العراق بين مخاوف زعزعة الاستقرار ومخاطر التصعيد الأميركي ـ الإيراني

شهر نشاط من جهة واشنطن... قابله صمت في بغداد

العراق بين مخاوف زعزعة الاستقرار ومخاطر التصعيد الأميركي ـ الإيراني
TT

العراق بين مخاوف زعزعة الاستقرار ومخاطر التصعيد الأميركي ـ الإيراني

العراق بين مخاوف زعزعة الاستقرار ومخاطر التصعيد الأميركي ـ الإيراني

كان الشهر الماضي حافلاً بالنشاط من جهة الولايات المتحدة الأميركية حيال العراق، ومتسماً بالصمت من جانب الحكومة العراقية في بغداد. ففي أعقاب القرار الذي اتخذته وزارة الخزانة الأميركية بإدراج أربع شخصيات عراقية على لائحة العقوبات، بنحو أقل من أسبوعين، جرى الإعلان عن مشروع «قانون منع زعزعة استقرار العراق» الذي ينتظر إحالته إلى مجلس الشيوخ الأميركي بعد التصويت عليه من قبل مجلس النواب. وتزامنت هذه التطورات مع تطور خطير آخر، هو ما كشفت عن تقرير نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية، عن إقدام إسرائيل على قصف مقرات تابعة لفصائل عراقية مسلحة في العراق موالية لإيران. وأشار التقرير إلى استهداف الغارات الجوية الإسرائيلية أولاً كل منطقة آمرلي التابعة لمحافظة صلاح الدين، وثانياً معسكر أشرف في محافظة ديالى.
ولقد راح ضحية قصف هذا المعسكر طبقاً للتقرير عناصر من الحرس الثوري الإيراني، فضلاً عن كتائب «حزب الله».
الجهات الرسمية في العراق أحجمت عن الرد أو التعليق على قرار وزارة الخزانة الأميركية بإدراج أربع شخصيات عراقية على لائحة العقوبات، ومشروع «قانون منع زعزعة استقرار العراق». وأحجمت كذلك عن الرد على تقرير لصحيفة «التايمز» البريطانية، عن قصف إسرائيل مقرات تابعة لفصائل عراقية مسلحة في العراق موالية لإيران. وحقاً، باستثناء القرار الإجرائي الذي اتخذه البنك المركزي العراقي بتجميد الأصول المالية للشخصيات الأربع المستهدفة بالعقوبات الأميركية - وهي أحمد الجبوري (المعروف بـ«أبو مازن») ونوفل العاكوب وريّان الكلداني ووعد القدو - لم يصدر أي موقف رسمي من بغداد... لا بشأن مشروع «قانون منع زعزعة استقرار العراق»، ولا على تقرير «التايمز» عن القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية. واللافت أن النفي بشأن قصف المواقع صدر عن «هيئة الحشد الشعبي»، التي قالت إنها شكّلت لجنة للتحقيق في «حادثة» آمرلي، فاتضح (حسب الهيئة) أنه «لم يكن هناك قصف بل انفجار وقود صلب»، أما القصف على «معسكر أشرف»، فلم يُشِر إليه أحد داخل العراق.

تساؤلات وإيحاءات
ردود الفعل العراقية بشأن مشروع «قانون منع زعزعة استقرار العراق» تعكس الجدل السياسي في البلاد حيال كل شيء، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان التعبير عن موقف وطني موحّد إزاء قضايا يُفترض ألا تكون موضع جدل أو خلاف بين مختلف القوى والأطراف السياسية.
ففي الوقت الذي تساءل فيه محمد شياع السوداني، عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف «دولة القانون»، حول ما إذا كان هذا مشروع القانون هذا يعني «وصاية جديدة على العراق... أم لجعل العراق ساحة اشتباك مع دول الجوار»، فإنه أجاب على تساؤله بنفسه بالقول إن «هي إلا كلمة حقّ يراد بها باطل». وأردف السوداني أن مشروع القانون، الذي أصبح مثار جدل في الأوساط السياسية العراقية، ينصّ على أنه يحقّ للرئيس الأميركي «فرض عقوبات على أي أجنبي ينوي القيام - متعمداً - بأي شكل من أعمال العنف، له غرض أو تأثير مباشر على تهديد السلام والاستقرار في العراق، أو حكومة العراق وتقويض العملية الديمقراطية فيه، أو تقويض الجهود الكبيرة لتعزيز البناء الاقتصادي والإصلاح السياسي أو تقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب العراقي».
كذلك يشترط مشروع القانون على وزير الخارجية الأميركي مسؤولية «إعداد قائمة معلومات وحفظها ونشرها وتجديدها سنوياً، عن مختلف الجماعات المسلحة والميليشيات أو (القوات بالوكالة) في العراق التي تتلقى مساعدة لوجيستية أو عسكرية أو مالية من الحرس الثوري الإيراني. وهذا، فضلاً عن ممارسة الإرهاب داخل العراق، وتحديد إذا ما كان ينبغي معاقبة الأفراد المُدرَجين في القائمة، وإذا كان ينبغي عد الأشخاص المرتبطين بتنظيمات معينة إرهابيين ومعاقبتهم».
ولئن كان السوداني قد طرح تساؤلات ذات إيحاءات معينة، في إشارة إلى أن مشروع القانون هذا يأتي في وقت تزايدت فيه مخاطر التصعيد الأميركي - الإيراني، الذي لن يكون العراق في معزل عنه، فإن أكاديميين عراقيين آخرين كانت لهم حيال مشروع القانون آراء تكاد تكون متطابقة من حيث المضامين، إذ رأى الدكتور حسين علاوي، رئيس مركز «أكد» للدراسات الاستراتيجية، في حديث له مع «الشرق الأوسط» أن «القانون يأتي كالتزام من قبل الدولة الأميركية، بقيادة الكونغرس والأحزاب والرئيس ونائب الرئيس في الولايات المتحدة الأميركية، بدعم الدولة العراقية والحفاظ على الأمن والاستقرار كمسؤولية أخلاقية وتحالف سياسي مع الدولة العراقية، وكالتزام سياسي بالحفاظ على الأمن والاستقرار بعد دحر كيان (داعش) الإرهابي».
وأضاف الدكتور علاوي أن «الولايات المتحدة تريد أن يكون العراق بعيداً عن الصراع الأميركي - الإيراني وعمليات التصعيد الجارية. ولذلك هي ستقف مع الحكومة العراقية والشعب العراقي». واستطرد موضحاً أن «هناك استراتيجية أميركية جديدة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب تقوم على فلسفة الارتباط الصلب، وهي لأول مرة بعد سياسة الرئيس جورج بوش (الابن) السابق، تعود بواشنطن لاتباع استراتيجية الارتباط الصلب بدل المرن التي اتُّبعت في ظل الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان قد أثّر كثيراً في مكانة دعم العراق في القرار الأميركي». وتابع علاوي مشيراً إلى أن «المصالح الأميركية كبيرة في العراق، وجزء أكبر منها هو التزام واشنطن باستقرار العراق سياسياً وأمنياً واجتماعياً».

