ألغاز تحيط بنبأ مقتل حمزة بن لادن وواشنطن تلتزم الصمت

تحيط الألغاز بخبر مقتل حمزة بن لادن؛ نجل زعيم تنظيم «القاعدة»، الذي أعلنته شبكة «إن بي سي»، مساء أول من أمس الأربعاء، دون التصريح بالتاريخ أو المكان الذي قتل فيه. وتناقلت وسائل الإعلام الأميركية النبأ، وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن الولايات المتحدة «لعبت دوراً» في العملية التي قتل فيها حمزة، وأضافت أنها لم تستطع الوصول إلى تفاصيل أخرى. وليست لدى «إن بي سي» أو «نيويورك تايمز» تفاصيل عن تاريخ أو مكان أو ظروف مقتله، لكن الأخيرة أشارت إلى أنه قتل خلال السنتين الأخيرتين، فيما لم تصدر أي جهة أميركية أي بيانات تؤكد أو تنفي الخبر.
وعلق بول كرويكشانك، محلل شؤون الإرهاب بشبكة «سي إن إن»، قائلا إن هناك شيئاً محيراً للباحثين الذين يتابعون ويحللون تنظيم «القاعدة»، «فإذا كان حمزة بن لادن قد مات بالفعل منذ شهور، فمن المتوقع أن تصدر (القاعدة) شكلاً من أشكال التأبين، وحقيقة أنهم لم يفعلوا تعدّ أمراً غير عادي نظراً إلى وضع حمزة داخل التنظيم». واختار الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكبار المسؤولين بالإدارة عدم التعليق على خبر مقتله، وحينما طلب الصحافيون من ترمب التعليق على التقرير عن وفاة حمزة بن لادن، قال: «لا أريد التعليق».
في غضون ذلك، شكك إسلاميون بالعاصمة البريطانية لندن في مقتل حمزة بن لادن نجل الزعيم الراحل لتنظيم «القاعدة» الذي أُعدّ منذ طفولته للسير على نهج أبيه وأصبح قيادياً بارزاً في الجماعة الإرهابية. وقال قيادي أصولي لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب تصديق مقتله حسبما نقلت وسائل إعلام أميركية في غضون عامين، وسط صمت تام من (القاعدة) التي في العادة تجاهر بإعلان مقتل كوادرها».
وأشارت مصادر أصولية موثوقة لـ«الشرق الأوسط» أن كل من غادر إيران من قيادات التنظيم إلى باكستان قتل، مثل سعد بن لادن؛ نجل زعيم «القاعدة» السابق، الذي قتل في غارة «درون» أميركية عام 2009. وقالت المصادر العليمة: «الظاهر أن الإيرانيين كانوا يزرعون أجهزة ترصد في أجساد كل من خرج من عندهم، وهم من ضغطوا على حمزة وشقيقه سعد لمغادرة أراضيهم عبر الحدود الباكستانية بعد أن أمضيا سنوات رهن الإقامة الجبرية في إيران، ودلّوا عليهم بواسطة أجهزة الرصد أو التتبع الإلكترونية، وأعطوا مواقعهم للأميركيين مقابل صفقات».
وقتل سعد بن لادن بهجوم صاروخي أميركي في باكستان خلال يوليو (تموز) 2009. ورجحت مصادر أميركية أن يكون سعد قد قتل بصاروخ أطلقته طائرة من دون طيار، مشيرة إلى أن هذا الاحتمال وارد بنسبة ما بين 80 و85 في المائة.
وفي إشارة، فيما يبدو، إلى طائرات أميركية مسلحة من دون طيار تحلق في السماء، قال بن لادن في وثائقه ورسائله الخاصة من «أبوت آباد» التي نشرتها «الشرق الأوسط» بعد مقتله عام 2011، إنه يتعين على مفاوضيه «عدم مغادرة منزلهم المستأجر في مدينة بيشاور الباكستانية إلا في يوم غائم». وفي إحدى رسائله أيضاً، يبدي بن لادن قلقه بشأن إرسال إحدى زوجاته (خيرية صابر) إلى طبيب أسنان في إيران قبل انتقالها إلى «أبوت آباد»، حيث كان يخشى من أن جهاز الاستخبارات المركزية الأميركي (سي آي ايه) ربما يكون قد زرع شريحة تعقب خلال إحدى عمليات حشو الأسنان التي خضعت لها قبل مجيئها إليه. وكتب يقول: «حجم الرقيقة بطول حبة قمح وبعرض قطعة رقيقة من الشعرية». وأنهى الخطاب بهذا التوجيه: «برجاء تدمير هذا الخطاب بعد قراءته».
وفي رسائل أخرى، حذّر بن لادن، زعيم «القاعدة» الراحل، أتباعه من أجهزة التعقب المزروعة في أموال الفدية المدفوعة لتحرير الأشخاص الذين تختطفهم «القاعدة»، أو التي ربما يحملها الصحافيون الذين يأتون لمقابلة القيادة العليا للتنظيم، من دون معرفتهم.
وذكرت شبكة «إن بي سي» أن المسؤولين لن يقدموا تفاصيل عن مكان وتوقيت مقتل حمزة بن لادن، أو ما إذا كان للقوات الأميركية أو الاستخبارات دور في وفاته. وأدى نقص المعلومات وعدم التعليق الرسمي إلى ازدياد الشكوك حول مقتل ابن زعيم تنظيم «القاعدة» الذي ينظر إليه على أنه تهديد متزايد الخطورة.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت في وقت سابق هذا العام عن مكافأة مليون دولار للحصول على معلومات حول حمزة بن لادن المتهم بتهديد الولايات المتحدة والدعوة للانتقام لمقتل والده. وأوضح الخبراء أنه قائد محتمل ليحل محل والده في قيادة تنظيم «القاعدة».
