انطلاق محادثات أميركية ـ تركية في أنقرة حول «المنطقة الآمنة» شمال سوريا

TT

انطلاق محادثات أميركية ـ تركية في أنقرة حول «المنطقة الآمنة» شمال سوريا

انطلقت بمقر وزارة الدفاع التركية في أنقرة، أمس، الجولة الثانية من المباحثات بين مسؤولين عسكريين أتراك وأميركيين بشأن إقامة منطقة آمنة مقترحة في شمال شرقي سوريا.
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن «جولة المباحثات الثانية حول المنطقة الآمنة التي من المخطط إقامتها بالتنسيق بين الطرفين، بدأت صباح اليوم (أمس) بمقر الوزارة في أنقرة».
كانت الجولة الأولى من مباحثات العسكريين الأتراك والأميركيين حول المنطقة الآمنة، عقدت في 23 يوليو (تموز) الماضي أثناء زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري إلى أنقرة على رأس وفد أميركي للتباحث حول المنطقة الآمنة.
وفشلت الجولة الأولى من المباحثات في التوصل إلى أي اتفاق بشأن عمق المنطقة الآمنة وأبعادها والسيطرة عليها، حيث ترغب تركيا في أن تكون لها وحدها السيطرة عليها، وكذلك استمرت الخلافات بشأن وجود «وحدات حماية الشعب» الكردية الحليفة لأميركا في الحرب على «داعش»، والتي تصنفها أنقرة «تنظيماً إرهابياً»، وسحب أسلحتها من أهم نقاط الخلاف بين الجانبين التركي والأميركي فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة التي اقترحها الرئيس الأميركي لتقام في شمال شرقي سوريا عقب قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وترغب تركيا في أن تمتد المنطقة بعمق 32 كيلومتراً داخل الأراضي السورية وبطول 460 كيلومتراً على الحدود المشتركة مع سوريا، بينما تردد أن العرض الأميركي بشأن عمق المنطقة كان 5 كيلومترات، مع إمكانية مده إلى 14 كيلومتراً في بعض المناطق الريفية. وردت أنقرة على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو بأن العرض الأميركي الجديد لم يرضِ بلاده، متهماً واشنطن بالمماطلة في موضوع المنطقة الآمنة، على غرار المماطلة في تنفيذ اتفاق خريطة الطريق في منبج الموقع بين الجانبين في 4 يونيو (حزيران) 2018.
وقالت مصادر قريبة من المباحثات الجارية في أنقرة، إن الوفد الأميركي يحمل مقترحاً جديداً بأن تكون المنطقة بعمق 15 كيلومتراً وبطول 140 كيلومتراً، مع انسحاب مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية وإزالة مواقعهم وتحصيناتهم في هذه المنطقة، والاتفاق على تسيير دوريات تركية - أميركية مشتركة في ثلث الأراضي الواقعة على ضفتي نهر الفرات الغربية والشرقية والاتفاق بشأن التدابير التي ستتخذ في الثلثين الباقيين في المستقبل.
وتوقعت المصادر رفض الجانب التركي العرض الأميركي الجديد، الذي عدّت أن الهدف منه هو تهدئة أنقرة واستبعاد خيار قيامها بعمل عسكري ضد «وحدات حماية الشعب الكردية» في شرق الفرات.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكد عشية مباحثات أمس أن تركيا ماضية في تنفيذ عملية شرق الفرات، وأنها أخطرت كلاً من واشنطن وموسكو بأنها لن تقف صامتة إزاء المضايقات والتهديدات التي تتعرض لها حدودها الجنوبية، وبأنها صبرت حتى الآن لكن صبرها بدأ ينفد.
وقال إردوغان خلال كلمة في إسطنبول، أول من أمس، إن «تركيا لا يمكنها التزام الصمت أمام الهجمات التي تستهدفها. سندخل إلى شرق الفرات كما دخلنا إلى عفرين وجرابلس والباب في شمال سوريا. أطلعنا الولايات المتحدة وروسيا على هذه المعلومات».
وواصلت تركيا على مدى أشهر حشد قواتها على الحدود مع سوريا استعداداً لشن عملية عسكرية جديدة ضد «وحدات حماية الشعب» في منبج (غرب الفرات) وفي منطقة شرق الفرات.
وتسيطر «الوحدات» الكردية، تحت غطاء «قسد»، على منطقة شرق الفرات التي تشكل نحو ثلث مساحة سوريا، باستثناء مربع أمني في محافظة الحسكة وآخر في القامشلي يقعان تحت سيطرة النظام.
وعبرت واشنطن عن قلقها من توالي التهديدات التركية بعملية عسكرية في شرق الفرات لإقامة منطقة آمنة، أطلقت عليها أنقرة مؤخراً «ممر السلام»، قائلة إنها «تعدّ هذه الأعمال غير مقبولة».
وقالت مسؤولة المكتب الصحافي في وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس إن «هذه النشاطات العسكرية أحادية الجانب، تثير قلقنا الجدي، خصوصاً عندما قد تكون القوات الأميركية في مكان قريب، بينما تستمر العمليات مع شركائنا المحليين (قسد) ضد فلول (داعش). نحن نعدّ هذه النشاطات (غير مقبولة)، وندعو تركيا مجدداً إلى العمل لوضع منهج مشترك».
ولفتت أورتاغوس، بحسب ما نقلت عنها وكالة «تاس» الروسية أمس، إلى أن واشنطن مستمرة في بحث موضوع «المنطقة الأمنية»، مع السلطات التركية، وتعدّ هذا الحوار هو الطريقة الوحيدة لضمان الأمن في المنطقة الحدودية.
بالتوازي، حذّر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، من أن أي مأساة إنسانية تشهدها محافظة إدلب جراء هجمات النظام السوري وحلفائه، ستكون أشد وقعاً من سابقاتها.
وقال جاويش أوغلو، في كلمة خلال افتتاح «مؤتمر السفراء الأتراك الحادي عشر» المنعقد في العاصمة أنقرة، أمس (الاثنين)، إن «تركيا تقود الجهود الدولية الرامية لإنهاء الصراع السوري، وقدمت مساهمات ملموسة في سبيل ذلك». وأضاف: «نبذل جهودنا لتحقيق الهدوء في الميدان من خلال مواصلة التعاون مع روسيا وإيران في إطار مساري (آستانة) و(سوتشي). وتابع الوزير التركي: «لم نألُ جهداً لمنع هجمات النظام السوري وحلفائه ضد المدنيين في الآونة الأخيرة، وأدعو العالم بأسره إلى دعم جهودنا، وأود أن أحذر الجميع من أن أي مأساة إنسانية ستشهدها إدلب ستكون أفظع مما حدث في 2015».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.