آلة الحرب ورهانات الدبلوماسية في ليبيا

انقسامات حادة تغذيها أطراف خارجية

آلة الحرب ورهانات الدبلوماسية في ليبيا
TT

آلة الحرب ورهانات الدبلوماسية في ليبيا

آلة الحرب ورهانات الدبلوماسية في ليبيا

غيّرت الحرب على طرابلس كثيرا من واقع الحياة السياسية والاجتماعية في ليبيا بالشكل الذي باتت تستحيل معه فرص العودة إلى «المربع الأول». فالمعركة التي اتجهت إلى تدمير القواعد الخلفية في الجفرة ومصراتة، لكسر الجمود العسكري، ما زالت منذ اندلاعها، في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، تُراكم القتلى وتزيد أعداد اليتامى، بموازاة مساعٍ دولية خجولة تبحث عن مسار لوقف إراقة الدماء، أو على الأقل هدنة تتزامن مع قدوم عيد الأضحى.
هذه التطورات تأتي في وقت يتعرض فيه الدكتور غسان سلامة، المبعوث الأممي السادس لدى ليبيا، لحملة انتقادات واسعة من سلطات طرابلس، على خلفية إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، منتصف الأسبوع الماضي. هذا المفصل زاد الأمور تعقيداً، سواء باتجاه محاولات لخلخلة الأزمة، أو العودة بها إلى طاولة التفاوض مجدداً، وفقاً لمتحدثين لـ«الشرق الأوسط»، لكن منهم من يرى أن «أي تحركات دولية لوقف الحرب دون حل إخراج الميليشيات من طرابلس، ستبقي على الحرب مؤجلة حتى حين».

معركة طرابلس التي دخلت شهرها الرابع في ليبيا بين «الجيش الوطني الليبي» وقوات «حكومة الوفاق» طرحت كثيرا من الأسئلة، وكثيرا من الأمنيات، بين طرفين متناقضين: الأول يرى ضرورة حسمها سريعاً دون تلكؤ. والآخر يسأل: أليس هناك من عاقل يستطيع وقفها، ولجم شراستها؟
لكن من دون انتظار أي إجابات، يظل المؤكد أن هذه الحرب تسببت منذ اندلاعها في سقوط نحو 1100 قتيل، وإصابة 5762 بجروح بينهم مدنيون، كما تخطى عدد النازحين مائة ألف مواطن.

- مصراتة مقابل الجفرة
في وقت قريب من زمن العملية العسكرية، التي يقول المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، إنها تستهدف «تحرير» العاصمة من «الإرهاب» والميليشيات المسلحة، راوحت المعركة مكانها بين كر وفر، مع تحقيق بعض المكاسب، وتبادل المواقع التي يتيسر الاستيلاء عليها. إلا أنها اتخذت مؤخراً مساراً مغايراً بالاتجاه إلى تدمير القواعد الخلفية لكلا الفريقين المتقاتلين، في مسعى لقطع خطوط الإمداد، وشل حركة «الخصم».
متابعون لمجريات القتال، يرجعون انتقال المواجهات العسكرية إلى الجفرة ومصراتة، لما سموه «عجز القوتين المتحاربتين في تحقيق نتيجة عسكرية حاسمة بمعركة طرابلس»، إلا أن اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» يرى أنه «يحقق تقدماً ملموساً على الأرض»، وأن سلاح الجو «بات يفرض سيطرته على كامل التراب الليبي».
من جهتها، لم تتوقف قوات «حكومة الوفاق» بقيادة فائز السراج، المدعوم دولياً، والتي منعت العاصمة من السقوط إلى الآن، عند صد قوات الجيش فقط، بل وجهت المقاتلات الحربية والطائرات المسيرة، إلى قصف قاعدة الجفرة في قلب الصحراء الليبية. وهذه القاعدة (650 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس) تعد بوابة تربط بين مدن شرق وجنوب وغرب ليبيا، وتتخذها قوات «الجيش الوطني» نقطة انطلاق لعمليات وإمداد رئيسية.
ولقد عبّرت قوات السراج، عما سمته «فخرها بما قام به سلاح الجو من عمل قتالي مدروس ومحكم كبّد (العدو) خسائر كبيرة جداً». وقالت إنها دمرت (حظيرة طائرات) تابعة لـ«الجيش الوطني» كانت تنتظر في قاعدة الجفرة. وعلى الرغم من نفي الجيش، نقلت وسائل إعلام محلية تابعة لـ«الوفاق» عن صحيفة «كوميرسانت» الروسية، مقالاً للكاتب الصحافي كيريل كريفوشييف، حول ما حدث لطائرتي نقل أوكرانيتين في قاعدة الجفرة الجوية، تحت عنوان: طائرتا «إيل» الأوكرانية احترقتا في الصحراء الليبية، وتساءل: من أين حملتا السلاح؟
وفيما يخص مصراتة، سارع سلاح الطيران التابع لـ«الجيش الوطني» في اليوم التالي بنقل المعركة إلى قلب المدينة (200 كيلومتر شرق طرابلس) التي تعد معقل القوة الرئيسية لـ«حكومة الوفاق»، وقصف الكلية الجوية بمصراتة. وتحدث في حينه العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي، آمر المركز الإعلامي لغرفة «عمليات الكرامة»، عن «إصابة عدد من العسكريين الأتراك، الذين يدربون عناصر الميليشيات في الكلية»، وهذه التحركات العسكرية غير المعتادة دفعت المبعوث الأممي للتحذير من «اتساع النطاق الجغرافي للعنف» بين القوتين المتقاتلتين.

