الولايات المتحدة وتأزم اليمين المتطرف

مع تصاعد الاعتقالات المرتبطة بالإرهاب المحلي

مظاهرات أميركية ضد تصاعد مد اليمين المتطرف و«الإسلاموفوبيا» في نيويورك مارس الماضي
مظاهرات أميركية ضد تصاعد مد اليمين المتطرف و«الإسلاموفوبيا» في نيويورك مارس الماضي
TT

الولايات المتحدة وتأزم اليمين المتطرف

مظاهرات أميركية ضد تصاعد مد اليمين المتطرف و«الإسلاموفوبيا» في نيويورك مارس الماضي
مظاهرات أميركية ضد تصاعد مد اليمين المتطرف و«الإسلاموفوبيا» في نيويورك مارس الماضي

لا تزال الولايات المتحدة ترزح تحت وطأة اليمين المتطرف، لا سيما مع تغير توجه عدد كبير في الدول الغربية لدعم التوجهات اليمينية، وخشية الرجل الأبيض من الانقراض، وزيادة عدد المهاجرين الذين يشكلون لدى البعض تهديداً وجودياً، نتيجة منافستهم لهم على الفرص الوظيفية، بالأخص مع ارتفاع نسبة البطالة، إضافة إلى تهديد القيم الغربية، من خلال دخول ثقافات مختلفة مثل الإسلام، وعدم تقبلهم لذلك. والمعني هنا ليس التوجه السياسي اليميني بشكل عام، وإنما اليمين المتطرف المفضي إلى خطاب كراهية وعداء شديد ضد الآخر، مما يؤدي إلى حدوث هجمات إرهابية ذات صلة باليمين المتطرف.
من الممكن وصف ما تعرضت له عضو الكونغرس الأميركي المسلمة إلهان عمر، من المزيد من التهديدات بالقتل، في أعقاب تغريده للرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالتأثير المباشر للقادة السياسيين على الرأي العام وتأجيجه. فقد هاجم ترمب إلهان، وأظهرها وهي تتحدث لمجموعة من المسلمين عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ووصفها بأنها «خارجة عن السيطرة»، وقام بربط الأحداث الإرهابية بشخصها، من خلال دمج مقاطع لخطاباتها مع مقاطع للهجمات الإرهابية. كما اتهمت عدد من التغريدات الترمبية نائبات في الكونغرس من أصول عربية وأفريقية بأنهن يدعمن «القاعدة» وأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

التغريدات الترمبية
ورغم أن ذلك يسهم بشكلٍ غير مباشر في دعم أجندة القوميين البيض، فإن الرئيس الأميركي زعم في أكثر من موقف أن القوميين البيض لا يشكلون تهديداً فعلياً لأمن بلاده، حيث لا يزال هناك تصور على الصعيد الدولي بأن «الجهاديين»، والتنظيمات المتطرفة المرتبطة بأهداف دينية سياسية، هي ما يمثل التهديد الأكبر للغرب، بالأخص وأن الهجمات المرتبطة باليمين المتطرف تظهر في نطاق صغير عشوائي، مثل ما قام به سيزار سايوك من إرسال 13 طرداً مفخخاً لعدد من الشخصيات المنتمية للحزب الديمقراطي، مثل هيلاري كلينتون وباراك أوباما، وعدد من الإعلاميين المنتقدين للرئيس الأميركي، وذلك في أكتوبر (تشرين الأول) 2018.

