نصف مليون صوت أنقذت بريطانيا من التفكك

أقل من نصف مليون وحدوي أنقذوا اتحادا عمره أكثر من ثلاثة قرون * مهندس الاستفتاء يقرر التنحي بعد فشل مشروعه {الاستقلالي}

اسكوتلنديون رافضون للانفصال عن المملكة المتحدة يحتفلون بعد ظهور نتائج الاستفتاء في غلاسكو أمس (أ.ف.ب)
اسكوتلنديون رافضون للانفصال عن المملكة المتحدة يحتفلون بعد ظهور نتائج الاستفتاء في غلاسكو أمس (أ.ف.ب)
TT

نصف مليون صوت أنقذت بريطانيا من التفكك

اسكوتلنديون رافضون للانفصال عن المملكة المتحدة يحتفلون بعد ظهور نتائج الاستفتاء في غلاسكو أمس (أ.ف.ب)
اسكوتلنديون رافضون للانفصال عن المملكة المتحدة يحتفلون بعد ظهور نتائج الاستفتاء في غلاسكو أمس (أ.ف.ب)

تنفست بريطانيا، ومعها أوروبا وحليفها الرئيس الولايات المتحدة الأميركية، الصعداء أمس إثر رفض الاسكوتلنديين الاستقلال عن المملكة المتحدة في الاستفتاء التاريخي الذي شاركوا فيه بكثافة أول من أمس. فأقل من نصف مليون صوت، شكلت الفارق بين الانفصاليين والوحدويين في الاستفتاء، كانت كافية لحسم النتيجة في الساعات الأولى من صباح أمس وأوقفت إمكانية تفكك المملكة المتحدة بعد أكثر من ثلاثة قرون من الوحدة.
وصوتت الاسكوتلنديون الرافضون للانفصال بنسبة 55.3 في المائة مقابل 44.70 في المائة، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة صباح أمس بعد انتهاء عمليات الفرز في جميع الدوائر الـ32 في اسكوتلندا. وحصل الوحدويون على مليونين وألف و926 صوتا، مقابل مليون و617 ألفا و989 صوتا للاستقلاليين في الاستفتاء.
وبعد حملة أثارت تعبئة كبيرة في صفوف الاستقلاليين في مناطق كثيرة من العالم، قال المسؤولون إن الاستفتاء سجل نسبة مشاركة قياسية وصلت إلى 84.6 في المائة، وهي الأعلى في انتخابات في بريطانيا حتى الآن.
وكان لافتا أن مهندس هذا الاستفتاء رئيس الوزراء الاسكوتلندي أليكس سالموند أعلن أمس عزمه الاستقالة، من رئاسة الوزراء وقيادة الحزب القومي الاسكوتلندي، بعد خسارته المعركة من أجل الاستقلال. وقال سالموند في مؤتمر صحافي: «لقد كان أهم شرف في حياتي أن أتولى منصب الوزير الأول، لكن كما قلت في كثير من الأحيان خلال حملة الاستفتاء، إن هذا الأمر لا يتعلق بي أو بالحزب القومي الاسكوتلندي، بل يتعلق بما هو أكثر أهمية من ذلك». وأكد أنه لا ينوي ترشيح نفسه خلال مؤتمر الحزب المقبل. وتابع: «تفسير الموقف هو أننا خسرنا الاستفتاء، لكن المبادرة السياسية لا تزال بأيدينا. والأهم من ذلك، هو أنه لا يزال بإمكان اسكوتلندا أن تخرج من ذلك كفائزة حقيقة». وكان سالموند قبل في وقت سابق نهار أمس، بالهزيمة، وتعهد بالعمل بشكل بناء مع لندن.
وصوتت أربع فقط من بين 32 منطقة محلية في اسكوتلندا لصالح الاستقلال عن بريطانيا، وإن كان من بينها غلاسغو كبرى المدن الاسكوتلندية، وتعتبر معقل حزب العمال البريطاني سابقا، فيما صوتت العاصمة أدنبره وباقي المناطق الـ28 لصالح الوحدة مع بريطانيا.
وتفاوتت ردود الفعل أمس الجمعة في شوارع أدنبره بعد رفض الناخبين الاسكوتلنديين الاستقلال عن التاج البريطاني. ورغم الأمطار بدأ أنصار المعسكرين التجمع خارج هوليرود، البرلمان الاسكوتلندي، في الساعات الأولى من الصباح، كما تجمع أمام البرلمان مجموعات من المؤيدين لانفصال كتالونيا عن إسبانيا أمام برلمان هوليرود الاسكوتلندي. وكان بعضهم يهتف «الآن جاء دورنا لنصوت».
