في قمة حلف شمال الأطلسي بواشنطن على تكثيف الدعم العسكري الكبير لأوكرانيا، والحفاظ على مستواه.

ضرب أهداف داخل روسيا

كان أكبر عائق أمام موافقة بعض الدول الغربية، وأبرزها الولايات المتحدة، على تسليم أسلحة هجومية لأوكرانيا هو اعتراضها على ضرب أهداف داخل روسيا، وهو ما يعدّه ستولتنبرغ حقاً مشروعاً في إطار «الدفاع عن النفس».

وقال: «من المهم أن نتذكر أن هذه حرب عدوانية شنّتها روسيا ضد دولة مسالمة ومستقلة ذات سيادة في أوروبا؛ أي أوكرانيا. هذا انتهاك صارخ للقانون الدولي. ووفقاً للقانون الدولي، فإن لأوكرانيا الحق في الدفاع عن النفس».

وأكّد الأمين العام لـ«الناتو» أن «حق الدفاع عن النفس يشمل حق الهجوم، أو ضرب أهداف عسكرية مشروعة على أراضي المعتدي؛ أي روسيا. ولذلك، نفذت أوكرانيا ضربات عميقة» (داخل روسيا).

وتحدّث ستولتنبرغ عن التباين بين الحلفاء لجهة القيود المفروضة على الأسلحة التي يسلمونها لكييف، إلا أنه أكّد أن الدول التي فرضت هذه القيود، قامت بتخفيفها، «لأسباب ليس أقلها أن معظم القتال يقع في عمق أوكرانيا».

واستدلّ ستولتنبرغ بجبهة خاركيف لشرح أهمية السماح لأوكرانيا بالضرب في الأراضي الروسية، وقال: «فتحت روسيا الآن جبهة جديدة في منطقة خاركيف، حيث خط المواجهة والخط الحدودي متماثلان إلى حد ما. وبطبيعة الحال، فإن الطريقة الوحيدة أمام أوكرانيا للدفاع عن نفسها هي الهجوم، أو الضرب خارج خط المواجهة، وهذا يعني أيضاً على أراضي روسيا. لذا، فإن المهم هو أننا قادرون على تزويد أوكرانيا بالقدرات التي تحتاجها، وأنا أرحب بتخفيف الحلفاء القيود المفروضة على استخدام هذه الأسلحة».

دور إيران وكوريا الشمالية

بحث قادة «الناتو» في قمّتهم بواشنطن تأثير الدعم الذي تحظى به روسيا من إيران وكوريا الشمالية والصين، في الحرب التي تشنّها على أوكرانيا.

وقال ستولتنبرغ في هذا الصدد: «ما نراه هو أن القوى الاستبدادية متحالفة في دعمها لروسيا، مما يُمكّنها من شنّ هذه الحرب العدوانية الوحشية. وهذا يشمل دولاً مثل كوريا الشمالية، ولكن أيضاً الصين وإيران. وقد قامت إيران بتسليم كمية كبيرة من طائرات (شاهد) دون طيار، التي أصابت أوكرانيا بكثير من المعاناة والأضرار، مما ساعد روسيا على إدارة هذه الحرب غير الشرعية».

وحذّر من أن أي تسليم محتمل لصواريخ باليستية إيرانية سيكون خطيراً للغاية بالنسبة لتصعيد الحرب في أوكرانيا. وتابع: «فرض حلفاء الناتو على مدى سنوات عديدة عقوبات صارمة على إيران؛ بسبب أنشطتها المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة وخارجها. وبالطبع، تستهدف هذه العقوبات البرنامج النووي الإيراني، وكذلك برنامجها الصاروخي. دعم إيران لروسيا يُسلّط الضوء على أهمية هذه العقوبات للحد من قدرة إيران على دعم حرب العدوان غير الشرعية، كما تفعل عندما تدعم روسيا».

