تفاقم المخاوف من «الدواعش» العائدين

اتهامات تلاحقهم بتزويد «الإرهابيين» معلومات وأموال

«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
TT

تفاقم المخاوف من «الدواعش» العائدين

«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)
«دواعش» يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى سوريا والعراق (الشرق الأوسط)

«العائدون من «داعش»» إشكالية كبيرة ما زالت تتفاقم وتُثير الرعب والفزع في أوروبا، وبعض دول أفريقيا، خاصة مع فرار معظم عناصر التنظيم من أراضي سوريا والعراق. وكشفت دراسة مصرية حديثة عن «وجود اتهامات للعائدين بأنهم يمدون (الإرهابيين) بالمعلومات والأموال». اتسق ذلك مع آراء خبراء وباحثين أكدوا أن «هناك مخاوف من تنفيذ هؤلاء أنفسهم عمليات إرهابية، ذات نهج فردي على طريقة (الذئاب المنفردة)، لذا ترفض بعض الحكومات عودة مواطنيها الذين انضموا إلى (داعش)، وتتخذ إجراءات مشددة في ذلك مثل: إلغاء الجنسية، وسحب جوازات السفر».
ويقول الخبراء والباحثون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك احتمالات تتعلق بإمكانية التحاق العائدين من (داعش) بفصائل متطرفة أخرى عند عودتهم للدول، ليستمر مسلسل ميلاد جماعات إرهابية جديدة». مطالبين «بوجوب وضع هذا الأمر على أجندة الأولويات الأمنية لجميع الدول». «العائدون» قسمتهم الدراسة المصرية على قسمين، الأول هم الذين اقتنعوا بدعاية التنظيم الضالة والمضللة، وسافروا إلى أماكن تمركزه السابقة في سوريا والعراق منذ عام 2014، ثم انجلت لهم حقيقة التنظيم، فاكتشفوا فساد فكره، وانشقوا عنه عقب هزائمه، وعادوا إلى بلادهم مرة أخرى، وهؤلاء يمكن أن نطلق عليهم «المنشقين»... والثاني هم من عادوا إلى بلادهم «متسللين» أو مقبوضا عليهم أثناء محاولة عبور الحدود وصولاً لدولهم، أو عبور الحدود لدولة أخرى.

إجراءات مشددة
الدراسة المصرية، التي أعدها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالقاهرة، تلفت إلى أن هؤلاء (أي العائدين) يمثلون قلقاً بالغاً للحكومات التي تخشى من منهج العنف والتطرف الذي يتبناه هؤلاء مخافة نشره، ومخافة تكوين «خلايا» تقوم بعمليات إرهابية من وقت لآخر، أو تقدم دعماً معلوماتياً ومادياً لـ«متطرفين» يريدون تنفيذ عمليات إرهابية، فضلاً عن مخافة تنفيذ هؤلاء أنفسهم عمليات إرهابية ذات نهج فردي على طريقة «الذئاب المنفردة»، ومن ثم ترفض بعض الحكومات عودة مواطنيها الذين انضموا إلى «داعش»، وتتخذ إجراءات مشددة في ذلك مثل، إلغاء الجنسية، وسحب جوازات السفر.
وأكد العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي في مصر، أن «عودة الدواعش للدول تمثل خطراً كبيراً، لكونهم كانوا مقتنعين تماماً بأهداف التنظيم المتطرفة، وتلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة، وعاشوا في أجواء العنف، واكتسبوا خبرات قتالية، جعلت منهم خطراً دائماً في أي مكان يوجدون فيه»، مضيفاً أن «الدول خاصة الأوروبية تتعامل مع هذا الملف باهتمام شديد، وتتخذ إجراءات مختلفة حيال ذلك».
وقال باحثون في مرصد الأزهر، إنه «لا تزال المخاوف قائمة من عودة هؤلاء لبلدانهم أو التحاقهم بفصائل إرهابية أخرى؛ ليستمر مسلسل ميلاد جماعات جديدة، كما كان الحال مع (داعش) التي نشأت من رحم (القاعدة)». وأكد الباحثون أن سؤال مصير العائدين من (داعش) هو السؤال الأهم للحكومات، وكيف يمكن التعامل معهم، ولا شك أن الإجابة ستختلف من دولة لأخرى، حسب سياسة كل دولة وقدراتها الأمنية؛ لكن الشيء الذي لا خلاف عليه، هو وجوب وضع هذا الأمر على أجندة الأولويات الأمنية لجميع الدول.
ويرى مراقبون أن «الخطر الذي تُشكله عودة هؤلاء (المقاتلين) إلى بلدانهم الأصلية، يُضعف فرصة نجاة هؤلاء بحياتهم، لا سيما أن كثيرا من تلك الدول ترفض استعادة رعاياها... وشهادات كثير من (المقاتلين الأجانب) تُظهر تمسكهم بالآيديولوجية الداعشية، وأملهم في عودة دولتهم يوماً ما».

