دخلت العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، منعطفاً أمنياً جديداً، أمس، ينذر بالشروع في انقلاب على الحكومة الشرعية، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد أن أعلن قادة ما يُعرَف بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» النفير لاقتحام القصر الرئاسي الموجود في منطقة معاشيق.
وفي حين بدأت الأحداث بمشاركة الآلاف من أتباع «الانتقالي» الذي يتزعمه محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، في تشييع جثمان القيادي في الحزام الأمني العميد منير اليافعي، المعروف بـ«أبو اليمامة»، إلى مقبرة قريبة من القصر الرئاسي تطور الأمر إلى اشتباكات متبادلة بين مسلحي «الانتقالي» وحرس القصر الرئاسي.
وعلق نائب رئيس الوزراء اليمين وزير الداخلية، أحمد الميسري، بالقول إن الأحداث التي شهدتها عدن أمس أريد لها إحداث الفتنة وضرب السكينة والأمن والاستقرار من قبل عناصر معروفة لدى الجميع.
وأوضح الوزير في كلمة له بثتها قنوات فضائية محلية، أن «الفتنة دبت بعد استشهاد اللواء منير اليافعي أبو اليمامة قائد قوات الدعم والإسناد، بأيادي الحوثيين الإجرامية، وما تبعتها من أحداث تم الترتيب لها لاستغلال جثة الشهيد لأغراض سياسية لا يمكن لها الوصول إلى مبتغاها؛ لذلك مارسنا الحلم والحكمة والصبر للحفاظ على السكنية العامة والاستقرار».
ووصف الميسري بيان بن بريك بأنه موتور، متهماً إياه بأنه «يهدف إلى إحداث الفتنة، ودعا إلى النفير العام، وتحدث باسم أبناء الجنوب عامة، وأعلنها صراحة بالحرب على مؤسسات الشرعية».
ودعا وزير الداخلية اليمني أبناء عدن إلى الهدوء والصبر قائلاً: «نحن قادرون على التعاطي مع الممارسات اللامسؤولة، وسنقوم بواجبنا على أكمل وجه، ونطلب ممن دعاهم بن بريك إلى عدم الاستجابة لهذه الدعوات القاتلة لأن هدفها الحرب، وهي لا تخدم إلا الحوثي وحده». مضيفاً: «وقد أبلغنا التحالف رفضه هذه الممارسات، ونطلب من الجميع الهدوء والصبر والثقة في قدرتنا على تجاوز الأزمة (...) وندعو قيادات (الانتقالي) من العقلاء أن يعلنوا موقفاً واضحاً... هل تباركون ما يدعو إليه أو هل يتحدث بن بريك باسمكم أم يتحدث باسمه؟».
وفي سياق ردود الأفعال، قال السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل أرون، على حسابه في «تويتر»: «أعرب عن قلقي البالغ بخصوص التطورات الأخيرة في عدن، وأدعو جميع الأطراف للتهدئة. أدين كذلك بشدة استهداف معسكر الجلاء الذي أودى بحياة الكثيرين، وفي الوقت نفسه فإنه من غير المقبول استخدام هذا الهجوم لتهجير الشماليين البسطاء وبدء صراعات مسلحة بين القوات الجنوبية والحكومة الشرعية».
من ناحيته، ذكر الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في تغريدة على حسابه في «تويتر»: «التطورات حول قصر المعاشيق مقلقة، والدعوة إلى التهدئة ضرورية، ولا يمكن للتصعيد أن يكون خياراً مقبولاً بعد العملية الإرهابية الدنيئة، الإطار السياسي والتواصل والحوار ضروري تجاه ارهاصات وتراكمات لا يمكن حلها عبر استخدام القوة».
وفيما زعم نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك أن قوات الحماية الرئاسية التي يقودها نجل الرئيس عبد ربه منصور هادي أطلقت النار على مشيّعي الجنازة، اعتبر ذلك سبباً كافياً لإعلان النفير العام واقتحام القصر للقضاء على مَن وصفهم بأتباع حزب «الإصلاح».
وظهر بن بريك على قناة تلفزيونية موالية للمجلس مع مجموعة من قيادات الانتقالي الذي يطالب بفصل جنوب اليمن عن شماله، واستعادة الدولة التي كانت قائمة قبل الوحدة الطوعية بين الشطرين في 1990، داعياً أتباعه إلى النفير، وإسقاط قصر «معاشيق».
وذكرت مصادر حكومية لـ«الشرق الأوسط» أن القصر خالٍ من أعضاء الحكومة، إلا أن مقربين من وزير النقل في الحكومة الشرعية صالح الجبواني بثوا صوراً للوزير، وهو في مكتبه بالقصر وأمامه سلاحه الشخصي، ولم يتسنَّ لـ«الشرق الأوسط» التأكد من صحة المعلومة من مصدر مستقل.
وذكرت مصادر أمنية وطبية أن قتلى وجرحى سقطوا في الساعات الأولى من الاشتباكات بين أتباع الانتقالي وقوات الحماية الرئاسية في محيط معاشيق، في وقت انتقل التوتر الأمني من مديرية كريتر حيث يقع القصر الرئاسي إلى مديرية خور مكسر، بالقرب مع معسكر بدر الذي يسيطر عليه عسكريون موالون للحكومة الشرعية، حيث سمع إطلاق نار متقطع كما أغلقت الشوارع المجاورة للمعسكر.
ودعا القيادي بن بريك الذي كان وزيراً سابقاً للدولة في الحكومة الشرعية لإسقاط مَن وصفهم بـ«الخونة الذين ينتمون إلى ميليشيات حزب الإصلاح في قصر (معاشيق)»، على حد تعبيره. وقال: «من هنا نعلن لكافة قيادات المقاومة الجنوبية النفير العام والاستعداد الكامل التام للوقوف مع شعبنا الأعزل».
