التفسير الدستوري: دعوة عون للجلسة معلقة على موافقة الحريري

TT

التفسير الدستوري: دعوة عون للجلسة معلقة على موافقة الحريري

أشعل طلب الرئيس اللبناني ميشال عون من رئيس الحكومة سعد الحريري «عقد مجلس الوزراء في أقرب وقت»، أزمة صلاحيات وتّرت العلاقة بين الطرفين وأثارت ردوداً لم ترقَ إلى مستوى المواجهة بعد.
واستند الرئيس عون إلى الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور، للاتصال بالحريري طالبا منه الدعوة إلى عقد مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن. وتنص هذه الفقرة الـ(12) على أن رئيس الجمهورية «يدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة».
ويرجع مواكبون الأزمات المشابهة إلى النصوص الفضفاضة في الدستور، وأحياناً تكون غير واضحة. وفيما يخص الفقرة 12 من المادة 53 يوضح الباحث الدستوري المحامي أنطوان صفير لـ«الشرق الأوسط» أن دعوة رئيس الجمهورية معلقة على اتفاق الرئيسين، حيث تكون المبادرة في الطلب من صلاحية رئيس الجمهورية، وتستكمل بموافقة رئيس الحكومة، مشيراً إلى أنه «لا يمكن لرئيس مجلس الوزراء أن يرفض الدعوة بالمطلق»، لافتاً إلى أن الدستور اللبناني حفظ هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية بشكل استثنائي عندما ترد في الفقرة عبارة (استثنائياً)، وذلك لمواجهة أزمة أو لبحث موضوع خطير واستثنائي.
وبالتالي، يضيف صفير، أن هذه المادة «لا تعطي رئيس الجمهورية صلاحية كاملة، وفي الوقت نفسه هي صلاحية استسابية له معلقة على شرط موافقة رئيس الحكومة الذي يفرض عليه الدستور تعليل أسباب رفضها، في حال عدم الاستجابة، لأنه لا يمكن له رفضها بالمطلق».
ويرى صفير أن الجدل الذي خلفه طلب عون من الحريري الدعوة إلى عقد مجلس الوزراء، ناتج عن أزمة مرتبطة بتطبيق المادة الدستورية لكونها غير واضحة لجهة آلية الوصول إلى تطبيقها، بالنظر إلى أنها حفظت لرئيس الجمهورية صلاحية الطلب، وعلقها الدستور على موافقة رئيس الحكومة. ومع أن المشكلة في كل أزمة صلاحيات تتمظهر طائفياً، لكون المواقع الأولى في البلاد موزعة بين الطوائف (رئيس الجمهورية ماروني، ورئيس الحكومة سني، ورئيس البرلمان شيعي)، إلا أن خبراء يعتبرون أن الأزمات في جوهرها «سياسية وحزبية وتضارب في المصالح»، بحسب ما يقول صفير.
ولم ترق الردود حول الصلاحيات أمس إلى مستوى المواجهة، لكنها عبّرت عن وجود أزمة، رغم إنكار نواب لذلك، حيث قال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب أنطوان بانو إن «العلاقة بين الرئيسين عون والحريري يحكمها الوفاق ويسودها الانسجام انطلاقا من مراعاتهما مصلحة لبنان العليا».
لكن تصريح مصدر مطلع لـ«مستقبل ويب» التابع لتيار المستقبل، كشف عن بوادر أزمة، إذ قال إن «جنوح بعض المحيطين الذين يتولون النفخ في أذن الرئيس باقتراحات وتفسيرات وفتاوى وخروج بعض وسائل الإعلام من أروقة القصر لتتحدث عن الحق الدستوري لرئيس البلاد بالدعوة إلى جلسة مجلس وزراء بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وعن وقائع مكالمة هاتفية حصلت بين الرئيسين هو بالتأكيد أمر مستغرب ولا يضيف إلى الواقع السياسي سوى المزيد من البلبلة والتجاذب». وقال: «ليس هناك من يجادل بصلاحيات رئيس الجمهورية لأنه موضوع لم يكن هناك مبرر لإثارته للإيحاء أن رئيس مجلس الوزراء يتخلف عن أداء صلاحياته، فضلاً عن أن المكالمة بين الرئيسين لم تتطرق لهذا الأمر من قريب أو بعيد وهي تناولت وجوب انعقاد مجلس الوزراء وتهيئة المناخ الملائم لجلسة غير قابلة للتفجير».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.