عناصر مهزومة
وعن مخاطر العائدين من «داعش». قال الباحثون في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف «إذا نظرنا إلى المخاطر التي من الممكن أن تسببها عودة هؤلاء (المقاتلين) للدول، نجد أنه من ‏الناحية الفكرية والعقدية، سيكون تأثيرهم أقوى، وطريقة إقناعهم أسرع، فهم ‏من بويعوا من قبل، وينظر إليهم على أنهم الذين هاجروا لنصرة الدين وإقامة ‏(الدولة) - على حد زعمهم - إلا أن الحظ لم يكن حليفاً لهم، وسيكون ذلك باعثاً قوياً للذين بايعوهم من قبل ومثيراً ‏لحماستهم، لأن يسعوا لإكمال المشوار من بعدهم».
المراقبون قالوا إن بعض هؤلاء المقاتلين كانوا يتولون مهام رئيسية داخل «داعش» لقدراتهم القتالية والتنظيمية الكبيرة، خاصة في العمليات الانتحارية، أو الانغماسية، التي يكون الهدف منها هو الإيقاع بأكبر عدد من الخسائر البشرية.
اتفق مع الرأي السابق خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الأصولية بمصر، مؤكداً أنه «لا شك أن (العائدين) ليسوا مجرد عناصر مهزومة فقط، فمنهم من أصيب بخيبة أمل، وبعضهم يأمل في العودة من جديد مستقبلاً لسوريا والعراق؛ لكنهم لن يتخلوا عن أفكار التنظيم الإرهابية»، لافتاً إلى أن «هناك اتهامات تلاحقهم بقيامهم بدعم (المتطرفين) بالمعلومات والأموال».
في غضون ذلك، قالت الدراسة إنه «من خلال شهادات (العائدات الداعشيات) نستنبط أنهن حديثات عهد بالتدين، ويفتقرن إلى أي خلفية ثقافية دينية تؤهلهن إلى فهم تعاليم الدين فهماً صحيحاً، وفي الوقت ذاته هن متحمسات للبحث في الدين ومعرفة حقائقه، الأمر الذي جعلهن لقمة سائغة للوقوع في براثن التنظيم، فانخدعن بشعاراته الزائفة التي صورت لهن من قبل - كذباً وزوراً - العيش في المدينة الفاضلة».
وذكرت الدارسة أن «شهادات بعض العائدات من (داعش) أكدت أنه تم استقطابهن جميعاً من خلال مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، و(الذئاب المنفردة) خير دليل على مدى أهمية هذه المواقع للتنظيم ومؤيديه، الذين لم يستطيعوا الذهاب إلى أماكن تمركزه الرئيسية في السابق؛ لكنهم تشبعوا بأفكار التنظيم عبر مواقع الإنترنت، وقاموا بتنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم، وهذا يدل على مدى أهمية الإعلام ومواقع التواصل، التي فطن لها التنظيم من قبل».