وفي تغريدة تالية على «تويتر»، زعم نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي أن أتباعه الذين أطلق عليهم وصف «القوات الجنوبية» لن يتعرضوا إلا لمن وصفهم بـ«الإرهابيين»، داعياً المنتسبين إلى الحرس الرئاسي من الجنوبيين إلى إلقاء أسلحتهم مقابل تأمينهم.
وفي حين طالب ناشطون يمنيون الحكومة الشرعية بسرعة اتخاذ مواقف تحفظ هيبتها في المدينة، أصدرت قوات الحماية الرئاسية بياناً أكدت فيه أنها بكل تشكيلاتها تحترم حرية التعبير الشعبية، لكنها توعدت بالدفاع عن القصر الرئاسي.
وتتولى قوات اللواء الأول حماية رئاسية بقيادة العميد الركن سن الرهوة حماية القصر، وسط أنباء عن وجود العميد ناصر هادي نجل الرئيس اليمني في المدينة لمساندة القوات التي يتولى قيادة الألوية التابعة لها.
وقالت قوات الحماية الرئاسية في بيانها إنها «لن تعترض أو تفضَّ أي تجمع شعبي سلمي في سبيل ذلك، لكنها لن تسمح بتجاوز الحدود، كالذي يُشاع عن اقتحام القصر الرئاسي والمؤسسات السيادية التابعة للدولة».
وأضافت أنها «ستقوم بحماية كل ما يقع تحت سلطتها والتصدي لكل ما يعكر الأمن والسلم الاجتماعي بأي طريقة كانت».
وأعادت المواجهات التي بدأت في عدن أمس الذاكرة إلى الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة أواخر يناير (كانون الثاني) 2018، بعدما حاول أتباع الانتقالي الجنوبي إسقاط الحكومة الشرعية بالقوة، وهي المواجهات التي عمَّت أغلب مناطق المدينة، وسقط خلالها نحو 50 قتيلاً إضافة إلى عشرات الجرحى على مدار أيام من الاشتباكات التي كانت توقفت بعد تدخل حاسم من قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية.
وكان هجوم حوثي مزدوج بصاروخ باليستي وطائرة مسيرة، الخميس الماضي، على معسكر الجلاء في مديرية البريقة غرب عدن أدى إلى مقتل 36 جندياً، بينهم القيادي في الحزام الأمني، وقائد اللواء الأول دعم وإسناد منير اليافعي (أبو اليمامة)، وهو ما اعتبرته قيادات الانتقالي الجنوبي لاحقاً أمراً مدبراً لتصفية القائد الموالي لهم، مشيرين بأصابع الاتهام إلى حزب «الإصلاح»، رغم اعتراف الحوثيين أنفسهم وتبينهم للهجوم.
ودعا قادة «الانتقالي»، منذ أيام، أتباعهم من جميع المناطق الجنوبية للتوافد إلى مدينة عدن للمشاركة في تشييع جثمان «أبو اليمامة» متوعدين بالثأر له، قبل أن تتطور الأحداث، أمس، على نحو دراماتيكي ويدعو بن بريك إلى النفير لاقتحام القصر الرئاسي.
وذكر شهود لـ«الشرق الأوسط» أن الاشتباكات امتدت لتشمل، أمس، قوات من «لواء بدر» الموالي للشرعية، وأخرى موالية للمجلس الانتقالي في خور مكسر، وسط حالة من الذعر خيمت على سكان الأحياء المجاورة، حيث سُمِع تبادل إطلاق النار وصولاً إلى منطقة جزيرة العمال.
وكان أتباع «الانتقالي الجنوبي» أصدروا بياناً، أول من أمس (الثلاثاء)، وصفوا فيه الحكومة الشرعية بأنها حكومة «احتلال» داعين إلى مغادرتها الفورية مدينة عدن «ونقل كامل السلطات من المناطق الجنوبية سلمياً»، و«إخلاء كافة الوحدات العسكرية الشمالية المتمركزة في أرض الجنوب، ونقلها إلى جبهات الحرب ضد الحوثي في الشمال» وترك مهام تأمين عدن لقوات الدعم والإسناد الموالية للمجلس الانتقالي.
ودعا البيان الرئيس هادي والتحالف الداعم للشرعية إلى تمكين «الانتقالي» من إدارة أرض الجنوب بحدود ما قبل 21 مايو (أيار) 1990. وإدارة موارد جنوب اليمن بسلاسة دون تأخير، متهماً الشرعية بالشراكة مع الحوثيين و«داعش» في تنفيذ الهجمات الأخيرة على العاصمة المؤقتة عدن.
وفي أول تعليق أممي على التطورات الأمنية في المدينة، عبر المبعوث إلى اليمن مارتن غريفيث عن قلقه، وقال في تغريدة على «تويتر»: «أشعر بالقلق من التصعيد العسكري في عدن، اليوم (أمس)، بما في ذلك التقارير عن الاشتباكات في محيط القصر الرئاسي، كما أنني أشعر بقلق عميق من الخطاب السائد في الآونة الأخيرة الذي يشجع على العنف ضد المؤسسات اليمنية».
وكان غريفيث التقى، في العاصمة الأردنية، عمان، حيث مكتبه الدائم، رئيس «الانتقالي الجنوبي» عيدروس الزبيدي، في سياق سعيه لإحلال السلام في اليمن، والتشاور مع مختلف المكونات والأحزاب والقوى الفاعلة على الأرض.
نفير «الانتقالي» يهدد عدن بانقلاب جديد
اشتباكات في محيط القصر الرئاسي وتوتر أمني يخيم على المدينة
نفير «الانتقالي» يهدد عدن بانقلاب جديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة