يستحضر العيد في السعودية شريطاً سريعاً من الماضي. وتحمل ذاكرة كبار السن ذكريات عن الأعياد حيث ظلّت على مر العقود تمثل فرائحية خاصة لها طقوسها، لا تزال حاضرة إلى اليوم مع اختلاف الظروف والإمكانات المتوفرة للاحتفاء.
فذكرياتهم عن عيد الأضحى الذي حلّ أمس (الأحد)، كثيرة، وقد اختفى بعضها اليوم. ولهذا العيد طقوسه واحتفاليته الخاصة، فعيد الأضحى يحلّ أيام الحج، ويستمر لمدة أربعة أيام. وكانت الأضحية هاجس السّكان يشترونها قبل أيام من حلول العيد الذي يصادف سنوياً العاشر من ذي الحجة، ويرعونها رعاية خاصة، ويجري اختيار الأضحية بعناية فائقة، حيث تحرص الأسر على أن تكون خالية من العيوب، بل إنّ بعض الأسر تجمّل أضحيتها بوضع «الحنّة» على رؤوس المواشي وآذانها وقرونها، وإطعامها أجود أنواع الأعلاف، وإبعادها عن مكامن الخطر التي قد تعرّضها للنفوق أو الإصابة قبل نحرها.
ولا يزال كبار السن يتذكرون جيداً مشاهد وصور الأضاحي داخل المنازل قبل حلول العيد، كما لا تزال ذاكرة كبار السن تحمل مشهداً لرجال يجوبون الأحياء حاملين على أكتافهم «مسنّات» على شكل دولاب (إطار) حديدي يُدار بالقدم وينادون بصوت عالٍ (مسن مسن)، وذلك لسن أدوات الذّبح والسّلخ التي أصابها «الثلول»، وجَعْلها حادة وتعمل بشكل سلس مقابل قروش، كما أنّ البعض يستغلّ المناسبة لجلب كميات كبيرة من الملح بشاحنات تجوب الأحياء مناديا: «ملح ملح دواء الغيرة (التخمة)، وبيع ذلك بزنابيل بقيمة ريال واحد لكل عشرين زنبيلاً، لاستخدام الملح للرّاغبين في تحويل جزء من لحوم الأضاحي وتوزيع أجزاء منها كصدقات وهدايا وفق النّسب الشرعية المتعلقة بكيفية توزيع الأضحية.
كما ينتشر أيام العيد الأربعة مجموعة من المارة يستخدمون عربات الكارو الخشبية للحصول على جلود الأضاحي، إمّا بالمجان لعدم جواز بيع أي من أجزاء الأضحية، أو شرائها بسعر رمزي من الحاصلين على الجلود كصدقة، وبيعها بسعر رمزي على طالبيها من صانعي الجلود، حيث تُستخدم جلود المواشي التي تكثر في عيد الأضحى بعد دباغتها في صناعة أنواع من المشالح الجلدية والمفارش وأغطية النوافذ.
وتشترك جميع الأسر في تناول طبق العيد من لحوم أضاحيها أو تلك اللحوم المهداة من الآخرين بعد نحرها بقليل، وهو طبق يحتوي على قطع من الكبدة والكلى والرئة ونتف من اللحوم، يُسمّى «المقلقل»، وتقديمها مع أقراص القرصان المصنوعة من القمح، وفي مساء العيد تُقدم وجبة دسمة من اللحوم والأرز والأكلات الشّعبية يشترك في تناولها جميع الأقارب أو سكان الحي، وتطعّم المائدة بطبق الحساء، وهو ماء من اللحم الذي طُبِخت فيه الأضاحي (مرقة اللحم)، وفي أغلب الأحيان يُقدَّم هذا الحساء قبل تناول الوجبة قطعاً لساعات الجوع الطوال.
ويحرص آخرون على نحر أضاحيهم في اليوم الأول الذي يُعرَف بالعيد الأكبر والبعض يفضل نحرها في أحد الأيام الثلاثة التي تلي العيد، وتُعرف بأيام التشريق.
ولن تنتهي مظاهر وفرائحية عيد الأضحى بهذه الأيام، بل إن الأسر تنتظر فرائحية أخرى بعودة حجّاجهم سالمين، محملين بالهدايا التي يجلبونها من الأماكن المقدسة وتشمل عادة: أقمشة للرجال والنساء وحناء وأعواد خشبية، توضع على الشفاه كصبغة تسمى (ديرم) تشبه أحمر الشفاه في الزمن الحاضر، وأجهزة الراديو المختلفة التي تعمل بالبطاريات الجافة، وبعض المناظير (الدرابيل).
أمّا الأطفال فهداياهم جاذبة ومحببة ومثيرة بين ألوان متعدّدة، والحلوى والعسل، إضافة إلى ألعاب مختلفة تحمل داخلها صوراً ثابتةً لمشاهد من الأماكن المقدّسة، إضافة إلى ألعاب موسيقية تحاكي الآلات الموسيقية الحالية، كالأعواد والأبواق (البوص)، والكمنجة والغيتار والبيانو، تصدر أصوات الأدوات الموسيقية الحقيقية، كما أنّ البعض من الحجاج يعود لأطفاله بأدوات مدرسية لاستخدامها لسنوات من خلال جلب الكراسات (الدفاتر)، ذات الصّفحات الكبيرة وأدوات الهندسة كالفرجار والمنقلة والمساطر الخشبية، والمثلثات وأقلام الرّسم الخشبية والزّيتية والحقائب المدرسية المصنوعة في الصّين، وبعض المؤلفات المدرسية كقواعد الإملاء وكتب التعبير ذات الموضوعات الجاهزة والرياضيات، المؤلفة في دول عربية.
مشاهد لم تعبر الذاكرة في عيد الأضحى... وهدايا الحجاج الأهم
حلوله يعيد ذكريات موسيقى الحج وعربات الجلود وعلب الهندسة
مشاهد لم تعبر الذاكرة في عيد الأضحى... وهدايا الحجاج الأهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة