كيفية النجاح كخبير استثمار مستقبلي

غاري بيكر
غاري بيكر
TT

كيفية النجاح كخبير استثمار مستقبلي

غاري بيكر
غاري بيكر

أصبحت الروبوتات تحل محل عمال المصانع، وأصبحت برامج المحادثة الآلية تحل محل موظفي مراكز الاتصال، ناهيك بأن الخوارزميات الرياضية أصبحت تحل محل المتداولين. وإذا ما أردنا استعراض الوظائف المتأثرة بالأتمتة والتقنيات، سنجد أن القائمة تطول. فما الذي يحمله المستقبل لخبراء إدارة الاستثمار وكيف يمكنهم النجاح في هذا الوضع الجديد؟
يواجه الخبراء في مجال إدارة الاستثمار إحلالاً تكنولوجياً متسارعاً، حيث يتوقع ما يقرب من نصف خبراء الاستثمار حول العالم الذين شاركوا في استبيان معهد المحللين الماليين المعتمدين لإصدار تقرير جديد بعنوان «خبراء الاستثمار المستقبليون»، أن تتغير أدوارهم بدرجة كبيرة خلال العقد القادم. ويجب على خبراء الاستثمار الحاليين والمستقبليين الاستعداد -من الآن- للنجاح في المستقبل الذي سيتزايد فيه الاعتماد على التقنيات التكنولوجية بدرجة كبيرة.
وبطبيعة الحال، تعد التكنولوجيا المالية (فينتك) من أهم عوامل الإحلال التكنولوجي في زماننا هذا. ودعونا نبدأ بذكر حقيقة أساسية: لا مفر من استمرار التغير الناتج عن التقنيات التكنولوجية في مجال أعمالنا. ويعني ذلك أن على خبراء إدارة الاستثمار تبني التكنولوجيا وإتقانها، بصرف النظر عن أدوارهم، والتركيز على تحقيق معادلة المهارات الجديدة، وهي الدمج بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.
لقد أصبح الدمج بين هذين العنصرين أكثر أهمية من كل منهما على حدة، ذلك أن الدمج بينهما يتيح الاستفادة من مزايا كل منهما. ويتطلب التفاعل الجديد بين الإنسان والآلة أن يكون هناك تعاون بين العنصر البشري والذكاء الاصطناعي، ولا شك أن الخبراء الذين يتمكنون من تحقيق التوازن المناسب في هذا الشأن هم من سيجنون ثمار ذلك.
وفي ظل الأتمتة التقنية للعديد من الجوانب في عملية الاستثمار، يصبح هناك دور أبرز للمهارات الشخصية لدى خبراء الاستثمار، مثل: التواصل والقيادة والقدرة على الإنصات والتعاطف وبناء العلاقات والإبداع وغير ذلك الكثير. ويرجع ذلك إلى أن تلك المهارات ليست متعلقة بأدوار أو مناصب معينة، وكثيراً ما يكون هناك نقص فيها في مجال من المتعارف أنه يحتاج إلى المهارة التقنية والكمية. وقد أدى بنا هذا إلى عدم التوافق بين المهارات التقنية المتعمقة التي يكتسبها الخبراء وبين ما يتطلبه فعلياً العديد من العملاء وأصحاب العمل.
تتزايد أهمية الخبرة والقدرة على إصدار الأحكام عندما يكون للقرارات المطلوب اتخاذها تأثير أكبر وتنطوي على مخاطر أعلى. فلا يمكن لأي موقع إلكتروني أو تطبيق أو برنامج الدفاع عن مصالح المستثمرين مثلما يفعل الخبراء. ولا يمكن لأي روبوت التعامل مع الشكوك المحيطة بالاستثمار وقلة البيانات والمخاطر الضمنية مثل أي مستشار مؤتمن.
لذلك، يجب أن يتحول القطاع من تقديم المزيد وبوفرة من المنتجات إلى توفير حلول تلبي احتياجات العملاء. وبذلك، تصبح أهم المهارات المطلوبة في المستقبل هي المهارات القائمة على الحلول مثل فهم احتياجات العملاء بهدف تحقيق النتائج المنشودة.
من الملاحظ زيادة اتجاه المستثمرين من الأفراد والمؤسسات نحو المنتجات الاستثمارية ذات غايات أسمى. وسيتطلب هذا التركيز على الاستثمار المؤثر والاستدامة التدريب على التحليلات المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وعلى الإدارة الرشيدة على نطاق أوسع. وقد أظهر مستثمرو المستقبل -وأغلبهم من النساء ومن جيل الألفية- حرصهم الشديد على الاستثمار في تلك المنتجات.
لقد أظهرت أبحاثنا أن 73% من المستثمرين المشاركين في الاستبيان يضعون العوامل المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في عين الاعتبار. ونعتقد أن هذه النسبة سترتفع في السنوات القادمة. ولا شك أن هذا يمثل فرصة حقيقية في السوق، ويجب على خبراء الاستثمار المستقبليين الانتباه إليها.
ومن الأمثلة على ذلك أن تأثير التغير المناخي أصبح يلقى صدى كبيراً لدى المستثمرين. ففي الوقت الذي يتزايد فيه عدد المستثمرين الساعين لعدم التسبب في أي ضرر نتيجة استثماراتهم، يُتوقَّع من خبراء الاستثمار المستقبليين عدم الاكتفاء بالاهتمام بالعوائد المالية فقط عند إدارة محافظ الاستثمار، وإنما الانتباه كذلك إلى كيفية تأثير التغير المناخي على استثماراتهم ومدى نجاح الشركات في الحد من التأثير البيئي لها.
وقد أصبح بإمكان طلاب ماجستير إدارة الأعمال في الكليات الرائدة لإدارة الأعمال على مستوى العالم الحصول على دورات في التمويل المستدام، ويجب على الخبراء الماليين العاملين في المجال في الوقت الحالي تطوير خبراتهم في هذا الموضوع أيضاً. ولذلك، أطلقت جمعية المحللين الماليين المعتمدين في المملكة المتحدة مؤخراً شهادة معتمدة في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لتلبية هذه الحاجة.
يتيح النمو المستمر في الاستثمار في السوق الخاصة -والانكماش المتزامن في الأسواق العامة- فرصاً لخبراء الاستثمار في مجال آخر. فإذا توسّعنا في تعريف الإدارة الفعالة لتشمل الاستثمارات غير المُدرجة، سنجد أن الاستثمار النشط موجود وناجح، حيث تلجأ المؤسسات الاستثمارية إلى الأسواق الخاصة من أجل تحقيق عوائد أعلى. وفي تلك الحالة، سيجد الخبراء الذين يتمتعون بالخبرة والمرونة التي تمكّنهم من تقييم هذه الأنواع من الأصول، حتى في عدم وجود نماذج مقارنة في القطاع العام، مجالاً لتطبيق مهاراتهم.
وفي ظل هذا التغير الكبير، تتزايد أهمية التعلّم المستمر طوال الحياة المهنية للشخص. فليست هناك نهاية لرحلة التعلّم طوال الحياة المهنية، ويجب على خبراء الاستثمار بذل جهد حقيقي في مهنهم واتباع نمط تفكيري يركز على النمو ويدفعهم إلى مواصلة التعلّم.
تشير تقديرات إحدى شركات الاستشارات، وهي شركة «أوبيماس»، إلى أن 90 ألف وظيفة في مجال إدارة الصناديق على مستوى العالم ستختفي خلال العقد القادم بسبب تبني الذكاء الاصطناعي. ومن الأمور الأخرى التي تبعث على التفاؤل، النمو الذي نراه في مجالات أخرى، خصوصاً في إدارة الثروات والأسواق الناشئة والتطور طويل الأجل للأسواق الخاصة كوسيلة استثمارية للأفراد على المدى البعيد.
وهناك شيء واحد مؤكد: في ظل التحول الذي يشهده مجال الاستثمار بسبب وتيرة التغير غير المسبوقة، يجب على خبراء الاستثمار المستقبليين مواكبة ذلك التحول ومواجهة التحديات الجديدة واغتنام الفرص المتاحة أمامهم للنجاح في عملهم. ورغم أن المهارات الاستثمارية الأساسية ستظل ضرورية، فإن القدرة على مواكبة هذا التحول ستكون حيوية هي الأخرى.
- محلل مالي معتمد والمدير التنفيذي لمعهد المحللين الماليين المعتمدين في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ومتخصص في البحوث المتعلقة بالسياسات والقطاعات