- صالح: مؤامرة دولية!
وصول المقاتلات الحربية لكلا الفريقين إلى الجفرة ومصراتة، يراه متابعون عملية نوعية على المسار العسكري لن تكون الأخيرة. ويتوقع المتابعون تمدداً لنيران الحرب إلى مناطق خارج العاصمة، خاصة بعد دعوة حفتر قواته «بألا تأخذهم رأفة بمن يمنعهم عن (تحرير) طرابلس»، فضلاً عن تأكيده أن القوات المسلحة هدفها تحرير البلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.
تصريحات حفتر، التي بشّر خلالها بأن «الجيش الوطني» سيرفع راية النصر في طرابلس قريباً، قرئت على نحو أن الرجل الأقوى في البلاد، ماضٍ باتجاه الاستمرار في المعركة العسكرية حتى نهايتها، بغض النظر عن أي جهود تبذل للحيلولة دون ذلك.
واستكمالاً للمسار المناهض لجانب من السياسات الخارجية حيال ليبيا، اشتكى عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، من أن بلاده تتعرض منذ سنوات «لمؤامرة دولية»، وأن «تركيا وقطر وتنظيم (الإخوان) من المتآمرين عليها». وقال إن «بريطانيا وإيطاليا لعبتا دوراً في التآمر». ومضى صالح يقول إن «الجيش يحارب ضد الميليشيات الإرهابية في ليبيا، بأسلحة قديمة، وإنه (الجيش) يتعاون مع بلاد (صديقة) للحصول على الدعم والسلاح».
ولكن، حديث رئيس مجلس النواب عن «المؤامرة الدولية» على بلاده، لم يمنع إيطاليا وبريطانيا من التحرك صوب إيجاد حل «لوقف الحرب على طرابلس»، فالأولى تعهدت على لسان وزير داخليتها نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، بالضغط على الاتحاد الأوروبي، لوقف الحرب. ونقلت وزارة الداخلية بحكومة «الوفاق» عن سالفيني قوله إن «الهجوم على العاصمة يجب أن يتوقف، وأنه على الدول التي تتدخل في الشأن الليبي التوقف عن هذا التدخل من أجل استقرار ليبيا». وذهب الوزير الإيطالي إلى أن حكومة بلاده «ستكون أكثر صرامة خلال الاجتماع القادم الذي سيعقد مع دول الاتحاد الأوروبي، من أجل وضع حد لما وصفه بـ(العدوان على العاصمة)».
كذلك نقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر دبلوماسية، تقدم بريطانيا للدول الأعضاء بالمجلس حول ليبيا، بمسودة بيان يدين الحرب على طرابلس، وذلك عقب يومين من الإحاطة الأخيرة لسلامة.

