غزة تستقبل عيد الأضحى بجيوب شبه فارغة وهموم ثقيلة

المواطنون يحاولون صناعة الفرح بأبسط السبل

متجر لبيع حلوى العيد والألعاب وسط مدينة غزة
متجر لبيع حلوى العيد والألعاب وسط مدينة غزة
TT

غزة تستقبل عيد الأضحى بجيوب شبه فارغة وهموم ثقيلة

متجر لبيع حلوى العيد والألعاب وسط مدينة غزة
متجر لبيع حلوى العيد والألعاب وسط مدينة غزة

ساعاتٌ طويلة قضتها الأم إيمان المصري متنقلة برفقة ابنتيها بين المحال التجارية الواقعة على جانبي شارع عمر المختار وسط مدينة غزة، على أمل أن تحظى بقطعتي ملابس توائم بهما بين المال الذي تملكه وذوق طفلتيها (ريما وقمر) الراغبتين في اقتناء أجمل الثياب؛ لارتدائها مع إشراقة شمس عيد الأضحى المبارك.
تقول الأم لـ«الشرق الأوسط»: «على قدر المستطاع أحاول إدخال الفرح لقلب ابنتي في العيد، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس في قطاع غزة، وعائلتي من ضمنهم، تقف حائلاً أمام كلّ المحاولات»، موضحة أن زوجها يعاني من عدم الانتظام بالعمل منذ نحو خمسة أعوام، بعدما دمرت إسرائيل خلال عدوانها على غزة عام ، مصنع الخياطة الذي كان يشتغل فيه.
حال الأم وطفليتها في استقبال عيد الأضحى المبارك، ليس منفرداً؛ كونهم يعيشون في قطاع غزة المحاصر الذي يعاني السكان فيه من سوءٍ في الأوضاع المعيشية منذ نحو 12 عاماً، لكنّهم وعلى الرغم من ذلك يرفضون الاستسلام للواقع، ويصنعون الفرح لأنفسهم ولأطفالهم بكل الطرق المتاحة مهما كانت بسيطة.
في سوق الزاوية الشعبية القريبة من وسط المدينة أيضاً، كان يجلس التاجر إبراهيم غزال (68 عاماً) على أبواب أحد المتاجر، يتأمل بنظراتٍ حزينة أيدي المارّة الفارغة من الأكياس. يضرب كفاً على كفٍ، ويتمتم بصوتٍ مخنوق «الله يكون بعون الناس». تحدث له مراسل «الشرق الأوسط» وهو على ذاك الحال، فبيّن أنه يمتلك محلاً تجارياً لبيع الحلوى والعِطارة، ويعيش هذا الموسم «حسرة» الخسارة الفادحة التي تكبدها بسبب عزوف الناس عن الشراء والتسوّق للعيد.
«خلال الأعوام الماضية لم يكن الناس في حاجة إلى مساعدات أو جمعيات خيرية حتى يندفعون للأسواق لشراء مستلزمات العيد. كانت الشوارع تكتسي بثوب السعادة بكل سهولة ويُسر» يردف، مشيراً إلى أن فرحة العيد وبهجته أصبحت تغيب عن الكثير من العائلات التي فقدت أفرادها جراء اعتداءات الجيش الإسرائيلي، وكذلك تغيب عن الموظفين الذين لم يتلقوا راتباً كاملاً منذ سنوات عدة؛ بسبب الحصار الذي جاء على كلّ المناحي الحياتية.
مواطنٌ آخر كانت ملامح التعب والإرهاق واضحة على وجهه، بينما كان يسير برفقة أربعة من أطفاله تحت أشعة الشمس الحارقة، ذكر لـ«الشرق الأوسط» وهو يُدعى ميسرة جندية، أن أسعار الملابس وحاجيات العيد مرتفعة جداً مقارنة بحال الناس الصعب، موضحاً أن لديه ستة أطفال وهو في حيرة من أمره ولا يستطيع توفير كلّ مستلزماتهم. وهنا أشار بيده لجيبه وقال: إنه لا يملك فيها سوى (200 شيقل) أي نحو 55 دولاراً، وهو يحتاج إلى مبلغ يصل لـ200 دولار ليتمكن من إرضائهم جميعاً.
شرق مدينة غزة ومع بزوغ فجر الجمعة الماضي، أمّ مئات المواطنين سوق «الحلال» الذي تُباع فيها المواشي والأضاحي. الحالة العامّة للسوق كانت واضحة، فأغلب من كان هناك لا يفعل شيئاً سوى «النظر والمشاهدة» دون أن تكون الحالة الشرائية كثيفة، وعبّر لنا عن ذلك التاجر أبو يوسف ماضي، حين أوضح أنه تواجد هنا منذ أربع ساعات تقريباً ولم يبع أياً من مواشيه إلى الآن؛ وأرجع السبب في ذلك للأوضاع الاقتصادية التي بلغت ذروة صعوبتها هذا العام.
ويلفت إلى أن الأعوام الماضية كانت أفضل بالنسبة له، وخيرها وفير وزرقها مُجدٍ. قطع حديثنا مع الرجل زبون كان يتفقد بعض الأغنام، يبدو أنّ إحداها مناسبة له. سأل أبو يوسف عن سعرها، فأخبره أنه قرر بسبب ضعف الحركة الشرائية أن يبيعها بمبلغ (220 ديناراً أردنياً) أي ما يساوى 300 دولار تقريباً، وهو مبلغ منخفض كون سعرها يصل لـ300 دينار، في حال كانت السوق جيدة. اتفق الرجلان وتمّ البيع، وأطلق التاجر ضحكاته وقال: «استفتحنا لما انتهت السوق، الحمد لله».
داخل السوق ذاتها، تحدث عمر غبون (45 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»، عن ارتياحه لأسعار الذبائح وانخفاضها، لكنّه في الوقت ذاته عبّر عن سخطه؛ لأنه لن يتمكن هذا العام من إحياء السنة النبوية التي اعتاد على إحيائها منذ 20 عاماً بسبب استياء حاله الاقتصادي، متابعاً «الأضحية بالنسبة لي ولأطفالي هي جوهر عيد الأضحى، وبداية إعلان أجوائه، لا أتخيل كيف ستمرّ أيام العيد علينا دونها؟».



السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)
يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)

تحتفي وزارة الثقافة السعودية بنظيرتها العراقية في النسخة الثانية من مهرجان «بين ثقافتين» خلال الفترة من 18 إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل في «ميقا استوديو» بالرياض، لتقدم رحلة استثنائية للزوار عبر الزمن، في محطاتٍ تاريخية بارزة ومستندة إلى أبحاث موثوقة، تشمل أعمالاً فنيّةً لعمالقة الفن المعاصر والحديث من البلدين.

ويجوب مهرجان «بين ثقافتين» في دهاليز ثقافات العالم ويُعرّف بها، ويُسلّط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين الثقافة السعودية وهذه الثقافات، ويستضيف في هذه النسخة ثقافة العراق ليُعرّف بها، ويُبيّن الارتباط بينها وبين الثقافة السعودية، ويعرض أوجه التشابه بينهما في قالبٍ إبداعي.

ويُقدم المهرجانُ في نسخته الحالية رحلةً ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة، والسمعية في أجواءٍ تدفع الزائر إلى التفاعل والاستمتاع بثقافتَي المملكة والعراق، وذلك عبر أربعة أقسامٍ رئيسية؛ تبدأ من المعرض الفني الذي يُجسّد أوجه التشابه بين الثقافتين السعودية والعراقية، ويمتد إلى مختلف القطاعات الثقافية مما يعكس تنوعاً ثقافياً أنيقاً وإبداعاً في فضاءٍ مُنسجم.

