عشرات القتلى في هجومين إرهابيين استهدفا عدن... و«الشرعية» تتوعد

الحوثيون اعترفوا بتنفيذ أول عملية... وترجيح تورط جماعة إرهابية أخرى في الثانية

TT

عشرات القتلى في هجومين إرهابيين استهدفا عدن... و«الشرعية» تتوعد

فتحت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن عينيها، أمس، على هجوم حوثي مزدوج بصاروخ باليستي وطائرة إيرانية مسيّرة، استهدف استعراضاً عسكرياً غربي المدينة، وذلك بعد نحو ساعة فقط من هجوم انتحاري آخر بسيارة مفخخة استهدف قسم الشرطة في حي الشيخ عثمان شمال المدينة، وهو ما نجم عنه أكثر من 49 قتيلاً وعشرات الجرحى وفق إحصاء رسمي أولي.
ولقي الهجومان تنديداً يمنياً وسعودياً وأوروبياً، في حين طالب سياسيون وناشطون باستئناف معركة الحديدة رداً على التصعيد الحوثي، وسط اتهامات حكومية بوجود أيادٍ إيرانية نسّقت للهجمات المتزامنة.
وفيما شهدت شوارع المدينة استنفاراً أمنياً واسعاً خشية مزيد من الهجمات، أكدت مصادر عسكرية وأمنية لـ«الشرق الأوسط» أن سيارة مفخخة يقودها انتحاريان يرجح صلتهما بتنظيم «داعش» اقتحمت قسم شرطة الشيخ عثمان قبل أن تنفجر بعد البوابة الرئيسية خلال الطابور الصباحي لعناصر القسم من الضباط والجنود، وهو ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات وإصابة المبنى والمنازل المجاورة بأضرار كبيرة.
وأفاد شهود بأن سيارات الإسعاف هرعت إلى مكان الانفجار ونقلت القتلى والجرحى إلى مشفى تابع لمنظمة «أطباء بلا حدود»، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر طبية مقتل 13 شرطياً وإصابة نحو 20 آخرين مع عدد من المارة في الجهة المقابلة لقسم الشرطة.
وأكد الشهود أن شظايا من الانفجار الضخم تطايرت إلى المنازل المجاورة التي تعرضت لأضرار كبيرة وتهشمت فيها النوافذ، وسط حالة واسعة من الذعر سيطرت على سكان الأحياء المجاورة، قبل أن تتردد في أجواء المدينة الانفجارات الأخرى الناجمة عن الهجمات الحوثية.
وذكرت مصادر أمنية وعسكرية لـ«الشرق الأوسط» أن الهجوم الحوثي المزدوج بالصاروخ الباليستي والطائرة المسيّرة استهدف استعراضاً عسكرياً لدفعتين من خريجي قوات الأمن التابعة لقوات الحزام الأمني في معسكر الجلاء الواقع في مديرية البريقة على بعد نحو 20 كيلومتراً إلى الغرب من مدينة عدن.
وأدى الهجوم -وفق المصادر- إلى مقتل القيادي البارز في الحزام الأمني وقائد اللواء الأول دعم وإسناد العميد منير اليافعي، المعروف بـ«أبو اليمامة»، إضافة إلى 35 آخرين من الجنود والضباط، فضلاً عن عدد آخر من الجرحى.
وتحدثت المصادر عن سقوط الصاروخ الحوثي خلف منصة المعسكر الذي أُقيم فيه الاستعراض، حيث أظهرت الصور الملتقطة بعد الانفجار حدوث فجوة واسعة في الأرض في مكان سقوط الصاروخ، في الوقت الذي كان فيه القيادي أبو اليمامة يشرف على ترتيبات الاستعراض في الجزء الخلفي من المنصة، حسب روايات شهود.
وتبنّت الميليشيات الحوثية على لسان المتحدث باسمها يحيى سريع، الهجوم الذي قالت إنه تم بطائرة مسيّرة وصاروخ متوسط المدى لم يُكشف عن نوعه بعد، وقالت -وفق المتحدث سريع- إن جميع المعسكرات وقادتها في المحافظات الجنوبية باتت أهدافاً مشروعة –على حد زعمها- لهجماتها الصاروخية ولطائراتها المسيّرة.
