عندما يُنسي ليفربول عشاقه الفقراء همومهم

كرة القدم أصبحت بمثابة علاج لمشاكل رواندا الاجتماعية

كرة القدم ساهمت في علاج الانقسامات العرقية التي كادت تقود رواندا إلى نهاية مروعة
كرة القدم ساهمت في علاج الانقسامات العرقية التي كادت تقود رواندا إلى نهاية مروعة
TT

عندما يُنسي ليفربول عشاقه الفقراء همومهم

كرة القدم ساهمت في علاج الانقسامات العرقية التي كادت تقود رواندا إلى نهاية مروعة
كرة القدم ساهمت في علاج الانقسامات العرقية التي كادت تقود رواندا إلى نهاية مروعة

قد يكون من الصعب في إنجلترا إدراك حجم وقوة وجمال النطاق العالمي الذي وصل إليه الدوري الإنجليزي الممتاز. وغالباً ما يتم التعامل مع النجاح الذي حققه الدوري الإنجليزي الممتاز ببساطة في كثير من الأحيان ووصفه بأنه مجرد انتصار اقتصادي وتجاري متصاعد للبطولة الأقوى في عالم كرة القدم في الوقت الحالي.
وحتى المصطلحات التي اعتدنا سماعها، مثل «قوة كرة القدم» و«سحر كرة القدم» قد أفسدتها الشركات والهيئات بغبائها، في ظل تفكيرها الدائم في الوجوه الإعلانية والاستهلاك والحقوق الحصرية للمناسبات والأحداث الرياضية. وباتت تلك الهيئات والمؤسسات تروج لشعارات مفادها أن كرة القدم لعبة يعشقها الجميع في كل مكان في العالم، وبأن كرة القدم لعبة رائعة، وما إلى ذلك. وخلال الأسبوع الجاري، شاهدت حلقة «ريديمبشن» أو (الخلاص)، وهي الحلقة الأولى من سلسلة ألعاب «هذه هي كرة القدم»، التي تطلقها خدمة «أمازون برايم» والتي تتحدث عن سحر كرة القدم وأنصارها ومحبيها في كل مكان حول العالم.
وحتى هذه اللحظة، كان الأمر مألوفاً وطبيعياً تماماً، حيث بدأت الحلقة الأولى بإلقاء الضوء على المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا وهو يجلس ويقول أشياء مثل «يجب أن تحبوا الكرة»، ثم نسمع صوتاً رناناً يقول: «كرة القدم ليست لعبة، إنها عاطفة!»، وقد قيلت هذه العبارة بطريقة تجعلك تريد أن تتساءل: هل هذا حقاً صحيح؟
ثم فجأة يتغير كل شيء، وتأخذنا حلقة «ريديمبشن» إلى مكان آخر تماماً، حيث تركز الحلقة على عشق مجموعة من الروانديين لنادي ليفربول الإنجليزي، والدور الأوسع الذي لعبته كرة القدم في تعافي رواندا من آثار الإبادة الجماعية التي ارتكبت مؤخراً. إنها حلقة غير عادية من إخراج جيمس إرسكين، الذي أخرج أيضاً فيلم «ليلة واحدة في تورينو»، والذي عملت معه لفترة قصيرة في فيلم «من الرماد».
وهناك لقطة رائعة في بداية الحلقة، حيث تحلق الكاميرا فوق الطرق المتربة والمنازل المبنية من الصفيح في العاصمة الرواندية كيغالي، بينما تسمع أصوات الجماهير وهي تشدو بأغنية «لن تمشي وحدك أبداً» التي يغنيها جمهور ليفربول لفريقه في المباريات. وتظهر مجموعة من الرجال يرتدون قمصاناً حمراء ويغنون «نحن ليفربول» وهم يمشون في الضواحي. وهذا هو نادي «رواندا ريدز»، وهو نادي للرجال والنساء الذين يحبون ليفربول ويشجعونه بحماس شديد. وعندما يحل الظلام، يبدأون في الرقص أمام شاشة كبيرة، وبعضهم يبكي ويضحك في نفس الوقت. ويذكر أحد الرجال أنه أطلق على ابنه اسم أسطورة ليفربول «إيان راش».
وهناك شخصيتان رئيسيتان في تلك الحلقة، الأول هو جو، الذي يعمل حارساً في الحديقة الوطنية، ونراه يحتفل بين السهول بينما يقود سيارته الصغيرة من طراز «تويوتا» ويستمع في الراديو لمعلق المباراة وهو يعلن عن إحراز محمد صلاح هدفاً لصالح ليفربول. يقول جو وهو يتنهد: «عندما يسجل ليفربول هدفاً، فإن أول شيء يأتي إلى مخيلتي هو والدي، الذي دائماً ما يشاهد مباريات ليفربول ويشجعه بقوة».
أما الشخصية الرئيسية الثانية فهي كلود روميو، وهو أصغر سناً وعلى وشك الزواج، ويقول: «لقد فقد بعضنا أشقاءه أو شقيقاته، لذا فإن قميص ليفربول بالنسبة لي يعني العائلة». قد يبدو هذا الأمر وكأنه مجرد شعارات وعبارات جوفاء في أي مكان آخر، لكن هذا المكان ليس كغيره من الأماكن الأخرى بكل تأكيد.
وبعد ذلك بقليل اكتشفنا أن والد جو، الذي يتذكره على الفور عندما يسجل ليفربول هدفاً والذي يعشق أسطورة ليفربول كيني دالغليش، قد قُتل بوحشية بالقرب من منزل العائلة. ويجب الإشارة إلى أن كلود روميو ليس لديه أي أشقاء أو شقيقات، لأنهم، مثل الكثير من الروانديين الآخرين، قد قُتلوا خلال تلك الأيام المائة في عام 1994 عندما تم ذبح مليون شخص من التوتسي على أيدي جيرانهم وأبناء وطنهم!
لقد جلب البلجيكيون كرة القدم إلى رواندا في القرن التاسع عشر، لكنهم جلبوا إليها أيضاً الانقسام العرقي والتوتر الاجتماعي الذي سيقود البلاد إلى نهاية مروعة. لقد كانت كرة القدم في قلب الجهود التي بذلتها رواندا للتعافي من هذه الصدمة. ومرة أخرى، يجب عدم التقليل من هذا الأمر، حيث يمكنك أن ترى الأيتام والنازحين والمشردين وهم يلعبون سوياً في القرى برواندا. لقد أصبحت كرة القدم بمثابة علاج للمشاكل الاجتماعية في البلاد. وخلال الإبادة الجماعية، عانت النساء الروانديات من سوء المعاملة بشكل صارخ، وتم إطلاق برنامج وطني لكرة القدم النسائية كمحاولة تشجيع الفتيات على «أن يكن أكثر نشاطاً وأن يتغلبن على آثار الماضي».
وفي نهاية المطاف، تم إطلاق سراح الآلاف من المشتبه في ارتكاب جرائم قتل جماعي، من السجون المكتظة، وبدأوا يلعبون مباريات كرة القدم ضد الناجين. وظهر شكل من أشكال الأخوة، وأصبح التسامح ممكناً. وأدى الانتصار الشهير على غانا في نهائيات كأس الأمم الأفريقية عام 2003 إلى مشاهد من الفرح المشترك، وقال أحد الروانديين عن ذلك: «لقد اعتقدنا حينها أن أي شيء ممكن».
لكن الشيء الأكثر إثارة جاء قبل النهاية مباشرة، عندما ظهر كل من جو وكلود روميو فجأة وهما يتوجهان إلى ملعب «آنفيلد» في مدينة ليفربول، ويتحدثان عما إذا كان المهاجم البرازيلي روبرتو فيرمينو سيبدأ المباراة أم لا. ووقفا خارج ملعب المباراة يبتسمان ويتعانقان، ثم تأتي الصورة على جو وهو يحدق في مدرج «كيني دالغليش». لقد تمكنا أخيراً من رؤية الملعب الذي يحتضن مباريات ليفربول. وبعد ذلك، يظهر جو وهو يهز رأسه ويأخذ نفساً عميقاً في مشهد يجعل المرء على حافة البكاء.
إنها حلقة تستحق المشاهدة بكل تأكيد، لكنني أتمنى ألا تحدثوني عن رعاية «ستاربكس» لهذه الحلقات، أو عن المخاوف بشأن النظام الحالي لرواندا، لأن هذا ليس هو الهدف من هذه الحلقة، لكن الهدف الحقيقي يتعلق بالقوة الفعلية والسحر الفعلي لهذه الرياضة على المستوى العالمي!


