الحوثي يواجه تمرد أقاربه بدعم جناح المشاط

أموال الاتصالات والضرائب والجمارك فجرت صراعاً بين القيادات

TT

الحوثي يواجه تمرد أقاربه بدعم جناح المشاط

كشفت مصادر وثيقة الصلة بالجماعة الحوثية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن جانب من خفايا الصراع المتصاعد بين كبار قادة الجماعة الحوثية على النفوذ واكتساب الأتباع وبناء الإمبراطوريات المالية والشركات المتنوعة.
وأكدت المصادر أن هذا الصراع المحتدم دفع مؤخرا زعيم الجماعة عبد الملك للتدخل إلى جانب الجناح الذي يقوده رئيس مجلس حكم الانقلاب مهدي المشاط، بعد أن شعر بتحركات للتمرد عليه من قبل أقاربه وفي مقدمهم عمه عبد الكريم الحوثي المعين وزيرا لداخلية الانقلاب، وابن عمه الآخر محمد علي الحوثي الذي يترأس ما تسمى اللجنة الثورية العليا للجماعة، إلى جانب عضويته في مجلس حكم الانقلاب.
وذكرت المصادر أن كثيرا من توجيهات زعيم الجماعة في الفترات الأخيرة إلى أقاربه قوبلت بالتجاهل، وهو ما دفعه إلى دعم جناح مهدي المشاط في سياق سعيه لقطع أياديهم من الأجهزة والمؤسسات التي تسيطر عليها الميليشيات منذ الانقلاب على الشرعية في 2014.
وأوضحت المصادر أن المشاط الذي يجمعه بالحوثي الانتماء إلى محافظة صعدة، كان أقدم على إطاحة القيادي عبد الرب جرفان من قيادة جهاز الأمن القومي التابع للجماعة في صنعاء، وعين خلفا له ابن منطقته القيادي الآخر فائز حسين، حيث كان الأول مواليا لمحمد علي الحوثي ومن المقربين لديه.
وفي سياق سعي المشاط إلى تقليم أظافر أقارب الحوثي بناء على طلب الأخير نفسه، ذكرت المصادر أنه جعل كل تركيزه منصبا على قطاع المؤسسات الإيرادية، وبالأخص قطاعات الاتصالات والضرائب والجمارك.
وأفادت المصادر بأن المشاط أعطى الضوء الأخضر لوزير الاتصالات في حكومة الانقلاب مسفر النمير الذي هو الآخر من أبناء منطقة مران في صعدة ومن المقربين له ليجري تغييرات كبيرة في قطاع الاتصالات، لكون هذا القطاع هو القطاع الأهم الذي ما زالت الجماعة تعبث فيه دون حسيب أو رقيب، خاصة بعد تراجع الأموال التي تجنيها الجماعة من تهريب النفط الإيراني عبر ميناء الحديدة.
وأشارت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» إلى قيام النمير بالبدء بتنفيذ المهمة فكان أول قرارته السيطرة على شركة «يمن موبايل» بتعيين القيادي عصام الحملي رئيسا لمجلس إداراتها، بدلا من صادق مصلح الذي كان يتبع مباشرة محمد علي الحوثي.
وبينت المصادر أن القيادي الحملي بدأ منذ تعيينه بتغييرات كبيرة في الشركة، لا سيما الإدارات المهمة فيها، حيث عين أشخاصا يتبعونه ويتبعون النمير بما يتيح لهما صرف مئات الملايين مقابل تنفيذ مشاريع وهمية وشراء معدات وتجهيزات لا وجود لها.
وبحسب المصادر، فإن القيادي أحمد حامد المعين مديرا لمكتب المشاط هو المشرف العام على النمير والحملي، وهو الذي يستأثر مع المشاط بأغلب ما يتم السطو عليه من أموال قطاع الاتصالات.