كانت الميليشيات الحوثية قد هاجمت استعراضاً عسكرياً مماثلاً في قاعدة العند الجوية (50 كلم شمال عدن) في 10 يناير (كانون الثاني) الماضي، بواسطة طائرة إيرانية مسيّرة، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من القادة والجنود بينهم رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية ونائب رئيس هيئة الأركان في الجيش اليمني.
وندد السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر بالهجمات الحوثية والداعشية في أول تعليق سعودي رسمي، إذ قال في تغريدة على «تويتر» إن الاستهداف المتزامن من الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران لأمن واستقرار العاصمة عدن مؤشر قوي على توحد أهدافها مع أخويها الإرهابيين تنظيمي «داعش» و«القاعدة» اللذين يستحلان الدماء ولا يعترفان بالدولة ولا بالقوانين ولا بحرمة الإنسان.
من جهته أدان رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك، الهجمات على عدن، متهماً إيران بالتنسيق بين الجماعة والتنظيم. وقال في تغريدة على «تويتر» إن «الاستهداف المتزامن من قِبل قوى التمرد الحوثي والجماعات الإرهابية لأمن واستقرار العاصمة عدن يؤكد التنسيق والتكامل تحت إدارة إيرانية واضحة».
وأثارت الهجمات غضباً واسعاً واستياءً في أوساط السياسيين والناشطين اليمنيين، وقال رئيس الحكومة اليمنية السابق أحمد عبيد بن دغر، في تغريدة على «تويتر» إن «حماية عدن وكل المناطق المحررة تبدأ بتحرير صنعاء من سلطة الميليشيات الغاشمة، واستعادة الدولة وهزيمة الانقلاب».
واعتبر السياسي اليمني علي البخيتي أن الرد الأنسب على الهجمات الحوثية في عدن هو أن تطلب الحكومة الشرعية من بعثة المراقبين الأمميين في الحديدة (غرب) المغادرة خلال 24 ساعة، تمهيداً لاستئناف معركة تحريرها، وقال البخيتي في تغريدة إن «تفويت هذه الفرصة بعد نقض الحوثيين للتهدئة خطأ استراتيجي آخر يوازي خطأ إيقاف معركة تحرير الحديدة».
وفيما أكدت مصادر طبية رسمية لـ«الشرق الأوسط» أن عدد ضحايا الهجومين وفق إحصائية أولية بلغ 49 قتيلاً و48 جريحاً توقعت ارتفاع أعداد القتلى في الساعات المقبلة بسبب الإصابات البليغة في أوساط الجرحى.
وقالت الحكومة اليمنية إن «الهجومين يثبتان أن ميليشيات التمرد الحوثية وغيرها من الجماعات الإرهابية المتطرفة تتقاسم الأدوار ويكمل بعضها بعضاً في حربها على الشعب اليمني وسعيها لضرب الاستقرار والأمن».
وتابعت بالقول: «مجدداً يبرز الدور الإيراني المعادي والتدميري في اليمن من خلال دعمها ورعايتها لميليشيا الحوثي الإجرامية وتزويدهم بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والأسلحة النوعية، بغية نشر الفوضى وتمكين مشروعها العنصري».
وفي بيان توضيحي كشفت وزارة الداخلية اليمنية عن سقوط 13 شرطياً في الهجوم الإرهابي على قسم شرطة الشيخ عثمان وجرح عدد آخر. وقالت إنها «قامت باتخاذ كل الإجراءات والتدابير الأمنية اللازمة للتعامل مع هذه الأحداث بعد أن تم إسعاف الجرحى ونقل الجثث إلى مستشفيي: أطباء بلا حدود، والبريهي».
وبيّنت الوزارة أن الهجوم الحوثي المزدوج الذي تم بطائرة مسيّرة وصاروخ باليستي قصير المدى استهدف حفلاً استعراضياً وتدريبياً عسكرياً في معسكر الجلاء بالعاصمة المؤقتة عدن، مما أدى إلى سقوط 36 قتيلاً بينهم قائد اللواء الأول دعم وإسناد العميد منير أبو اليمامة وعدد من رفاقه.
