ماذا سيتبقى من شعر الجواهري؟

في ذكرى رحيله الثانية والعشرين

محمد مهدي الجواهري
محمد مهدي الجواهري
TT

ماذا سيتبقى من شعر الجواهري؟

محمد مهدي الجواهري
محمد مهدي الجواهري

قبل اثنين وعشرين عاماً، رحل أحد أهم قاماتنا الشعرية العربية، الذي عاش قرناً كاملاً، طولاً بعرض، ذلك هو الشاعر الكبير «محمد مهدي الجواهري» الذي شكَّل ذاكرة بلدٍ بأكمله، فلم يقترن اسم بلدٍ مثلما اقترن العراق بالجواهري، حيث يروي لنا الشاعر «محمد حسين آل ياسين» أنَّه كان صاعداً في قطار متجهٍ نحو ريف المغرب في الجنوب، ويقابله معلمٌ مغربي يسكن ذلك الريف، وحين سمع حديث آل ياسين غريباً بلكنته العراقية، بادره ذلك المعلم وقد عرف أنه عراقي: ولكن هل أنت من بلد الجواهري؟ أي خلودٍ أعظم من هذا، حيث يقترن بلدٌ باسم شاعر، ولا أظن أنَّ شاعراً حصل على هذا المجد العظيم، ما عدا «شكسبير». ولكن الحديث الآن عن «الجواهري» يجب أنْ يتحوَّل من التمجيد الذي كتب كثير منه في حياة الجواهري وبعدها، إلى حديثٍ آخر يتجه نحو الفحص والتحليل.
فلا أظن أنَّ كلمة مديحٍ سترفع شأن الجواهري المرتفع أصلاً، إنَّما القراءة الجادَّة بعد هذا الغياب هي التي ستمنح الجواهري عمراً أطول، فما الذي يريده الشاعر بعد وفاته غير أنْ تبقى بعضُ نصوصهِ تدور على ألسنة الناس، وأنْ يكون دائماً حديث أهل الأدب والمعرفة، فما الذي سيتبقى من شعر الجواهري؟ هل المناهج الدراسية، وكتب القراءة والمطالعة، سبب في خلود بعض الشعراء؟ لقد خلد من لم يستحق الخلود، بسبب توجهات الدولة وفلسفتها؛ أقول: هل مناهج الإعدادية والمتوسطة هي النافذة الوحيدة التي تجعل من الشاعر حياً دائماً؟ وما الفائدة في أنْ يكون الجواهري دائراً على ألسنة الطلاب، وأنْ يكون عبئاً على طلبة السادس في حفظ قصيدته «يا دجلة الخير»، وحفظ حياته وتعليمه، وبهذا يتحوَّل إلى كابوس لهؤلاء الطلبة، يكرهون - بسببه - دجلة والشعر كله، وربَّما ينسونه بعد انتهاء الامتحان.
فكيف يمكن للجواهري أنْ يبقى مشعاً؟ وهل ذكرى وفاته يمكن أن تجعل منا نحن عشاقه أكثر عقلانية في النظر فيما تركه من قصائد كثيرة كثيرة؟ ولكن ألا يحق لنا أنْ نتساءل عن كمية الشعر الذي تسلل إلى هذه القصائد؟ ذلك أنَّ شخصية «الجواهري» الطاغية، سياسياً واجتماعياً وصحافياً وأدبياً، أسهمتْ بغلق العيون عن كثير من التساؤلات التي يحق لنا نحن عشاق هذا المارد الذي فتحنا أعيننا على قصائده وتمرده، وتمنينا أنْ نسكن المنافي، كما كان، وأنْ نمدح ونشتم في اللحظة نفسها، ذلك أنَّ قدرة «الجواهري» وحيواته الخاصة حوَّلت شخصيته إلى مغناطيس لجذب معظم العاملين في الأدب، والشعر خصوصاً، وأنْ يتشبهوا بهذا المارد الكبير، ويتمنَّوا أنْ يكون في حياتهم جزءٌ يشابه الجواهري، ولكننا لا نفهم أنَّ الزمن يتغير، وأنّ لكل زمن دولة ورجال، ما عدا الجواهري الذي بقي الرجل الأوحد لكل الأزمنة التي عاشها، ذلك أن الملكية حافظت عليه كثيراً، وهو الذي هجاها وأوغل في هجائه لها.