 طائرات «شاهد» الإيرانية تسببت في معاناة بالغة بأوكرانيا

ينس ستولتنبرغ أمين عام «الناتو»

التمكين الصيني لموسكو

وجّه قادة «الناتو» انتقاداً حادّاً للصين خلال القمّة، لدعمها روسيا. وقال ستولتنبرغ: «أولاً وقبل كل شيء، ليس هناك شكّ في أن الصين هي عامل تمكين حاسم لحرب روسيا ضد أوكرانيا؛ لأنها توفر تقريباً جميع الإلكترونيات والشرائح الدقيقة، والمعدات ذات الاستخدام المزدوج، والأدوات التي تحتاجها روسيا في تصنيع القنابل والطائرات والصواريخ التي تستخدمها لمهاجمة أوكرانيا. لذا، فمن دون دعم الصين لاقتصاد الحرب الروسي، لم تكن روسيا لتتمكّن من إدارة الحرب كما تفعل ضد أوكرانيا».

وعن ردّ بكين الغاضب من بيان «الناتو»، قال الأمين العام: «أعتقد بقوة بأن ردّ الفعل من الصين يوضّح أننا أشرنا بالفعل إلى شيء صحيح». وعدّ أن قرار 32 حليفاً، يمثلون 50 في المائة من الاقتصاد العالمي، تسليط الضوء بوضوح وللمرة الأولى على الدور الصيني، «رسالة قوية».

جانب من اجتماع قادة «الناتو» في واشنطن (د.ب.أ)

أما عن اتهام بكين «الناتو» بزعزعة استقرار منطقة المحيط الهندي والهادي، ردّ ستولتنبرغ: «لا يتعلق الأمر بتحرك حلف شمال الأطلسي إلى منطقة المحيط الهندي والهادي، بل يتعلق الأمر باقتراب الصين منا. بينما نتحدث الآن، تُجري الصين مناورات عسكرية مع بيلاروسيا على حدود حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا. كما نرى الصين تحاول السيطرة على البنية التحتية الحيوية في أفريقيا وفي القطب الشمالي». وأضاف: «ثانياً فيما يتعلّق بحقيقة أننا نعمل مع شركائنا في اليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا. هذه دول مستقلة ذات سيادة وتريد أن تكون لديها علاقة قوية مع حلف شمال الأطلسي. نحن نرحب بذلك».

في المقابل، شدّد الأمين العام على أن «حلف شمال الأطلسي سوف يظل تحالفاً بين أميركا الشمالية وأوروبا. لن نصبح تحالفاً عالمياً، ولكننا بطبيعة الحال سوف نعمل مع شركائنا العالميين لمعالجة التهديدات العالمية، والسيبرانية، والإرهاب، ولكن أيضاً العواقب الأمنية المترتبة على استثمار الصين بكثافة في القدرات العسكرية الحديثة».

تصدّعات في الدعم الغربي

طغت المخاوف من تراجع أميركي محتمل عن دعم أوكرانيا، وحلف «الناتو» بشكل عام، على أعمال قمة واشنطن.

ورغم حالة عدم اليقين المحيطة بالانتخابات الأميركية، والتصدعات الأوروبية في دعم كييف، فإن ستولتنبرغ بدا متفائلاً. وقال: «أتوقع أن تستمر الولايات المتحدة، مثل غيرها من حلفاء الناتو في أوروبا وكندا، في تقديم دعم قوي لأوكرانيا. من مصلحتنا الأمنية ألا تكون لروسيا الغلبة في أوكرانيا». وحذّر من أن تراجع هذا الدعم «من شأنه أن يبعث برسالة إلى الرئيس بوتين، ولكن أيضاً إلى الرئيس (الصيني) شي جينبينغ وغيرهما من القادة الاستبداديين مفادها بأنه عندما ينتهكون القانون الدولي، وعندما يغزون دولة أخرى، فإنهم سيحصلون على ما يريدون، وهذا سيجعل العالم كله أكثر خطورة».