ورفض المسؤولون التعليق على تفاصيل الضربة وظروف مقتله، مشيرين إلى أنها تتضمن عمليات حساسة ومعلومات استخباراتية. وشدد بعض المسؤولين على أن مقتل حمزة بن لادن يعد انتصاراً رمزياً للحكومة الأميركية لإزالة أي تهديدات من تنظيم «القاعدة» الذي لم يستطع تنفيذ أي هجوم واسع النطاق منذ سنوات.
من جهته، حذر علي صوفان، الضابط السابق في «مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)»، والعميل الذي حقق وكتب بشكل مكثف حول تنظيم «القاعدة» الإرهابي، خصوصاً عن حمزة بن لادن نجل مؤسس التنظيم (أسامة بن لادن)، من فكرة أنه من غير المعتاد ألا يعلن التنظيم مقتل أحد زعمائه ، قائلاً: «إذا كان تقييم الحكومة الأميركية دقيقاً، فهو يعني تدمير خطط (القاعدة) للانتقال إلى الجيل الثاني».
وتحدث صوفان في تقرير لـ«نيويورك تايمز» عن أنه على عكس قادة «القاعدة» الآخرين، لم ينتقد حمزة بن لادن تنظيم «داعش» في خطبه العلنية، وهو تكتيك يشير إلى أنه كان يفكر في إمكانية قبوله، في نهاية المطاف، زعيماً من قبل أعضاء «داعش»، الذين بدأوا جماعةً تابعة لـ«القاعدة»، ويشاركونها الآيديولوجية نفسها، ولكنهم خرجوا من تحت سيطرتها.
وبعد مقتل أسامة بن لادن عام 2011 بغارة على أبوت آباد في باكستان، بدأ اثنان من كبار مساعديه إعداد حمزة بن لادن للقيام بدور قيادي بارز، وتزوج حمزة بابنة أحدهما، وتعهد بالانتقام لموت والده. وبالفعل تم تقديم حمزة بوصفه المتحدث باسم التنظيم في أغسطس (آب) 2015؛ حيث وصفوه حينها بأنه «الشبل الذي يحمل هدف التنظيم على عاتقه».
وقد توقفت الرسائل التي اعتاد حمزة إصدارها منذ شهور، ولكن هناك مقال نُسب إليه كان قد نُشر في مايو (أيار) الماضي. ووفقاً لمجموعة «سايت» الاستخباراتية، والتي تتعقب المنظمات الإرهابية، فإن تنظيم «القاعدة» قد قام بتوزيع رسالة في ديسمبر (كانون الأول) 2017، بتاريخ الصيف الذي يسبقه، قال فيها حمزة إن ابنه البالغ من العمر 12 عاماً قد قُتل، ولم تتحدث الرسالة عن ظروف الوفاة، ولكنها أشارت إلى أنه قد قتل، مما يشير إلى أن الصبي ربما يكون قد قُتل في غارة استهدفت والده. ويقول الزميل البارز في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، توماس جوسلين، إن حمزة كان يعمل على الأرجح على الحدود الباكستانية - الأفغانية، وأضاف جوسلين أنه رغم أن فكرة كون الأخير هو الشخص القادم لقيادة التنظيم هي أمر محل شك، فإنه كان له دور مهم؛ سواء من حيث العلاقات مع «طالبان»، أو على أنه متحدث باسم التنظيم. وأوضح: «صحيح أنهم كانوا يعدونه ليكون الزعيم في يوم من الأيام، لكنه لم يكن الوريث الحالي». فيما تقول جين ساسون، المؤلفة المشاركة في كتاب «إنه أسامة بن لادن»، إن مؤسس «القاعدة»، بن لادن، كان يحافظ جيداً على استخدام التنظيم اسم حمزة، وإنه من المحتمل أنه كان يناور لجعله واجهة له... «وحينما سُئل الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب، الأربعاء الماضي، عن نبأ موت حمزة، والذي كان أول من نشره شبكة (إن بي سي نيوز) الأميركية، رفض التعليق على الأمر».
وحمزة الابن الخامس عشر من بين نحو 23 ابناً معروفين لزعيم «القاعدة» الراحل. وأسامة بن لادن وضع كامل ثقته به، واختاره ليكون خليفة له بعد رحيله، وذلك حسب وثائق «أبوت آباد» التي كشفت عنها «سي آي إيه» بعد مقتل زعيم القاعدة عام 2011. ولد حمزة في النصف الثاني من الثمانينات، حيث تتراوح معلومات وزارة الخارجية الأميركية عن سنة ميلاده بين عامي 1986 و1989. وهو ابن أسامة بن لادن من خيرية صابر، ثالثة زيجات زعيم «القاعدة»، وعاش طفولته في أبوت أباد بباكستان؛ المدينة ذاتها التي قتل فيها والده عام 2011 على يد قوات أميركية خاصة.
ورافق حمزة والده إلى أفغانستان قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وهناك تتلمذ على يديه وتعلم استخدام الأسلحة، ويدين بصوته الأميركيين واليهود و«الصليبيين» في تسجيلات فيديو على الإنترنت. وفي أعقاب الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك التي خطط لها أسامة بن لادن، انفصل حمزة عن والده وقضى سنوات عدة من عمره في إيران برفقة أقارب آخرين، تحت حماية مسؤولين كبار في الاستخبارات والجيش الإيرانيين.