صعّدت موسكو لهجتها حيال ما وصفته بأنه «محاولات غربية متزايدة للتدخل في الشؤون الداخلية لروسيا»، وتزامن استدعاء دبلوماسيين غربيين إلى وزارة الخارجية الروسية لتسليمهم مذكرات احتجاج على «نشاطات لدعم المظاهرات غير القانونية»، مع تشديد دوائر الرقابة من تدابير رصد ومتابعة تغطيات وسائل الإعلام الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي لتطورات التحركات الاحتجاجية، التي تصاعدت وتائرها في روسيا في الأسابيع الأخيرة، وركزت حملاتها تحت شعار «من أجل انتخابات حرة».
وانتقلت السجالات في روسيا حول حركة الاحتجاجات المتواصلة في موسكو وعدد من المدن الأخرى، من اتهامات لأطراف في الداخل بإثارة الفوضى، إلى توجيه أصابع الاتهام إلى «جهات خارجية تسعى إلى تشويه سمعة روسيا ومحاولة زعزعة الوضع فيها».
وكانت التحركات الاحتجاجية بدأت قبل نحو شهرين على خلفية رفض لجنة الانتخابات المركزية في مدينة موسكو قبول أوراق ترشيح 12 مرشحاً مستقلاً لانتخابات مجلس المدينة المقررة الشهر المقبل. ورأت المعارضة أن حرمان كل ممثليها من خوض المنافسة، يؤسس لتكرار السيناريو ذاته في الانتخابات العامة في روسيا، ودعت أنصارها إلى النزول إلى الشارع احتجاجاً على قرار لجنة الانتخابات. لكن التحرك قوبل بحملات اعتقال واسعة؛ ما أسفر عن تصعيد نشاط المعارضة وإعلانها عن تجمعات احتجاجية في نهاية كل أسبوع بهدف الضغط على لجنة الانتخابات المركزية. وجرت أوسع الاحتجاجات السبت الماضي في موسكو وعدد من المدن الأخرى. ووفقاً للمعارضة، فقد تجمع نحو 60 ألف شخص في العاصمة الروسية، ولوحوا بتصعيد نشاطهم في الأسابيع المقبلة.
وبالتزامن مع مساعي التضييق الداخلي على وسائل التواصل الاجتماعي، عبّر إعلان تدابير لمعاقبة من يثبت تورطه في القيام بنشاطات ترويجية تهدف إلى «الدعوة لتنظيم أعمال احتجاجية من دون ترخيص رسمي»، فإن الأنظار تركزت في اليومين الأخيرين على اتهام أطراف خارجية باستخدام الحدث الداخلي لزعزعة الأوضاع في البلاد. وأعلن مجلس الفيدرالية (الشيوخ) الروسي، أمس، توجهه إلى استدعاء سفراء بلدان أجنبية في موسكو لـ«يقدموا توضيحاً بشأن نشر سفارات بلادهم معلومات تتعلق بالاحتجاجات الأخيرة في موسكو يمكن اعتبارها تدخلاً في شؤون روسيا الداخلية».
وقالت ليودميلا بوكوفا، وهي عضو في لجنة حماية سيادة الدولة، في مجلس الشيوخ، إن اللجنة «تخطط لدعوة هؤلاء السفراء لحضور اجتماع لها سيعقد في مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، لمساءلتهم».
وأوضحت البرلمانية الروسية، أن السلطات المختصة رصدت «ظهور منشورات تضمنت وصفاً مفصلاً لمسارات المظاهرات الاحتجاجية التي جرت في موسكو، قبل انطلاقها، على عدد من الصفحات الإلكترونية التابعة لسفارات بلدان أجنبية».
وزادت أن أعضاء اللجنة يريدون الحصول من السفراء المدعوين على توضيحات بشأن سبب وغرض نشر تلك المعلومات، ولمعرفة ما إذا كانت «تحذيرات موجهة إلى رعايا تلك البلدان أم دعوات للتحريض على خلق الفوضى في روسيا وزعزعة الاستقرار».
وأشارت بوكوفا إلى أن محتوى المنشورات يمكن وصفه بأنه تدخل في شؤون روسيا الداخلية، وتحديداً في العمليات الانتخابية في البلاد، وزادت أن لجنة السيادة في البرلمان «تود بحث هذا الوضع مع سفراء تلك البلدان، وعلى رأسها الولايات المتحدة».
وكانت الخارجية الروسية استبقت التحرك باستدعاء مستشار السفارة الأميركية لدى موسكو، تيم ريتشاردسون، على خلفية نشر إدارة الشؤون القنصلية التابعة للخارجية الأميركية على حسابها في «تويتر» خريطة تظهر مسارات مظاهرات الاحتجاج، التي شهدتها موسكو خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية. وشددت الوزارة في بيان أصدرته بعد الاستدعاء على «احتجاج شديد اللهجة» على تصرف الإدارة القنصلية الأميركية.
وأكدت الخارجية الروسية أنها تعتبر نشر الجانب الأميركي هذه الخريطة تحريضاً للمواطنين على المشاركة في الحملة؛ ما يمثل، وفقاً لبيان الوزارة، محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية لروسيا.
وأعربت الخارجية الروسية عن احتجاج مماثل لدى استدعاء القائمة المؤقتة بأعمال السفارة الألمانية في موسكو، بياتا غجيسكي، التي تسلمت مذكرة رسمية، أفردت حيزاً لإدانة «التغطية المنحازة لشبكة (دويتشه فيله) الألمانية للمظاهرات الاحتجاجية في موسكو».