وبعد أن تحوَّل نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري في 58، أيضاً تبنَّاه العسكر، ولم يفرط به، والجواهري نفسه كتب للعسكر، وللجمهورية بشكل عام، ولعبد الكريم قاسم الذي لم يدم الوداد بينهما طويلاً، حتى انقطع حبله، بعد اعتراضات كثيرة وجهها الجواهري لرجال الحكم، حتى أنه يذكر في مذكراته ويصف العلاقة بينه وبين عبد الكريم قاسم بالمسرحية، حيث يقول: «أما وقد قاربت مسرحية هذه الازدواجية المتبادلة بين زعيم أوحد وبين مزعوم أوحد أيضاً نهايتها... فموقفي في يوم عيد العمال وقصيدتي بكم نبتدي وإليكم نعود، ومفهوم أنها تريد أن تقول: نعم للعمال وللشغيلة، ولا لعبد الكريم قاسم». وأوشك أن يُسجن في أيام النظام الجمهوري، لكنَّه اختار العيش في المنفى في «براغ» ما يقارب 9 سنوات، هي من أخصب فترات الجواهري وأغزرها شعرياً.
وأزعم أنَّ مرحلة «براغ» هي من أخصب المراحل التي مر بها «الجواهري»، ذلك أنَّه تخلَّص من كثير من الزوائد الشعرية، وأنَّ البلاغة لديه اتخذت مساراتٍ مختلفة أكثر التصاقاً ببلاغة الحياة الجديدة عليه، تلك الفترة التي كان يقول عنها في مذكراته إنها «كانت الفترة التي عشتها في براغ فترة عز ودلال». وبهذا انتقل الجواهري من بطون الكتب التي شكلت معظم مرجعياته الثقافية إلى الحياة بكامل بهجتها وأناقتها. ففي براغ، تحوَّل إلى شاعرٍ آخر مختلف، وكأنَّه غيره، فبدأ يكتب عن بائعة السمك في «الجيك»، ويكتب عن الثلج على رؤوس الجبال، ويكتب عن مقاهي براغ الساحرة، وعن طبيعتها الخلابة:
براها سلامٌ كلما خفق
الصباح على الهضابِ
ما نفضَّتْ ريحُ الصبا
قارورة العطرِ المذابِ
ما طارحته حمامة بهديلها
شجو التصابي
براها سلامٌ ما اكتسى
ألقُ السنا مزقَ الضبابِ
أو قصيدته عن بائعة السمك في براغ، حيث يقول:
دلفنا لحانوت سماكة
نزوَّدُ بالسمك الكابري
فلاحت لنا حلوة المشترى
تلفت كالرشا النافرِ
تشد الحزام على بانة
وتفتر عن قمر زاهرِ
من الجيك حسبك من فتنة
تضيق بها رقية الساحر
فقلنا: علينا جعلنا فداك
بما اخترتِ من صيدك النادرِ
وفي هذه القصيدة، يصور لنا الجواهري حديثاً للسمكة معهم، وكيف يسمحون لأنفسهم بأكلها، وهي تحاورهم، أي «السمكة»:
فجاءت بممكورة بضة
لعوب كذي خبرة ماكرِ
تنفضُّ بالذيل عطر الصبا
وتخدع بالنظر الخادرِ
تكاد تقول أمثلي يموت
لعنت ابن آدم من جائرِ
أما في الصبا لي من شافع؟
أما لابنة الشيك من زاجرِ
وأهوتْ عليها بساطورها
فيا لك من جؤذرٍ جازرِ
وثنَّتْ فشبَّتْ عروسُ البحار
وخرَّتْ على الجانب الآخرِ
وللجواهري نصوص غاية في المتعة، حين يتحدث على لسان بعض الحيوانات، وهي تجربة قليلة لديه، ولكنَّها رائقة ممتعة، حيث يقول في قصيدة «الراعي»:
لفَّ العباءة واستقلا
بقطيعه عجلا وسهلا
وانصاع يسحب خلفه
ركباً يعرَّسُ حيث حلا
يومي فتفهم ما يريد
ويرتمي فتهبُّ عجلى
وتكاد تُعرب بالثغاء
هلا وحيَّهلا وهلَّا
وبهذا، استطاع الجواهري، أو تمكنتْ الحياة الجديدة أو المختلفة عليه من تغيير مزاجه، وأسهمتْ بتحوله فكرياً ولغوياً، حيث بدأت زاوية النظر تأخذ مساراً جديداً في لغته، وبدأت موضوعاتٌ أخرى كان يأنف من الخوض بها، إلا أنه الآن ركب في مركب بلاغة مختلفة عن تجربته السابقة، أكثر مطواعية من البلاغة التي ورثها، والتي أدمنها في الكتب التاريخية، وفي أشعار الأقدمين.
الآن، وبعد مرور 22 عاماً على رحيله، ما الذي يمكن أنْ نتحدث به عن الجواهري الشاعر؟ ذلك أنَّ كل شيءٍ انتهت صلاحيته أو ستنتهي، السياسة والصحافة، والمجتمع وصراعاته، والدين وتخلَّيه عن العمامة، وبقي الذي بين أيدينا الجواهري الشاعر، ولكن هذا الشاعر هل كلُّه شعر؟
وهل نصوصه التي دارت على ألسنة الناس، ووثَّقت أقدامه على الأرض، هل كلها ممتلئة بالشعر، أم أنَّ ما يحفظه هؤلاء الناس بعيد عن جوهر الشعر؟ فلو أخرجنا الهمَّ السياسي والاجتماعي والديني من القصائد كلِّها ما الذي سيتبَّقى من الجواهري؟ وهنا، أذكر مقولة لـ«عبد الرزاق عبد الواحد» ذكرها لنا مرة، فقال: لو متُّ سيذهب ثلثا شعري أدراج الرياح، وسيبقى القليل القليل، وذكر مسرحية «الحر الرياحي، وقصيدة الزائر الأخير، ومجموعة الصوت، وبعض النصوص القليلة».
ولو رجعنا إلى نصوص عبد الرزاق التي يعتقد بخلودهن بعد رحيله، ماذا نجد؟ سنرى أنَّ معظم هذه النصوص خالية من الوظيفية والغرضية الواضحة، وأن الغرض من كتابة هذه النصوص هو الشعر، إذ لا غرض إلَّاه. وعند هذه الزاوية المهمة، أظنُّ أنَّ نسبة كبيرة من نصوص «الجواهري» سيأكلها الزمن، خصوصاً النصوص التي تُدار على الألسن بوصفها شواهد وأمثلة يُستشهدُ بها لدعم حالة سياسية، أو لتوصيفها، أو لعلاج حالة اجتماعية.
وفي الحقيقة، فإنَّ معظم ما كتبه الجواهري من شعر يدور في فلك السياسة هو قصائد خالية من الشعرية، ومنقادة للحس السياسي والاجتماعي، وفيها من الوعظ الكثير، علماً بأنَّ الشاعر ليس واعظاً، أو حكيماً يضرب الأمثلة ويدل الناس؛ هذه ليست مهنته، وما سيبقى هو الهم الذاتي الحقيقي الذي عبر به الجواهري عن الجواهري نفسه، دون أنْ يتقمص روح الأمة، أو الجماهير، فمتى ما تقمص هذه الروح سيتحوَّل إلى ناطقٍ إعلامي.
أما حديثه الذاتي، فهو الأهم والأجمل والأبقى شعرياً، لذلك ستبقى «يا نديمي» و«أيها الأرق» و«الراعي» و«رسالة مملحة» و«يا أم عوف»، ومعظم ما كتبه في براغ. أما الشعر السياسي والصراعات الاجتماعية، فستتحول إلى وثائق تاريخية تدعم الباحثين ربَّما في بحوثهم، ولكن من الصعب أنْ تصمد شعرياً، رغم عظمة «الجواهري»، لذلك أظنُّ أنَّه من الوفاء لهذه التجربة العظيمة أنْ نراجعها ونسائلها، لا أنْ نمتدحها فقط، فالتجارب الكبرى هي محطة للأسئلة والمراجعات الدائمة، وما الجواهري إلا فنارنا الأكثر إضاءة، واسمنا الذي نفخر به أمام العالم، ذلك أنني دائماً أرددُ بيته الشهير الذي يفخر فيه حتى على الملائكة بقوله:
إذا تحدَّاك في عليائها مَلَكٌ
يزهو عليك فقلْ إنَّي من البشرِ

- شاعر وأكاديمي عراقي



اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
TT

اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)

في أعالي إحدى الغابات المطيرة في أميركا الجنوبية، أذهل نوع جديد من النمل الأبيض صغير الحجم فريقاً من العلماء الدوليين بملامحه التي تُشبه ملامح الحيتان.

ووفق الفريق البحثي الذي قاده عالم من جامعة فلوريدا الأميركية، يشبه هذا النوع الجديد من النمل الأبيض حوت العنبر الشهير في رواية هيرمان ملفيل الكلاسيكية «موبي ديك»، ومن هنا جاء اسمه: «كريبتوترمس موبيديكي».

وحسب الدراسة المنشورة في مجلة «زوكيز» (ZooKeys)، يتميّز هذا النوع برأس طويل وفكوك سفليّة مخفيّة.

وقال رودولف شيفران، أستاذ علم الحشرات في معهد جامعة فلوريدا لعلوم الأغذية والزراعة المتخصص في تصنيف الكائنات الحية: «هذا النمل الأبيض لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل». وأضاف في بيان نُشر الجمعة: «كانت العيّنة مميزة إلى حدٍّ دفع فريق علماء الحشرات الدوليين إلى الاعتقاد بأنهم أمام جنس جديد تماماً».

كيف حصل هذا النوع على اسمه؟

قال شيفران: «يشبه المنظر الجانبي للبروز الأمامي ورأسه الممدود رأسَ حوت العنبر، وفي كلا الكائنين يحجب الرأس الفك السفلي».

وأوضح: «تقع عين الحوت وقرون استشعار النمل الأبيض في موقع متقارب وفق تكوين كل منهما. وبعد أن لاحظتُ هذا التشابه، رأى زملائي أن الاسم مناسب بشكل لافت».

يُضيف هذا الاكتشاف نوعاً جديداً إلى قائمة نمل «كريبتوترمس» في أميركا الجنوبية، ليصل عدد أنواع هذا النمل إلى 16 نوعاً. ويُظهر تحليل شجرة العائلة الجينية أن «كريبتوترمس موبيديكي» وثيق الصلة بأنواع أخرى في المناطق الاستوائية الجديدة، موجودة في كولومبيا، وترينيداد، وجمهورية الدومينيكان، مما يمنح العلماء دليلاً جديداً على القصة التطورية لهذا الجنس المنتشر عالمياً على مساحة واسعة من الأرض.

ووجد الباحثون المستعمرة المكتشفة داخل شجرة شبه ميتة، على ارتفاع نحو 8 أمتار من أرضية الغابة.

ووفق نتائج الدراسة، يُبرز تشريح هذا النوع الجديد وغير المعتاد مدى تنوّع تطوّر النمل الأبيض، والمفاجآت التي لا تزال تخبئها النظم البيئية الاستوائية.

وقال شيفران: «يُبرز اكتشاف هذا النوع الجديد والمميّز، العدد الهائل من الكائنات الحية التي لم تُكتشف بعد على كوكبنا».

ويُعدّ هذا الاكتشاف، بالنسبة للعلماء، انتصاراً للتنوّع البيولوجي؛ إذ يضيف كل نوع جديد إلى الفهم العلمي للحياة على الأرض، خصوصاً في مجموعة صغيرة نسبياً مثل النمل الأبيض، التي لا يتجاوز عدد أنواعها 3 آلاف نوع حول العالم.


محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
TT

محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)

منح فنان العرب محمد عبده، الجمعة، شتاء العاصمة السعودية الرياض الدفء، في ليلة طربية ساحرة امتدَّت حتى ساعات الصباح الأولى من يوم السبت، وسط حضور جماهيري كبير من محبيه وعشّاقه من السعودية والعالم العربي.

واكتظَّ المسرح الذي يحمل اسمه في المجمع الترفيهي «بوليفارد سيتي» في حيّ حطين بالرياض بالحضور، في حين تابع آلاف المشاهدين الحفل عبر نقله المباشر على قنوات فضائية ومنصات رقمية.

وفي ثاني حفلاته بـ«موسم الرياض» 2025، وبجلسة شعبية طال انتظارها بعد أيام من التمارين والتحضيرات وساعات من الإبداع، التي تقدّمها الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، وبإشراف مباشر من ‏رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وبتنظيم من «روتانا»، قدَّم محمد عبده لعشّاق الفن الأصيل أمسية استثنائية بعنوان «جلسة شعبيات فنان العرب»، استعرض فيها على العود عدداً من الاختيارات التي نالت إعجاب الحضور، وسط إشادات متواصلة بنوعية الأغنيات المُختارة نظير ندرة طرح عدد منها مسرحيّاً، أو استحضار بعضها بعد سنوات من المرة الأخيرة التي قدّمها.

