مفاوضات واشنطن وممثلي «طالبان»: مزيد من الشكوك وعدم اليقين

بعد انهيار الإجماع بشأن الوجود العسكري الأميركي على الأراضي الأفغانية

ملصق انتخابي يحمل صورة الرئيس الأفغاني أشرف غني وسط العاصمة كابل أمس (أ.ب)
ملصق انتخابي يحمل صورة الرئيس الأفغاني أشرف غني وسط العاصمة كابل أمس (أ.ب)
TT

مفاوضات واشنطن وممثلي «طالبان»: مزيد من الشكوك وعدم اليقين

ملصق انتخابي يحمل صورة الرئيس الأفغاني أشرف غني وسط العاصمة كابل أمس (أ.ب)
ملصق انتخابي يحمل صورة الرئيس الأفغاني أشرف غني وسط العاصمة كابل أمس (أ.ب)

بعد مرور ستة أيام من المفاوضات التي يتوقع الكثيرون أن تفضي إلى اتفاق مبدئي لإنهاء ما يقرب من عشرين عاما من الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، فإن المرحلة النهائية تبدو أنها من أصعب عمليات الموازنة على الإطلاق.
واصل أغلب المفاوضين الأميركيين محادثاتهم مع ممثلي حركة طالبان في قطر وحتى وقت متأخر من مساء الخميس. ولكن الآخرين، بمن في ذلك زعماء الوفود، كانوا على طريقهم لزيارة العواصم الأخرى في المنطقة المضطربة للغاية بغية الحصول على بعض الزخم المؤثر في نتائج المفاوضات.
وبالنسبة لكلا الجانبين، يكمن التحدي في صياغة قرار حافظ لماء الوجه لكافة الأطراف المتنافسة والتي تمهد الطريق بصورة أو بأخرى أمام الاستقرار في أفغانستان.
وعلى طاولة المفاوضات في الدوحة، كان المفاوضون يعملون عن كثب لتلبية احتياجات حركة طالبان التي تحاول الانتقال إلى السلام وكذلك مطالب الإدارة الأميركية التي تسعى للانسحاب النهائي من البلاد في محاولة لاستغلال بطاقة الانسحاب العسكري في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
غير أن شواغل الدولة الإقليمية لا تقل في أهميتها عن استكمال بنود الاتفاق. فهناك حالة من الصدام البيني، بالإضافة إلى قدر معتبر من التوترات مع الولايات المتحدة، مما يزيد من تعقيد المرحلة النهائية من المفاوضات المفعمة بالفعل بالمزيد من الشكوك وعدم اليقين.
غادر زلماي خليل زاد، كبير مفاوضي الوفد الأميركي، إلى العاصمة الهندية نيودلهي بثلاثة أيام قبل بدء المحادثات وذلك إثر إلغاء الحكومة الهندية، ومن جانب واحد، حق الحكم الذاتي في الجانب الخاضع لسيطرتها من إقليم كشمير المتنازع عليه. وكان من شأن الخطوة الهندية الجريئة إشعال التوترات مع باكستان التي تزعم بأحقيتها في جزء من أراضي الإقليم وقد خاضت حربين كبيرتين مع الهند جراء ذلك.
ولكلا البلدين، الهند وباكستان، نفوذ كبير داخل أفغانستان المجاورة، إذ تشن قيادة حركة طالبان هجماتها انطلاقا من الملاذات الآمنة التي تتخذها في باكستان، والتي يلقى جيشها القوي الاتهامات الكثيرة بشأن دعمه المباشر للمتطرفين. أما الهند من ناحية أخرى، فقد التزمت خط المناوأة لحركة طالبان على نحو مستمر وصارم جعلها تلقي بثقلها خلف الحكومة الأفغانية الحالية.
وحاولت الإدارة الأميركية، عن طريق الضغوط أولا ثم عن طريق العبارات الودية، إقناع باكستان بمد يد العون في المرحلة النهائية. ولكن على نحو التفاؤل الذي يشعر به المسؤولون الأميركيون، فإن الخطوة الهندية المتخذة بشأن كشمير قد ألقت بظلالها القاتمة على الأحداث.
وحذر المسؤولون في باكستان من أن التصرفات الهندية في كشمير من شأنها إلحاق الضرر بعملية السلام الأفغانية الجارية. وفي يوم الخميس، وإثر الجهود الدبلوماسية الأميركية الواضحة، بدأ المسؤولون الباكستانيون يتراجعون عن هذا السياق، ويحاولون مد يد العون والمساعدة في دعم جهود عملية السلام.
كان أغلب بلدان المنطقة، بصفة معلنة أو غير معلنة توافق الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم «القاعدة» الإرهابي في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول) المروعة لعام 2001. ويعتبرون أن هناك نوعا من التهديدات المشتركة التي تنبثق من اتخاذ التنظيم ملاذه الآمن داخل أفغانستان.
لكن في السنوات الأخيرة، ومع التوترات التي بدأت تتصاعد بين الولايات المتحدة وبلدان أخرى إثر الصراعات المسلحة في بلدان مثل سوريا، انهار الإجماع السابق بشأن الوجود العسكري الأميركي على أراضي أفغانستان.
وتكررت زيارات المبعوث لأميركي خليل زاد إلى الصين وروسيا لإجراء المباحثات ذات الأهمية. غير أن التوترات المتصاعدة بين الإدارة الأميركية وإيران، التي تتشارك في خط حدودي كبير مع أفغانستان، وتملك نفوذا مهما بشأن حركة طالبان الأفغانية، قد جعلت طهران أبعد ما تكون عن المحادثات الجارية.
وبالنسبة إلى العديد من القوى الإقليمية المعنية، فإن أفضل النتائج المرجوة تتمثل في المكاسب الهامشية وثاني أفضل النتائج المتوقعة ألا يجني الطرف الآخر أي مكاسب أبدا، وهي الوصفة التي تعني استمرار الحرب والقتال، على نحو ما صرح غاريت بلانك، الزميل البارز لدى مؤسسة كارنيغي للسلام.
واستطرد السيد بلانك، الدبلوماسي السابق الذي شارك في مفاوضات إدارة الرئيس السابق أوباما مع حركة طالبان: «يبدو أن مخاوف اللاعبين الإقليميين من تداعيات الانسحاب العسكري الأميركي قد دفعتهم إلى قبول التسوية التي لا تحقق لموقفهم مزيدا من الانتصار».
بيد أن الموقف الأميركي المتشدد إزاء إيران قد جعل من موقف الأخيرة أقل يقينية بالنسبة لأفغانستان. وأضاف السيد بلانك: «لدى الولايات المتحدة وإيران قدر لا بأس به من المصالح المتداخلة في أفغانستان. ولكن من السهل تصور الساسة الإيرانيين وهم يقولون: لا نعبأ بذلك البتة، ولسوف نتحمل الخسارة في أفغانستان حتى نضع شوكة دامية في عيون الولايات المتحدة».
وبعد وقفة سريعة في نيودلهي، انطلق السيد خليل زاد إلى أوروبا لإحاطة حلفاء الناتو على مجريات الأمور. وفي أوج الحرب، قدمت أكثر من اثنتي عشرة دولة المساعدات إلى الجيش الأميركي في أفغانستان، الأمر الذي اعتبر أكبر التحالفات العسكرية المتكونة في التاريخ.
-خدمة «نيويورك تايمز»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».