وتابع: «يجب على كل دولة تهتم بالنظام الدولي القائم على القواعد واحترام الحدود الدولية المعترف بها، أن تشعر بالقلق الشديد إذا أفلتت روسيا من الهجوم الوحشي على أوكرانيا، إذ سيدفع ذلك دولاً استبدادية أخرى لتحذو حذو روسيا».

صورة أرشيفية لترمب وستولتنبيرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)

واستذكر ستولتنبرغ أنه «قبل أيام قليلة من الغزو، وقّع الرئيسان شي وبوتين اتفاقية شراكة، حيث وعد كل منهما الآخر بشراكة لا محدودة. لهذه الأسباب، أتوقع أن تستمر الولايات المتحدة (في دعم أوكرانيا)».

ورأى أن الالتزام الأميركي بهذا الدعم «يصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمنية، لأسباب ليس أقلها أنها قلقة بشأن الصين. وما يحدث في أوكرانيا اليوم يمكن أن يحدث في آسيا غداً، كما قال رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، أخيراً. لذلك هناك صلة بين أوكرانيا وآسيا». أما عن ترمب، فذكّر ستولتنبرغ بقرار الرئيس الأميركي السابق تقديم الصواريخ المضادة للدروع من نوع «جافلين» لأوكرانيا، التي كانت مهمة للغاية في مواجهة الغزو الروسي. «لذا، أتوقع مرة أخرى أن تستمر الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا».

ما يحدث في أوكرانيا اليوم قد يحدث في آسيا غداً

ينس ستولتنبرغ أمين عام «الناتو»

حرب غزة

يسعى حلف «الناتو» لتوسيع شراكاته حول العالم، لا سيّما عبر ما يسمّيها دول «الجوار الجنوبي». إلا أن «الناتو» تحفّظ عن إعلان سياسة أو موقف حيال الحرب في غزة، ما أثار استغراباً وانتقادات نظراً لحجم الخسائر البشرية في القطاع، فضلاً عن التداعيات الإقليمية والدولية لهذا التصعيد غير المسبوق.

وردّ ستولتنبرغ على هذه النقطة بالقول: «دعا جميع حلفاء الناتو إلى وقف إطلاق النار، وأنا أؤيد الجهود التي يبذلها الحلفاء لتسهيل المفاوضات، وجهود وقف إطلاق النار، وكذلك العمل من أجل التوصل إلى نهاية سياسية لهذا الصراع. كما أعرب حلفاء الناتو عن دعمهم لحل الدولتين»، لا سيما بعد الحرب الجديدة في غزة.

واستدرك الأمين العام بالقول: «لكن حلف شمال الأطلسي، بوصفه حلفاً، لا يلعب دوراً مباشراً (في هذا الصراع). وأعتقد بأن هناك ما يكفي من الجهات الفاعلة الآن، وليست هناك حاجة لمشاركة منظمة أخرى بشكل مباشر. ولكننا بالطبع ندعم الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وغيرها لتسهيل المفاوضات، وتمكين وقف إطلاق النار، والتوصل إلى حل سياسي».

ووصف الأمين العام: «لكن بالطبع، من المفجع أن نرى المعاناة الإنسانية، وأن نرى الموت والدمار اللذين شهدناهما في الأشهر الأخيرة، ولذلك فإنني أؤيد وحلفاء الناتو جميع الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي».

زعماء «الناتو» خلال انعقاد القمة في واشنطن في 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)

تعاون إقليمي

وبينما استبعد ستولتنبرغ أن يلعب «الناتو» دوراً في حرب غزة، سلّط الضوء على تعاون وشراكة الحلف مع دول شرق أوسطية. وقال: «إن لحلف شمال الأطلسي وجوداً في منطقة الشرق الأوسط، ولدينا شركاء في منطقة الخليج. لقد قمت أخيراً بزيارة الرياض في المملكة العربية السعودية للعمل على قضايا مثل مواجهة الإرهاب، وسلوك إيران المزعزع للاستقرار الذي يشكّل مصدر قلق كبير لحلف شمال الأطلسي، ولكن أيضاً لعديد من البلدان في المنطقة».

