آلاف السودانيين يحتفلون في الشوارع بالأناشيد الوطنية والهتافات

توقيع الوثيقة الدستورية يعيد للسودانيين فرحتهم المسروقة

احتفالات السودانيين تواصلت طوال أمس (إ.ب.أ)
احتفالات السودانيين تواصلت طوال أمس (إ.ب.أ)
TT

آلاف السودانيين يحتفلون في الشوارع بالأناشيد الوطنية والهتافات

احتفالات السودانيين تواصلت طوال أمس (إ.ب.أ)
احتفالات السودانيين تواصلت طوال أمس (إ.ب.أ)

تناسى السودانيون أحزانهم ومعاناتهم وغلاء المعيشة الذي يطحنهم طحناً، وسالت دموعهم فرحاً بتوقيع «الوثيقة الدستورية» الحاكمة للفترة الانتقالية، «إيذاناً بحريتهم» وببلوغ ثورتهم مرحلة الفعل. فعلى الرغم من أن التوقيع النهائي سيتم عقب عطلة عيد الأضحى المبارك، إلاّ أن التوقيع المبدئي بالأحرف الأولى كان كافياً لإدرار الدموع، وكافياً لتذكر الشهداء، وكافياً لتذكر لوعة أمهاتهم وقلوبهن المحروقة.
وشهدت «قاعة الصداقة» بالخرطوم، مهرجاناً من البكاء، كأنما انتقلت عدوى دموع الوسيط الإثيوبي، محمود درير، والعبرة التي خنقته وهو يتحدث بعد توقيع «الإعلان السياسي» قبل أسبوعين، إلى قطاع واسع من السودانيين. وفور ذيوع خبر التوقيع خرج الناس جميعهم، من شابات وشباب، آباء وأمهات، وجدات وجدود في مواكب هادرة عقب التوقيع، وأمس سالت دموع مدرارة من ممثل «قوى إعلان الحرية والتغيير»، عمر الدقير، وتهدجت مفرداته وهو يتحدث إلى الناس في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد توقيع الوثيقة.
بعد دماء كثيرة سالت فداء للثورة ومعاناة ودموع حزن سيالة وصبر طويل وسهر، شهدت العاصمة السودانية توقيع «الوثيقة الدستورية»، التي تحكم الفترة الانتقالية البالغة 39 شهراً، وقعها عن المجلس العسكري الانتقالي نائب رئيسه محمد حمدان دقلو «حميدتي» وعن قوى إعلان الحرية والتغيير أحمد ربيع، والوسيط الأفريقي محمد الحسن ولد لبات، والوسيط الإثيوبي محمود درير بصفة شهود. واقتبس الدقير أبياتاً من قصيدة الشاعر السوداني الراحل النور عثمان أبكر مدخلاً لقلوب محدثيه، تقول: «أقف اليوم حاسراً برأس حاسر، وبقية شيء من نفسي ونقاء وجيبي، مولاي الشعب الأسمر خذني فأنّ المعبود العاشق»، فانتقلت الدموع إلى من كل في المكان الذي أصبح مهرجاناً للدموع، البعض بكى فرحاً، وبكى آخر ونعلى شهداء الثورة، وغسلت دموع البعض غلالة حزن جثم على صدورهم 30 عاماً.
وحين وصلت هذه اللحظة «خنقته عبرة الفرح» فأبكى الحاضرين جميعاً فهتفوا «مدنية... مدنية»، وقال المتحدث: «الدموع وحدها هي التي تجسد هذه اللحظة التاريخية، كل قطرة دمع ستكون هدية شهيد، ولكل أم شهيد تقطع حشاها حزناً لفقد وحيدها، ولكل والد بلغه النعي فقال قدمته فداءً للوطن والحرية، كل قطرة دمع ستكون لكل معذب في السجون، هدية للمشردين في معسكرات النزوح واللجوء، لأطفال يشتبكون مع القطط في حاويات القمامة للجوعى والمساكين».
ووصف الدقير لحظة التوقيع بأنها لحظة «يصعب الحديث فيها»، أنهت ثلاثة عقود عاشها السودانيون تحت «وطأة نظام قسى عليهم بثنائية الفساد والاستبداد، وأثقل كواهلهم بمثاقيل الشقاء والعناء، ثلاثة عقود وهم يسعون إلى وطن كلما اقتربوا منه ينأى، لكنهم ما زالوا خلف ذلك الوطن يسعون».
