تركيا تؤكد عزمها إقامة «المنطقة الآمنة» شرق الفرات «ممر سلام»

زادت من التعزيزات العسكرية على حدود سوريا وتنتظر الموقف الأميركي النهائي

TT

تركيا تؤكد عزمها إقامة «المنطقة الآمنة» شرق الفرات «ممر سلام»

دفع الجيش التركي، فجر أمس (الأربعاء)، بتعزيزات عسكرية جديدة إلى وحداته وقواته المنتشرة على الحدود مع سوريا بعد ساعات من اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان أكد في بيان صدر في ختامه عزم تركيا على إقامة «ممر للسلام» في إشارة إلى المنطقة الآمنة في شمال سوريا، التي تهدف إلى إنهاء وجود وحدات حماية الشعب الكردية قرب الحدود التركية الجنوبية.
وتضمنت التعزيزات الجديدة آليات عسكرية تم الدفع بها إلى ولاية شانلي أورفا المتاخمة للأراضي السورية (قبالة تل أبيض شرق الفرات)؛ بهدف تعزيز قدرات الوحدات العسكرية التركية العاملة قرب الحدود.
وبحسب مصادر عسكرية تركية، فإن التعزيزات الجديدة وصلت منطقة جيلان بينار التابعة لشانلي أورفا، في فوج مكون من 12 مركبة عبارة عن ناقلات جنود مدرعة، تم تسليمها إلى قيادة الفوج الأول حدود بمنطقة جيلان بينار، ومن المنتظر القيام بنشرها بعدد من المواقع على خط الجبهة المتاخم للحدود السورية.
وأعلنت تركيا خلال الأسابيع الأخيرة، أنها تحضّر لعملية عسكرية في شرق الفرات ستنفذها حال عدم الاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة المقترحة في شمال شرقي سوريا، والتي ترغب تركيا في امتدادها إلى مسافة تراوح ما بين 30 و30 كيلومتراً بعمق الأراضي السورية وبطول 460 كيلومتراً، بينما عرضت واشنطن خلال زيارة مبعوثها إلى سوريا جيمس جيفري إلى أنقرة الأسبوع الماضي خطة لإقامة المنطقة بأبعاد وحدود مختلفة أعلنت تركيا «أنها لم تكن مرضية».
وأكد مجلس الأمن القومي التركي عزم تركيا على بذل جميع الجهود لإقامة ما سماه «ممر سلام» في سوريا (في إشارة إلى المنطقة الآمنة التي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي ترغب تركيا في أن تكون لها وحدها السيطرة عليها بالتنسيق مع واشنطن وإخلائها من وحدات حماية الشعب الكردية).
وقال بيان، صدر عن المجلس ليل الثلاثاء – الأربعاء، في ختام اجتماعه الذي استغرق أكثر من 6 ساعات، إنه في إطار أمن الحدود، سيتم تطهير المنطقة من «العناصر الإرهابية» كافة، بسبب زيادة التهديدات ضد تركيا جراء فراغ السلطة على طول الحدود في سوريا.
وأضاف البيان: «نؤكد تصميمنا بخصوص بذل جميع الجهود من أجل إقامة (ممر سلام) في سوريا... تم الاطلاع على معلومات بخصوص الكفاح المتواصل بكل عزم وتصميم داخل وخارج البلاد ضد (التنظيمات الإرهابية)، وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب الكردية و(داعش) وغيرها، التي تهدد الوحدة الوطنية ووجود تركيا».
وسبق لتركيا أن استخدمت مصطلح «عملية السلام في قبرص» على عمليتها العسكرية لغزو شمال قبرص الذي تقطنه أغلبية من القبارصة الأتراك عام 1974 ولا تزال قواتها موجودة هناك.
وتابع البيان، إنه «على الرغم من أنه من المعروف قيام الوحدات الكردية، التي تسلّح الأطفال رغماً عنهم وتستغلهم أداةً في (الأعمال الإرهابية)، بممارستها تلك الجرائم منذ زمن طويل، فإن بعض الدول (في إشارة إلى الولايات المتحدة) لا تزال تراها حليفاً، وتدعمها من الناحيتين العسكرية والسياسية، بما فيها تقديم التدريب والتجهيزات، وهذا أمر غير مقبول».