عودة التأثير الأميركي
أما الخبير الأمني سعيد الجياشي، فإنه يرى أن مشروع «قانون منع زعزعة استقرار العراق» أعاد العراق إلى التأثير الأميركي المباشر في هيكلية النظام السياسي، مع قدرة محاسبة واضحة... وفق ما جاء في نص مشروع القانون الذي لم يحدد في نصوصه معايير واضحة للعمل به. ويضيف الجياشي في حواره مع «الشرق الأوسط» أنه «إذا اكتملت دورة إقراره من مجلس الشيوخ والبيت الأبيض نكون أما مع وضع جديد تماماً من خلال مراحل تنفيذه في طياتها خطورة أكثر من (قانون تحرير العراق) الذي شرّعه الكونغرس الأميركي عام 1998». ويوضح الجياشي أن «من المتوقّع أنه سيكون لهذا القانون وصلاحياته قدرة عالية على إزالة مَن تريد من الشخصيات، وتقويضها، أو تجميد الشركات والحسابات وإيقافها، ومصادرة أموال مع تقويض مستمر لما تراه يمثل تهديداً لاستقرار العراق، وفق هذا القانون الذي معاييره غير واضحة».
وينبّه الخبير الأمني إلى أنه «من المهم أن تهتم الحكومة وقنوات الدولة بمراجعة وبحث أسباب تحريك القانون حالياً، رغم مرور فترة سنتين على الشروع بتشريعه؛ إذ ربما كان هناك ربط واضح في التوتر المتصاعد بين إيران وأميركا وعلاقة العراق بهما، وإمكانية أن يكون العراق منطقة اشتباك بينهما... والقادم، وفق هذا القانون، ينذر بتصعيد متعدد الاتجاهات والمجالات».
في السياق نفسه، يقول الدكتور إحسان الشمري، رئيس «مركز التفكير السياسي» لـ«الشرق الأوسط» معلقاً إن «هذا القانون، بعد التصويت عليه من قبل مجلس الشيوخ الأميركي، في أعقاب إقراره من قبل مجلس النواب، سيفتح الباب أمام الرئيس الأميركي لاتخاذ إجراءات عقابية إضافية بحق إيران»، ثم أردف أن «هذا القانون يأتي بمثابة تحدٍّ ليس فقط للحكومة العراقية الحالية، وإنما هو تحدٍّ ماثل للقوى السياسية لاعتماد موقف يتماهى مع مصلحة العراق، ثم إنه يشكل تحدياً حقيقياً للفصائل المسلحة التي أشار لها هذا القانون، ولشكل علاقتها مع إيران».

التدخل العسكري... ممكن
ومن ثم لاحَظ الدكتور الشمري أن «القانون يتيح للرئيس الأميركي التدخل عسكرياً في العراق، لحمايته من أي مؤثرات تقوّض العملية الديمقراطية»، واستطرد شارحاً: «هذا القانون يتماشى مع الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، التي يكفل أحد بنودها الحق للقوات الأميركية في التدخل عسكرياً تجاه كل ما يزعزع أو ينوي لإسقاط الحكم الديمقراطي في العراق». وأشار إلى أن «القانون مرَّ بمراحل طويلة، حيث يبدو أن هناك قلقاً أميركياً حيال الجهات التي تمتلك السلاح في العراق. وبالتالي، فإنه سيترتب عليه أمور كثيرة، وبالأخص لجهة إعلان الجهات المقربة من إيران على لائحة الإرهاب الأميركية. وأنا لا أستبعد أن يجري تخادم ما بين هذا القانون واتفاقية الاتفاق الاستراتيجي التي تتيح للولايات المتحدة الأميركية التدخل عسكرياً إذا ما وجدت أن الديمقراطية في العراق مهددة. وهذا يعني أن احتمالية التدخل العسكري قد تكون واردة في حال حوّلت بعض الجهات العراق إلى (أرض احتكاك) أو هددت العملية السياسية، أو حاولت خرق سيادة العراق أو نظامه الديمقراطي».

