«حرب تصريحات وتغريدات» سنية ـ شيعية حول الجثث المجهولة في العراق

ساسة يلوحون بنقل الملف إلى المجتمع الدولي

TT

«حرب تصريحات وتغريدات» سنية ـ شيعية حول الجثث المجهولة في العراق

ما زالت التصريحات والتغريدات المتبادلة حول الجثث المجهولة التي أعلن في بابل عن دفنها من قبل مجموعة تطوعية خيرية، لأشخاص يعتقد أنهم قتلوا نتيجة حوادث عادية أو أعمال إرهابية أو طائفية، تتصدر المشهد السياسي العراقي منذ نحو 5 أيام، بطريقة أعادت إلى الأذهان «حرب التصريحات» الشيعية – السنية، إبان أعمال العنف الطائفية التي اجتاحت البلاد بين عامي 2006 و2007.
ولم تساعد البيانات والإيضاحات التي أصدرتها المفوضية العليا لحقوق الإنسان، أو محافظة بابل، حول الجثث المجهولة وطريقة دفنها، في التقليل من حدة التصريحات والاتهامات المتبادلة بين شخصيات سنية وشيعية.
وبينما يصر كثير من الاتجاهات الشيعية الرسمية على ضرورة التعامل مع الملف بواقعية، وعدم تحميله أبعاداً طائفية، وتؤكد أن الجثث لأشخاص غير معروفين، وبالتالي لا يمكن نسبتهم إلى مكون إثني أو طائفي محدد، تسعى اتجاهات سياسية سنية إلى ربط الأمر بملف ما يسمى «المختطفين والمغيبين من أبناء المكون السني» المتهم بخطفهم بعض فصائل «الحشد الشعبي» التي اشتركت في المعارك ضد «داعش» في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى.
وغالباً ما اشتكت جهات سنية في الأنبار من قيام ميليشيات شيعية باختطاف نحو 1700 مواطن في منطقة الرزازة بمحافظة الأنبار عام 2016، ونقلهم إلى منطقة مجهولة في محافظة بابل.
وقال النائب عن محافظة الأنبار عبد الله الخربيط، أول من أمس، إن «هناك مساعي للمكون السني للجوء إلى المجتمع الدولي، على خلفية العثور على جثث مجهولة الهوية في منطقة جرف الصخر شمال بابل».
وكان رئيس «مؤسسة فاطمة الزهراء الخيرية» هادي الشمري، قد صرح أمس، بأن منظمته تسلمت كدفعة أولى 125 جثة، وفي الثانية 75، وفي الثالثة والأخيرة 31 جثة مجهولة، وقامت بدفنها.
بدوره، وجه القيادي في تحالف «القرار» أثيل النجيفي، أمس، انتقادات لاذعة لرئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، على خلفية تصريحات ذكر فيها الأخير، أن «الحادث ليس طائفياً، ولا يمت للأمر بصلة؛ بل هي (الجثث) نتاج حوادث متفرقة من كل أنحاء بابل».
وقال النجيفي في تغريدة على «تويتر»، إن «القضية ليست قضية 31 أو 50 أو 130 جثة مجهولة الهوية؛ بل هي قضية آلاف المغيبين والمخطوفين الذين اختفوا أو نقلوا إلى شمال بابل»، مضيفاً: «لا يمكن اختصار مصيرهم بالتصريح الذي صدر عن رئيس البرلمان ومن معه، وهي ليست قضية طائفية، فما زال ملايين الشيعة يرفضون هذا التعامل اللاإنساني».
وأظهرت وثائق رسمية صادرة عن مديرية صحة بابل، ومديرية بلدية الحلة، حصول موافقة على دفن 31 جثة وأشلاء بشرية «مجهولة الهوية» بعد تجاوزها المدة القانونية لحفظها في ثلاجة الموتى: «دون أن يتفقدها أحد من ذويها».
واتهم الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، أمس، بعض السياسيين السنة بـ«المراهقة السياسية» على خلفية تصريحات أطلقوها بشأن «جثث بابل». وقال الخزعلي في تغريدة له على «تويتر»: «ما زال هناك جيل سياسي متجذرة في نفسه الدوافع الطائفية، ولم يتعظ بعد من الدمار الذي سببه الخطاب الطائفي على أبناء (مكونه) وعلى العراق بشكل عام». وأشار الخزعلي إلى قسم آخر من السياسيين وصفهم بـ«المراهقة السياسية، وتعجل ومحاولة ركوب الموجة».
وأصدر محافظ بابل كرار صباح العبادي، أول من أمس، توضيحاً بشأن الجثث المجهولة التي تم العثور عليها مؤخراً، وقال في بيان: «شهدنا في الأيام الماضية أصواتاً تعالت من أجل إثارة الفتن بين أبناء الشعب العراقي، بعد أن تحقق الأمان والسلام في عراقنا الحبيب، وإغلاق ملف الطائفية في بلدنا بشكل كامل». وأضاف أن «الجثث لمجهولين تمتد لأربع سنوات مضت في الثلاجات الخاصة بالطبابة العدلية، وهي ناجمة عن حوادث وجرائم مختلفة، وبعضها نتيجة ظروف اجتماعية وقبلية؛ حيث تتوزع على أغلب مراكز شرطة بابل، ويتم تسلميها إلى دائرة صحة بابل - الطب العدلي، لاتخاذ الإجراءات القانونية والطبية، وأخذ عينات من البصمة الوراثية». وأوضح العبادي أنه «بعد تعذر البلدية لعدم وجود تخصيص مالي، قامت إحدى المنظمات المدنية بالتبرع لدفنها، وفق السياقات القانونية والشرعية، وتحت إشراف منظمة حقوق الإنسان».
وكان تحالف «القوى العراقية» السني، وعدد من النواب، قد أصدروا، أول من أمس، بيانات بشأن العثور على «120 جثة»، وطالبوا الحكومة بإصدار قرار بإعادة فتح هذه المقابر، والسماح لذوي المغدورين بالتعرف على جثث أبنائهم.
وهدد النائب عن الأنبار عادل خميس المحلاوي، أمس، بـ«عرض هذه الجرائم على المجتمع الدولي، إذا ما استمر ذلك، وعجزت الحكومة عن القيام بواجباتها القانونية والأخلاقية». وقال المحلاوي في بيان: «إحدى وثلاثون جثة لرجال ونساء وأطفال، بعضها جثث مقطعة الأوصال، سبقتها إحدى وخمسون جثة، دون أن يصدر عن الحكومة بيان أو تعليق أو فتح تحقيق في الأسباب التي راحت هذه الأرواح ضحية لها».
في المقابل، هاجم عضو تحالف «البناء» عبد الأمير التعيبان، أمس، الساسة السنة، وتساءل في تغريدة على «تويتر»: «أين كانت أصواتهم عندما قتل 1700 شاب في مناطقهم وأمام أعينهم، من أبناء الناصرية والشطرة والغراف، في مجزرة سبايكر؟» في إشارة إلى الجنود الذين قتلوا على يد «داعش» في معسكر سبايكر بمحافظة صلاح الدين، عام 2014.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.