- طرد الميليشيات
في مطلق الأحوال، «عسكرة المواقف» بين الجانبين، لم تمنع التحركات الدبلوماسية قدماً. وهو ما بدا قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن الأخيرة منتصف الأسبوع الماضي، إذ أجرى المبعوث الأممي الدكتور سلامة مجموعة من اللقاءات في طرابلس وبنغازي، التقى خلالها السراج وحفتر، سعياً لوقف التصعيد العسكري وإعادة إحياء العملية السياسية.
والسراج، بدوره، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش مشاركتهما في تشييع جنازة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وهو اللقاء الذي وصفته السفارة الفرنسية في ليبيا بأنه «يستهدف الدعوة لاتفاق سياسي تحت إشراف الأمم المتحدة».
بيد أن الحديث عن دعوات وقف الحرب والعودة إلى طاولة التفاوض، دفع عضو مجلس النواب صالح أفحيمة، إلى القول إن «الحرب هي نتيجة لفشل الحلول السياسية»؛ لكنه لم يمانع في هدنة تزامناً مع قدوم عيد الأضحى. وذهب أفحيمة، النائب عن مدينة طبرق بـ(شرق البلاد) في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الحرب التي يخوضها «الجيش الوطني» في طرابلس، هي «حرب مؤجلة منذ عام 2014»، مكملاً «كل الجهود الدبلوماسية ما لم تتمكن من حل الإشكال القائم بإخراج الميليشيات المسلحة من طرابلس، وتمكين (الجيش الوطني) من دخول ثكناته بالمدينة، فإن أي حديث عن وقف العملية العسكرية بمثابة حرب مؤجلة».
غير أن بشير زعبية، رئيس تحرير صحيفة «الوسط» الليبية، طرح مجموعة من التساؤلات تتعلق بمن سيجلسون إلى طاولة التفاوض، والملفات التي ستناقشها بعد شهور من الحرب الدامية. وزاد زعبية في إدراج على حسابه عبر «فيسبوك» من تساؤلاته: «ماذا تبقى من (غدامس) صالحا ليكون حاضراً؟... وهل يمكن أن تتجاهل تموضعات الأطراف الرئيسية التي أنتجتها الحرب؟ وإلا، فستبقى هذه الدعوات مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، واللعب على حبل الوقت»!
وهنا نشير إلى أن العملية العسكرية التي أمر المشير حفتر، بشنها على طرابلس، تسببت في إرجاء «الملتقى الوطني» الذي كانت دعت إليه البعثة الأممية بمدنية غدامس في 14 أبريل (نيسان) الماضي، بالجنوب الغربي الليبي، وقال سلامة حينها: «لا يمكن لنا أن نطلب الحضور للملتقى والمدافع تُضرَب والغارات تُشَنّ»، مؤكداً تصميمه على عقد الملتقى «وبأسرع وقت ممكن». وهو ما لم يحدث إلى الآن.

