كشفت ردود الأفعال على البيان الصادر عن الاجتماع الأخير لرؤساء الكنائس المسيحية في دمشق، عن اتساع الفجوة بين رؤساء الكنائس ورعاياهم من أبناء الطوائف المسيحية في سوريا.
وجاءت أبرز الردود من منظمة «سوريون مسيحيون من أجل السلام» المعارضة، التي قالت بأن المفاهيم «المهمة» الواردة في البيان والمتعلقة بـ«ضرورة اشتراك كل مكوّنات الشعب السوري في بلورة رؤية مستقبلية»، هي ذاتها المطالب والمرتكزات التي استند عليها «حراك الشعب السوري في منطلقاته المحقة في عام 2011»، لافتة إلى أن بيان البطاركة «تجاوز تسمية الأمور بأسمائها الحقيقية».
وحسب المنظمة فإن البطاركة تغاضوا عن الإشارة إلى أن تهجير المسيحيين في سوريا «بدأ منذ سيطرة النظام القمعي على السلطة في سوريا، بسبب تقييد حريات التعبير والحريات السياسية والثقافية، وهيمنة الفساد والوساطات والفئوية على مؤسسات الدولة، ونبذ وتحييد الكفاءات الوطنية عموماً، وتهميش دور المسيحيين خصوصاً، ودفعهم للهجرة». وأضافت المنظمة أن «الهجرة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة الماضية، بسبب انتشار العنف، واستخدام النظام للفتنة الطائفية أداة لتمكين حكمه». وانتقدت منظمة «سوريون مسيحيون من أجل السلام» إشادة رؤساء الكنائس في دمشق بما سموه «انتصار» النظام، وتناسيهم «ضحايا العمليات العسكرية لنظام الأسد من المدنيين والأطفال والنساء التي تجاوزت مئات الألوف، وأن مدناً بكاملها تم تدميرها وتهجير ما يزيد عن نصف الشعب السوري». وأكدت المنظمة على أن «تحقيق العدالة والقانون والمساواة هي مفاهيم لا يمكن بناؤها في ظل حكم الأسد».
وشهد دير مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا بريف دمشق، يوم الاثنين الماضي، اجتماعاً لرؤساء الكنائس المسيحية في دمشق، دعا إليه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، بمشاركة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، والبطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك. كما حضر الاجتماع الكردينال ماريو زيناري السفير البابوي في سوريا.
وتناول الاجتماع الأوضاع العامة التي تمرّ بها المنطقة، وخصوصاً أوضاع المسيحيين فيها وما تعرضوا له خلال الحرب.
وعبر البيان الصادر عن الاجتماع، عن القلق من تناقص أعداد المسيحيين في سوريا بشكل كبير، جراء «التهجير»، داعياً المسيحيين «إلى التشبّث بأرض الآباء والأجداد، مهما اشتدّت الظروف وضاقت الأحوال».
وبعد أن أشار البيان إلى أن «المسيحيين مكوّن أساسي أصيل من النسيج الوطني لهذه المنطقة، وكانوا عبر التاريخ والأجيال - ولا يزالون - أنموذجاً للمواطنة الفاعلة التي تدرك جيّداً واجباتها وحقوقها»، اكتفى بالقول إن المجتمعين «رفعوا الصلاة من أجل عودة» مطراني حلب المختطفين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، من غير أن يطالب بالكشف عن مصيرهم.
وعبّر المجتمعون عن «اعتزازهم بانتصار سوريا، قيادة وجيشاً وشعباً»، وشدّدوا على أهميّة «اشتراك كلّ مكوّنات الشعب السوري في بلورة رؤية مستقبلية لبلدهم، ضمن دولة وطنية تقوم على أسس الديمقراطية وحكم القانون والمساواة في المواطنة واحترام التنوّع»، مؤكدين أيضاً على «وحدة سوريا تراباً وشعباً، من الجولان السوري العزيز وحتى الجزيرة السورية».
يشار إلى أن نسبة السكان المسيحيين في سوريا كانت نحو 25 في المائة نهاية القرن التاسع عشر، وتراجعت لتصل إلى 12 في المائة نهاية القرن العشرين، واليوم تقدر بأقل من 9 في المائة، جراء الهجرة الطوعية لأسباب متعددة، والتهجير القسري جراء الحرب.
هذا وقد اتسعت ردود الأفعال السلبية على بيان رؤساء الكنائس في دمشق، لتشمل المعارضين للنظام والموالين له والمحايدين؛ حيث أثارت دعوة البطاركة المسيحيين السوريين للتشبث بالأرض، الاستغراب، لتأخرها ثماني سنوات، عانت خلالها البلدات المسيحية من ويلات الحرب، أبرزها بلدتا محردة والسقيلبية في محافظة حماة، اللتان لا تزالان تتعرضان لظروف قاسية جراء المعارك الدائرة في شمال المحافظة.
وقد وجه أحد أبناء محردة رسالة مفتوحة إلى رؤساء الكنائس، عبر حسابه على «فيسبوك»، تم تداولها على نحو واسع في أوساط المسيحيين. ومما جاء في الرسالة التساؤل حول أين كان البطاركة خلال تسع سنوات من الحرب، وسقوط أكثر من 11300 صاروخ على محردة، التي اضطر شبابها للهجرة، والكنيسة لم تساعدهم حتى بتأمين «فيزا». وقال إن «الخوارنة» الذين ثبتوا مع الأهالي خلال الحرب كانوا تحت القصف والتهديد بالخطف، والجولاني على مسافة كيلومتر واحد منهم، يشيعون الشهداء، ويزوجون الشباب، ويعمدون الأطفال، ويزورون المرضى والجرحى. وشددت الرسالة المفتوحة على أنه لولا تبرعات المغتربين من أبناء البلدتين لما تمكنوا من ترميم المباني المدمرة، ولا شراء السلاح للدفاع عن أنفسهم.
من جانبه، وصف طوني، وهو شاب سرياني من الحسكة متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» رؤساء الكنائس بـ«الموظفين». وقال: «من عقود ومسيحيو منطقة الجزيرة السريان، يهاجرون إلى أوروبا في السويد، والكنيسة لا تحرك ساكناً، وأنا هذه الأيام في طريقي إلى السويد مع إخوتي، بعد أن بعنا أرضنا وما نملك في الحسكة، لنهاجر. أين كان رؤساء الكنيسة في حينها؟ لماذا لم يقولوا لنا تشبثوا بالأرض؟».
مسيحيون يسألون رؤساء الكنائس في دمشق: أين كنتم طوال الحرب؟
ردود أفعال واسعة على بيانهم الاثنين الماضي
مسيحيون يسألون رؤساء الكنائس في دمشق: أين كنتم طوال الحرب؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة