الاتحاد الأوروبي يستعد لمرحلة سياسية مع الإدارة الجديدة

عدّ أن الجنوح إلى الشعبوية والتطرف سببه «الخلل الهيكلي» في الأنظمة الحاكمة

أورسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة ستتسلم مهامها في نوفمبر (أ.ف.ب)
أورسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة ستتسلم مهامها في نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

الاتحاد الأوروبي يستعد لمرحلة سياسية مع الإدارة الجديدة

أورسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة ستتسلم مهامها في نوفمبر (أ.ف.ب)
أورسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة ستتسلم مهامها في نوفمبر (أ.ف.ب)

ينكبّ فريق من الخبراء الدبلوماسيين والباحثين الاستراتيجيين في الاتحاد الأوروبي منذ فترة على وضع دراسة حول ما اصطلحوا على تسميته «الخلل الهيكلي» في الأنظمة السياسية والآليّات الدستورية لتشكيل الحكومات، الذي يعدّونه من الأسباب الرئيسية في انتشار حالات عدم الاستقرار السياسي والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت في جنوح كثير من دول الاتحاد نحو الشعبويّة والتطرّف.
ومن المقرّر، بعد إنهاء هذه الدراسة ومناقشتها والموافقة على استنتاجاتها وتوصياتها في القمّة الأوروبية المقبلة، أن تصبح الوثيقة التوجيهية الأساسية للمفوّضية الجديدة التي تبدأ مهامها في 1 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وأن تتعهد حكومات الدول الأعضاء تبنّي مضمونها وتوجيهاتها.
ويقول أحد الخبراء الذين يشاركون في إعداد الدراسة إن نقطة الانطلاق الأساسية كانت توافق عدد من مراكز البحث الاجتماعي والتخطيط الاستراتيجي حول خلاصة مفادها بأن «السبب الرئيسي في عدم الاستقرار السياسي وعمق الانقسامات الاجتماعية في معظم بلدان الاتحاد الأوروبي، هو الإفراط في تبدية المصالح الشخصية والحزبية السريعة على المصلحة العامة، بالتزامن مع مرحلة انتقالية معقّدة في طبيعة العمل السياسي، بدأت بانهيار الأحزاب التقليدية والسأم الذي أصاب الناخبين من خطابها الخشبي وخيبتهم من فشلها في إدارة الشأن العام ومعالجة الأزمات، وهي الآن في طور الانقياد لوسائل التواصل الاجتماعي السريعة وأسلوبها المباشر، السطحي والمبسّط، وما ينطوي عليه من تضليل وتحريف للحقائق».
ويستفاد من الوثيقة الأساسية التي تستند إليها الدراسة، والتي اطّلعت عليها «الشرق الأوسط»، أن الخبراء الأوروبيين يعدّون أن أزمات مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة، وعدم الاستقرار السياسي في كثير من الدول الأعضاء، هي «وليد طبيعي لهذا الخلل الهيكلي»، الذي تفاقمت تداعياته بفعل أزمة عام 2008 المالية وأزمة الهجرة التي من المفترض أن «يستوعبها الاتحاد من غير التداعيات السلبية التي تسببت فيها وباتت تشكّل خطراً مصيريّاً على كامل المشروع الأوروبي».
وينطلق المخططون الاستراتيجيون في المفوضية من التسليم بأن بلدان الاتحاد «لن تستعيد الثنائية الحزبية التقليدية في القريب المنظور»، وأنه لا بد، ضماناً لقدر معقول من الاستقرار السياسي اللازم لاستعادة وتيرة النمو الاقتصادي وتنفيس الاحتقان الاجتماعي، من إجراء التعديلات الدستورية التي تشجّع على تشكيل التكتلات السياسية الكبيرة، وتسهّل الائتلافات الحكومية في حال عدم تشكيل هذه التكتلات.
وتحيل الوثيقة إلى المثال الألماني؛ حيث تقوم حكومة ائتلافية منذ 13 عاماً في أكثر دول الاتحاد استقراراً والأقوى اقتصادياً، كما تشير إلى الحالة الإيطالية في الاتجاه المعاكس حيث ترافق عدم الاستقرار السياسي منذ منتصف العقد الأول من هذا القرن مع تراجع النمو الاقتصادي وركوده حتى اليوم، وصعود القوى الشعبوية واليمينية المتطرفة التي تسلّمت مقاليد الحكم العام الماضي للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتحذّر الوثيقة من أن إسبانيا قد تكون في طريقها إلى «الاقتداء» بالمثال الإيطالي بعد أن فشلت الأسبوع الماضي في تشكيل حكومة جديدة رغم فوز الحزب الاشتراكي في الانتخابات الأخيرة منذ أكثر من 3 أشهر بفارق كبير عن الأحزاب الأخرى.
ومن الأمور التي تلفت الانتباه بشكل خاص في الخطوط العريضة التي وضعها فريق التخطيط الاستراتيجي الأوروبي لهذه الدراسة، التركيز على مبادئ «جمهورية فايمار» التي قامت في ألمانيا منذ عام 1919 إلى عام 1933، وكانت مرحلة مفصليّة في تاريخ تطوّر الفنون والفلسفة والعلوم الاجتماعية في القارة الأوروبية بأسرها. وتذكّر الوثيقة بالمفكّر الألماني الكبير ماكس فيبير الذي كان يعدّ أن «أنجع سبيل للدفاع عن الديمقراطية هو إقامة البراهين على أن النظام البرلماني هو الصيغة الوحيدة لتحقيقها في السياق الاجتماعي الراهن». وكان فيبير يدعو إلى تنشئة طبقة سياسية ليبرالية قادرة على تبدية مصالح الدولة على المصالح الحزبية والسعي إلى السلطة بوصفها هدفاً في حد ذاتها، بعد أن لاحظ «أن أياً من القوى السياسية الممثلة في البرلمان الألماني تتصرّف انطلاقاً من أن ثمّة مصلحة عامة فوق مصلحة الحزب والمصلحة الشخصية».
لكن يجدر التذكير بأن فيبير رحل في عام 1920 قبل أن يتمكّن من فرض نفوذه المعنوي الكبير على تلك المرحلة التي انتهت تحت تأثير آخرين مثل كارل شميت الذي انطلق من مقولات فيبير بأن مناهضة النظام البرلماني هي اعتداء على الديمقراطية ليصبح المرجع القانوني لنظام الرايخ الثالث، على الأقل في مراحله الأولى، عندما وصل أدولف هتلر إلى الحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.