محمد عبده يطلّ بسهرة مختلفة تُعيد جمهور الرياض إلى بداياته (روتانا)

وأضيفت هذه الأمسية إلى مسيرة محمد عبده العريقة الممتدة لأكثر من 5 عقود، مزج فيها بين الإحساس العالي وروعة الألحان والأداء المميّز الذي أسر قلوب الملايين، وسط حضور متناغم مع الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو هاني فرحات.

«أهلاً هلا بك يا دَوى كل علّه» مروراً بـ«يا حبيب الروح» التي يؤديها الفنان السعودي الكبير للمرة الأولى على المسرح، و«أوحشتنا يا حبيب» قبل «لي 3 أيام ما جاني خبر»، ثم «أنا وخلي كل دار وطنّا»، إلى «كنت مانيب ناوي أقرب الحب لله»، وغيرها من الخيارات النادرة والاستثنائية، عاش جمهور «فنان العرب» ليلة لا تُنسى في الرياض، وخلف الشاشات.

وامتدَّت الأمسية نحو 4 ساعات، استمرَّ خلالها الفنان في نثر إبداعاته وسط استمتاع الحضور، ثم تخلّلته استراحة امتدت نحو نصف ساعة، قبل أن يعاود عبده الوصلة الثانية من الخيارات الفنية الشعبية التي انتظرها الحضور الكبير، ويختمها بأداء الأغنية الوطنية الخالدة «فوق هام السحب» من كلمات الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن وألحان «فنان العرب».

الفنان محمد عبده والمايسترو هاني فرحات في ختام الأمسية (روتانا)

وجاءت هذه الأمسية إثر الإقبال الكبير الذي شهده حفل «فنان العرب» ضمن «موسم الرياض» في 28 من الشهر الماضي، بعد نفاد التذاكر في وقت مبكر جداً من موعد الحفل، ليعلن رئيس «الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، عن تنظيم حفل جديد للفنان محمد عبده، الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول)، وذلك عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»، حيث نشر بوستر الحفل وعلّق: «عشانكم».

ويواصل الموسم الترفيهي الأضخم إقليمياً وعالمياً «موسم الرياض 2025»، الذي بات إحدى أهم المنصّات الفنية في العالم، تنظيم الحفلات الغنائية ضمن سلسلة من الفعاليات الموسيقية الكبرى.

ومن المقرّر أن يطلّ عبده مجدّداً على جمهوره، في 18 ديسمبر، على خشبة مسرح «صدى الوادي» في موسم الدرعية.


«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)

يواصل مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» في دورته الـ5 ترميم أفلام مصرية قديمة وإعادتها إلى الحياة بنسخ جديدة صالحة للعرض وفق أحدث التقنيات. وفي إطار الاحتفال بمرور 50 عاماً على رحيل سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، اختار المهرجان ترميم فيلمَين من بطولتها، هما «نشيد الأمل» (1937) و«عايدة» (1942)، وكلاهما من إخراج أحمد بدرخان.

وعرض المهرجان، الجمعة، فيلم «نشيد الأمل» في «متحف طارق عبد الحكيم» بالحديقة الثقافية في منطقة جدة التاريخية، في حين قُدّم فيلم «عايدة» في مدينة الثقافة، بعد ترميمهما ضمن اتفاقية بين المهرجان ومدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، وبمشاركة قناة «إيه آر تي» المالكة لحقوق الفيلمَين.

وقدّمت مريم عبد الله، عضو لجنة اختيار الأفلام العربية في المهرجان، فيلم «عايدة»، مشيرة إلى أن «مهرجان البحر الأحمر دأب في كل دورة على ترميم أفلام مصرية عدّة لتُعرَض للمرة الأولى بنسخ مُرمَّمة بتقنية (4 k) عالية الجودة عبر الشاشة الكبيرة، وتزامناً مع الذكرى الـ50 لوفاة أم كلثوم التي شاركت في بطولة 6 أفلام، فإن اللجنة الفنية اختارت هذين الفيلمين تحديداً لهذه المناسبة».