وقضى مئات الاسكوتلنديين، معظمهم من الاستقلاليين، الليلة قبل الماضية أمام البرلمان المحلي في هوليرود، وبقيت الحانات مفتوحة استثنائيا حتى ساعة متأخرة من الليل. وقالت شارلوت داروش، المدرسة «إنه أمر رهيب.. أعتقد أن الناس لم يدركوا مدى أهمية هذا الأمر». أما داني ترانش فرأى أنه من الصعوبة أن تكون هناك فرصة ثانية. وقال «لا نعلم ما سيحصل في عشرين عاما لكنني لا أرى ذلك». من جهتها، قالت لويز فليمينغ «إن اسكوتلندا اتخذت قرار صائبا».
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي لم تغمض عيناه وكان على أحر من الجمر في انتظار النتيجة وكاد هو الآخر يقع في الفخ قبل أسبوعين عندما أظهرت استطلاعات الرأي تقدم معسكر الانفصاليين بقيادة مهندس الاستفتاء زعيم الحزب الاسكوتلندي الوطني أليكس سالموند، سارع في الساعات الأولى من صباح أمس ليؤكد على بقاء «عائلة» المملكة المتحدة، التي تضم اسكوتلندا وويلز وشمال آيرلندا والشقيقة الكبرى إنجلترا، جسما واحدا، وطرح مسألة الانفصال جانبا «خلال حياة هذا الجيل» من أبناء البريطانيين، على حد قوله.
وحقق كاميرون، الذي راهن على مستقبله السياسي عندما صرح سابقا بعد التوقيع على اتفاقية أدنبره مع سالموند، والتي حددت دستوريا شكل الاستفتاء وموعده، بأمنيته أن يكون «رئيس الوزراء الذي حافظ على وحدة المملكة المتحدة». هذا الإنجاز، اعتمد كاميرون في تحقيقه على خصومه السياسيين، خصوصا حزب العمال المعارض.
وطرحت الأحزاب البريطانية الرئيسة اختلافاتها جانبا وتناحرها السياسي عندما أصبح الانفصال تهديدا حقيقيا، وتوجه زعماء هذه الأحزاب، وهي المحافظين بقيادة كاميرون، والديمقراطيين الأحرار بقيادة نيك كليغ، وحزب العمال بقيادة إد ميليباند، إلى اسكوتلندا بعد أن ألغوا جلسات البرلمان في لندن. لكن مهمة قيادة حملة «لا» للانفصال فقد أسندت للعمالي وخصم كاميرون السياسي وزير الخزانة السابق أليستير دارلينغ. وأمس، أثنى رئيس الوزراء على دور دارلينغ في إقناع جمهور الناخبين بالتصويت ضد انفصال اسكوتلندا. وهنأ كاميرون أليستير دارلينغ، الذي اعتبر مع رئيس الوزراء السابق العمالي غوردن براون نجمي الحملة. وكان الاثنان خدما في الإدارة السابقة نفسها وفي الفترة نفسها، والاثنان ينحدران من أصول اسكوتلندية.
وكتب كاميرون في تغريدة على موقعه الرسمي على «تويتر»: «تحدثت إلى أليستير دارلينغ وهنأته على نجاحه في حملته». وقال دارلينغ إن «اسكوتلندا تكلمت بصوت عال ورفضت الانفصال، لكنها أرسلت رسائل واضحة إلى لندن بأن الأمور لن تبقى على ما كانت عليه بخصوص سياسات الحكومة الحالية التي لجأت إلى سياسات أثرت على حياة الملايين من الناس». وتابع دارلينغ «لقد كانت حملة مفعمة بالطاقة ومشوبة بالانقسام في الوقت نفسه». وحث أنصار المعسكرين المؤيد والمعارض للاستقلال على إظهار أنه «بعد الاستفتاء، يمكننا أن نبقى متحدين». ووجه حديثه لأنصار المعسكر المعارض للاستقلال قائلا «إنكم تمثلون غالبية الرأي»، مضيفا أن العدد الكبير من الناخبين المؤيدين لاستقلال اسكوتلندا عن بريطانيا يظهر أنه «يتعين على جميع الأحزاب السياسية أن تستمع الآن إلى صرختهم من أجل التغيير».
وبعد إعلان النتيجة في أدنبره، وقبول سالموند بهزيمة معسكره في الاستفتاء، عبر كاميرون في الساعة السابعة صباحا خارج مقر رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت عن شعوره «بالسعادة». وقال كاميرون «كان سيحزن قلبي أن أرى نهاية المملكة المتحدة». ودافع رئيس الوزراء البريطاني عن قرار المضي قدما في إجراء الاستفتاء قائلا «من الصحيح اتخاذ القرارات المهمة وليس تجنبها». وأضاف «الآن لقد تم الاستماع إلى إرادة الشعب الاسكوتلندي، وتمت تسوية هذا النقاش على مدى جيل». كما وعد رئيس الوزراء البريطاني المحافظ بمنح سلطات جديدة للأعضاء الذين يشكلون مجتمعين جسم المملكة المتحدة، وهي، إضافة إلى اسكوتلندا، إنجلترا وويلز وشمال آيرلندا. وكان قد وعد قبل أسبوعين عندما اشتدت المنافسة بين المعسكرين بمنح اسكوتلندا سلطات إضافية، تخص الضريبة ونظام الضمان الاجتماعي، ليقرر فيها برلمان أدنبره. وقال كاميرون «كما أن الاسكوتلنديين سيحصلون على المزيد من السلطات في إدارة شؤونهم، كذلك يجب أن تكون لسكان إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية صلاحيات أكبر في إدارة شؤونهم».
أما مهندس الاستفتاء أليكس سالموند فقبل الهزيمة واستقبل النتائج بروح رياضية، وقال «إنني أقبل حكم الشعب» بعد أن أظهرت نتائج فرز الأصوات المشاركة في الاستفتاء على استقلالها عن بريطانيا تقدم الأصوات الرافضة للاستقلال على الأصوات المؤيدة للخطوة. وتابع سالموند «بالنيابة عن الحكومة الاسكوتلندية فإنني أقبل النتائج وأتعهد بالعمل بشكل بناء مع الإدارة البريطانية في لندن خلال المراحل المقبلة». وذكر أن عدد الأصوات المؤيدة للاستقلال والبالغ 1.6 مليون صوت يعكس «صوتا ملموسا لاستقلال اسكوتلندا ومستقبلها». كما أشار إلى أن الإقبال الضخم على المشاركة في التصويت والذي بلغت نسبته 86 في المائة يمثل «انتصارا للعملية الديمقراطية والمشاركة في السياسة». لكنه أضاف أن اسكوتلندا تنتظر السلطات جديدة التي وعدت بها لندن في تعزيز للصلاحيات الإقليمية.
وسارع رئيس وزراء اسكوتلندا أليكس سالموند عند الإقرار بهزيمة معسكره إلى التذكير بالتعهدات المشتركة التي قطعها كاميرون وحلفاؤه الليبراليون الديمقراطيون والمعارضة العمالية. وقال إن «الأحزاب الوحدوية تعهدت في نهاية الحملة بإعطاء المزيد من الصلاحيات لاسكوتلندا، واسكوتلندا تتوقع أن يتم الالتزام بهذه التعهدات سريعا». وقد رد كاميرون قائلا «إلى الذين يشككون باسكوتلندا في الوعود الدستورية المقطوعة، دعوني أقل لكم ما يلي: سبق أن نقلنا صلاحيات في ظل هذه الحكومة، وسنقوم بذلك من جديد في الحكومة المقبلة». وأضاف أن «الأحزاب الوحدوية الثلاثة قطعت تعهدات بمنح البرلمان الاسكوتلندي صلاحيات إضافية، وسنتثبت من الوفاء بها». ونقل الحد الأقصى من السلطات إلى برلمان أدنبره الإقليمي يتناول خصوصا جمع الضرائب واستخدامها ونظام الضمان الاجتماعي. وتطالب المناطق الأخرى في بريطانيا بإجراءات مماثلة. ومن أجل تهدئة الأمور أكد كاميرون «مثلما سيحصل الاسكوتلنديون على المزيد من السلطات في إدارة شؤونهم، كذلك يجب أن تكون لسكان إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية صلاحيات أكبر في إدارة شؤونهم».
لكن سلسلة التنازلات ستواجه صعوبة في إقرارها خصوصا عبر احترام الجدول الزمني المعلن. وسيتم تشكيل لجنة ملكية لتنظر بأقصى سرعة في الإشكالات الدستورية، والتي قد تتمخض عنها كونفيدرالية وبرلمانات منفصلة.
وينتظر أن تصدر وثيقة عمل تفصل الصلاحيات الاسكوتلندية الجديدة، وكذلك بالنسبة للمناطق الثلاث الأخرى، في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قبل أن تعرض مشاريع قوانين على البرلمان بحلول نهاية يناير (كانون الثاني) المقبل، بحسب التعهدات التي قطعتها لندن. وقال أليكس سالموند «إنني أقبل حكم الشعب وأدعو جميع الاسكوتلنديين إلى السير على نفس النهج وقبول الحكم الديمقراطي لشعب اسكوتلندا».
واعتبر الجميع، المؤيدون والرافضون للانفصال، أن الإقبال الضخم على التصويت يمثل «انتصارا للعملية الديمقراطية والمشاركة في السياسة». ووصلت نسبة من سجلوا للانتخابات إلى 97 في المائة ممن يحق لهم التصويت.