وأوضح الدقير أن حركة المقاومة في مدها وجزرها لم تسمح لنظام الإنقاذ بمصادرة حلم السودانيين في الحرية والحياة الكريمة، قائلاً: «والآن بعد هذا المسار الطويل بين لجة الدم وساحل الدمع هو ذا الوطن الحلم يلوح لنا في هذه الجغرافيا الرسولية وترابها العذري، الذي طالما أسال لعاب الغزاة، وما من حبة رمل فيه إلا ولها حكاية وتاريخ في مقاومة العدوان والاحتلال والاستبداد». وأضاف أن الإعلان الدستوري الذي تم توقيعه يفتح صفحة جديدة في تاريخ السودان، ويضع عتبة جديدة في مسار الثورة، ويمهد الطريق لتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية لتقوم بمهام الثورة التي دفع السودانيون من أجلها «أعز ما يملكون، دماء أبنائهم وبناتهم».
الكشف عن قتلة الشهداء
وتعهد الدقير بأن تكون من أولى أولويات الفترة الانتقالية «التحقيق العادل الشفاف للكشف عن قتلة الشهداء ومحاسبتهم»، وأن يكون السلام من أولى الأولويات، ومن دونه لن تكون هناك ديمقراطية أو نهوض، وبالتزام السلطة الانتقالية ببرنامج إصلاح اقتصادي، وتفكيك ركائز حزب المؤتمر الوطني، وتفكيك دولة التمكين الحزبي لمصلحة كل الشعب. وقال الدقير إن السلطة الانتقالية ستعمل على بناء علاقات خارجية متوازنة تقوم على أساس المصالح المشتركة بين شعب السودان والشعوب الأخرى، إضافة إلى قضية «البناء الدستوري» ووضع دستور دائم للبلاد، لتنتهي الفترة الانتقالية بالانتخابات العامة. ووصف توقيع الإعلان الدستوري بأنه مرحلة عبور من السودان الموروث من العهد السابق بكل ما فيه من خراب، وسودان المستقبل الحر المحرر من ثنائية الفساد والاستبداد، والانتقال لمرحلة البناء ومرحلة المصالحة الوطنية وشطب مصطلح «الإقصاء» من القاموس السوداني وحراسة الثورة.
وفي يوم الشعر والدموع زفّ نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي» البشرى للمواطنين بأنهم وبعد عمل شاق امتد أياماً طويلة تمت مواجهة تناقضات حادة خلالها، ولحظات عصيبة، كمحطات في مسيرة التفاوض، وقال: «اختبرنا فيها الحادبين على الوطني، وانتهينا فيها باتفاق على الوثيقة الدستورية، وتحويل عجلة التاريخ لصالح الوطن والمواطن». وتابع: «دخلنا هذه المفاوضات كشركاء على طرفي المعادلة الوطنية، وخرجنا منها فريقاً واحداً وهمنا جميعاً السودان». ووصف حميدتي توقيع الوثيقة الدستورية بأنه «انتصار للإرادة الوطنية، لا غالب ولا مغلوب فيه، لأن مصلحة الوطن مقدمة على الجميع»، وبأنه طي لما أطلق عليها «صفحة عصيبة من تاريخ السودان، ساد فيها التناحر والاقتتال». وقطع حميدتي باتفاقهم على هياكل ومؤسسات البناء الجديد للفترة الانتقالية، يتجاوز أمراض الماضي، ويحقق أعلى درجات الرضا للمواطنين «الذين ضحوا بعدد من الشهداء من أجل اللحظة التاريخية». وأكد حميدتي بالعمل القصاص العادل من قتلة الشهداء، وقال: «لن يهدأ لنا بال حتى يتم القصاص العادل لكل من أجرم في حق الوطن والمواطن».
فرحة الشوارع