وفي وقت لاحق، حمّلت الخارجية الروسية الشبكة الإخبارية الألمانية المسؤولية عن نشر دعوات مباشرة في مواقع التواصل الاجتماعي لسكان موسكو للمشاركة في التجمعات غير المرخص بها، مشددة على أن هذا السلوك يخالف القواعد الصحافية ويمثل محاولة للتدخل في شؤون البلاد الداخلية.
ومع لفت الأنظار إلى تشديد الرقابة على تغطيات وسائل الإعلام الأجنبية للأعمال الاحتجاجية في موسكو، أطلقت السلطات المختصة في روسيا إجراءات لمواجهة آليات تعامل شبكات التواصل الاجتماعي، وقنوات البث عبر شبكة «يوتيوب» مع الدعوات التي تنشرها المعارضة للمشاركة في نشاطاتها. وأعلنت لجنة الدفاع عن السيادة أن «يوتيوب» بدأت بحجب مقاطع الفيديو الرسمية التي تظهر جوانب من الفعاليات الاحتجاجية «لا تتفق مع ما أوردته وسائل الإعلام الغربية».
وأفاد بيان أصدرته «مجموعة العمل» التي شكلتها اللجنة لمتابعة هذا الملف، بأن «المنظمات والمؤسسات الأميركية، وكذلك مواطنو الولايات المتحدة وحلفائها يتدخلون بنشاط في الحملات الانتخابية الروسية، وذلك على خلفية اتهامات ومزاعم غير مبررة موجهة إلى روسيا حول ما يسمى تدخلها في الشؤون السياسية لتلك البلدان».
ولفت البيان إلى أن روسيا تواجه «حرباً إعلامية» من خلال الضغط على الشبكات الكبرى، وبينها «يوتيوب» لـ«حجب المعلومات الرسمية الروسية والتركيز على المعطيات التي تقدمها الأطراف الغربية». وأشار رئيس اللجنة، أندريه كليموف، إلى أن عملية حجب المعلومات الروسية «لا تجري أوتوماتيكياً، بل عمداً من قبل مسؤول أوكل بتنفيذ تلك المهمة».
وكان كليموف أعلن في وقت سابق، أن لجنته «سجلت أدلة على التدخل الأجنبي في المظاهرات غير الشرعية». وأنه «تم تأكيد هذا الأمر في نشرات الأخبار التي بثتها وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية، وغيرها من وسائل الإعلام الموالية للغرب التي تقدمت بتفسير منحاز للمظاهرات».
وطالبت لجنة الرقابة الروسية على المصنفات في بيان نشرته أمس، إدارة «يوتيوب» بـ«الكف عن الترويج للمظاهرات غير الشرعية وغير المنسقة مع السلطات». ووجهت اللجنة رسالة بهذا الخصوص إلى شركة «غوغل» التي تعتبر المالك الفعلي لـ«يوتيوب».
وقالت لجنة الرقابة، إن لديها معطيات «تؤكد أن بعض المنظمات والقنوات التلفزيونية تنشر معلومات عن المظاهرات غير الشرعية الرامية إلى إحباط الانتخابات الفيدرالية والمحلية». وأشارت لجنة الرقابة إلى أن تلك المواد الدعائية يتلقاها أشخاص غير مشتركين في القنوات، ما يثبت التوجه نحو إطلاق حملة واسعة تهدف إلى زعزعة الوضع في روسيا.
وحذرت لجنة الرقابة شركة «غوغل» من التدخل في الشؤون الداخلية الروسية وعرقلة عملية الانتخابات الديمقراطية عن طريق «التأثير العدائي». وأعلنت أنها ستضطر إلى اتخاذ خطوات مناسبة في حال رفض «غوغل» اتخاذ إجراءات للحيلولة دون نشر «دعايات غير شرعية».
إلى ذلك، أعلن أمس، أن عدداً من نواب بلدية موسكو قدموا طلباً جديداً للحصول على ترخيص لتنظيم اعتصام واسع جديد السبت المقبل. ونقلت وكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية المستقلة عن أحد مقدمي الطلب، أن الفعالية ستأخذ شكل «مسيرة واسعة على طول الخط الدائري الذي يحيط بوسط العاصمة الروسية»، مرجحاً أن يشارك عشرات الآلاف من المحتجين في الفعالية، وقالت إيلينا فيلين، وهي واحدة من المبادرين لتنظيم الفعاليات الجديدة، إن «أعمال الاحتجاج سوف تتواصل حتى تقر لجنة الانتخابات المركزية بخطأ حرمان ممثلي المعارضة، وإذا لم يحدث ذلك سوف نعلن عدم اعترافنا بالانتخابات ونتائجها».
وكانت المعارضة قدمت في أوقات سابقة طلبات للحصول على ترخيص بتنظيم الاعتصامات، وفي المرات التي قوبلت فيها الطلبات بالرفض نزل المتظاهرون إلى الشوارع من دون الترخيص؛ ما أثار حملات أمنية ضدهم.
في غضون ذلك، أعلن الحزب الشيوعي الروسي، أنه سينظم بدوره تجمعاً احتجاجياً في إطار التحركات التي رفعت شعار «من أجل انتخابات حرة»، لكنه أكد في الوقت ذاته أن نشاطه سوف يكون «مستقلاً»، وأنه «لن ينضم إلى الدعوات التي تطلقها المعارضة غير الممثلة في البرلمان للنزول إلى الشارع».
موسكو قلقة من محاولات الغرب التأثير في الوضع الداخلي
البرلمان ينوي «مساءلة» سفراء أجانب بسبب «دعم الاحتجاجات»
موسكو قلقة من محاولات الغرب التأثير في الوضع الداخلي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة