هدوء حذر مع دخول الهدنة حيز التنفيذ في ادلب

TT

هدوء حذر مع دخول الهدنة حيز التنفيذ في ادلب

شهدت محافظة إدلب ومحيطها في شمال غربي سوريا هدوءاً حذراً مع توقف الغارات، منذ دخول الهدنة التي أعلنت دمشق الموافقة عليها ورحّبت بها موسكو حيز التنفيذ، عند منتصف ليل الخميس - الجمعة، بعد ثلاثة أشهر من التصعيد.
وفي أول تعليق لها، حذرت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) التي تسيطر على محافظة إدلب، في بيان، من أنها لن تلتزم بوقف إطلاق النار في حال تعرض مناطق سيطرتها للقصف.
ولم تحل الهدنة التي تزامن إعلانها مع جولة جديدة من محادثات آستانة، دون خروقات «محدودة»، في وقت يشكّك فيه محللون في جديّة هذه الهدنة وقابليتها للاستمرار، مع تكرار دمشق عزمها استعادة كافة الأراضي الخارجة عن سيطرتها.
وأفاد مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، الجمعة، بـ«استمرار هدوء حذر في اليوم الأول من وقف إطلاق النار، بعد غياب الطائرات الحربية السورية والروسية عن الأجواء منذ قبيل منتصف الليل (21:00 ت.غ) وتوقف الاشتباكات المباشرة» على الجبهات.
وسجّلت مراصد الطيران في إدلب التي تعاين حركة الطائرات من أجل تنبيه المدنيين، آخر قصف جوي لقوات النظام على جنوب مدينة خان شيخون، قبل دقيقتين من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ ليلاً، وفق مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.
ولم يسرِ توقف الغارات والاشتباكات على تبادل القصف المتقطع بين الطرفين، إذ أفاد المرصد بإطلاق قوات النظام عشرات القذائف على ريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، مقابل إطلاق الفصائل قذائف على ريف المحافظة الغربي وريف محافظة اللاذقية الساحلية المجاورة لإدلب.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) صباحاً، بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين بجروح، جراء سقوط خمسة صواريخ على بلدة قريبة من القرداحة، مسقط رأس عائلة الرئيس بشار الأسد.
وتعرضت محافظة إدلب ومناطق مجاورة؛ حيث يعيش نحو ثلاثة ملايين نسمة، لقصف شبه يومي من طائرات سورية وأخرى روسية، منذ نهاية أبريل (نيسان)، لم يستثنِ المستشفيات والمدارس والأسواق، وترافق مع معارك عنيفة في ريف حماة الشمالي.
وشددت «هيئة تحرير الشام» على أن «أي قصف أو اعتداء يطال مدن وبلدات الشمال المحرر سيؤدي إلى إلغاء وقف إطلاق النار من جهتنا، ويكون لنا حق الرد عليه». وبدأت الهدنة بعد إعلان مصدر عسكري سوري، الخميس، «الموافقة على وقف إطلاق النار» في إدلب، «شريطة أن يتم تطبيق اتفاق سوتشي الذي يقضي بتراجع الإرهابيين بحدود 20 كيلومتراً بالعمق من خط منطقة خفض التصعيد بإدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة»، وفق ما نقلت «سانا».
ونص اتفاق سوتشي الذي توصلت إليه روسيا وتركيا في سبتمبر (أيلول)، على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل، على أن تسحب الأخيرة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة وتنسحب المجموعات الجهادية منها.
ولم يُستكمل تنفيذ الاتفاق، رغم أنه نجح في إرساء هدوء نسبي في المنطقة لأشهر عدة. وتتهم دمشق تركيا بالتلكؤ في تطبيقه. وتسبب التصعيد الذي طال منشآت مدنية في مقتل نحو 790 مدنياً منذ نهاية أبريل وفق المرصد. ودفع أكثر من 400 ألف شخص إلى النزوح. وأعلنت الأمم المتحدة ليل الخميس أنها ستحقق في عمليات «التدمير والأضرار» التي لحقت بمنشآت تدعمها في المنطقة. وتزامنت موافقة دمشق على الهدنة مع انعقاد الجولة الـ13 من المحادثات حول سوريا في عاصمة كازاخستان، برعاية حليفتي دمشق روسيا وإيران، وتركيا الداعمة للمعارضة.
وهاجم المفاوض السوري بشار الجعفري من العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، الوجود التركي في شمال غربي سوريا، واعتبر أن القرار السوري، الخميس، الموافقة على هدنة في إدلب «امتحان واختبار للنوايا التركية». ودعا الجعفري «الضامنين» الآخرين، و«الحاضرين في آستانة» إلى «تحمل مسؤولياتهم في الضغط على الجانب التركي» لتنفيذ شروط اتفاق تم التوصل إليه في سوتشي العام الماضي.
وقال الجعفري إن «الإعلان في دمشق عن وقف إطلاق النار مشروط بتطبيق الجانب التركي لتفاهمات سوتشي وتفاهمات آستانة، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من يد الإرهابيين».
وتؤكد دمشق تمسكها بالخيار العسكري في حال فشل الاتفاقات الدبلوماسية.
وقال مدير الإدارة السياسية في الجيش السوري اللواء حسن حسن، وفق ما نقلت صحيفة «الوطن» المقربة من دمشق، الخميس: «عندما يمكن البناء على الدبلوماسية الروسية (...) أو علاقة الأصدقاء الإيرانيين مع تركيا، فهذا أمر جيد. عندما تصل الأمور إلى حائط مسدود فإن الجيش (...) لن يتوقف على المطلق، لا عند إدلب ولا عند أي منطقة تنتشر فيها المجموعات الإرهابية. وبالتالي لن يبقى شبر واحد إلا وستتم استعادته».
ومع تمسك دمشق باستعادة كافة المناطق الخارجة عن سيطرتها، يرجّح محللون أن تكون روسيا هي من تقف خلف الهدنة.
ويقول الباحث المتابع للشأن السوري سامويل راماني، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا أرى أن وقف إطلاق النار سيكون دائماً، ذلك أن الأسد لن يتساهل إطلاقاً مع بقاء إدلب خارج دائرة نفوذه». ويعرب عن اعتقاده بأنها «حيلة ذكية بإيعاز روسي على الأرجح، بهدف تعزيز مصداقية وفعالية محادثات آستانة، في وقت كان قد بدأ فيه التشكيك جدياً بفعاليتها».
وشكّك الموفد الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، الخميس، في مدى قدرة الفصائل المتطرفة على الالتزام بالاتفاق. وقال، وفق ما نقلت وكالة «إنترفاكس» للأنباء: «من المرجح ألا يتوقفوا عن بعض الاستفزازات ضد القوات الحكومية».
وتبدو خيارات الفصائل في إدلب - عملياً – محدودة، بينما يخشى المدنيون استئناف التصعيد في أي لحظة.
وقال أبو عبدو (61 عاماً)، أحد سكان مدينة أريحا، والذي خسر زوجته واثنين من أطفاله في قصف روسي سابق، لوكالة الصحافة الفرنسية: «كم هدنة حصلت وكم آستانة؟ هؤلاء غشاشون، ففي كل هدنة يأخذون منطقة ويخدعوننا».
وأكد أبو محمد (50 عاماً) من سكان أريحا، أن «لا مصداقية للنظام، ولا ثقة لنا به على الإطلاق».
ويرى الباحث في مركز عمران للدراسات، ومقره إسطنبول، نوار أوليفر، أن الفصائل «بين مطرقتين». ويقول: «إذا لم توافق فهذا يعني استمرار روسيا في قصف المناطق المدنية وارتكاب المجازر في ظل صمت دولي، وإذا وافقت فهي غير قادرة على الثقة بروسيا التي يحفل سجلها بعدم الالتزام بالاتفاقات».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.