الهند تشدد قيودها في كشمير تحسباً لاحتجاجات الأضحى

عمران خان يزور الإقليم هذا الأسبوع مع تصاعد التوتر

انتشار أمني في شوارع سريناغار أمس (أ.ف.ب)
انتشار أمني في شوارع سريناغار أمس (أ.ف.ب)
TT

الهند تشدد قيودها في كشمير تحسباً لاحتجاجات الأضحى

انتشار أمني في شوارع سريناغار أمس (أ.ف.ب)
انتشار أمني في شوارع سريناغار أمس (أ.ف.ب)

فرضت القوات الهندية في كشمير قيوداً أمنية مشددةً على مساجد المنطقة تحسّباً لأي «تحركات» قد تترافق مع احتفالات عيد الأضحى أمس، ولقطع الطريق على قيام احتجاجات ضد الحكومة على خلفية إلغاء الحكم الذاتي في الإقليم ذي الغالبية المسلمة، حسبما أفاد سكان.
وأمرت القوات الهندية بإغلاق جامع «مسجد»، أكبر مساجد المنطقة الواقعة في جبال الهيمالايا، وسُمح لأبناء المنطقة بالصلاة في مساجد محلية أصغر لتفادي قيام تجمّعات كبيرة، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن شهود.
وتفرض حكومة نيودلهي برئاسة نادريندرا مودي القومي الهندوسي منذ ثمانية أيام إجراءات أمنية مشددة في الشطر الهندي من كشمير، لقمع أي ردود فعل معارضة لإخضاع المنطقة لسلطتها المركزية. وقطعت السلطات الهندية شبكات الهاتف والإنترنت عن المنطقة، ونشرت عشرات آلاف الجنود في سريناغار كبرى مدن الإقليم وغيرها من قرى وبلدات وادي كشمير.
كانت السلطات قد خفّفت، الأحد، قيودها الأمنية من أجل السماح لسكان المنطقة بشراء المواد الغذائية ولوازم العيد.
لكنّها عادت وشدّدتها بعد قيام احتجاجات متفرّقة شارك فيها مئات الأشخاص، حسبما أفاد السكان. وليل الأحد، سيّرت الشرطة دوريات في الشوارع ودعت السكان للبقاء في منازلهم.
وقال شناواز شاه المقيم في المنطقة لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا يمكنني أن أصدّق أنّهم يجبروننا على البقاء في منازلنا في هذا العيد. إنه عيد الفرح والسعادة».
وشدد قائد شرطة كشمير ديلباغ سينغ على أن السلام يعم المنطقة على الرغم من الاحتجاجات، وقال إن «حادثة واحدة في وسط مدينة سريناغار ليست معياراً للوضع في الوادي بأكمله أو الإقليم». وقال السكان إن خوفهم من الإجراءات الأمنية المشددة منعهم من الاحتفال بالعيد.
وفي سوق سريناغار، أكد تاجر أغنام عرّف عن نفسه باسم مقبول، أن شراء الأضاحي شهد تراجعاً حاداً هذا العام وقد تكبّد «خسارة كبيرة» بعدما حقّق العام الماضي «أرباحاً طائلة». وشارك الآلاف عقب صلاة الجمعة في مظاهرة فرّقتها قوات الأمن بواسطة الغاز المسيل للدموع وطلقات الخردق. لكن السلطات نفت قيام أي تحرّك احتجاجي.
والأسبوع الماضي، شدّد مودي على أن قرار إلغاء الحكم الذاتي لكشمير كان ضرورياً لتنمية اقتصاد الإقليم ووضع حد لـ«الإرهاب» وإرساء السلام والازدهار في المنطقة التي تشهد منذ عقود تمرّداً على سلطات نيودلهي أوقع عشرات آلاف القتلى.
ولاقى إلغاء الحكم الذاتي لكشمير تأييداً واسع النطاق في الهند. لكن قادة كشمير حذّروا من أن إلغاء الحكم الذاتي لمنطقتهم يهدد بمزيد من التأزم.
واعتُقل العديد من القادة السياسيين في كشمير، وأفادت وسائل إعلام هندية بأن بعضهم نُقل إلى مراكز توقيف خارج الإقليم. وأثارت خطوة الهند غضب باكستان التي تتنازع معها السيادة على كشمير المقسومة إلى شطرين؛ هندي وباكستاني، منذ استقلال البلدين في عام 1947 وخاض البلدان حربين للسيطرة على هذا الإقليم.
والأحد، أطلق رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، سلسلة تغريدات شبّه فيها الإجراءات الهندية في كشمير بالتكتيكات النازية.
وجاء في إحدى هذه التغريدات أن «آيديولوجية تفوّق الهندوس مشابهة لآيديولوجية تفوّق العرق الآري النازية، وهي لن تتوقف» في كشمير.
ووصف خان الخطوة في كشمير بأنها «النسخة الهندوسية من المجال الحيوي لهتلر»، معتبراً أنها ستؤدي إلى «قمع المسلمين في الهند وستُفضي فيما بعد إلى استهداف باكستان». و«المجال الحيوي» مصطلح نازي يُقصد به المناطق المحيطة بألمانيا النازية والتي كان هتلر يرى أن السيطرة عليها ضرورة حيوية لتأمين بقاء ألمانيا النازية وضمان رخائها الاقتصادي.
وقال مسؤولون إن خان سيزور هذا الأسبوع الشطر الباكستاني من كشمير تضامناً مع سكانه المسلمين.
واحتجاجاً على إلغاء نيودلهي الحكم الذاتي لكشمير، طردت باكستان سفير الهند وعلّقت التبادلات التجارية معها كما خدمات النقل عبر الحدود. وانسحب التوتر في كشمير إلى منطقة لاداخ الجبلية، حيث قال ناشط محلي إن العشرات شاركوا، الخميس والجمعة والسبت، في مظاهرات أصيب خلالها عشرة أشخاص على الأقل جراء استخدام قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق المتظاهرين.
وقال مودي الأسبوع الماضي، إن فرص العمل ستزداد في كشمير بعد أن أصبحت جزءاً من الاتحاد الهندي، وسيتراجع الفساد والتعقيدات البيروقراطية كما سيشهد الإقليم مشاريع بنى تحتية كبرى. وكان الكشميريون يتمتّعون في ظل الحكم الذاتي للإقليم بامتيازات تخوّلهم دون سواهم شراء العقارات في المنطقة وتولي الوظائف الحكومية والحصول على المنح الجامعية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