الاتحاد الأوروبي يقرض أوكرانيا 90 مليار يورو ويعدل عن استخدام الأصول الروسية

رئيسة المفوضية مع رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة وزراء الدنمارك (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية مع رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة وزراء الدنمارك (إ.ب.أ)
TT

الاتحاد الأوروبي يقرض أوكرانيا 90 مليار يورو ويعدل عن استخدام الأصول الروسية

رئيسة المفوضية مع رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة وزراء الدنمارك (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية مع رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة وزراء الدنمارك (إ.ب.أ)

وجَّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشكر، الجمعة، لقادة القمة الأوروبية عقب موافقتهم على زيادة التمويل لبلاده ومنحها قرضاً كانت بأمسِّ الحاجة إليه. بينما ردت روسيا بشكل إيجابي على تسوية توصلت إليها الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي دون اللجوء إلى استخدام الأصول الروسية المجمدة في بنوك التكتل.

وكتب زيلينسكي في منشور عبر منصة «إكس»: «هذا دعم هائل يقوي صمودنا حقاً»، وشدد على «أهمية أن تظل الأصول الروسية مجمدة»، وأن تحصل أوكرانيا على ضمانات مالية للسنوات المقبلة.

كوستا مع زيلينسكي الخميس في بروكسل (أ.ف.ب)

ويمثل هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه عند منتصف الليل خلال محادثات قمة التكتل في بروكسل، شريان حياة لكييف، في الوقت الذي يضغط فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أجل تحقيق اتفاق سريع ينهي الحرب المستمرة منذ نحو 4 سنوات.

وبعد شهور من النقاش والجدل، توصل قادة الاتحاد الأوروبي المجتمعون في بروكسل إلى حل وسط في الساعات الأولى من الجمعة، بشأن تمويل أوكرانيا على مدار العامين المقبلين، من دون أخذ الخطوة المثيرة للجدل المتمثلة في استخدام الأصول الروسية المجمدة لدى الاتحاد الأوروبي، على الفور. وبموجب الاتفاق، سوف تحصل أوكرانيا على قرض بقيمة 90 مليار يورو (105.5 مليار دولار). وإذا لم تدفع موسكو تعويضات بسبب الأضرار الناتجة عن الحرب، فسوف يجري استخدام الأصول الروسية المجمدة لسداد القرض.

موسكو: تغليب المنطق والعقلانية

كتب كبير المفاوضين الروس، كيريل ديميتريف، الجمعة، على منصة «تلغرام»: «لقد ساد القانون والمنطق السليم الآن». ووصف القرار الذي تم اتخاذه في بروكسل بأنه «ضربة قاضية» لما وصفهم بـ«دعاة الحرب»، واختص بالذكر رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، والمستشار الألماني، فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر.

كبير المفاوضين الروس كيريل ديميتريف (رويترز)

وكتب ديميتريف: «لقد حالت بعض الأصوات العقلانية داخل الاتحاد الأوروبي حتى الآن دون استخدام الاحتياطات الروسية بشكل غير قانوني لتمويل أوكرانيا».

اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتحاد الأوروبي بمحاولة «سرقة» احتياطيات الدولة الروسية، والتي زعم أنها فشلت حتى الآن. وأضاف أن روسيا ستواصل الدفاع عن مصالحها، وستسعى إلى إنشاء محاكم مستقلة سياسياً، تستجيب لطلب عودة مليارات الدولة المجمدة في الاتحاد الأوروبي. وتابع بوتين، الجمعة: «مهما سرقوا، تجب إعادة (المسروقات) في وقت ما».

