انطلاق اجتماع «آستانة 13»: ترحيل «الدستورية» وتباين حول إدلب

TT

انطلاق اجتماع «آستانة 13»: ترحيل «الدستورية» وتباين حول إدلب

انطلقت أمس، أعمال الجولة الـ13 للمحادثات في إطار «مسار آستانة» وسط تباينات واضحة في أجندات الأطراف الحاضرة، وبرزت مواقف متناقضة حول مصير تشكيل اللجنة الدستورية السورية، والوضع في إدلب، واحتمال ترتيب قمة روسية تركية إيرانية في الشهر المقبل.
وأجرت الوفود المشاركة محادثات ثنائية ومتعددة أمس، سعت من خلالها إلى تمهيد الوضع لعقد الجلسة العامة اليوم، التي ينتظر أن تناقش جدول الأعمال الموضوع، ويتم خلالها الاتفاق على صياغة البيان الختامي. لكن التباينات برزت منذ الساعات الأولى أمس، وفي مقابل معطيات نقلتها وسائل إعلام روسية عن أطراف مشاركة في المحادثات حول «إنجاز الاتفاقات على تشكيلة وآليات عمل اللجنة الدستورية» أكد مصدر مشارك في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن هذا الملف تم إرجاؤه إلى ما بعد انتهاء المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن من جولة جديدة تحمله إلى دمشق وعواصم أخرى خلال الأسبوع المقبل. وبين أن الهدف هو وضع الترتيبات النهائية والتفاهم على مكان وآلية عمل اللجنة الدستورية بعدما تم التوصل في وقت سابق إلى تفاهمات حول تشكيلتها. وعكس هذا التأكيد أن الخلافات ما زالت مستمرة على خلفية اشتراط الحكومة السورية أن تعقد اللجنة أول اجتماعاتها في دمشق، فيما تصر الأمم المتحدة على ضرورة إطلاق عمل اللجنة في جنيف ولان تكون تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة.
ونوه المصدر إلى أن بيدرسن سيواصل مشاوراته مع الحكومة السورية والجانبين التركي والروسي، متوقعا أن يتم إرجاء الموعد الأولي الذي كان مقررا لاجتماع اللجنة الدستورية في 11 سبتمبر (أيلول) إلى وقت لاحق «نأمل أن يكون خلال الشهر ذاته». لكن المصدر شدد على أن الإعلان عن تشكيل وإطلاق عمل اللجنة سيكون «في جنيف وستقوم به الأمم المتحدة» بعد إنجاز التفاهمات على الملفات العالقة. مقللا بذلك من أهمية تصريحات صدرت خلال اجتماعات نور سلطان أمس، بأن الإعلان عن هذا الإنجاز سيكون خلال قمة ثلاثية لرؤساء روسيا وتركيا وإيران تعقد في إسطنبول الشهر المقبل.
وكان ملف القمة المنتظرة موضع تباينات في المواقف أيضا، إذ بينما أكدت مصادر تركية أن ترتيبات موعد وأجندة القمة تم الانتهاء منها، أكد المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا الكسندر لافرنتييف الذي يرأس وفد بلاده إلى محادثات آستانة أنه «لا مواعيد محددة بعد لهذه القمة» وقال بأن العمل يجري عبر القنوات الدبلوماسية لترتيب الموعد وجدول الأعمال.
وكان غياب بيدرسن عن لقاء آستانة لأسباب «صحية» أسفر عن تقليص التوقعات حول إنجاز ملف اللجنة الدستورية. وأعلن مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، رئيس وفد الحكومي إلى المباحثات بشار الجعفري، أنه يعتبر من السابق لأوانه التعليق على إمكانية تشكيل لجنة دستورية خلال الجولة الحالية من المفاوضات في العاصمة الكازاخية نور سلطان. وقال الجعفري بأن «المفاوضات لم تبدأ بعد، من المبكر للغاية التعليق على أي شيء». ونقلت وكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية عن مصدر مشارك في المباحثات تأكيده أنه «تم من حيث المبدأ، تنسيق كافة الأمور المتعلقة بذلك (تشكيل اللجنة الدستورية). لقد أدخلنا عبارة في البيان المشترك، تفيد بأنه تم إنجاز وتنسيق القوائم وقواعد العملية. ولكن ذلك يجب أن يجري تحت مظلة الأمم المتحدة. ستشهد أنقرة، عقد قمة قادة الدول الضامنة - روسيا وتركيا وإيران. وعلى الأغلب ستتم دعوة بيدرسن، الذي من المتوقع أن يعلن هذه القائمة خلال تلك القمة، إذا لم تحدث أي أمور طارئة». وقال المصدر: «إذا لم يكن هناك إجماع على اتخاذ القرارات، فينبغي أن يكون هناك 70 في المائة على الأقل من الأصوات. لا أحد لديه مثل هذه الحصة، نحن بحاجة إلى مواصلة العمل لإيجاد حلول».