اليمين المتطرف
ما يعزز من صعود تيار اليمين المتطرف استمرار وتيرة وتوجهات الرئيس الأميركي الحالي، مثل مساعيه لمنع تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة، إذ يتسم المنتمون لليمين المتطرف بعدائهم الشديد نحو الأجانب، وعدم تقبل الأقليات والجماعات الإثنية المختلفة، والمعني هنا هو اليمين المتطرف، وليس التوجه السياسي اليميني بشكل عام، بل حين ينحو لاستخدام العنف من أجل الحفاظ على التقاليد أو القيم في مجتمع معين من اجتياح قيم وثقافات مختلفة. ويعلو صوت هذا التوتر في القارة الأوروبية على وجه الخصوص مع أزمتها مع الأعداد الكبيرة من المهاجرين، حيث يرى كثير من المنتمين لليمين المتطرف أن هناك اجتياحاً من قبل المهاجرين نحو القارة الأوروبية، مما يهدد من وجودهم، بالأخص مع وجود ثقافات مغايرة أو مختلفة، مثل الثقافة الإسلامية التي يجدها البعض مخالفة للأوروبية، وقد تصاعدت «الإسلاموفوبيا» على وجه الخصوص في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وتأصلت المخاوف تجاهه في أعقاب تهديدات الجماعات المتطرفة مثل تنظيمي «القاعدة» و«داعش» فيما بعد، منذ ظهوره في عام 2014، ومن ثم في مرحلة ما بعد انهيار وجوده في كل من العراق وسوريا، واتخاذه استراتيجيات بديلة، أبرزها سياسة «الذئاب المنفردة» التي تستهدف عدداً من الدول الغربية بهجمات إرهابية عشوائية، بهدف تأصيل الذعر وإثبات استمراريتهم، مما عزّز من ذلك القلق والتخوف من المسلمين والمهاجرين في كثير من الدول الغربية.
من جهة أخرى، يأتي ارتفاع نسبة البطالة ليزيد اللوم على المهاجرين نتيجة مشاطرتهم التنافس على الوظائف المحدودة في دولهم، مثل ربط رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني ماري لوبان في فرنسا بين زيادة نسبة المهاجرين ونسبة البطالة في فرنسا.

تصاعد خطاب الكراهية
أشار مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، أخيراً أمام لجنة في الكونغرس إلى أن الاعتقالات المرتبطة بالإرهاب المحلي في تصاعد، لا سيما تلك المرتبطة بالفوقيين البيض، وأن عدد هذه الاعتقالات وصل إلى مائة خلال هذا العام، وهو ما يزيد على عدد الاعتقالات لعام 2018 بأكمله. من جهة أخرى، وفي دراسة قام بها المركز الاستراتيجي والدراسات الدولية «سي إس آي إس» الأميركي، تطرقت الدراسة إلى أن الهجمات الإرهابية المرتبطة باليمين المتطرف تصاعدت في الفترة بين 2016 و2017 في الولايات المتحدة. كما أشار التقرير إلى أن الهجمات المرتبطة باليمين المتطرف تفوق تلك المرتكبة من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وذلك منذ عام 2014. ولا يتوقف المحللون السياسيون عند ربط ظاهرة اليمين المتطرف بالرئيس ترمب فحسب، وإنما يعودون بأدراجها إلى ما قبل فترته، إبان صعود أوباما للحكم في الولايات المتحدة. ففي دراسة قام بها معهد دراسات السياسات الخارجية الهولندي، أشار كلينت واتس إلى أن اليمين المتطرف تزايد في أعقاب فوز باراك أوباما، كأول رئيس من أصول أفريقية للولايات المتحدة، حيث تصاعدت نظرية المؤامرة والتشكيك في جنسيته والدين الذي ينتمي إليه، مما زاد من ظهور الجماعات اليمينية المتطرفة. ورغم أن هذه الأحداث ليست بالجديدة، فإن السلطات الأميركية استمرت في مواجهتها الإرهاب بالتحديد من خلال توجيه الضربات للجماعات «الجهادية»، مثل «القاعدة» و«داعش» فيما بعد، فيما لم تتم معالجة تصاعد الإرهاب المرتبط باليمين المتطرف.

مسلك «الذئاب المنفردة»
رغم أن التطرف اليميني يظهر بحد ذاته مغايراً للتطرف الديني، فإن الهجمات المتطرفة المرتبطة باليمين المتطرف تتشابه مع توجهات تنظيم داعش أخيراً، من دعم الذئاب المنفردة أو ظهور أفراد متأثرين بالفكر المتطرف وحملاته الإعلامية، ومن ثم ارتكاب عمليات إرهابية عشوائية أشبه بجرائم منفردة، مثل إطلاق النار على مصلين أو مناطق تجمع جماعات إثنية معينة، مثل حادثة بيتسبرغ في أكتوبر 2018، حين هجم سائق شاحنة أميركي، روبرت باورز، على الكنيس اليهودي، مما أسفر عن مقتل 11 شخصاً. وذكر فيه أن اليهود هم «أبناء الشيطان»، وتبع ذلك حادثة إطلاق نار قرب معبد بمناسبة عيد الفصح في أبريل (نيسان) 2019، في مدينة سان دييغو الأميركية، وهو يصيح «الموت لكل اليهود».