وكشفت المصادر عن أن النمير والحملي وحامد تواطؤوا مؤخرا على صرف 400 مليون ريال (الدولار نحو 550 ريالا) من قطاع الاتصالات مقابل شراء أجهزة ومعدات لجهاز الأمن القومي (المخابرات) التابع للجماعة في صنعاء.
وتحدثت المصادر لـ«الشرق الأوسط» عن قيام الثلاثي الحوثي بصرف نصف مليار ريال يمني لمصلحة شركة وهمية اسمها «النجم» يملكها النمير والحملي مقابل إعداد دراسة وخطة لتنفيذ مشروع الريال الإلكتروني (ريال موبايلي)، حيث ظهرت الشركة فجأة واختفت فجأة بعد أن قبضت المبلغ الذي يناهز المليون دولار، فيما اتضح أن الخطة التي أعدتها كانت منسوخة من على شبكة الإنترنت، قبل أن يتم مؤخرا تكليف مصرف (كاك بنك) في صنعاء بإعداد الخطة البديلة.
ولفتت المصادر إلى أن دائرة الفساد الحوثي باتت الآن متجهة إلى شركة «تيلميمن» وهي مزوِّد الاتصالات والإنترنت في اليمن الخاضع للميليشيات، حيث يتم الضغط يوميا على رئيسها علي نصاري لصرف عشرات الملايين يوميا لمصلحة لوبي الفساد داخل الجماعة.
وعلى وقع الصراع المتصاعد، أوضحت المصادر أن المشاط أقدم مؤخرا على تعيين كثير من أتباعه في مصلحتي الضرائب والجمارك وأطاح قيادات وموظفين كانوا تابعين لمحمد علي الحوثي وعبد الكريم الحوثي.
وأكدت المصادر القريبة من أروقة الميليشيات الحوثية أن هناك مليارات الريالات تصرف باسم مشاريع وهمية من المؤسسات الإيرادية كالاتصالات والجمارك والضرائب لمصلحة المشاط وجناحه، في حين كانت هذه المبالغ سابقا يتقاسمها كل من عبد الكريم الحوثي ومحمد علي الحوثي، وبسببها - بحسب المصادر - أصبحا يملكان عقارات وشركات لا حصر لها كما استطاعا من خلالها تشكيل ولاءات كبيرة في أجهزة الجماعة المدنية والعسكرية والكيانات القبلية، وهو الأمر الذي بات يعمل عليه المشاط وأحمد حامد لبناء إمبراطوريتهما المالية.
وتوقعت المصادر أن يقود هذا التنافس المحموم بين قيادات الجماعة إلى صدام وشيك، بخاصة بعد أن شعر أقارب الحوثي أن الأخير بدأ يتخوف من هيمنتهم العسكرية والأمنية والمالية، وأعطى الضوء الأخضر للمشاط من أجل تقليم نفوذهم.
وكان المشاط أطاح محمد علي الحوثي بقرار رسمي من عضوية مجلس حكم الانقلاب، إلا أن الصدام الوشيك بينهما دفع زعيم الجماعة للتدخل والإبقاء على قريبه محمد علي الحوثي في المنصب والترويج لحكاية تعرض موقع الوكالة الحوثية للاختراق، في مقابل ضغطه على أعضاء المجلس لتمديد رئاسة المشاط لثلاث دورات متتالية، بخلاف اللائحة التي تنص على تدوير الرئاسة بين الأعضاء.
وذكرت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن محمد علي الحوثي بات في الآونة الأخيرة يقدم نفسه بأنه الحاكم الفعلي لمجلس حكم الانقلاب، من خلال إصراره على توجيه حكومة الانقلاب ووزرائها ومن خلال تصدر اللقاءات مع مسؤولي المنظمات الدولية الموجودة في صنعاء وزعماء القبائل.
وكان صراع الجماعة على النفوذ والأموال دفع محافظها في ذمار محمد حسين المقدشي إلى تقديم استقالته قبل أسابيع، متهما في بيان الاستقالة أقارب الحوثي المنتمين إلى سلالته بالفساد ونهب المال العام والتدخل في صلاحياته.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».