وكتب رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا في منشور على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» في الساعات الأولى من صباح الجمعة: «لقد توصلنا إلى اتفاق. تمت الموافقة على قرار تقديم دعم بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا للمدة، 2026 - 2027 لقد التزمنا، وأوفينا».

زيلينسكي مع كوستا في الخلف (رويترز)

الجميع يشعر بالارتياح

توصل قادة الاتحاد الأوروبي المجتمعون في بروكسل إلى حل وسط بعد أن فشلت خطط استخدام مليارات اليورو من الأصول الروسية لتغطية احتياجات التمويل لأوكرانيا في السنوات المقبلة في الحصول على الدعم اللازم.

وكان الخيار الأول المطروح هو الاستفادة من نحو 200 مليار يورو من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة في الاتحاد الأوروبي، لتأمين قرض لكييف، لكن هذا المخطط تهاوى بعد أن طالبت بلجيكا، حيث توجد الغالبية العظمى من الأصول، بضمانات بشأن تقاسم مسؤولية استخدام الأصول. وفي مؤتمر صحافي بعد اختتام القمة، أعرب رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر عن اعتقاده أن «العقلانية انتصرت»، مضيفاً: «كان هذا الأمر برمته محفوفاً بالمخاطر وخطيراً للغاية، وأثار كثيراً من التساؤلات (...) لقد كان الأمر أشبه بسفينة تغرق، مثل سفينة تايتانيك. الأمر حُسم الآن (...) والجميع يشعر بالارتياح».

رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان يتوقع فشل القمة (أ.ف.ب)

ورأى المستشار الألماني فريدريش ميرتس الذي ضغط بشدة لاستخدام الأصول الروسية، أن الاتحاد الأوروبي وجَّه «رسالة واضحة» إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بموافقته على تقديم 90 مليار يورو إلى كييف.

وحتى الآن همشت واشنطن أوروبا إلى حد كبير في المفاوضات الجارية بين الأطراف المعنية، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رأى أن الوقت قد حان للقارة للانخراط في حوار مع موسكو نفسها.

ماكرون يطرح الحوار مجدداً مع بوتين

وقال ماكرون بعد الإعلان عن القرض الأوروبي لأوكرانيا إنه «سيصبح مجدداً من المفيد» له وللأوروبيين الانخراط في حوار مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف: «في الأسابيع المقبلة، علينا إيجاد السبل والوسائل للأوروبيين، ضمن الإطار المناسب، للانخراط مجدداً في حوار كامل وشفاف مع روسيا».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي في نهاية العام بموسكو يوم 19 ديسمبر 2025 (رويترز)

وأعلن زيلينسكي أن الوفدين الأوكراني والأميركي سيجريان محادثات جديدة، نهاية هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل في الولايات المتحدة. ودعا زيلينسكي واشنطن إلى تقديم مزيد من التفاصيل بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا. وقال: «هناك سؤال لم أحصل بعد على جواب عنه... وهو سؤال حول مجمل الضمانات الأمنية»، مشيراً إلى أنه يرغب في معرفة «ما ستقوم به الولايات المتحدة إن ارتكبت روسيا اعتداءً جديداً». ومع ذلك، واصل ترمب الضغط على كييف، قائلاً مرة أخرى إنه يأمل أن «تتحرك أوكرانيا بسرعة» للتوصل إلى اتفاق.

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال حديثها في مهرجان «أتريو» الذي ينظمه حزبها «إخوة إيطاليا» (أ.ف.ب)

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن أوكرانيا لن تحتاج إلى سداد القرض إلا بعد أن تدفع موسكو تعويضات عن الأضرار التي تسببت بها. ويتطلب استخدام الدين المشترك قراراً بالإجماع من قبل الدول الـ27 الأعضاء في التكتل، لكن تم منح الدول المتشككة، وهي المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، إعفاءً من الالتزام لتجنب حدوث عرقلة.