وفي الشوارع صدحت الأغنيات الوطنية من أجهزة السيارات، وسمعت من على البعد أغنيات الثورة الشهيرة مثل «أصبح الصبح... ولا السجن ولا السجان باقٍ»، وأيضاً «وطن الجدود نفديك بالأرواح نجود» وغيرهما. كما ردد الفرحون بتوقيع الاتفاق هتافات جديدة، شددت على القصاص لشهداء الثورة، حملها الهتاف الذي يسمع في كل شارع «الدم قصاد الدم، ولو حتى مدنية». ومن جانبه، قال الوسيط الأفريقي محمد الحسن لبات، بعد أن رفع علامة النصر، «للتاريخ حوادث لا تكتب بالكلمات، إنها تكتب بالأنفاس، تكتب بالضمير، تكتب بالإرادة، تكتب بالوفاء لدم الشهداء، ولدموع الثائرين وجهودهم وتضحياتهم، تكتب بتلاحم الشعب مع قواته المسلحة ومنظومته الدفاعية».
ودعا لبات المدنيين والعسكريين للوفاء للثورة، قائلاً: «وفاؤكم للثورة، مدنيون وعسكريون، هو كتابة التاريخ الحقيقي في المرحلة الانتقالية»، وطلب من السودانيين إحاطة ما أطلق عليها «المنظومة الدفاعية» بالرعاية والوقار، مضيفاً قوله: «كل تفريط فيها... هو مساس بصلب الوجود الوطني»، وشدد لبات على المحافظة على استقلال البلاد، واستقلالها من التدخلات الأجنبية. وحث لبات شعب السودان على الاهتمام بالمرأة وبدورها وحقوقها، بقوله: «اعتنوا بـ(كنداكاتكم) - أي نسائكم - واعتنوا بشبابكم، فما ضاعت أمة اعتنت بنسائها وشبابها وعلمائها».
وتعهد لبات بدعم الاتحاد الأفريقي الدائم للسودان ووقوفه خلفه، كاشفاً عن مشاركة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، في التوقيع النهائي للوثيقة في 17 أغسطس (آب) الجاري. أما الوسيط الإثيوبي، محمود درير، الذي عبر بدموعه عن حبه للسودان، وشعب السودان وخنقته العبرة منذ أول اتفاق، وبعربية فصيحة قال: «شهد السودان مراحل كثيرة من تاريخه العريق الضارب في جذور التاريخ، مراحل هامة، ومن تلك المراحل رفع العلم السوداني على هذه الأرض الشريفة، يعد هذا اليوم، يوماً مغروزاً في تاريخ السودان لكونه يؤسس لحكم مدني ديمقراطي يسعى لبناء دولة القانون والمساواة، لا يكون فيها هوامش وتهميش لأبنائها، ويعود أبناؤها في الحركات المسلحة إلى حضن الوطن، ليشاركوا في بناء المرحلة الحاسمة من تاريخ هذا البلد». وأوضح درير أن الوثيقة الدستورية، تؤسس لمرحلة شغلها الأول تحقيق السلام الشامل والدائم مع الحركات المسلحة، وإنهاء التهميش، وأعلن عن مشاركة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد «الذي يكن المحبة المودة والاحترام والتبجيل للشعب السوداني العريق، الذي ننتمي إليه وينتمي إلينا» في مهرجان التوقيع.
وقال درير إن وصول الفرقاء السودانيين إلى الاتفاق، أظهر للعالم أجمع أن الأفارقة قادرون على تقديم حلول أفريقية لمشاكلهم ترقى لتقديم الشهداء، من أمثال «الذين سقطوا من أجل هذا اليوم». وتوقع درير أن ينهي توافق السودانيين تدوين اسم السودان باعتباره دولة راعية للإرهاب عن طريق عمل دبلوماسي دؤوب، وتعهد بدعم بلاده وأفريقيا للسودان لرفع الديون الكثيرة المترتبة على عاتق السودان، البالغة 65 مليار دولار. وحذر مما سماه العبث بالقوات المسلحة، قائلاً: «عليكم أن تعلموا أن الدولة التي عبثت بجيوشها وقواتها ذهبت في مهب الرياح، والأمثلة كثيرة في أفريقيا». وشدد على أهمية استقرار السودان، بقوله: «السودان والكونغو صمام الأمان في أفريقيا، ومتى استقر السودان تستقر أفريقيا، ويجب أن نحافظ على استقرار بلدنا، وأقول بلدنا باعتزاز».



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.