حادثة الجبل تحيي مطلب إلغاء المحاكم الاستثنائية في لبنان

TT

حادثة الجبل تحيي مطلب إلغاء المحاكم الاستثنائية في لبنان

ارتفعت مجدداً بعض الأصوات السياسية والقانونية المطالبة بإلغاء المحاكم الاستثنائية في لبنان، والمتمثّلة بالمجلس العدلي الذي يعدّ أعلى هيئة قضائية، والمحاكم العسكرية التي أعطيت صلاحيات واسعة، بعدما كان دورها محصوراً بمحاكمة العسكريين على المخالفات أو الجرائم التي يرتكبونها أثناء الوظيفة.
وتجددت المطالبة بإلغاء هذه المحاكم بعد حادثة الجبل التي وقعت بين مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب السابق وليد جنبلاط، وبين مرافقين لوزير شؤون النازحين صالح الغريب، ومقتل اثنين من مرافقيه، وهم من مناصري الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرأسه النائب طلال أرسلان، بعد إصرار الأخير على إحالة هذه الحادثة إلى المجلس العدلي.
ولا يزال جنبلاط يرفض إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي، ويرى أن ذلك يمثل استهدافاً سياسياً له ولحزبه، وسخر قبل أيام من اقتراح وزير شؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي (وزير العدل السابق والمحسوب على رئيس الجمهورية) بإحالة القضية إلى المحكمة العسكرية، وقال في تغريدة له: «صدرت فتاوى من كبار المشرعين القانونيين من أمير الزمان وريث السنهوري الجريصاتي، إلى ربما تشكيل محاكم ميدانية وفق الأحكام العرفية، أمثال المهداوي، وكل ذلك لم يسلّم حتى اللحظة أحدهم (أرسلان) أيا من السيّاح في الموكب المسلّح في البساتين (قبرشمون)». وختم جنبلاط تغريدته: «جرّبوا محكمة المطبوعات».
وأوضح مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس، أن الحزب «سبق وقدّم مشروعاً لاستقلالية القضاء، واقتراحات حول القضاء العسكري والمجلس العدلي، الذي بات نموذجاً قائماً في لبنان فقط، ولم تعد له أمثلة في العالم». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الإشكالية الآن مرتبطة بالحالة اللبنانية؛ حيث تدخل الاعتبارات السياسية في إحالة الملفات إلى المجلس العدلي، من دون أن تسلك المسار القضائي والقانوني الصرف عندما يقع الحادث».
وأشار الريس إلى أن «الصيغة السياسية التي ترتبط بالملفات وبطريقة الإحالة من قبل مجلس الوزراء، تطرح كثيراً من الشكوك؛ خصوصاً إذا كانت مرتبطة بوضعنا الراهن، الذي يعبّر عن استهداف سياسي وحصار مقصود لجهة سياسية هي الحزب التقدمي الاشتراكي ووليد جنبلاط»، داعياً إلى أن يكون هذا الجدل «مدخلاً لإعادة فتح ملف القضاء بما يحفظ مقتضيات العدالة».
وزير العدل السابق أشرف ريفي، الذي قدّم اقتراح قانون بهذا الخصوص في عام 2015، جدد مطالبته بإلغاء المحاكم الاستثنائية، واعتبر أن «القضايا التي تسند إلى هذه المحاكم يفترض أن تكون من صلاحية قضاء متخصص وليس قضاء خاصاً». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن اقتراحه إلغاء المحاكم الاستثنائية يأتي «استجابة لمطالب الأمم المتحدة المتكررة، الداعية إلى تعديل قانون المحكمة العسكرية، التي لم يعد لها مثيل في العالم، وهي أعطيت صلاحيات واسعة؛ حيث تتشكّل من أربعة ضباط وقاضٍ واحد، في حين أن المدنيين يجب أن يحاكموا أمام هيئة قضائية»، معتبراً أن «معايير العدالة يجب أن تكون موحدة في كلّ دول العالم التي تحترم حقوق الإنسان».
وأشار ريفي إلى أن الأمم المتحدة «لا تنفك تطالب بإلغاء المجلس العدلي؛ لأن أحكامه غير قابلة للاستئناف والطعن»، مشدداً على أن «أهم الخطوات الإصلاحية تكمن في إصلاح القضاء، وإلغاء المحاكم الاستثنائية». وقال: «يوم كنت وزيراً للعدل شكلت لجنة برئاسة القاضي بركان سعد (رئيس هيئة التفتيش القضائي حالياً)، وتضم كبار القضاة والمحامين ورجال القانون، وبعد 8 أشهر وضعت اللجنة مشروعاً يرمي إلى الانتقال من المحاكم الخاصة إلى المحاكم المتخصصة، تكون حضارية، وأودعت الاقتراح رئاسة الحكومة ولم يؤخذ بهذا الاقتراح».
وتتقاطع الرؤية القضائية مع المواقف السياسية حيال المحاكم الاستثنائية في كثير من المواضيع، إذ اعترف النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي، بأن «هذه المحاكم غير موجودة في الدول الأوروبية والعالم المتحضّر؛ لكنها موجودة لدى دول وأنظمة أخرى». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يوافق على إلغاء المجلس العدلي نظراً لأهميته؛ خصوصاً لجهة سرعة إجراءاته والضمانة التي يشكلها قضاته؛ لكن يمكن إدخال تعديلات على نظامه، بحيث تصبح المحاكمة على درجتين، وهذا يمثّل ضمانة للمتقاضين». أما فيما يخصّ المحاكم العسكرية، فاعترف ماضي بوجود «مشكلة حقيقية تتمثل في أن هذه المحاكم مؤلفة من ضباط ليست لديهم خلفية قانونية، كما أن أحكام المحاكم العسكرية غير معللة، وهذا خطأ يجب الاعتراف به».
ولا يمكن إهمال البعد السياسي لمطلب إلغاء المحاكم الاستثنائية، إذ يعتبر وزير العدل السابق أشرف ريفي، أن «(حزب الله) يتخذ من المحكمة العسكرية وسيلة لمحاكمة خصومه وتبرئة جماعته والمحسوبين عليه، بدليل عدم محاكمة المتهم بقتل النقيب الطيار سامر حنّا، الذي أخلي سبيله بعد شهرين من توقيفه». وسأل: «هل يعقل إذا كان هناك عشرون مدنياً وعسكري واحد في القضية نفسها، أن يحال الجميع إلى المحكمة العسكرية؟».
وتطرق وزير العدل السابق إلى حادثة الجبل، وخلفيات المطالبة بإحالتها إلى المجلس العدلي، فقال: «قضاة المجلس العدلي هم من أرفع قضاة لبنان ومشهود لهم بالنزاهة؛ لكن المحقق العدلي يعين من قبل وزير العدل (المحسوب على «التيار الوطني الحر»)، فمن يضمن أن يكون المحقق العدلي غير منحاز؟».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.