- «البديل الأميركي» لسلامة
الإحاطة الأخيرة للمبعوث الأممي، بحديثه عن «وجود مرتزقة أجانب وجماعات متطرفة يشاركون بالقتال ضمن صفوف قوات (الوفاق) عرضته لحملة انتقادات واسعة، وصلت إلى مطالبة قطاع كبيرة من سلطات طرابلس، بـ«طرده وإخراجه من البلاد فوراً». ووصفه مسؤولون لـ«الشرق الأوسط» بأنه «لم يعد الطرف النزيه، وأنه يدعم الانقلاب العسكري». في إشارة إلى قوات «الجيش الوطني». ولكن، لا بد من القول، إن أي مبعوث أممي لم يحظَ قط برضا طرفي النزاع في (شرق وغرب) ليبيا. إذ سبق أن تعرض سلامة لحملة مشابهة من الموالين لـ«الجيش الوطني» بزعم أنه أغفل ذكر «دور الجيش في محاربة الإرهاب»، وأثنى على «الجانب الآخر» المتمثل في سلطات طرابلس، خلال حديث سابق أمام مجلس الأمن.
في هذه الأثناء، حمّل سياسيون ونواب ينتمون إلى العاصمة، من بينهم العضو حمودة أحمد سيالة، المبعوث الأممي، المسؤولية في القصف الأخير على مطار معيتيقة الدولي بطرابلس، من قبل قوات «الجيش الوطني». وقال سيالة إن «هذا الهجوم العنيف جاء بسبب الإحاطة الأخيرة لسلامة». وتساءل: «هل تعلم يا سيد سلامة أن عدم إدانة المعتدي وعدم تسميتك الأشياء بأسمائها تسببا في قصف وقتل 50 مهاجراً وعدد من الأطباء والمسعفين؟». واستطرد متهكماً: «هل اقتصرت معرفتك باللغة العربية والنحو على المبني للمجهول وعجزت عن تبيان الفاعل والمفعول به وتمييز المعتدي من المعتدى عليه؟».
الحقيقة، أن حملة الانتقادات غير المسبوقة التي تعرض لها المبعوث الأممي، ساهم فيها كل من له صلة بـ«حكومة الوفاق»؛ بل إن المفتي المعزول الصادق الغرياني، الذي يقيم في تركيا دخل على خط الأزمة، وأفتى بضرورة طرد سلامة من ليبيا. إذ عبر قناة «التناصح» التي يمتلكها نجله سهيل وتبثّ من تركيا، طالب الشعب الليبي بجمع التواقيع للمطالبة بإنهاء خدمته وطرده من ليبيا؛ «لأنه لا يستحق أن يبقى بيننا بعد كل هذه الافتراءات».
لكن على الجانب الآخر بالبلاد مَن امتدح إحاطة الدكتور سلامة أمام مجلس الأمن، ورأى أنها كشفت عن تفاصيل تتعلق بتركيبة القوات التي تحارب في صفوف «الوفاق»، وذهب الصحافي والإعلامي عيسى عبد القيوم، إلى أن إحاطة سلامة كانت «الأكثر توازناً من حيث المعلومات والالتزام بالتشريعات الليبية». وتطرق عبد القيوم إلى تأثير كلمة سلامة على الإعلام الموالي لسلطات طرابلس. وقال: «يحاول إعلام الدوحة عبثاً التخفيف من وقع إحاطة سلامة على سلامة وضعهم السياسي بعد (تلبُك) وضعهم العسكري».
وأمام هذه الحملة التي يتعرض لها المبعوث الأممي حذر المحلل السياسي الليبي محمد عمر محمد بعيو، من مغبة العراك، متحدثاً باللهجة المحلية: «طريقة الليبيين لمّا يتعاركوا بدل ما يوقفوا العركة يضربوا الحزّاز». والحزّاز هو الشخص الذي يفضّ النزاع أو الخلاف، في إشارة إلى غسان سلامة.
ورأى بعيو أن المبعوث الأممي «سيذهب وبديلته جاهزة وهي الست ستيفاني امرأة وأميركية، وجرّبوا اضربوها يا أشاوس». وستيفاني تي. ويليامز، هي نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للشؤون السياسية، وكانت القائمة بالأعمال الأميركية السابقة في البلاد.

- الحل في الخارج
كثيرون ممن تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» يرون أن معضلة الأزمة الليبية المستحكمة، منذ إسقاط الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، تتمثل في التدخل الخارجي في البلاد بشكل واسع وملحوظ، واحتكام أطراف النزاع الداخلي إلى أطراف خارجية تملي عليها ما تريد، ويرون أن بلادهم أضحت «ساحة مفتوحة لتجريب السلاح». وعلى مسار مشابه، شهدت أميركا وروسيا تحركات ليبية هي الأولى من نوعها، عندما اتجه أعضاء مجلس النواب الليبي (المنقسمون إلى جبهتين) إلى الكونغرس الأميركي، ووزارة الخارجية الروسية في زيارتين متعاقبتين.
وبعد يومين فقط، من زيارة وفد البرلمان الليبي في طبرق (شرق) للولايات المتحدة الأميركية، ولقاء المسؤولين في الكونغرس «لإيضاح صورة ما يحدث في ليبيا»، سارع أعضاء مجلس النواب عن طرابلس (غرب)، إلى روسيا، في زيارة استهدفت هي الأخرى إطلاع الجانب الروسي على «حقيقة ما يجري في معركة طرابلس».
وعليه يرى كثير من الليبيين أن أزمة بلادهم لن تحل «إلاّ إذا تحرر ساستها من عقدة الارتباط الخارجي، وتنفيذ ما يملى عليهم من القوى الخارجية»!


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.