سيندي تشاو... فنانة دخلت مجوهراتها المتاحف والمزادات

اقتحمت عالماً ذكورياً وتفوقت فيه بالفن

سيندي تشاو... فنانة دخلت مجوهراتها المتاحف والمزادات
TT

سيندي تشاو... فنانة دخلت مجوهراتها المتاحف والمزادات

سيندي تشاو... فنانة دخلت مجوهراتها المتاحف والمزادات

لا يُمكن تصور تكاليف الحراسة في معرض «ماستربيس» الذي شهدته منطقة «تشيلسي» الراقية بلندن مؤخرا. فالمعرض احتضن كل غال ونفيس في مجال الفن، من لوحات إلى منحوتات وأنتيكات ومجوهرات تُقدر بالملايين. فهذه الفعالية نخبوية موجهة للأثرياء فقط وعشاق اقتناء كل ما هو فريد. السؤال عن السعر غير وارد، بل يمكن اعتباره منافيا للإتيكيت. السبب أن قطعة مجوهرات، مثلا، استغرقت 5 سنوات لتنفيذها لم تعد مجرد قطعة للزينة. هذا على الأقل ما تؤكده أعمال الفنانة التايوانية الأصل، سيندي تشاو، التي أصبحت وجها مألوفا في مثل هذه المعارض، إن لم نقل إحدى نجومها. فقد حصلت على جائزة عن تصميم عقد «وينتر ليفس» أي أوراق الشتاء في عام 2016 باعتباره أفضل قطعة مجوهرات في معرض «بينالي باريس» الذي كانت فيه أول مصممة مجوهرات آسيوية تُدعى رسميا للمشاركة فيه. وفي هذه المرة أيضا دُعيت إلى معرض «ماستربيس لندن» حيث فازت بجائزة مماثلة عن بروش يحمل اسم «بيوني». كانت المرّة الأولى التي يُسلّم فيها المعرض هذه الجائزة إلى قطعة مجوهرات، لما يُجسّده من حرفيّة معاصرة وروعة في التصميم.
ما يجعل وجود سيندي تشاو في هذه المحافل، واعتراف صناعة الترف بها كواحدة من أهم مصممي المجوهرات في العالم مفهوما حيث إن إبداعاتها لا تُباع في المحلات، بل فقط في المعارض المتخصصة والمزادات العالمية. في المعرض اللندني الأخيرة، أطلقت على مجموعتها «فن المجوهرات» لتؤكد أنها فن أولا قبل أن تكون مجرد أحجار كريمة وتصاميم فريدة. في لقاء جانبي تشرح لـ«الشرق الأوسط»: «طبعا مجموعة (بلاك لايبل) هي طفلي الذي أصب فيه كل الحب وأطلق فيه العنان لخيالي وجنوحي للفن بكل أشكاله، لكني سعيدة أيضا بخطي الثاني (وايت لايبل). هو الآخر لا أبخل عليه بالفنية، لأني أدرك أنه هو الذي يمنحني ترف الإبداع بالطريقة التي أحلم بها».
كل قطعة في المجموعة الأولى، بلاك لايبل، تستغرق ما لا يقل عن 10 آلاف ساعة، وأحيانا قد تمتد إلى سنوات. السبب أن سيندي تُؤمن بأن الفن يجب أن يكون مثاليا. وربما هذا ما يجعلها تعيد عرض القطعة أكثر من مرة، تماما مثلما يُعاد عرض لوحة لـ«مونيه» أو فان كوغ في معارض متفرقة من العالم. قلادتها «وينتر ليفز» التي حصلت على جائزة الإبداع في عام 2016 في معرض «بينالي باريس»، كانت حاضرة في معرض «ماستربيس» اللندني الأخير. تفسير سيندي أن المناسبة لم تكن استعراضا للمجموعة فحسب، بل سردا لقصتها في عالم كان الرجل هو السيد المُطلق فيه. «لم تكن المرأة تلعب دورا كبيرا في عالم المجوهرات، وأتذكر أني وجدت محاربة شرسة في البداية من قبل العاملين في هذا المجال. لم يكونوا يتصورون أن تزاحمهم امرأة فيما توارثوه أبا عن جد، لكني استطعت أن أفرض نفسي، وهو ما أريد أن أحتفل به الآن». تقول هذا وهي تنظر إلى القلادة التي صاغتها بـ240 قيراطا من الماس الصافي وبأشكال وتقنيات تجعلها تبدو مثل أوراق غطاها الثلج لكن تنبض بالحركة والديناميكية، ما جعل رجال المهنة يستسلمون ويعترفون بموهبتها. تنتقل بعد ذلك إلى جديدها، مشيرة إلى «سكالتورا دي جيغليو» وهو سوار عريض يُجسد حبها للطبيعة، كما يُخلّد، حسب اسمه، الفنان مايكل أنجلو، مهندس عصر النهضة. استغرق ابتكاره ستّ سنوات كي يأخذ شكل لوحة مستوحاة من أجواء الربيع. استَخْدَمت فيه عدداً سخياً من الأحجار الكريمة الملوّنة، إذ إنه يتألّف من سبع وحدات تُشبه الأوراق الحقيقية، فيما رصعته بـ4428 ألماسة وألماسة ملوّنة وحجر سافير وزنها الإجمالي يفوق 180 قيراطا. تستكين بين الأحجار الكريمة الملوّنة 255 قطعة ألماس على شكل وردة تُضفي على التصميم الحياة.
من القطع الجديدة التي كشفت عنها وكانت متحمسة لإبرازها، بروش «وردة دمشق» Damask Rose، التي استلهمتها حسب قولها من رحلة قامت بها إلى عمان «انبهرت بماء الورد المعطِر الذي يستخرج من الوردة الدمشقية». بعد عودتها، كان أول ما قامت به هو رسمها وردة ببتلات متعددة ساعدها الحرفيون على صياغتها بتقنية صبّ الشمع، التي كانت شائعة في القرن الثامن عشر. والنتيجة كانت بروش يتوسّطه حجر سافير وردي مربّع وزنه 8 قراريط، تُحيط به 65 سداة مطليّة بطلاء اللكّ الفرنسي بألوان تتراوح بين الأصفر والمشمشي والوردي والوردي الفاتح والأحمر، بينما تكسو البتلات قرابة الألفَي ألماسة وأكثر من 1500 قطعة من حجر السافير الوردي بـ18 تدرّجاً لونياً. معالجة البتلات المصنوعة من التيتانيوم تمّت باستعمال أكسيد الألمنيوم حتى تتألّق بطيف غني من الألوان، يتدرّج من الوردي إلى الذهبي فالبرتقالي. أما أحدث ابتكاراتها فكانت من مجموعة Ribbon وهو بروش تتوسّطه زمرّدة كولومبية خضراء نادرة بثمانية أضلاع وزنها 38.68 قيراط. تشمل هذه القطعة أربعة شرائط مرصّعة بنحو 2600 حجر كريم، مع حواف مرصّعة بالسافير والسافير الأخضر وأحجار الألكساندريت التي تتبدّل ألوانها. هي الأخرى تمّت معالجة قاعدتها المصنوعة من التيتانيوم بأكسيد الألمنيوم لتسطع بطيف غني من التدرّجات اللونية. ليس هذا وحده مكمن جمال البروش، فالطبقة العليا منه تتمتع بآلية مرنة، تجعله يتمايل ويرتجف بشكل واقعي كلما تم لمسه. كانت سيندي، البالغة من العمر 45 عاما، تشرح خاصية كل قطعة وأهميتها بالنسبة لها وهي لا تُخفي عدم تصديقها أنها تحتفل بـ15 عاما على انطلاقتها في عالم دخلته بمحض الصدفة. تقول: إنها تُرحب بتراكم السنوات، لأنها تعني تراكم خبرتها وزيادة ثقتها بنفسها «فثقتي بنفسي زادت في السنوات الأخيرة... أصبحت أكثر جُرأة، وأشعر بحرية أكبر واستعداد أقوى لخوض أي تحديات قد تواجهني» لكن نجاح الفنانة ليس وليد السنوات الأخيرة. فقد استطاعت بعد سنوات قليلة من بدايتها أن تقتحم أعمالها المزادات العالمية، لتُباع قطعة من مجموعتها «بلاك لايبل» بنحو 10 ملايين دولار أميركي في عام 2007 أي بعد ثلاث سنوات فقط من انطلاقها.
رغم النجاح الذي حققته وقدراتها الإبداعية، لم تدرس سيندي تشاو تصميم الجواهر. كان حلمها أن تصبح معمارية مثل جدها، زي زينان، الذي صمم الكثير من المعابد في آسيا. والدها أيضا كان نحاتا معروفا ورثت عنه حب الرسم وصياغة الصور في أشكال فنية. عندما كان جدها يصحبها معه إلى المعابد التي كان يبنيها، أو تراقب والدها وهو ينحت لساعات طويلة من دون كلل تحفا فنية، كانت تقف مبهورة بأحجامها وأبعادها الثلاثية. منهما تعلمت كيف تنظر إلى الأشياء من كل الزوايا. لكن والدتها رفضت أن تمتهن ابنتها مهنة الهندسة رفضا باتا. كانت لا تزال مهنة ذكورية، تتعارض مع التقاليد والطقوس الاجتماعية الآسيوية. بل رفضت حتى فكرة أن تعمل ابنتها في مجال الديكور المنزلي الذي درسته في نيويورك. لكنها تركتها تعمل في تصميم المجوهرات. لم تكن تعرف أن ابنتها ستدخل هنا أيضا عالما استحوذ عليه الرجل لقرون من الزمن، لكنه بالنسبة لها كان أكثر نعومة. لم تندم سيندي، فقد وجدت نفسها في عالم جديد لكنه مثير ويمكنها أن تحقق فيه كل أحلامها. وهكذا بدأت تُروض الأشكال الطبيعية والكائنات البرية والمائية، مستعينة بما خزنته ذاكرتها من طرق في النحت أو بناء مبان ضخمة بأبعاد ثلاثية. «لقد توصلت إلى المعادلة التي تُسعدني». معادلة تنحت فيها قطع مجوهرات أصغر من المباني والمعابد، وأكبر من قطع مجوهرات بالمفهوم التقليدي.


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.