«قزي آند أسطا» ثنائي يسبح ضد التيار للوصول إلى القمة

المصممان قزي وأسطا مع مجموعة من عارضاتهما
المصممان قزي وأسطا مع مجموعة من عارضاتهما
TT

«قزي آند أسطا» ثنائي يسبح ضد التيار للوصول إلى القمة

المصممان قزي وأسطا مع مجموعة من عارضاتهما
المصممان قزي وأسطا مع مجموعة من عارضاتهما

ليس من المبالغة القول إن المصممين اللبنانيين تألقوا طوال أسبوع الموضة الراقية لخريف وشتاء 2020 بباريس. من ربيع كيروز الذي احتفل بمرور 20 عاماً على تأسيس داره، إلى إيلي صعب الذي قدم تشكيلة تضج بترف الصين الإمبراطورية. وعلى ذكر هذا الأخير لا بد من ذكر جورج قزي وأسعد أسطا، وهما ثُنائي تخرجا في مدرسته.
يعترفان بجميله ودوره المهم، إلا أن كل ما قدماه إلى حد الآن يقول إنهما لا يريدان البقاء تحت «جلباب» عراب الموضة العربية إن صحت التسمية. بحسب كل ما قدماه إلى حد الآن، فقد رسما لنفسيهما خطاً مختلفاً تماماً من ناحية خطوطه الهندسية، التي يمكن القول إنها أقرب إلى أسلوب كريستيان ديور أو جون غاليانو منها إلى أسلوب إيلي صعب، كونه خط يميل إلى النحت وفنون الأوريغامي. يقول المصممان إنهما يعشقان السفر بخيالهما إلى أماكن وثقافات بعيدة، بدليل تشكيلتهما في الموسم الماضي، التي كانت رحلة مثيرة عبر طريق الحرير. هذه المرة، جاءت تشكيلتهما بعنوان «من خلال العدسة» كتحية لمصور الموضة الشهير، إيرفينغ بين. من صور التقطتها عدسته في الخمسينات استوحيا هذه التشكيلة، موضحان كيف أن «الطريقة التي التقط بها روح الكوتور والأزهار وغيرها في تلك الحقبة أبهرتنا». ترجمتهما لهذه الصور، ولهوليوود الذهبية، تجسدت في 24 تصميماً.
لم يكن عرضهما تقليدياً. اختارا في المقابل الجادة السابعة، معقل الأدباء والفنانين، ليستقبلا ضيوفهما على مدى يوم كامل. مجموعة من العارضات كن تتهادين بتصاميمهما على الحضور حتى يتمكن كل واحد منهم من رؤية التفاصيل الدقيقة عن قرب ومن كل الزوايا. وعلى جوانب القاعة، المكونة من طابقين، تراصت تصاميم أخرى لا تقل إبداعاً وتعقيداً من الناحية الفنية. كان واضحاً أن المصممين أرادا منها استعراض قدراتهما في هذا المجال.
كان كل تصميم يُلخص معنى الحرفية التي طبعت أزياء زمان، من خلال خطوط منحوتة تخاطب امرأة معاصرة تريد لفت الأنظار ليس لجمالها فحسب بل أيضاً لذوقها وتذوقها لكل ما هو فريد. ظهر كل هذا في تصاميم تتباين بين الأنثوي الفخم في الفساتين، وبين الخطوط الهندسية في سترات من الدانتيل وأخرى على شكل توكسيدو، فاحت منها رائحة ذكورية خفيفة.
كل ما في التشكيلة من تفاصيل، تُعطي الانطباع من بعيد أنها بفنية مبالغ فيها، لكن بالاقتراب منها، تكتشف أن لها دورا ما، وبأنها تتضمن بين ثنياتها جماليات، افتقدها عشاق الموضة منذ خروج جون غاليانو من دار «ديور»، وإن كنت تشعر بأن المصممين يرفضان هذا التشبيه، أو المقارنة. ففي حالهما، لم تكن طيات الأوريغامي بغرض منح التصميم حجماً أو مزيداً من الفخامة، بل كانت بمثابة أرضية لتفاصيل أخرى من التول، تختبئ بين ثنياتها تطريزات أو تجسيدات ثلاثية الأبعاد تشير إلى مدى اهتمامهما بالتفاصيل الدقيقة التي قد لا تراها العين المجردة إلا بعد لمسها والتمحيص فيها. هذا الأسلوب الذي تغلب عليه الهندسية والفنية يُصبح مفهوماً عندما نرجع إلى جذور وبيئة كل من جورج قزي وأسعد أوسطا. كانت جدة جورج خياطة وعنها ورث حب الموضة ومنها أيضاً تعلم الرسم وهو صغير. عندما شب، تطور هذا الشغف وتحول إلى شغف بالفن السريالي.
ما أبهره في هذه الحركة الفنية جمعها الحلم بالواقع. بيئة أسعد لم تختلف كثيراً، فقد فتح عينيه على والدته التي كانت تُفصل وتخيط أزياءها بنفسها لأن ما كانت تطرحه المحلات من ملابس جاهزة لم يكن يروق لها. كانت تقضي ساعات طويلة وهي تتفحص التفاصيل وتتأكد من كل شيء قبل أن ترضى عنها. في مرحلة الصبا، انجذب نحو الموسيقى الكلاسيكية وأفلام «النوار» المفعمة بالدراما والإثارة والتشويق. حاولا أن يوظفا هذه الميول في الموضة، وفي عام 2004 التحقا بمعهد «إسمود بيروت». تخرجا بتفوق الأمر الذي ضمن لهما العمل كمصممين مساعدين في «ميزون إيلي صعب». بعد 18 شهراً، قررا إطلاق دار «قزي آند أوسطا». كانت الصورة التي رسماها في ذهنيهما واضحة، تتمثل في صورة امرأة مثيرة وغامضة، مثل بطلات «الفيلم نوار»، وبالتالي تحن إلى العهد الذهبي لهوليوود. والأهم من هذا تُقدر الفن وتعشقه بكل جوارحها. لا يُنكران أنهما وضعاها لنفسيهما هدفاً كبيراً، قد يعتبره البعض تحديا في زمن تشهد فيه الموضة عدة تذبذبات ومنافسات، لكن حماسهما ورغبتهما في التميز هونا الأمر عليهما. حتى لا يدخلا في منافسة مع أحد، كان لا بد من ركوب موجة مختلفة وأن لا يكتفيا بالسهل، وكانت النتيجة إلى حد الآن تشكيلات تتحدى المتعارف عليه في العالم العربي وفي الوقت ذاته تلاعبه وتُخاطب جانبه التواق إلى التميز.



المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.