الروائي أحمد عبد اللطيف: المعري ودانتي وبورخيس وطه حسين يعيشون بداخلي كأفراد من عائلتي

العمى كان موجوداً في محيط عائلته منذ أن أدرك الحياة

أحمد عبد اللطيف
أحمد عبد اللطيف
TT

الروائي أحمد عبد اللطيف: المعري ودانتي وبورخيس وطه حسين يعيشون بداخلي كأفراد من عائلتي

أحمد عبد اللطيف
أحمد عبد اللطيف

يهدي الكاتب المترجم المصري أحمد عبد اللطيف روايته الأخيرة «سيقان تعرف وحدها مواعيد الخروج»، الصادرة حديثاً عن دار «العين»، لوالدته لأنها «تُبصر ما لا يُرى»، مستحضراً في فضائها الأسطوري أبا العلاء المعري وطه حسين ودانتي وبورخيس.
لماذا هؤلاء بالذات؟
هنا حوار معه حول روايته الجديدة، ومعالجته للعلاقة بين العمى والبصيرة، ومبرره الفني في استحضار كل هذه الشخوص.
> في الرواية معالجة فنية لفكرتي «البصر والبصيرة، والرؤية والمحجوب»... حدثنا عن هذه الثنائية، وتأثيرها عليك.
- العمى كان موجوداً في محيط العائلة منذ أدركت الحياة. في البداية، كان لي خال أعمى، يزورنا باستمرار مع ابنه الذي يماثلني في العمر. أتذكر أني كنت في الخامسة أو السادسة عندما لاحظت عماه، وعينيه الشاردتين اللتين لا تنظران لي بينما يحدثني. كانت عيناه واسعتين سوداوين لدرجة لا يمكن معها تخيل عماه، وأنا لم أكن أفهم ما معنى أن تكون عيناه كذلك من دون أن يبصر. في أوقات كثيرة، كنت أعطيه كتاباً ليقرأ؛ كنت أود أن أثبت لي وله ولهم أنه يرى كما أتصور، فكان يرد الكتاب إليّ ويطلب مني أن أتهجى له الكلمات، فكنت أفعل وكان ينطقها. خالي أصابه العمى في حرب 67، ونجا بحياته بمعجزة. خرج من بيته مبصراً، وعاد كفيفاً يجره رجل لا نعرفه. وفي عام 78، ولدت أنا وكان العمى قد استقر، وتكيف هو معه. هذا الرجل حيرني كثيراً بعينيه الخاليتين من البصر، مع قدرته الفائقة على البصيرة، على التوقع والتنبؤ، على الحكمة. ثم مع مرور السنوات، لم يتبقَ لديّ إلا أثر الذكرى، ذكرى تجددت في السنوات الأخيرة حين صارت أمي شبه عمياء، ترى العالم بقلبها من وراء حاجز أحاول اختراقه. وبين خالي وأمي، ملأت هذه السنوات شخصيات حملت لها كثيراً من الود والتقدير. ففي مراهقتي، اهتممت بـطه حسين، بمشروعه الفكري وسيرته الذاتية، حتى غدا بالنسبة لي فرداً من العائلة، ثم انضم للعائلة نفسها بورخيس وأبو العلاء المعري. لذلك، فالرواية انطلقت من سؤال شخصي مؤرق ظل يتراكم عبر سنوات طويلة، وأخيراً وجد نافذة له في رواية «سيقان تعرف وحدها مواعيد الخروج».
> تتكئ على عالم من الرمزية والميثولوجيا كما تستلهم رحلات ثرية من الموروث الأدبي... كيف صنعت هذا التوازن بين الواقعي والخيالي في إطار مشروعك الأدبي؟
- الواقع بالطبع هو الأرض التي أنطلق منها، ويمكن أن يعود إليها النص، لأن الكتابة مهما كان شكلها أو تيارها تطرح أسئلة الواقع، غير أن الواقع ليس فحسب الأحداث اليومية الملموسة التي نراها جميعاً، فالأحلام واقع، وأحلام اليقظة واقع، والمخاوف التي تسكننا واقع، والذكريات التي انتهت من الواقع وباتت تشغل ذاكرتنا واقع. أريد أن أقول إن الواقع متسع لا حدود له، يدخل فيه قراءاتنا نفسها التي تشكل وجداننا. أفكر أحياناً أنني أكتب وأنا أحاكي