أوربان: إعطاء المال يعني الحرب

أظهرت مسودة ​اطلعت عليها «رويترز»، الجمعة، أن قادة الاتحاد الأوروبي قد يوافقون ‌على الاقتراض ‌من ‌السوق ⁠بضمان ​من ‌ميزانية الاتحاد الأوروبي من أجل الإبقاء على تمويل أوكرانيا في عامي ⁠2026 و2027. ووفقاً للمسودة فإن ‌القادة لا يزالون يريدون من حكوماتهم والبرلمان الأوروبي مواصلة العمل على إعداد تمويل ​لأوكرانيا بالاستفادة من الأصول الروسية المجمدة. وجاء ⁠في المسودة التي لم يوافق عليها القادة بعد أن الاقتراض المشترك بضمان ميزانية التكتل سيستثني المجر وسلوفاكيا ‌وجمهورية التشيك.

وخلال رده على تساؤلات من صحافيين ومواطنين خلال جلسة الأسئلة والأجوبة السنوية التي يبثها التلفزيون الرسمي في موسكو، أكد بوتين مجدداً أن سعي الاتحاد الأوروبي لاستخدام الأموال الحكومية الروسية يمكن أن يقوض الثقة بالأسواق المالية الدولية. وقال إن هذه القروض أدت إلى زيادة مديونية دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية النائب الأول لوزير الدفاع فاليري غيراسيموف في موسكو 17 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

تباينت ردود الفعل الأوروبية على الاتفاق؛ حيث إنه على الرغم من عدم موافقة جميع الدول على حزمة القروض، مع رفض المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك دعم أوكرانيا، فقد تم التوصل إلى اتفاق لم تعرقل بموجبه تلك الدول الحزمة، ووعدت بالحماية من أي تداعيات مالية. وقال رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، وهو أقرب حليف للرئيس بوتين في أوروبا والذي يصف نفسه بأنه صانع سلام: «لا أرغب في أن ينخرط الاتحاد الأوروبي في حرب». وتابع أوربان أن «إعطاء المال يعني الحرب»، ووصف أيضاً الخطة المرفوضة لاستخدام الأصول الروسية المجمدة بأنها «طريق مسدود».

المستشار الألماني ​فريدريش ميرتس (أ.ب)

ويقدر الاتحاد الأوروبي أن أوكرانيا تحتاج إلى 135 مليار يورو إضافية خلال العامين المقبلين، مع توقُّع أن تبدأ أزمة السيولة في أبريل (نيسان). وكان زيلينسكي قد اعتبر سابقاً أن كييف ستواجه «مشاكل كبيرة» إذا ما تعذّر على القادة الأوروبيين التوصّل إلى اتفاق حول استخدام هذه الأصول لتمويل أوكرانيا. وفي حال عدم التوصّل إلى اتفاق، ستفتقر كييف إلى السيولة بداية من الربع الأول من 2026.

وعلى الرغم من أن كييف قد تشعر بخيبة أمل لأن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ خطوة استخدام الأصول الروسية، فإن تأمين التمويل بطريقة أخرى يبعث على الارتياح.

وقال زيلينسكي للقادة إن كييف بحاجة إلى قرار بحلول نهاية العام، وإن وضع بلاده على أرضية أكثر صلابة يمكن أن يمنحها مزيداً من النفوذ في المحادثات لإنهاء الحرب.


ميرتس يُوفد مفاوضه إلى فلوريدا للمشاركة في محادثات السلام بأوكرانيا

المستشار الألماني فريدريش ميرتس (إ.ب.أ)
المستشار الألماني فريدريش ميرتس (إ.ب.أ)
TT

ميرتس يُوفد مفاوضه إلى فلوريدا للمشاركة في محادثات السلام بأوكرانيا

المستشار الألماني فريدريش ميرتس (إ.ب.أ)
المستشار الألماني فريدريش ميرتس (إ.ب.أ)

يعتزم المستشار الألماني فريدريش ميرتس إيفاد مُفاوضه المعنيّ بملف أوكرانيا جونتر زاوتر إلى ولاية فلوريدا، للمشاركة في المحادثات، المقرر إجراؤها في عطلة نهاية الأسبوع، بين الولايات المتحدة وروسيا حول التوصل إلى حل سلمي.

ووفق ما نقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن مصادر حكومية، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان مستشار ميرتس لشؤون السياسة الخارجية سيشارك في هذه المحادثات، وبأي صيغة ستكون مشاركته. وأفادت المصادر بأنه لا يوجد، حتى الآن، أي لقاء مخطَّط له مع الجانب الروسي.

