بري ينصح بأولوية تحقيق المصالحة ويعدّها شبكة أمان للحكومة

اقتراح بإسقاط «الحقوق المدنية» في حادثتي الشويفات والجبل

الرئيس بري مستقبلاً جنبلاط عقب حادثة الجبل (الوطنية)
الرئيس بري مستقبلاً جنبلاط عقب حادثة الجبل (الوطنية)
TT

بري ينصح بأولوية تحقيق المصالحة ويعدّها شبكة أمان للحكومة

الرئيس بري مستقبلاً جنبلاط عقب حادثة الجبل (الوطنية)
الرئيس بري مستقبلاً جنبلاط عقب حادثة الجبل (الوطنية)

قال مصدر نيابي بارز إنه لا يحبّذ دعوة مجلس الوزراء للانعقاد ما لم تسبق دعوته تهيئة الأجواء لتحقيق مصالحة شاملة ولو على الطريقة «العشائرية»، لأن من دونها لا ضمانات بعدم إقحام المجلس في اشتباك سياسي في ظل ارتفاع منسوب التوتر والاحتقان. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس الحكومة سعد الحريري مع استئناف الجلسات الوزارية اليوم قبل الغد لأنه صاحب المصلحة في إعادة تفعيل العمل الحكومي.
وكشف المصدر النيابي عن أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يتصدّر الرأي القائل بوجوب تحقيق المصالحة بصفتها ممراً إلزامياً يؤمّن للحكومة شبكة أمان سياسية تدفع في اتجاه تعويمها وإصلاح الأعطال السياسية التي ما زالت تعوق انعقاد مجلس الوزراء.
وقال إن الرئيس الحريري لا يقف عائقاً في وجه تفعيل العمل الحكومي الذي يفتح الباب أمام مجلس الوزراء ليستردّ عافيته المسلوبة منه بسبب تصاعد الخلاف بين المكوّنات الرئيسية المشاركة في الحكومة أو بعضها على الأقل، وأكد أن رئيس الجمهورية يبدي حرصه الشديد على معاودة انعقاد مجلس الوزراء.
ولفت المصدر إلى أن حرص عون والحريري على استئناف جلسات مجلس الوزراء لا يكفي ما لم تتوافر الضمانات لانعقادها؛ على أن تكون مقرونة بالتفاهم على جدول أعمال الجلسة الذي يعود لرئيس الحكومة إعداده. وقال إنه لا مشكلة في تحديد مكان انعقادها شرط أن يأتي بالتفاهم مقروناً بترحيل حادثة الجبل عن جدول أعمالها من جهة؛ وبتعهد طرفي النزاع حول هذه الحادثة بعدم طرحها من خارج جدول الأعمال هذا.
وأكد أن الحكومة تعاني حالياً من عطب سياسي تسببت فيه حادثة الجبل. وقال إنه يؤيد اقتراح الرئيس بري بأن تكون الأولوية لتحقيق المصالحة «ومن دون تحقيقها؛ فإن دعوة الحكومة للانعقاد ستؤدي حتماً إلى المغامرة بالوضع السياسي، خصوصاً أن غياب الحكومة عن السمع لم يعد مقبولاً».
ورأى المصدر النيابي أنه «لا مجال إلا بتحقيق المصالحة ونقطة على السطر»، وأيد اقتراح بري أساساً لتحقيقها «ويقوم على أن تكون جامعة، وبرعاية رئيس الجمهورية، شرط أن تؤدي الغرض المطلوب منها لجهة استعداد رئيس (الحزب التقدمي الاشتراكي) وليد جنبلاط ورئيس (الحزب الديمقراطي اللبناني) النائب طلال أرسلان لإسقاط الحقوق المدنية من قبل ذوي المصابين في حادثتي الشويفات والجبل».
وبكلام آخر، فإن إسقاط الحقوق المدنية - كما يقول مصدر نيابي - يعني إسقاط حق الادعاء الشخصي والإبقاء على الحق العام، ومن ثم يصار إلى إحالة الحادثتين إلى القضاء المدني (محكمة الجنايات) بديلاً للجوء إلى المجلس العدلي أو حصر حادثة قبر شمون بيد القضاء العسكري في ضوء ما يتردد على لسان مسؤولي «التقدّمي» بأن جهات نافذة في الدولة تتدخّل لاستهداف بعض قيادات الحزب في سياق الحملة المنظمة لاستهداف رئيسه جنبلاط وتطويقه.
وقال المصدر النيابي إن الرئيس بري ليس بعيداً عن هذا الاقتراح الذي يراد منه إعادة إصلاح ذات البين داخل مجلس الوزراء على أن يترك لمحكمة الجنايات إصدار أحكامها التي تُعرف بـ«الحق العام» بعد إسقاط الحق الشخصي.