حركة العقل نفسها، أحاول رصد ما يمر بهذا العقل في وقت واحد. بينما أنا أتحدث معكِ الآن، يمر بخاطري صديق طفولتي الذي مات منذ عشر سنوات وأنا لا أصدق بعد، ويمر بخاطري لقاء عابر مع شخص ترك فيّ أثراً طيباً، وأتذكر عبارة قالتها لي أمي في مكالمتنا الأخيرة، وتطل عليّ ذكرى حب فائت، وأفكر في كتاب أود قراءته هذا الأسبوع، وأشرد في إيميلات تلقيتها ولم أرد عليها بعد. كل هذا يحدث في الوقت نفسه أو بالتتابع وأنا أتكلم معكِ عن روايتي الجديدة؛ وكل هذا أسميه حركة العقل. هذه الصيغة التي يعمل بها عقلي هي التي أكتب بها وأشيد عالمي السردي. ربما يكون ذلك جواباً عن سؤالك عن تداخل كل هذه العناصر في كتابتي.
> الرواية مُوزعة على مساحات زمنية شاسعة وأبطال لم يلتقوا وحدث يعبر بين بطلين من زمنين... هل ثمة تخطيط سردي مسبق لهذه القماشة؟
- أخطط ولا أخطط في الوقت نفسه. تفصيلاً، لا أبدأ في الكتابة أبداً قبل أن يتكوّن العالم السردي في ذهني، وتتكوّن الشخصيات، وتتحرك بملامح أراها أمام عيني، حينها تتوالى المشاهد على ذهني واحداً تلو الآخر، وفي لحظة أشعر أن كل شيء قد نضج وحان وقت الكتابة. هذه العملية قد تستغرق شهوراً أو سنين، أما الكتابة نفسها فلا أجد فيها أي صعوبة، فأنا أكتب كما أتمشى، وكما أشاهد فيلماً، بهذا القدر من الاستمتاع والتأمل. والحقيقة أني لا أتعامل مع الكتابة كموظف يجلس إلى مكتبه في انتظارها، الكتابة مهنة تحب من يعرض عنها، وكلما أعرضت جاءتك بلهفة. أتذكر مقولة لخوليو كورتاثر يشير فيها إلى أنه يعامل حبيبته كما القطط، يتركها تلهو وتلعب وتغيب وتفعل كل ما يحلو لها، وحين تعود يعانقها ويلعب معها ويضعها في حجره ويربت عليها. هذا ما أفعله مع الكتابة، وأنا على يقين أنها مهما غابت ستعود لأنها تعرف مقدار حبي لها ورعايتي.
> أبو العلاء المعري ودانتي وبورخيس وطه حسين جمعت شتاتهم في مواقف روائية ومشهدية وتسرب حضورهم بين السرد و«كتاب الأحلام»... حدثنا عن هذه التوليفة.
- في بداية تكوين العالم السردي في ذهني، انتبهت إلى أن العمل سيكون له صلة برسالة الغفران؛ ثمة مشتركات في سؤال العمى والرحلة والكشف. حينها قرأت عمل أبو العلاء، وتبعته بقراءة «الكوميديا الإلهية» لـدانتي. الفكرة كانت الاستغراق في رحلة ينتهي بها المطاف في مكان كاشف، يعري الحقائق، وشخصيات قد خاضت هذه الرحلة من قبل. وأبو العلاء وطه وبورخيس لكونهم عمياناً فقد خاضوها، ودانتي لكونه كتب عملاً متأثراً برسالة الغفران، فقد خاضها مثلهم. هذه الشخصيات قد تبدو متباعدة في النظرة الأولى، لكنهم جميعاً متقاربون، إنهم حلقات في سلسلة واحدة، إنهم يعيشون بداخلي منذ سنوات كأفراد من عائلتي، ولم أشعر أبداً بأي تنافر بينهم. الفروق الزمنية لا معنى لها، لأننا حين نموت ونجتمع في مكان واحد، سنجتمع جميعاً من كل الأزمنة. الذاكرة أيضاً لا تؤمن بالحدود الزمنية.
>عبرت إلى الأسطورة والتاريخ المنسي وشيدت مدينة تحت الأرض... هل كانت هذه أدواتك للتحدث عن الحاضر؟