وأوضحت أن الهجومين «يثبتان أن ميليشيات التمرد الحوثية وغيرها من الجماعات الإرهابية المتطرفة تتقاسم الأدوار ويكمل بعضها بعضاً في حربها على الشعب اليمني وسعيها لضرب الأمن والاستقرار».
وفي حين أكدت الداخلية اليمنية أنها «تُدين وبأشد العبارات هذه الأعمال الإرهابية»، قالت إنها «ومعها القوى الوطنية كافة، وبمساندة دول التحالف العربي، ماضية في حربها لاستئصال الإرهاب والقوى التي تقف خلفه وتطهير اليمن من دنس ورجس الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران والقضاء على مشروعها التدميري البغيض». حسبما جاء في البيان.
في السياق نفسه، ذكرت المصادر الرسمية أن الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعث بالتعازي لذوي الضحايا جراء التفجير الإرهابي في قسم الشيخ عثمان والهجوم الحوثي على معسكر الجلاء في البريقة، وقال إن «تلك العناصر المارقة والغادرة التي تحاول عبثاً زعزعة أمن واستقرار المناطق الأمنية وسفك دماء الأبرياء لن تنجو مطلقاً من أفعالها المشينة وستطالها يد العدالة لتنال عقابها وجزاءها الرادع بما اقترفته بحق المجتمع».
ونقلت وكالة «سبأ» عن الرئيس هادي أنه «حض قيادات مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية على رفع اليقظة والجاهزية الأمنية لمواجهة ورصد تلك الأعمال المشينة للميليشيات الحوثية الإيرانية وقوى التطرف والإرهاب المساندة والحليفة لها».
وعلى صعيد التحرك الحكومي في عدن أفادت المصادر الرسمية بأن نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي، قام مع عدد من القيادات الحكومية بزيارة الجرحى في عدد من المستشفيات الحكومية والخاصة الذين أُصيبوا جراء العمل الإجرامي المتزامن الذي نفّذته ميليشيات الحوثي الانقلابية واستهدف معسكر الجلاء التابع لقوات الحزام الأمني في مديرية البريقة.
وشددت الحكومة على ضرورة الاهتمام بكل الجرحى الذين أُصيبوا ورعايتهم رعاية كاملة بجميع المستشفيات وتشكيل لجنه لحصر الأضرار في الممتلكات العامة والخاصة واتخاذ المعالجات السريعة للأسر التي تضررت مساكنها بما في ذلك توفير مساكن بديلة للمنازل التي أصبحت غير صالحة للسكن.
إلى ذلك وجه رئيس الحكومة معين عبد الملك، بمضاعفة الجهود للتعامل مع تبعات وآثار هذه العمليات التي وصفها بـ«الإجرامية»، وتقديم الخدمات الإسعافية والعلاجية للمصابين ووضع الخطط العاجلة من القيادات العسكرية والأمنية لتفادي تكرار حدوث مثل هذه الأعمال... مشدداً على ضرورة عدم التهاون والبقاء في أعلى درجات اليقظة الأمنية العالية حتى استئصال مشروع إيران عبر وكلائها من ميليشيات الحوثي الانقلابية. ويعتقد الكثير من السياسيين اليمنيين أن الميليشيات الحوثية وجدت في اتفاق السويد والهدنة الأممية في الحديدة فرصة للتفرغ للجبهات الأخرى بما في ذلك تكثيف الهجمات الصاروخية وتعزيز عناصرها في خطوط التماسّ باتجاه المحافظات الجنوبية، إلى جانب تفرغها لترسيخ وجودها الانقلابي في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لها.
وتوعد قادة الميليشيات في أوقات سابقة باستمرار الهجمات بالصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة على المدن السعودية ومناطق وجود القوات الحكومية في المحافظات المحررة، بعد أن كشفت عن أجيال جديدة –على حد زعمها- من الصواريخ والطائرات المسيّرة.
دولياً، أدان الاتحاد الأوروبي الهجوم، وأعرب في بيان أصدره مكتب خدمة العمل الخارجي في بروكسل أمس، عن خالص تعازيه لعائلات وأقارب المتضررين، متمنياً الشفاء العاجل للمصابين.
ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف في اليمن إلى ضبط النفس واللجوء إلى الحوار والتعامل مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة بروح بنّاءة، للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل يضع اليمن على طريق السلام المستدام.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.