وعبّر الأمين العام عن أمله في أن «نتمكّن من بناء وتوسيع هذا التعاون، والعمل الذي نقوم به مع المملكة العربية السعودية؛ لمعالجة كثير من التحديات المشتركة، مثل الإرهاب والأمن البحري. وبطبيعة الحال، يشعر حلفاء الناتو بقلق بالغ إزاء أنشطة الحوثيين. وقد نشر بعض حلفاء الناتو قدرات بحرية لحماية الخطوط البحرية».

كما تحدّث ستولتنبرغ عن «مهمة للتدريب وبناء القدرات في العراق لمساعدة العراقيين على ضمان عدم عودة (داعش)، إلى جانب مركز التدريب في الكويت، ومكتب الاتصال الجديد في عمّان الذي أعلن عنه الحلف في قمة واشنطن، الذي من شأنه أن يعزز شراكتنا مع الأردن، وسيوفر الأدوات اللازمة لتعميق الحوار السياسي، والتعاون العملي» مع هذا البلد.

واستطرد: «هذه مجرد أمثلة لكيفية عملنا، بطرق مختلفة وضمن أطر مختلفة، مع بلدان المنطقة. مهمة بناء القدرات في العراق، ومكتب الاتصال الجديد في عمّان، وزيارتي إلى الرياض، حيث ناقشنا الأمن البحري ومكافحة الإرهاب ومعالجة سلوك إيران المزعزع للاستقرار. وعملنا مع تونس. (كلها شراكات) نعمل (من خلالها) مع دول المنطقة، ولكن بأشكال مختلفة».

ندعم جهود وقف إطلاق النار في غزة... والمعاناة الإنسانية مُفجعة

ينس ستولتنبرغ أمين عام «الناتو»

الإنجازات... والخطوات المقبلة

سألت «الشرق الأوسط» ستولتنبرغ عن أبرز إنجازاته خلال ولايته الطويلة أميناً عاماً لـ«الناتو»، وعن إخفاقاته. فجاء ردّه: «أولاً، لا أحتفظ بقائمة من الأشياء التي لم أنجح في القيام بها، أو بأخطائي». أما عن أكثر إنجاز يفتخر به، فقال: «أعتقد بأن القرار الأكثر أهمية الذي كنت جزءاً منه خلال فترة ولايتي أميناً عاماً كان الرد على الغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا، ولكن أيضاً ما فعلته لمنع تصعيد هذا الصراع إلى أبعد من أوكرانيا». وتابع أن لـ«الناتو» مهمتين؛ «الأولى هي دعم أوكرانيا وهو ما نفعله، والثانية هي توجيه رسالة واضحة إلى موسكو مفادها بأن أي هجوم على دولة حليفة للناتو سيؤدي إلى رد فعل من الحلف. وقمنا بالفعل بنشر مزيد من القوات في الجزء الشرقي من التحالف لتوجيه تلك الرسالة».

بايدن يمنح «وسام الحرية الرئاسي» للأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي» ينس ستولتنبرغ (أ.ف.ب)

وعبّر ستولتنبرغ عن تطلّعه لـ«عيش حياة مختلفة. لقد كان شرفاً لي العمل أميناً عاماً لحلف شمال الأطلسي. وقد حظيت بامتياز العمل مع 32 حليفاً، ولكن أيضاً مع الدول الشريكة، بما في ذلك في الشرق الأوسط. لكنني بالطبع سأعود الآن إلى النرويج. لا أعرف بالضبط ما سأفعله. كان قد تم تعييني في الأصل محافظاً للبنك المركزي، لكنني تخليت عن ذلك حتى أتمكّن من الاستمرار في حلف شمال الأطلسي. ولم أندم على ذلك للحظة».