- أظن أن كل كاتب ابن لعصره ولواقعه ولسياقه الثقافي والتاريخي، وأننا حين نكتب، نكتب من داخل هذه الأطر، ومن أجلها. الفروقات ربما بين كاتب وآخر تكمن في تصورات كل منهم عن الفن، عما ينبغي أن تكون عليه الرواية. وفي تصوري، الرواية فن في المقام الأول، فلا يجب أن تكون بحثاً اجتماعياً ولا تحليلاً سياسياً ولا لافتة لآيديولوجيات. وداخل الإطار العام لكلمة «فن»، يصح للرواية أن تقدم طروحاتها، وأن تغامر. وبمناسبة المغامرة، لا أمل للرواية العربية إلا في التجريب. التجريب، المضاد للتقليدية والنماذج الجاهزة، هو الأفق الذي ينبغي أن نثقبه بأيدينا لنكتب نصوصاً جديرة بالقراءة والبقاء. أما فخ المباشرة فهو يتنافى مع فكرة الفن بالأساس، فالفن هو المجاز، هو الإيحاء، هو القدرة على فتح أفق من التأويلات للقارئ. والحاضر، حتى لو بدا تجنبي له، هو سؤالي الملّح، وأسعى لتكوين تصور عنه عبر التاريخ والتراث والتخيل.
> في الرواية بشر يتحولون إلى تماثيل شمعية في مشهد رمزي جديد يذكرنا بثنائية البشر والحجر في أعمالك «حصن التراب» و«كتاب النحات»... هل هذا ولع شخصي بفكرة النحت؟
- ذات مرة، اصطحبني صديق وجار، كان صديقي منذ مولدي حتى رحل عن العالم منذ عشر سنوات، إلى بيته. كان بيته يتكون من ثلاثة أدوار، والدور الثالث كان تحت الإنشاء، ليس به إلا لمبة واحدة موصلة بسلك، وتحت اللمبة وجدت كنزاً ما زلت إلى الآن مسحوراً به: تماثيل كثيرة جداً، بأحجام صغيرة، مصنوعة من الطين والصلصال، وبعضها من الحجارة. كانت التماثيل من صنع أخيه الذي كان يكبرنا بعدة سنوات قليلة. كنت أنا في الثامنة أو التاسعة، وصديقي من عمري نفسه، وأخوه في بداية المراهقة. الأثر الأول لهذه الزيارة لا يزال مطبوعاً في قلبي، إذ من دون استئذان أو سؤال، من دون أن أنطق بكلمة، مددت يدي إلى التماثيل، وكان بعضها لا يزال رطباً، وشعرت برغبة ملحة في صنع تماثيل شبيهة. كانت المواد الخام البسيطة موجودة، فبدأت في اللعب، ولم تكن النتيجة سيئة. لسنوات كانت لعبتي صناعة تماثيل صغيرة، ربما لذلك لا تغيب فكرة النحت عن كتابتي، بداية من «صانع المفاتيح» حتى «سيقان تعرف»، لكنها مع الوقت تتطور في اتجاه ما.
> في أعمالك ثمة رغبة في الانتصار لأصحاب الحقوق المسلوبة أو الحكايات التي لم تكتمل... كيف ترى ذلك؟
- أظن أن المنتصرين في الحياة لا يكتبون، ولا يصح أن نكتب عنهم إلا جانبهم المظلم والمهزوم. كيف يمكن مثلاً أن نكتب عن السعداء؟ التعاسة والبؤس والهزيمة مواد الكتابة الخام، والحزن هو أرق المشاعر الإنسانية، وما يستحق أن نسجله. هذه المشاعر، هذا الضعف، هذا السلب والوجع الذي نعيشه، هو ما يساعدنا على فهم الحياة، وبالتالي إنتاج إبداع يقارب هذا الفهم ويجسّده. أعترف لكِ أن شرف الكتابة يكمن في الانحياز للمهزوم، في تصوير الهشاشة البشرية.
> ما الذي يشغلك وأنت تكتب روايتك الجديدة؟
- كل رواية جديدة هي رواية أولى لكاتبها، وبالتالي أدخل إليها بمشاعر الحماس والخوف والتأمل نفسها، ولا يشغلني إلا كتابتها بالطريقة التي تروق لي، مستجيباً للإلهام. لا أتوقع كيف سيتلقاها القارئ، ولا أعرف إن كانت ستلقى حفاوة نقدية، ولا أتطلع أن تكون رواية العام. أصدق أن الكتابة لا تحب من يبتغي من ورائها شيئاً، وأنها تغدق على محبيها المخلصين. هذا ما يشغلني دائماً فيما يخص الكتابة.



بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
TT

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)

يهتزّ منزل بيونسيه على وقع الفضيحة التي تلاحق زوجها جاي زي. هو متهمٌ من قِبَل سيّدة باعتداءٍ مشتركٍ عليها، تورّطَ فيه وزميله شون ديدي عام 2000.

لكن رغم الرياح التي تعصف بالبيت الزوجيّ، وهي ليست الأولى في العلاقة المستمرة منذ 27 عاماً، فإنّ الفنانة الأميركية حرصت على الظهور مبتسمةً إلى جانب زوجها قبل أيام، وذلك في العرض الأول لفيلم «Mufasa - Lion King». جاءت الابتسامة العريضة على شرف ابنتهما بلو آيفي، التي تخوض تجربتها السينمائية الأولى.

بيونسيه تتوسّط زوجها جاي زي وابنتها بلو آيفي في العرض الأول لفيلم «موفاسا» (إ.ب.أ)

النجمة رقم 35 على قائمة «فوربس»

واجهت بيونسيه تحدياتٍ كثيرة في كلٍ من حياتها الخاصة ومسيرتها المهنية، وقد لعب ذلك دوراً في تكوين شخصيةٍ صلبة لديها. لم يأتِ اختيارُها من بين أقوى 100 امرأة لعام 2024 عبَثاً من قِبَل مجلّة «فوربس»، وهي ليست المرة الأولى التي تخترق فيها المغنية البالغة 43 عاماً، قوائمَ تتصدّرها رئيسات جمهورية ورائدات أعمال.

احتلّت بيونسيه المرتبة الـ35 في قائمة «فوربس» السنوية، التي تصدّرتها رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تليها كلٌ من رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ورئيسة إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيسة المكسيك كلوديا شينباوم. أما من بين زميلاتها المغنّيات فقد سبقتها تايلور سويفت إلى المرتبة 23، فيما حلّت ريهانا في المرتبة الـ76.

800 مليون دولار و32 «غرامي»

تختار فوربس نجمات قائمتها بناءً على 4 معايير، هي الثروة، والحضور الإعلامي، والتأثير الاجتماعي، ومجالات السلطة. وتبدو بيونسيه مطابقة للمواصفات كلّها، بما أنّ ثروتها تخطّت الـ800 مليون دولار، وهي في طليعة الفنانات ذات الأثر السياسي والثقافي والاجتماعي.

إلى جانب كونها إحدى أكثر المشاهير ثراءً، تُوّجت بيونسيه بأكبر عدد من جوائز «غرامي» محطّمةً الرقم القياسي بحصولها على 32 منها خلال مسيرتها. وهي لم تكتفِ بلقب فنانة، بل إنها رائدة أعمال أطلقت شركاتها وعلاماتها التجارية الخاصة على مرّ السنوات. تذكر «فوربس» أن مصدر ثروتها الأساسي هو الموسيقى، إلى جانب مبادراتها الفرديّة، وتلفت إلى أنّ بيونسيه صنعت نفسها بنفسها، مع العلم بأنها لم تتابع أي اختصاص جامعيّ، بل تركت المدرسة قبل التخرّج فيها.

حطّمت بيونسيه الرقم القياسي بحصولها على 32 جائزة «غرامي» حتى عام 2023 (أ.ب)

طفلة القدَر

جاء العِلمُ في حياة بيونسيه على هيئة والدةٍ بدأت مصفّفةَ شَعر ثم فتحت صالونها الخاص، وعلى هيئة والدٍ كان يعمل مدير مبيعات في إحدى الشركات، قبل أن يصبح مدير أعمال ابنته. منهما تلمّست المنطق التجاري.

أما فنياً، فقد لمع نجمُها للمرة الأولى في مسابقةٍ مدرسيّة، عندما غنّت وهي في السابعة لتتفوّق على مَن هم في الـ15 والـ16 من العمر. فما كان من والدها سوى أن يترك وظيفته ويتفرّغ لإدارة أعمالها والفريق الغنائي الذي انضمّت إليه في الثامنة من عمرها، والمكوَّن من فتياتٍ صغيرات. تحوّل الفريق ذاتُه عام 1996 إلى «Destiny’s Child» (طفل القدَر)، لتنطلق معه رحلة بيونسيه نحو العالميّة.

فريق Destiny’s Child الذي انطلقت منه بيونسيه عام 1996 (فيسبوك)

صنعت الليموناضة

بعد انفصال الفريق، لم تتأخر بيونسيه في استئناف رحلتها الفنية منفردةً، فخاضت التمثيل والغناء. إلا أن تلك الرحلة لم تكن اعتياديّة، إذ سرعان ما ارتفعت أسهُمُها وبدأت تُراكِم الإصدارات، والحفلات، والجولات العالمية، والأدوار السينمائية، والجوائز، والألقاب.