مقالات ذات صلة

السيسي يهنئ السعودية باستضافة «مونديال 2034»

رياضة عربية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إ.ب.أ)

السيسي يهنئ السعودية باستضافة «مونديال 2034»

وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التهنئة إلى المملكة العربية السعودية، بعد الفوز بتنظيم «كأس العالم 2034».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية إنزو ماريسكا مدرب تشيلسي (رويترز)

ماريسكا: تشيلسي لا ينافس على «البريميرليغ»

قال ماريسكا إنه ولاعبي تشيلسي لا يشعرون بأنهم دخلوا في إطار المنافسة على لقب «البريميرليغ» بعد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية روبن أموريم مدرب مانشستر يونايتد (إ.ب.أ)

أموريم: يونايتد بكامل جاهزيته لمواجهة سيتي

ربما يستعين روبن أموريم مدرب مانشستر يونايتد بالمدافع المخضرم جوني إيفانز، عندما يسافر الفريق عبر المدينة لمواجهة مانشستر سيتي.

«الشرق الأوسط» (مانشستر)
رياضة عالمية أنجي بوستيكوغلو مدرب توتنهام هوتسبير (إ.ب.أ)

بوستيكوغلو: توتنهام بحاجة للاعبين ملتزمين

قال أنجي بوستيكوغلو مدرب توتنهام هوتسبير إنه لا يخشى انتقاد لاعبيه قبل مواجهة ساوثهامبتون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية أنطونيو كونتي مدرب نابولي (أ.ب)

كونتي: علينا مواصلة العمل

قال أنطونيو كونتي مدرب نابولي إنه يريد من الفريق رد الفعل نفسه الذي يقدمه عند الفوز.

«الشرق الأوسط» (نابولي)

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».