«داعش» خلف الباب
من ناحية أخرى، واصل الجيش العراقي على مدى الشهرين الماضيين حربه ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، أمام خلفية محاولات البلاد الخروج من عنق زجاجة مشاكلها الداخلية. وللعلم، تبدأ هذه المشاكل من تعذر إكمال تشكيل الحكومة (حيث لا تزال حقيبة وزارة التربية شاغرة)، ولا تنتهي بالجدل حول مُخرجات البرنامج الحكومي، الذي تقول الحكومة إن نسب الإنجاز فيه تعدت الـ79 في المائة... بينما تقول لجنة متابعة البرنامج في البرلمان العراقي إن المنجز لم يتعد الـ36 في المائة.
العملية العسكرية الجديدة ضد هذا تنظيم «داعش» أطلق عليها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي اسم «إرادة النصر». ولقد بدأت منذ أيام صفحتها الثالثة بهدف مطاردة عناصر «داعش» داخل محافظات ديالى وكركوك ونينوى. ومع إعلان الجيش العراقي تحقيقه «انتصارات كبيرة» على هذا التنظيم، بما في ذلك اختراق منظومته الخاصة، وتجنيد عناصر منه لصالح الجهد الاستخباري العراقي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن «(داعش) عاود ظهوره في العراق وسوريا».
التقرير الأميركي يقول إنه «رغم خسارته خلافته على المستوى الإقليمي فإن تنظيم (داعش) في العراق وسوريا عزّز قدراته في العراق واستأنف أنشطته في سوريا خلال الربع الحالي من السنة».

تقرير «البنتاغون»
وأضاف تقرير «البنتاغون» أن «التنظيم استطاع توحيد ودعم عمليات في كلا البلدين، والسبب في ذلك يرجع بشكل جزئي إلى كون القوات المسلحة غير قادرة على مواصلة عمليات طويلة الأجل أو شن عمليات متزامنة (في وقت واحد) أو الحفاظ على الأراضي التي استعادها». وفي هذا السياق يقول الدكتور هشام الهاشمي، الخبير المتخصّص بشؤون الجماعات المسلحة لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم أن شبكات فلول (داعش) عادت لتنشط بشكل فاعل في كل من مثلث غرب صلاح الدين وجنوب نينوى وشمال الأنبار، ومثلث شمال شرقي ديالى وشرق صلاح الدين وجنوب كركوك، فإن عودته في غرب العراق تختلف عن عودته في شرق العراق».
ويضيف الهاشمي شارحاً أن «بنيته في غرب العراق يغلب عليهم الطابع العشائري المحلي، على عكس شرق العراق الذي يشكل فيه الفلول من العشائر غير المحلية غالبية واضحة أو قيادة مسيطرة».
ويتابع الهاشمي إن «مقارنـة اعترافات فلول تنظيم (داعش) الذين أُلقِي القبض عليهم خلال عامي 2018 و2019. تظهـر عـلى نحـو جـلي ارتفـاع نسـبة مَن اعترفوا بأن نظرتهـم تجـاه عقيدة ومنهج (داعش) نظرة سـلبية عند فلول غرب العراق، وذلك لأن معظمهم كان انضمامهم لأسباب اقتصادية وليست عقائدية أو دينية فقهية. ويتضـح هـذا الأمـر، عـلى نحـو واضح، لدى جميـع اعترافات الموقوفين أو المسجونين من تلك المناطق». ثم يؤكد الدكتور الهاشمي أن «تطلـع فلول (داعش) إلى كسر الحـدود بين العراق وسوريا، إنمـا يمثـل قمة أهدافها المقبلة، وسـعيها لتأسيس الخلافـة المزعومة التـي تقـوم على أسـاس البيعة لأبو بكر البغدادي. عملياتهم هناك قد تمهّد إلى تخادم الولايات المتحدة كما تخادمت مع الفصائل السلفية في أفغانستان بالضد من السوفيات». ويمضي الهاشمي في شرحه قائلاً إن «العراق بحاجة إلى سـند اسـتراتيجي واضـح. ويبـدو أنـه رغم أن الحكومة العراقية لا تسـتطيع الإقـرار بذلـك صراحـة. فالسند الاسـتراتيجي والعسكري الوحيد والعملي بالنسـبة إليـها هـو التصالح مع الشعب العراقي، حيث إن النصر العسكري الذي تحقق بطــرد (داعش) مــن المناطـق ذات الغالبية الســنّية في غرب وشرق العــراق ضرورة حيويــة، لكــن مجــرد هزيمــة «داعش» عسكرياً لـن تحــدث فرقــاً جذرياً إذا لم تنفذ برامج تمكين الاستقرار وإعادة الإعمار وإنهاء ملف النازحين كما هو مخطط».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».