كان زاوتر قد اضطلع بدور محوري في الإعداد والمشاركة في المفاوضات التي جرت بين الأوروبيين والولايات المتحدة وأوكرانيا في العاصمة الألمانية برلين، يومي الأحد والاثنين الماضيين.

وخلال تلك المحادثات، جرى تطوير خطة أميركية من 20 نقطة تهدف إلى التوصل لتسوية سلمية بين روسيا وأوكرانيا بعد نحو أربع سنوات من الحرب.

وقد تحقَّق تقدم ملحوظ، ولا سيما فيما يتعلق ببند توفير الضمانات الأمنية في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، في حين لم يسجل أي تقدم بشأن احتمال تنازل أوكرانيا عن أراض لروسيا.

وفي ميامي، يلتقي، الآن، ممثلون عن الحكومة الأميركية و«الكرملين»، لإجراء محادثات إضافية حول الخطة، كما يُنتظر عقد لقاءات أخرى بين الولايات المتحدة وأوكرانيا. وأفادت وكالة إنترفكس-أوكرانيا، نقلاً عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بأن المفاوضين الأوكرانيين باتوا، بالفعل، في طريقهم إلى الولايات المتحدة.

وقال: «سيكون فريقنا في الولايات المتحدة يومي الجمعة والسبت».


بوتين: أنا مستعد للتفكير في ضمان الأمن إذا أجرت أوكرانيا انتخابات رئاسية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
TT

بوتين: أنا مستعد للتفكير في ضمان الأمن إذا أجرت أوكرانيا انتخابات رئاسية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحافي (إ.ب.أ)

تعهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الجمعة، بوقف الهجمات والضربات بالمُسيرات التي تطول عمق أوكرانيا يوم الانتخابات إذا نظّمت كييف الاقتراع الرئاسي الذي تطالب به كل من موسكو وواشنطن.

وقال، في مؤتمر صحافي بثّه التلفزيون: «نحن على استعداد للتفكير في ضمان الأمن أثناء الانتخابات في أوكرانيا. على الأقل الامتناع عن تنفيذ ضربات في عمق الأراضي الأوكرانية يوم الانتخابات».

وكان من المقرر أن تنتهي ولاية فولوديمير زيلينسكي في مايو (أيار) 2024، إلا أن الغزو الروسي المستمر وفرض الأحكام العرفية حالا دون إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد.

وخلال زيارة للقاهرة، ندّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باقتراح أوروبي يقضي بتشكيل قوة متعددة الجنسيات للإشراف على أي اتفاق سلام محتمل في أوكرانيا، ووصفه بأنه تهديد «وقح» لروسيا.

وقال إن «الأمر لا يتعلق كثيراً بالأمن بمقدار ما يتعلق بمحاولة أخرى، تعلمون، وقحة... لتهيئة الأراضي الأوكرانية كمنصة لتهديد روسيا الاتحادية».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في القاهرة (إ.ب.أ)

وأعلن قادة الدول الحليفة لأوكرانيا، وبينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، هذا الأسبوع، أنهم على استعداد لنشر «قوة متعددة الجنسيات» في أوكرانيا يقودها الأوروبيون «للمساعدة على إعادة إحياء القوات الأوكرانية، وضمان أمن أجواء أوكرانيا، ودعم مناطق أكثر أماناً بما في ذلك عبر القيام بعمليات داخل أوكرانيا».

وأعربت موسكو مراراً عن رفضها فكرة نشر قوات غربية في أوكرانيا، محذِّرة من أنها ستعدُّها «أهدافاً مشروعة» للقوات الروسية.

على صعيدٍ ميداني، تسلمت أوكرانيا جثامين 1003 جنود من روسيا، وفق ما أعلن مقر تنسيق معاملة أسرى الحرب الأوكراني وكبير المفاوضين الروس فلاديمير ميدينسكي، الجمعة.

وقال الأخير إن الجانب الروسي تسلَّم، في المقابل، رفات 26 جندياً روسياً.

ورغم القتال الجاري، تتبادل أوكرانيا وروسيا جثامين الجنود بانتظام. وكانت عملية التبادل، اليوم الجمعة، الـ16 من نوعها، هذا العام.

وتسلمت كييف رفات أكثر من 15 ألف جندي. ولم تتسلم موسكو، في المقابل، إلا عدداً ضئيلاً لأن الجيش الأوكراني لا يتمكن دائماً من انتشال القتلى بسبب التقدم الروسي في الأراضي الأوكرانية.