تطلعات «الداعشيات»
ويشار إلى أن الهزائم الكبيرة التي مُني بها «داعش» خلال الفترة الماضية، طرحت دلالات كثيرة، تتمثل أبرزها في وجود عدد ليس قليلاً من الأوروبيات اللاتي انخرطن في صفوفه، بشكل أثار مخاوف كثيرة لدى الدول الأوروبية من التداعيات التي يمكن أن تفرضها عودتهن المُحتملة إلى أراضيها، خاصة في ظل تمسكهن بالأفكار التي تبناها التنظيم.
وفي عام 2014 أسس التنظيم كتيبة نسائية تُسمى «الخنساء»، كان من إحدى مهامها الرئيسية استقطاب النساء عبر الإنترنت، وإقناعهن في ذلك الحين بالسفر إلى سوريا أو العراق، للزواج من مقاتلي التنظيم، وإنجاب الأطفال، وبعد ذلك شاركن في العمليات القتالية.
ووفقاً لتقارير دولية، فإن بعض «الداعشيات» الأوروبيات رفضن التخلي عن النقاب، ورفضن الاتهامات التي توجه لأزواجهن من عناصر التنظيم بأنهم «إرهابيون»، فضلاً عن إصرارهن على اعتبار الحياة في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم «نموذجاً مصغراً لمشروع إسلامي... كما لم يخفين تطلعهن إلى العودة من جديد لتلك المناطق، في حالة ما إذا أتيحت لهن الفرصة».
وقالت الدراسة المصرية إن «داعش» خدع الفتيات بتفسيراته المغلوطة لقضايا ومصطلحات بعينها، مثل «الهجرة»، و«الخلافة»، و«تطبيق الشريعة»، وهي قضايا مهمة، ودائماً ما يستغلها «المتطرفون» في استقطاب الشباب، وتكفير المجتمعات، موضحة أنه من خلال شهادات «العائدات» نستنتج الانحلال الأخلاقي لقادة تنظيم «داعش»، ففي حين كانوا يأمرون الشباب بالخروج للقتال، يجلسون هم في منازلهم يتناولون أجود أنواع الطعام... وبعض «المنشقين» عن التنظيم أكدوا أن الفساد كان بداخله ممنهجاً، وله مظاهر كثيرة، ويرتبط بقادة التنظيم، الذين كانوا يعقدون صفقات بترولية وتجارية مع من يدعون أن قتالهم من الأهداف الرئيسية للتنظيم، لذلك وصف أحد المنشقين قيادات التنظيم بأنهم عصابة من «المرتزقة».

المقاتلون الأجانب
في السياق نفسه، تحدثت الدراسة أيضاً عن مصطلح «المقاتلين الأجانب» في «داعش» الإرهابي. وقالت إنه «لم يقتصر الانضمام إلى التنظيم على الشباب والفتيات في دول المشرق العربي والإسلامي فحسب؛ بل انضم إلى التنظيم عدد كبير من الشباب الغربي». وأضافت: «يُمكننا القول إن (المقاتلين الأجانب) ليست ظاهرة جديدة أو خاصة بـ(داعش)؛ بل هي ظاهرة قديمة، إذ تدفقت موجات من (المقاتلين الأجانب) في أوقات متباينة نحو مناطق النزاع في الخارج، مثل (أفغانستان، والبوسنة، والعراق)؛ لكن أمر (المقاتلين الأجانب) الذين تدفقوا إلى سوريا جعل منها أكثر دولة في العالم جذباً لـ(المقاتلين الأجانب) خلال السـنوات العشــر أو العشريــن الماضيــة؛ بل إن أعداد (المقاتلين) الأوروبيين الذين ذهبوا إلى سوريا في السنوات الأخيرة، فاق بكثير عـدد الذين انضموا للقتال في جميع أماكن الصراع الأخرى علــى مــدى الســنوات الماضية».
ويقدر باحثون ومراقبون تدفقات «المقاتلين الأجانب» إلى سوريا والعراق خلال السنوات الماضية بـ60 ألف مقاتل، حضروا من أكثر من 110 دول... من بين هؤلاء ما يقرب من 6 آلاف من أوروبا، بنسب مختلفة من بلد لآخر؛ حيث إن نحو 70 في المائة منهم أتوا من أربع دول هي «فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا»، في حين تُعد إسبانيا من أقل الدول الأوروبية التي انضم منها مقاتلون إلى «داعش» في سوريا والعراق، وكذلك إيطاليا.
وخلصت الدراسة المصرية إلى أن الجهل بالدين وعدم معرفته معرفة صحيحة، كان سبباً للانحراف واعتناق الفكر المتطرف، بالإضافة إلى سهولة الاستقطاب من قبل بعض الجماعات الإرهابية، خصوصاً تنظيم «داعش» الذي كان لا يهتم بمستوى العضو الديني ومدى خلفيته الثقافية؛ بل فتح أبوابه من قبل أمام جميع من يريد الانضمام إليه حتى وإن لم يكن متديناً.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».