اليمين البديل
مثل هذه الهجمات الإرهابية تأتي امتداداً لظهور حركات متطرفة، أحد أشهرها يدعى «اليمين البديل» الذي بدأت شعبيته بالاطراد في الولايات المتحدة، حيث تؤمن الحركة بتفوق العرق الأبيض، وتنحاز للبشرة البيضاء، وترفض المختلفين عنهم، سواء عرقياً أم دينياً، مثل اليهود والمسلمين أو السود أو ذوي الأصول اللاتينية، على شاكلة جماعات أخرى ظهرت في الولايات المتحدة من قبل، مثل النازيين الجدد والقوميين البيض وجماعة الكو كلوكس كلان التي ظهرت قديماً منذ عام 1865. وقد بدأت أنشطتها في معاداة السود، ثم وسعت نطاق هجومها ليشمل الأعراق والأديان المغايرة للبيض المسيحيين، ويظهر تأثر جماعة «الآلت رايت» بالحركات القديمة، مثل استخدامهم لشعلات نار في أثناء التجمعات، على شاكلة ما كانت تقوم به جماعة الكو كلوكس كلان. أحد أهم الشخصيات المؤسسة لليمين البديل الأميركي ريتشارد سبنسر الذي أطلق هذا الاسم في عام 2008 ليصف بذلك الأشخاص الذين لا يؤمنون بالمساواة أو التعدد الثقافي أو الهجرة المفتوحة للآخرين، يقول: «العرق هو أساس هويتنا». وهو أحد داعمي الحراك في شارلوتسفيل في عام 2017، الذي دفع بالحركة اليمينية إلى الواجهة. وقد كان يطلق عليها حركة الحقوق المدنية للبيض، كما أنه طالب بمعيشة البيض بعيداً عن اليهود أو العرب أو السود، الأمر الذي يؤكد تنامي ظاهرة الإكزينوفوبيا أو رهاب الأجانب الذي يتسم بالكراهية وعدم الثقة بمن يختلف، سواء في العرق أو اللون أو الدين أو الجنس، ليس فقط في الولايات المتحدة، وإنما في كثير من الدول الغربية.

الاستبدال الكبير
إحدى أهم النظريات التي استلهم منها كثير من المتطرفين اليمينين نظرية الاستبدال الكبير التي ابتدعها الكاتب الفرنسي رونو كامو، أحد المؤثرين في هذا الفكر المتطرف، واقتبس من مقولات رونو كامو كثير من مرتكبي الهجمات الإرهابية، ومن ضمنهم مرتكب مجزرة مسجدي نيوزيلندا الأسترالي برينتون تارانت، إذ استشهد في البيان الذي نشره في أعقاب هجماته بمقولات تعنى بنظرية الاستبدال الكبير. وقد تمت إدانة رونو من خلال القضاء الفرنسي في عام 2014 بتهمة التحريض على الكراهية ضد المسلمين، حيث إن هذه النظرية تزعم أن ما يحدث هو استبدال الفرنسيين الأصليين بالمهاجرين، ووصفه للمهاجرين بأنهم «محاربون غزاة، هدفهم الوحيد هو تدمير الشعب الفرنسي وحضارته، واستبدالهما بالإسلام».
ويشير كذلك في نظريته إلى الأوروبيين المسيحيين بشكل عام، ونظريته شبيهة بالنظرية النازية التي تدعو للتخلص من الأعراق غير الآرية، مثل ما حدث من قتلهم لليهود. إلا أن ما يحدث أخيراً بلا شك ينم عن تصاعد خطاب الكراهية والتوتر بين الثقافات المختلفة، بعيداً عن ذلك الحلم السابق بوجود «المواطنة المعولمة»، حيث يمكن للمرء التعامل مع أي شخص مهما اختلفت ثقافته وموطنه، وذلك من خلال التنوع الثقافي، والقدرة على معالجة الفروقات دون حدوث صراعات.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.