كما يتضمن المهرجان قسم «المضيف»، وهو مبنى عراقي يُشيّد من القصب وتعود أصوله إلى الحضارة السومرية، ويُستخدم عادةً للضيافة، وتُعقدُ فيه الاجتماعات، إلى جانب الشخصيات الثقافية المتضمن روّاد الأدب والثقافة السعوديين والعراقيين. ويعرض مقتطفاتٍ من أعمالهم، وصوراً لمسيرتهم الأدبية، كما يضم المعرض الفني «منطقة درب زبيدة» التي تستعيد المواقع المُدرَجة ضمن قائمة اليونسكو على درب زبيدة مثل بركة بيسان، وبركة الجميمة، ومدينة فيد، ومحطة البدع، وبركة الثملية، ويُعطي المعرض الفني لمحاتٍ ثقافيةً من الموسيقى، والأزياء، والحِرف اليدوية التي تتميز بها الثقافتان السعودية والعراقية.

ويتضمن المهرجان قسم «شارع المتنبي» الذي يُجسّد القيمة الثقافية التي يُمثّلها الشاعر أبو الطيب المتنبي في العاصمة العراقية بغداد، ويعكس الأجواء الأدبية والثقافية الأصيلة عبر متاجر مليئة بالكتب؛ يعيشُ فيها الزائر تجربةً تفاعلية مباشرة مع الكُتب والبائعين، ويشارك في ورش عمل، وندواتٍ تناقش موضوعاتٍ ثقافيةً وفكرية متعلقة بتاريخ البلدين.

وتُستكمل التجربة بعزفٍ موسيقي؛ ليربط كلُّ عنصر فيها الزائرَ بتاريخٍ ثقافي عريق، وفي قسم «مقام النغم والأصالة» يستضيف مسرح المهرجان كلاً من الفنين السعودي والعراقي في صورةٍ تعكس الإبداع الفني، ويتضمن حفل الافتتاح والخِتام إلى جانب حفلةٍ مصاحبة، ليستمتع الجمهور بحفلاتٍ موسيقية كلاسيكية راقية تُناسب أجواء الحدث، وسط مشاركةٍ لأبرز الفنانين السعوديين والعراقيين.

فيما يستعرض قسم «درب الوصل» مجالاتٍ مُنوَّعةً من الثقافة السعودية والعراقية تثري تجربة الزائر، وتُعرّفه بمقوّمات الثقافتين من خلال منطقة الطفل المتّسمة بطابعٍ حيوي وإبداعي بألوان تُناسب الفئة المستهدفة، إذ يستمتع فيها الأطفال بألعاب تراثية تعكس الثقافتين، وتتنوع الأنشطة بين الفنون، والحِرف اليدوية، ورواية القصص بطريقةٍ تفاعلية مما يُعزز التعلّم والمرح.

بينما تقدم منطقة المطاعم تجربةً فريدة تجمع بين النكهات السعودية والعراقية؛ لتعكس الموروث الثقافي والمذاق الأصيل للبلدين، ويستمتع فيها الزائر بتذوق أطباقٍ تراثية تُمثّل جزءاً من هوية وثقافة كل دولة، والمقاهي التي توفر تشكيلةً واسعة من المشروبات الساخنة والباردة، بما فيها القهوة السعودية المميزة بنكهة الهيل، والشاي العراقي بنكهته التقليدية مما يُجسّد روحَ الضيافة العربية الأصيلة.

ويسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة تستعرض الحضارة السعودية والعراقية، وتُبرز التراث والفنون المشتركة بين البلدين، كما يهدف إلى تعزيز العلاقات بين الشعبين السعودي والعراقي، وتقوية أواصر العلاقات الثقافية بينهما، والتركيز على ترجمة الأبعاد الثقافية المتنوعة لكل دولة بما يُسهم في تعزيز الفهم المتبادل، وإبراز التراث المشترك بأساليب مبتكرة، ويعكس المهرجان حرص وزارة الثقافة على تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية المملكة 2030».