وواصلت وسائل الإعلام التركية نشر صور لجرافات وآليات تقوم بحفر خنادق وتحصينات ترابية، وأخرى تظهر إنشاء تحصينات ترابية لمرابض المدفعية على النقطة صفر من الحدود المقابلة لمنطقة تل أبيض، بعد إزالة الجيش التركي أجزاء من الجدار الحدودي في المنطقة... بينما تقوم قوات من تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الذي تشكل الوحدات الكردية قوامه الرئيس بإجراءات مماثلة على الجانب الآخر من الحدود.
وتوقع مراقبون أن تركيا قد تقدِم على تحرك عسكري «محدود» في شرق الفرات، في محاولة لدفع واشنطن إلى حسم ملف المنطقة الأمنة، حيث تنتظر رداً أميركياً على مقترحاتها التي قدمتها للمبعوث الأميركي جيمس جيفري، الذي زار تركيا الأسبوع الماضي، وفشلت مباحثاته في إحداث تقدم في تقريب وجهات النظر مع أنقرة حول المنطقة الآمنة.
وتتحدث بعض المصادر عن احتمالات لأن يبدأ الجيش التركي والفصائل السورية المسلحة الموالية له عمليات محدودة النطاق في المناطق المحاذية لمنطقة «درع الفرات»، الخاضعة للسيطرة التركية في جرابلس غرب نهر الفرات، لاستهداف الوحدات الكردية في مناطق مثل تل أبيض ورأس العين وعين عيسى، التي توليها تركيا أهمية كبيرة؛ كونها مناطق ذات أغلبية عربية، وستكون المقاومة فيها أقل بكثير من المناطق ذات الأغلبية الكردية، بالإضافة إلى أنها تستخدم من جانب وحدات حماية الشعب الكردية منطلقاً لتنفيذ الهجمات على مناطق السيطرة التركية غرب النهر، وإطلاق القذائف باتجاه المحافظات التركية الحدودية، على غرار إطلاق صاروخين الأسبوع الماضي على منزلين في ولاية شانلي أورفا التركية؛ ما أدى إلى إصابة 5 مواطنين أتراك، وردت تركيا على الهجوم بقصف 7 أهداف في الجانب الآخر.
كما ترغب تركيا في إعادة اللاجئين السوريين لديها ونسبة كبيرة منهم من سكان هذه المناطق بعد أن بات ملف اللاجئين مشكلة داخلية متفاقمة في تركيا.
ونقلت وزارة الدفاع التركية عن وزير الدفاع خلوصي أكار، أنه أبلغ نظيره الأميركي مارك إسبر، في اتصال هاتفي مساء الاثنين، أن تركيا ستضطر إلى إنشاء منطقة آمنة في سوريا بمفردها إذا لم تتوصل إلى تفاهم مشترك مع الولايات المتحدة في هذا الشأن.
وسبق أن قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الجمعة، إن تركيا «مصممة على تدمير ما سماه (الممر الإرهابي) شرق الفرات في سوريا، مهما كانت نتيجة المحادثات مع الولايات المتحدة حول إنشاء منطقة آمنة».
والأربعاء قبل الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، رفض بلاده المقترحات الأميركية الجديدة التي حملها المبعوث الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، حول المنطقة الآمنة في سوريا، وهدد مجددا بالتحرك عسكريا شرق نهر الفرات، بعدما شدد على أن صبر بلاده قد نفد، وأنها ترى أن واشنطن تماطل في شرق الفرات بأسلوب المماطلة نفسه الذي اتبعته بشأن اتفاق خريطة الطريق في منبج الموقع مع بلاده في يونيو (حزيران) 2018.
في الوقت ذاته، رأت مصادر تركية أن أنقرة ستسعى للحصول على دعم من روسيا وإيران لتحركاتها في شرق الفرات خلال اجتماعات الجولة الـ13 لمباحثات آستانة التي تعقد اليوم (الخميس) وغداً (الجمعة) في العاصمة الكازاخية نور سلطان. لكنها توقعت أن الأمر لن يكون سهلاً.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».