انتهاء جولة المحادثات الثامنة «المفيدة» بين أميركا و«طالبان» ومشاورات لإعلان الخطوات التالية

الرئيس الأفغاني يرفض أن «يقرر الغرباء مصير بلاده»

الرئيس الأفغاني أشرف غني متحدثاً خلال صلاة عيد الأضحى المبارك (أ.ب)
الرئيس الأفغاني أشرف غني متحدثاً خلال صلاة عيد الأضحى المبارك (أ.ب)
TT

انتهاء جولة المحادثات الثامنة «المفيدة» بين أميركا و«طالبان» ومشاورات لإعلان الخطوات التالية

الرئيس الأفغاني أشرف غني متحدثاً خلال صلاة عيد الأضحى المبارك (أ.ب)
الرئيس الأفغاني أشرف غني متحدثاً خلال صلاة عيد الأضحى المبارك (أ.ب)

انتهت اليوم (الاثنين) الجولة الثامنة من محادثات السلام بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» الأفغانية في الدوحة، والتي وصفها مسؤولون بأنها ستكون المرحلة «الأكثر حسماً» في المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب المستمرة بأفغانستان منذ 18 عاماً.
وأعلنت حركة «طالبان» «أن الجولة الثامنة من المحادثات الرامية إلى التوصل لاتفاق يتيح للولايات المتحدة إنهاء أطول حرب خاضتها وسحب قواتها من أفغانستان انتهت اليوم وأن كلا الجانبين سيتشاور مع زعمائه بشأن الخطوات التالية».
وتعقد هذه المحادثات في الدوحة منذ أواخر العام الماضي بين مسؤولين من «طالبان» والولايات المتحدة.
وتسعى «طالبان» إلى انتزاع موافقة أميركية على جدول زمني للانسحاب الكامل لكافة القوات الأجنبية من أفغانستان، فيما تريد الولايات المتحدة ضمانات من «(طالبان) بعدم استخدام أفغانستان مستقبلاً من أي جماعة مسلحة، منطلقاً لأي عمليات ضد أميركا والدول الغربية»، وفقاً لوكالة «رويترز».
وقال المتحدث باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد إن «أحدث جولة من المحادثات، والتي قال مسؤول أميركي في وقت سابق إنها تضمنت تفاصيل فنية وتنفيذ آليات اتفاق، انتهت في ساعة مبكرة من صباح اليوم (الاثنين)».
ولفت مجاهد في بيان إلى أنها «كانت طويلة ومفيدة».
من جهته، قال كبير المفاوضين الأميركيين زلماي خليل زاد أمس (الأحد) إن «جهدا مضنيا يبذل نحو التوصل لاتفاق سلام دائم ومشرف، وأن تكون أفغانستان دولة ذات سيادة لا تشكل تهديداً لأي دولة أخرى».
وعانى المدنيون من وطأة تصاعد العنف الشهر الماضي، حيث تظهر النتائج الأولية للأمم المتحدة أن أكثر من 1500 مدني قُتلوا أو أصيبوا، وهو أعلى رقم لأي شهر هذا العام، وأعلى رقم يتم توثيقه في شهر واحد منذ مايو (أيار) 2017، طبقا لما ذكرته الأمم المتحدة في بيان.
ومن المتوقع، وفق «رويترز» أن «يتضمن الاتفاق التزاما من حركة (طالبان) بعقد محادثات لاقتسام السلطة مع الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة ولكن من غير المتوقع أن يتضمن هدنة من جانب (طالبان) مع الحكومة مما يثير مخاوف من مواصلة المتمردين القتال عندما تغادر القوات الأميركية». لكن الرئيس الأفغاني أشرف غني شكك أمس (الأحد) في مضمون الاتفاق المتوقّع إعلانه قائلا إن «بلاده هي من ستقرر مصيرها وليس الغرباء».
ولم يشارك غني وحكومته في المفاوضات.
ولا تعترف «طالبان» بالحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وترفض إجراء محادثات معها.
وقال غني خلال صلاة عيد الأضحى المبارك: «لا يمكن للغرباء أن يحددوا مستقبلنا... سواء كان ذلك في عواصم أصدقائنا أو جيراننا. مصير أفغانستان سيتحدد هنا في أفغانستان».
وينتشر في أفغانستان حاليا نحو 20 ألف جندي أجنبي، معظمهم أميركيون، في إطار مهمة لحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة لتدريب ومساعدة القوات الأفغانية وإمدادها بالمشورة.
وتسيطر حركة «طالبان» المتشددة حاليا على مساحات أكبر من أي وقت مضى منذ أطاحت بها الولايات المتحدة من الحكم في 2001.
وكانت أولى محادثات السلام رفيعة المستوى بين الأميركيين وحركة «طالبان» بدأت العام الماضي مع وجود علامات تبعث على الأمل في إحراز تقدم مبكر في يناير (كانون الثاني) تمثل في اقتراح أميركي بالانسحاب مقابل وعد من «طالبان» بالتنصل من الجماعات الإرهابية، على رأسها «القاعدة». لكن المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» اصطدمت مرات عدة بمسألة رئيسية وهي وضع جدول زمني لانسحاب القوّات الأميركيّة من البلاد.
وفي فبراير (شباط) الماضي، كان خليل زاد أبدى تفاؤله بإمكان التوصّل إلى اتفاق في يوليو (تموز)، آملاً في أن تقدم «طالبان» ضمانات في مجال مكافحة الإرهاب، لكن «طالبان» أكدت في ذلك الوقت أنّها «لن تتّخذ أي خطوة قبل إعلان واشنطن روزنامة الانسحاب».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