تركيا تبدأ ملء سد إليسو على نهر دجلة... وتهدد العراق بالجفاف

قبل محادثات أجراها مبعوث خاص لإردوغان في بغداد للمقايضة بمشروعات

سد إليسو يهدد العراق بالجفاف
سد إليسو يهدد العراق بالجفاف
TT

تركيا تبدأ ملء سد إليسو على نهر دجلة... وتهدد العراق بالجفاف

سد إليسو يهدد العراق بالجفاف
سد إليسو يهدد العراق بالجفاف

كشفت مصادر وناشطون أتراك في مجال الدفاع عن البيئة والآثار أن تركيا بدأت منذ أسبوعين ملء سد «إليسو» الواقع على نهر دجلة بالمياه بعد تأجيل متكرر منذ العام الماضي.
وجاء ملء السد، الذي سيؤثر على حصة العراق من مياه نهر دجلة وسيؤدي إلى أضرار بالغة بسبب الجفاف، قبل أن ترسل تركيا وزير البيئة والموارد المائية السابق فيسل أرأوغلو كمبعوث عن أنقرة إلى العراق يوم الثلاثاء الماضي لبحث الأمر مع المسؤولين العراقيين. وكان مسؤول من هيئة «الأعمال الهيدروليكية التركية»، رفض ذكر اسمه، قال لوكالة الأنباء الألمانية في يوليو (تموز) الماضي إن بوابتين من بوابات السد أغلقتا وسيبدأ ملء المياه «قريباً جداً».
وبحسب تصريحات لمسؤولين أتراك كان من المقرر ملء سد إليسو، الذي بدأ إنشاؤه عام 2006 لتوليد الكهرباء، في إطار مشروع لتنمية مناطق جنوب شرقي تركيا، بالمياه في يونيو (حزيران) الماضي، لكن الرئيس رجب طيب إردوغان طلب تأجيل البدء في ذلك. وكان مشروع سد «إليسو» قوبل بمعارضة محلية ودولية قوية بسبب الأضرار البيئية الناجمة عنه وخفض معدل تدفق المياه إلى العراق المجاور الذي يعاني من نقص في المياه. وقال علي أرجول، أحد أعضاء مجموعة «حسن كيف»، ومقرها إسطنبول: «المياه ترتفع بشكل مستمر في السد منذ 22 يوليو الماضي... نتفهم أن جميع البوابات مغلقة الآن من أجل ملء المياه بشكل دائم»... فيما تقول السلطات التركية إنه يتم ملء السد بالمياه يتم على سبيل الاختبار.
وفور استكمال ملء خزان سد إليسو، الذي تبلغ مساحته 300 كيلومتر مربع، ستغرق بالكامل بلدة حسن كيف الأثرية التي كانت تسمى قديما «حصن كيفا» تماما وسط مخاوف من سكان المنطقة من أن تغرق قراهم بأسرع مما هو متوقع في الوقت الذي ينتظر فيه كثيرون أن تنقلهم الحكومة إلى مراكز سكينة جديدة كما وعدتهم من قبل. ويعني المشروع إعادة توطين أكثر من 15 ألف ساكن. وتقول تركيا إن السد الذي يبلغ طوله 1820 وارتفاعه 135 مترا سيكون مصدرا مهما للطاقة الكهرومائية.
وجاءت الخطوة التركية بعد تأجيلها العام الماضي، أكثر من مرة، حيث كان مقررا ملء السد في يونيو (حزيران) 2018، بعد أن احتجت الحكومة العراقية عند بدء احتجاز المياه خلف السد لفترة وجيزة قبل أن يعلن الرئيس رجب طيب إردوغان إرجاء ملء السد بسبب تزامن احتجاز المياه مع شهر رمضان. وسيوفر السد نحو 300 مليون دولار سنويا للاقتصاد التركي. بينما تقول الحكومة العراقية إنه سيؤدي إلى شح المياه لأنه سيقلل تدفق المياه في نهر دجلة، أحد النهرين اللذين تعتمد عليهما البلاد في معظم احتياجاتها من الماء.
ومنذ العام الماضي، أدى نقص المياه في العراق إلى اتخاذ إجراءات مثل حظر زراعة الأرز، ودفع مزارعين لهجر أراضيهم. وشهدت مدينة البصرة احتجاجات استمرت شهوراً بسبب عدم وجود مياه صالحة للشرب.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وافقت تركيا على زيادة ضخ المياه إلى كل محافظات العراق ومنها البصرة على وجه الخصوص. وتكلف إنشاء سد إليسو 1.6 مليار دولار، وهو سد ميولي يقع على نهر دجلة ويشكل واحدا من 22 سدا تقع على طول الحدود مع العراق في ولايتي شيرناق وماردين التركيتين ضمن مشروع تنمية جنوب شرقي الأناضول، تهدف إلى التحكم في الفيضان وتخزين المياه.
ويوفر سد إليسو، الذي يبلغ ارتفاعه 135 مترا وعرضه كيلومترين، طاقة كهربائية مقدارها 1.200 ميغاواط وتبلغ سعته التخزينية 10.4 مليار متر مكعب من المياه. لكنه سيؤثر على حصة العراق من المياه. وفي عام 2006 عندما وضع رئيس الوزراء التركي حينها رجب طيب إردوغان، حجر الأساس لمشروع سد إليسو على نهر دجلة، في إطار مشروع كبير لتنمية جنوب شرقي تركيا، أثار المخاوف على حياة سكان المنطقة وأثار الخلافات مع العراق على تقاسم الحصص في مياه النهر.
ويعد السد ثاني أكبر سد في تركيا من حيث سعة تخزين المياه، وتقول الحكومة التركية إنه سيوفر الطاقة الكهربائية وفرص العمل للمنطقة الفقيرة في جنوب شرقي الأناضول حيث الغالبية الكردية من السكان، لكنّ معارضي المشروع يحذّرون من آثار كارثية على بيئة المنطقة وإرثها التاريخي؛ وفي المقدمة قرية «حسن كيف» إلى جانب تشريد أكثر من 50 ألف شخص من السكان.
واعترضت المجالس المحلية في المنطقة ومنظمات المجتمع المدني ومجموعات أخرى على بناء السد، وشكلت تحالفاً للضغط على الحكومة من أجل الحفاظ على القرية التي يقطنها نحو 4 آلاف شخص، ومنع بناء السد، ما دفع الجهات الممولة إلى الانسحاب من المشروع. وأعلنت الحكومة العام الماضي، عن خطط لتوفير بدائل للسكان في المناطق التي سيشملها مشروع السد، كما أعلنت أيضاً عن مشروع سياحي في قرية «حسن كيف» يقوم على تنظيم رحلات بالغواصات الزجاجية للاستمتاع بالآثار التي ستغمرها مياه السد.
وقالت الحكومة التي تمكنت من إقناع جهات أخرى بتمويل المشروع، إنّها ستبني مدينة جديدة لسكان «حسن كيف»، كما أنّها ستنقل أغلب آثار المدينة لتضعها في «حديقة ثقافية» تقام لهذه الغاية خصيصاً، في الهواء الطلق، إلى جانب رحلات الغواصات. وكانت قرية «حسن كيف»، أو «حصن كيفا» كما كانت تسمى قديما، وهي تتبع محافظة بطمان في جنوب شرقي تركيا وتقع على شاطئ نهر دجلة، من أبرز المعالم التي تجذب آلاف الزوار. وأُعلنت منطقة محمية في عام 1981.
والثلاثاء الماضي، أوفدت تركيا وزير الغابات والموارد المائية السابق فيسل أرأوغلو إلى بغداد للقاء المسؤولين العراقيين. وأعلنت الحكومة العراقية التوصل إلى «مؤشرات إيجابية» خلال مباحثاته في بغداد، بشأن إدارة ملف المياه المشتركة في نهري دجلة والفرات.
وبحسب بيان لخلية الإعلام الحكومي فإن المباحثات التي جرت (الأربعاء) في العاصمة بغداد، بحضور وزير الموارد المائية جمال العادلي، ورئيس لجنة الزراعة والمياه بالبرلمان العراقي، سلام الشمري، شهدت نقاشات مستفيضة من الممكن أن تقود إلى اتفاقية مشتركة تخدم مصلحة البلدين». وقدم الجانب التركي ممثلا بالوفد الذي ترأسه مبعوث الرئيس التركي إلى العراق فيسل أرأوغلو، وعدد من أعضاء البرلمان التركي، مجموعة من المقترحات الخاصة بتنفيذ مشاريع لاستصلاح الأراضي، وأخرى لتنمية قطاع مياه الشرب والصرف الصحي، وزيادة أطر التعاون في المجالين التجاري والاقتصادي، إضافة إلى إنشاء مركز أبحاث مشترك بين البلدين مقره بغداد، متخصص بإدارة المياه، علاوة على التعاون في مجال زراعة الغابات، وإنشاء مشاتل لأشجار الغابات الملائمة لظروف العراق.
وتبادل الطرفان المعلومات الفنية والبيانات الهيدرولوجية والميترولوجية، لمسار النهرين ومناسيب الخزين المائي، بما يسهم في تحسين تشغيل السدود وإدارة المياه، لا سيما أثناء الأزمات في مواسم الشح والفيضان. كما تطرقت المباحثات إلى ضرورة تعزيز مساهمة الشركات التركية في تنفيذ مشاريع القطاع المائي بالعراق، بحسب التصنيفات التي وضعتها بغداد لتطوير قطاعات الموارد المائية والزراعة والصرف الصحي.
ووصف أوغلو مباحثاته مع المسؤولين العراقيين بـ«المفيدة للغاية»، معلنا أنه سيجري إنشاء مركز لأبحاث الموارد المائية في بغداد. من جانبه، أكد الرئيس العراقي برهم صالح، خلال استقباله الوفد التركي برئاسة أرأوغلو، أهمية تطوير العلاقات مع تركيا والارتقاء بسبل التعاون المشترك خدمة لمصالح الشعبين. ودعا صالح، إلى «ضرورة التوصل لتفاهمات طويلة الأمد ومرضية لحل الإشكاليات العالقة بين العراق وتركيا في ملف المياه، وبما يضمن حقوق البلدين». وشدد على أن «قضية المياه تشكل أولوية في مسار علاقتنا مع الجارة تركيا».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.