لم يحصل ذلك بالصُدفة، بل بكثيرٍ من المثابرة. عندما طُلب منها مرةً أن تفسّر نجاحها غير المسبوق، أجابت بيونسيه: «صحيحٌ أنني مُنحت الليمون، لكنّي صنعت الليموناضة». يُنقل عمّن يواكبون تحضيراتها من كثب، أنها تُشرف على كل تفصيلٍ متعلّقٍ بألبوماتها وحفلاتها، هذا إلى جانب انخراطها المباشر في عمليّة التأليف والتصميم. تشهد على ذلك جولتها العالمية الأخيرة Renaissance والتي تحوّلت إلى ظاهرة اقتصادية.

هذا فنياً، أما نفسياً فلم يكن صعود بيونسيه الصاروخيّ مهمة سهلة. كان عليها مصارعة خجلها وشخصيتها الانطوائيّة لسنوات عدة، لكنها استلهمت تجارب نجماتٍ سبقنها. تقول إنها تأثرت بمادونا، ليس كأيقونة موسيقية فحسب، بل كسيّدة أعمال كذلك؛ «أردت أن أسير على خطاها وأن أبني إمبراطوريتي الخاصة».

تذكر بيونسيه مادونا من بين السيّدات اللواتي ألهمنها (فيسبوك)

صوت المرأة

لا تخترق بيونسيه عبثاً قوائم تضمّ أفضل رئيسات مجالس الإدارة، ومديرات الشركات الناجحة، فهي أثبتت أنها سيدة أعمال متفوّقة. أسست شركة الإنتاج الخاصة بها عام 2010 تحت اسم Parkwood Entertainment، وهي تقدّم مروحة واسعة من الخدمات في قطاع الترفيه؛ من إنتاج الأفلام، والموسيقى، والبرامج التلفزيونية، وصولاً إلى إدارة أعمال الفنانين، والتسويق، والتصميم الإلكتروني.

وفي عام 2024، أطلقت مستحضر Cecred للعناية بالشَعر، في تحيّةٍ إلى والدتها الحلّاقة، وفي استكمالٍ لمشاريعها التجاريّة.

بيونسيه ووالدتها تينا نولز (رويترز)

وظّفت بيونسيه نفوذها الفني والمالي في خدمة قضايا اجتماعية وإنسانية تؤمن بها. منذ أولى سنوات انطلاقتها الموسيقية، ناصرت قضايا النساء من خلال كلمات أغاني Destiny’s Child وأغانيها الخاصة لاحقاً. عام 2011، تحوّلت أغنية «Who Run The World? Girls» (مَن يحكم العالم؟ الفتيات) إلى نشيدٍ تردّده النساء حول العالم.

إلّا أنّ الأمر لم يقتصر على الكلام والألحان، بل امتدّ إلى الأفعال. عبر مؤسستها الخيريّة Bey GOOD، تدعم بيونسيه تعليم الفتيات من خلال تأمين الأقساط المدرسية لهنّ. وعبر تلك المؤسسة وحضورها على المنابر العالمية، تحمل بيونسيه لواء المساواة بين الجنسَين.

تحمل بيونسيه قضية تمكين المرأة من خلال أغانيها وأنشطتها الاجتماعية (فيسبوك)

تهمةٌ تهزّ عرش «الملكة بي»؟

تُعَدّ بيونسيه اليوم من أجمل سيّدات العالم، إلّا أنّ ثقتها بنفسها لم تكن دائماً في أفضل حال. في الـ19 من عمرها كانت تعاني من الوزن الزائد وتتعرّض للانتقادات بسبب ذلك. أثّر الأمر سلباً عليها إلى أن استفاقت يوماً وقررت ألّا تشعر بالأسف على نفسها: «كتبتُ Bootylicious وكانت تلك البداية لتحويل كل ما منحتني إياه الحياة، إلى وسيلةٍ أمكّن من خلالها نساءً أخريات».

انسحبَ أثر بيونسيه الاجتماعي على السياسة، فهي تشكّل صوتاً وازناً في المشهد الرئاسي الأميركي. ساندت باراك أوباما، وهيلاري كلينتون، كما تجنّدت إلى جانب كامالا هاريس في معركتها الرئاسية الأخيرة، مقدّمةً لها إحدى أغانيها كنشيدٍ رسمي للحملة.

بيونسيه في أحد تجمّعات كامالا هاريس الرئاسية (رويترز)

تشكّل مسيرة بيونسيه الفنية والمهنية بشكلٍ عام موضوع دراسة في عددٍ من الجامعات الأميركية. لكنّ الأمجاد لا تلغي التحديات، فهي تقف اليوم إلى جانب زوجٍ متهمٍ باعتداءٍ على امرأة. وإذا صحّت التهمة، فإنّها تقف بالتالي إلى جانب ما يناقض القضايا التي تبنّتها طوال مسيرتها الحافلة.