من جانبه، أكد أحمد طعمة رئيس وفد المعارضة السورية أن تشكيلة اللجنة الدستورية لم تحدد بعد. ونقلت وكالة أنباء «تاس» الروسية عنه أنه «من السابق لأوانه القول إن القوائم قد وضعت، ومن غير المعروف ما إذا كان سيتم التوصل إلى توافق بشأن تشكيل اللجنة خلال جولة المفاوضات الحالية». وأضاف: «لقد كنا نعمل كي نتمكن من الإعلان عن تشكيل اللجنة، لكن الأمم المتحدة قالت اليوم إن الإعلان عن تشكيلها سيؤجل».
اللافت أن النقاط الخلافية لم تقتصر على مسألة اللجنة الدستورية، إذ بدت تباينات أيضا حول طبيعة النقاشات التي جرت حول الوضع في إدلب، ونقلت وكالة «إنترفاكس» عن مصدر مطلع إن المشاركين في المفاوضات، ركزوا اهتمامهم في اليوم الأول، على الوضع في إدلب.
وأضاف: «نناقش الوضع في إدلب، وأبدت تركيا استياءها لأن الجيش السوري يقصف مناطق تسيطر عليها المعارضة. وفي ذات الوقت يعرب ممثلو الحكومة السورية، عن قلقهم من الوضع السائد في إدلب». لكن المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أكدت في المقابل أن ملف إدلب «لم يطرح عمليا خلال اللقاءات الثنائية إلا بشكل عابر، والتركيز انصب على المناقشات حول اللجنة الدستورية». ما عكس أن طرح موضوع الوضع في إدلب جاء خلال اللقاءات التي أجراها الوفد التركي وحده، فيما تجاهلت وفود إيران وروسيا والنظام التوقف عند هذا الموضوع في اللقاءات التي جرت أمس.
في المقابل، بدا أن ملف اللاجئين السوريين وفكرة روسيا لإعادتهم إلى بلادهم حصل على دفعة قوية في هذه الجولة مع حضور لبنان للمرة الأولى، إذ ركز الوفد اللبناني على أهمية تسريع تسوية هذا الملف، وأجرى لقاءات ثنائية مع كل الوفود الحاضرة لمناقشة المبادرة الروسية وسبل دفعها. في المقابل، حمل تركيز وفد العراق الذي يحضر أيضا للمرة الأولى بعدا سياسيا، وأكد السفير العراقي لدى روسيا، حيدر منصور هادي، على أن مشاركة الوفد العراقي بمحادثات آستانة حول سوريا، تأتي في سياق إيصال وجهة نظر بلاده حول دعم الحل السلمي، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وقال بأن مشاركة بغداد «مهمة لأنها تهدف لنقل وجهة نظر الحكومة العراقية من الشأن السوري، ونحن كنا من البداية داعمين للحل السلمي في سوريا، ولتوجهات وتطلعات الشعب السوري، وداعمين ومؤيدين لوحدة الأراضي السورية، العراق كان وما زال داعما لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، فوجودنا هنا لنقل وجهة النظر هذه».
وأكد السفير أن «هناك تنسيقا عاليا مع الحكومة السورية، وهناك تنسيق أمني عالي المستوى مع الأصدقاء الروس والإيرانيين والأتراك، ومع الأردن كدولة مراقبة». وأشار هادي إلى أن موضوع اللاجئين سيتم بحثه خلال المحادثات «موضوع اللاجئين تم طرحه في العديد من الاجتماعات، ومن أكثر الدول التي تطرح هذا الموضوع هي لبنان، لذلك من المهم قبل إعادة النازحين أن تتم تهيئة بنية لإعادتهم من خلال دعم الدول، ومن خلال تقريب وجهات النظر».



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.