وأوضح أن أرسلان ليس في وارد الخوض في مثل هذا الاقتراح. وقال إنه سبق للرئيس الحريري أن عرض على الرئيس عون ما كان اقترحه جنبلاط لجهة إحالة حادثتي الشويفات والجبل إلى المجلس العدلي، لكن تردّد أن رئيس الجمهورية لم يبدِ حماسة حيال هذا الاقتراح بذريعة أن هناك من أعد خطة لاغتيال رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، وأن لدى بعض الأجهزة ما يُثبت وجود نية لمحاولة اغتياله، إضافة إلى أن أرسلان أصرّ على حصر الإحالة إلى المجلس العدلي بحادثة الجبل.
ورداً على سؤال حول موقف «حزب الله» حيال تحرّك الرئيس بري لتحقيق مصالحة شاملة وجامعة، قال المصدر النيابي إن الحزب يفوضه على بياض، وإن تفويضه رئيس المجلس «يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن تفويضه له إبان عدوان إسرائيل على لبنان في حرب (تموز) 2006».
وكشف عن أن قيادة «حزب الله» أبلغت «من يعنيهم الأمر؛ وأولهم بري، بأنها ليست طرفاً في استهداف جنبلاط ومحاصرته، رغم انزعاجها الشديد منه لعدم اعترافه بلبنانية مزارع شبعا».
ورأى في ضوء موقف الحزب من المخطط الذي يستهدف جنبلاط أن أرسلان يتصلّب في موقفه مستفيداً من حملات التحريض التي يرعاها النظام في سوريا ضد رئيس «التقدمي»، وقال إنه بموقفه هذا يتناغم مع «التيار الوطني» والفريق الوزاري المحسوب على رئيس الجمهورية والذي يتطلّع إلى إلغاء الأقوياء في التركيبة اللبنانية والثأر من جنبلاط لمواقفه السابقة التي تعود إلى أكثر من عقدين من الزمن.
ونصح المصدر النيابي بضرورة السير بلا شروط في اقتراح بري، وقال إن عدم إنجاحه سيدفع باتجاه مزيد من التأزّم السياسي، وقال إن هناك من أخطأ في رهانه على إضعاف جنبلاط أو محاصرته، وإن الأخير أحيط بدعم واهتمام من قبل حلفاء الأمس في «قوى 14 آذار»؛ أي الحريري وحزبي «القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب»، إضافة إلى موقف بري الذي يشكل اقتراحه خشبة الخلاص لتجاوز الأزمة القائمة في ظل المبارزة حول دعوة مجلس الوزراء للانعقاد التي تعوزها المصالحة؛ وإلا فإن التمديد للأزمة قد يطول، إن لم يُقحَم البلد في المجهول.
أما على صعيد الموقف من الرسالة التي وجّهها الرئيس عون إلى البرلمان بواسطة رئيسه بري لتفسير المادة «95» من الدستور التي تنص على حصر وظائف الفئة الأولى بالمناصفة دون الفئات الأخرى، فقد علمت «الشرق الأوسط» بأن حليفه «حزب الله» لا يجاريه في موقفه؛ على الأقل أنه لا يرى، في ظل الظروف الراهنة، اختيار هذا التوقيت لتوجيه رسالته هذه، فيما أحسن بري عندما قرر تدوير الزوايا بتحديد جلسة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل مع بدء العقد العادي في البرلمان للنظر في الرسالة بعد تلاوتها.
ويتردد أن موقف بري من ترحيل تلاوة الرسالة إلى بدء العقد العادي المقبل يتناغم مع موقف حليفه «حزب الله» وإن كان البعض ينظر إلى الترحيل على أن هناك ضرورة لتأجيل الخلاف حول المادة «95» في ظل التأزّم السياسي الذي لا يزال يعطّل جلسات مجلس الوزراء.
وعليه؛ فإن «التقدّمي» بدءاً من غدٍ الثلاثاء يتحضّر لخوض معركة سياسية وقانونية احتجاجاً على ما سماه «تدخّل جهات رسمية نافذة لدى المحكمة العسكرية لتأتي مفاعيل الحكم الذي يمكن أن يصدر عنها مطابقة لتلك التي كان يمكن أن تصدر عن المجلس العدلي في حال أحيلت إليه حادثة قبر شمون»، مع أن تسليم الأطراف بالمصالحة التي يسعى لها بري سيؤدي حتماً إلى إحالتها وحادثة الشويفات إلى القضاء المدني.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.