مقالات ذات صلة

صندوق النقد يتوقع استقرار النمو العالمي عند 3.3 % في 2025 و2026

الاقتصاد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا خلال اجتماعات صندوق والبنك الدولي في واشنطن 25 أكتوبر 2024 (رويترز)

صندوق النقد يتوقع استقرار النمو العالمي عند 3.3 % في 2025 و2026

توقع صندوق النقد الدولي أن يظل النمو العالمي ثابتاً عند 3.3 في المائة خلال العامَيْن الحالي والمقبل، وهو ما يتماشى بشكل عام مع الاتجاهات العالمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداول في بورصة نيويورك للأوراق المالية (رويترز)

«غولدمان ساكس»: عمليات إعادة شراء الأسهم الأميركية قد تتجاوز تريليون دولار

تكتسب سوق الأسهم الأميركية زخماً متزايداً في ظل الترقب العالمي لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وهو حدث يتوقع المستثمرون أن يكون له تأثير ملحوظ.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد متداولون يعملون في قاعة بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

«حراس السندات»... القوة الخفية التي تهدد خطط ترمب الاقتصادية

مع مساهمة الأسواق في توجيه قرارات السياسة، أصبح «حرَّاس السندات» بمثابة القوة الخفية التي تحدد مصير الرؤساء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد أوراق نقدية بقيمة 100 دولار أميركي (رويترز)

ترمب يعيد الدولار إلى الواجهة وسط توقعات اقتصادية داعمة

دفعت عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض والتوقعات الباهتة بشأن خفض أسعار الفائدة بشكل حاد، الدولار إلى أعلى مستوياته في عدة سنوات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث إلى الصحافيين بعد اجتماع مع القيادة الجمهورية في الكابيتول (أ.ب)

البنك الدولي يحذر من تأثيرات الرسوم الجمركية الأميركية على النمو العالمي

حذَّر البنك الدولي من أن الرسوم الجمركية الأميركية الشاملة المتوقع أن تبلغ 10 في المائة قد تقلِّص النمو الاقتصادي العالمي الضعيف بالفعل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أمين عام «أوبك»: ليبيا تلعب دوراً حيوياً في سوق النفط العالمية

أمين عام «أوبك» هيثم الغيص خلال كلمته في «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد» (إكس)
أمين عام «أوبك» هيثم الغيص خلال كلمته في «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد» (إكس)
TT

أمين عام «أوبك»: ليبيا تلعب دوراً حيوياً في سوق النفط العالمية

أمين عام «أوبك» هيثم الغيص خلال كلمته في «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد» (إكس)
أمين عام «أوبك» هيثم الغيص خلال كلمته في «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد» (إكس)

قال أمين عام منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، هيثم الغيص، إن ليبيا تلعب دوراً حيوياً في «أوبك» وسوق النفط العالمية، «ولديها الموارد والقدرة على الإسهام بشكل كبير في مستقبل الطاقة».

وأوضح الغيص -خلال كلمته في «قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد 2025»، التي أُقيمت في طرابلس بليبيا، السبت وتستمر حتى الأحد، تحت عنوان «دور ليبيا شريكاً عالمياً يوفّر أمن الطاقة»-، أن التعاون بين «أوبك» وليبيا، العضو في المنظمة، مستمر، وقال: «نتطلّع في (أوبك) إلى مواصلة العمل مع رئيس وفد الحكومة، الدكتور خليفة رجب عبد الصادق».

وشكر الغيص رئيس الوزراء الليبي، عبد الحميد الدبيبة، على دعم حكومته المستمر لمنظمة «أوبك»، وكذلك دعمهم إعلان التعاون بين «أوبك» والمنتجين من خارجها.

وكان رئيس حكومة الوحدة الليبية، قد أعلن مؤخراً «تضاعف إنتاج النفط من 800 ألف برميل في 2020؛ ليصل إجمالي الإنتاج حالياً إلى 1.67 مليون برميل يومياً».

وقال، السبت، إن «المؤسسة الوطنية للنفط» تستعد لإطلاق جولات إعلان جديدة؛ بهدف تعزيز الاحتياطي النفطي وزيادة القدرة الإنتاجية.

وعلى هامش القمة التقى جمال عيسى اللوغاني، الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، الدبيبة، وقد تمّ خلال اللقاء «تبادل أطراف الحديث حول نشاط المنظمة الحالي ودورها المستقبلي والدور المؤمل من دولة ليبيا القيام به؛ كونها من الدول المؤسسة لهذه المنظمة، إلى جانب المملكة العربية السعودية ودولة الكويت».

‏وأوضح بيان من «أوابك»، أن اللقاء عكس «حرص ليبيا على تقديم جميع الدعم اللازم إلى (المنظمة) لتحقيق أهدافها المستقبلية، والمتعلقة بتحولها إلى منظمة طاقة عربية مهتمة بجميع مصادر الطاقة دون استثناء، واهتمامها أيضاً بكل ما يتعلّق بقضايا البيئة وتغير المناخ، والدور المهم الذي ستقوم به المنظمة للدفاع عن مصالح دولها الأعضاء في جميع المحافل الدولية».