من جهتها، رحّبت أسماء السراج، المديرة التجارية لقنوات «إيه آر تي»، بالحضور، موجّهة شكرها للمهرجان على اهتمامه بترميم الأفلام المصرية. في حين قالت المهندسة ندى حسام الدين، مسؤولة الترميم بمدينة الإنتاج الإعلامي، إن فيلم «عايدة» شكَّل «حالة خاصة»، موضحة أن عملية ترميمه كانت «ملحمة حقيقية»، إذ «لم يُرمَّم الفيلم فحسب، بل كان علينا أيضاً إنقاذ (النيغاتيف) من التحلل. هناك أجزاء ستبدو مختلفةً لأنها استُنقذت قبل أن تتحلَّل تماماً، كما بُذل جهد كبير في ترميم الصوت، كونه فيلماً غنائياً، وخضع لعملية ترميم رقمية دقيقة للحفاظ على قيمته التاريخية». وأشادت بدور المهرجان في حماية التراث السينمائي.

ملصق عرض الفيلمين المُرمَّمين لأم كلثوم بالمهرجان (مهرجان البحر الأحمر)

وجاء عرض «عايدة» العام الحالي متزامناً أيضاً مع مرور 83 عاماً على عرضه الأول في 28 ديسمبر (كانون الأول) عام 1942 في سينما «استوديو مصر» بالقاهرة، وهو من إنتاج الاستوديو نفسه. ويشارك في بطولته، إلى جانب أم كلثوم، كل من المطرب إبراهيم حمودة، وسليمان نجيب، وعباس فارس، وماري منيب، وعبد الوارث عسر الذي كتب السيناريو بمشاركة فتحي نشاطي وعباس يونس.

يقدّم الفيلم مزيجاً آسراً من الرومانسية والقضايا الاجتماعية والتألق الموسيقي، وتتمحور قصته حول «عايدة» الطالبة في مرحلة «البكالوريا» (أم كلثوم) التي تتمتع بموهبة غنائية منذ طفولتها. وبعد وفاة والدها المزارع البسيط، تدعوها أسرة الباشا الذي كان والدها يعمل لديه للإقامة في القصر كي لا تبقى وحيدة. تلتحق عايدة بمعهد الموسيقى الداخلي للبنات، فيتعلق بها سامي نجل الباشا الذي يهوى الموسيقى أيضاً رغم رفض والده، كما يرفض زواجه منها؛ بسبب الفوارق الطبقية. لكن موقفه يتغيَّر بعد حضوره عرضاً موسيقياً تقدمه عايدة، لينتصر الحب في النهاية على تلك الفوارق.

وكعادة الأفلام التي تعكس روح زمنها، يُظهِر الفيلم شوارع القاهرة الهادئة في أربعينات القرن الماضي، وموديلات السيارات، والتقاليد الاجتماعية، والأزياء الكلاسيكية، إضافة إلى أغنيات الحب التي جمعت أم كلثوم بإبراهيم حمودة، مع إبراز تطور شخصية أم كلثوم وأدائها الغنائي.

وشهد الفيلم حضوراً لافتاً من جمهور المهرجان والجمهور السعودي، رغم ازدحام جدول العروض بأفلام عالمية وعربية حديثة الإنتاج. ويُفسر أنطوان خليفة، مدير البرامج العربية وكلاسيكيات الأفلام في المهرجان، هذا الإقبال بقوله: «هذه أفلام لم تُعرَض سابقاً في صالات كبيرة، ولم يشاهدها أغلب الجمهور السعودي من قبل، كما أنها تُقدَّم بتقنيات حديثة». وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن عرض الفيلمين «لن يقتصر على المهرجان، بل سيستمر خلال احتفاليات عدّة تقام على مدار العام في مدن سعودية مختلفة»، موضحاً أن «المهرجان لا يشتري حقوق عرض هذه الأفلام، بل يحصل من الجهات المالكة على موافقتها لعرضها في المهرجان والاحتفاليات».

ويؤكد خليفة أن المهرجان، منذ دورته الأولى، يولي اهتماماً خاصاً بترميم الأفلام المصرية، حيث بلغ عدد ما رُمِّم حتى اليوم 22 فيلماً على مدى 5 سنوات.

ملصق فيلم «نشيد الأمل» (مهرجان البحر الأحمر)

ويشير إلى أن اختيار الأفلام المُرمَّمة يرتبط غالباً بمناسبات محددة، موضحاً: «أفلام يوسف شاهين رُمِّمت جميعها في فرنسا، لكننا اكتشفنا أن فيلم (الاختيار) لم يُرمَّم، فقمنا بذلك. كما ارتبط الترميم بتكريم شخصيات مصرية مثل الفنانة منى زكي في الدورة الماضية، حيث طلبت عرض فيلم (شفيقة ومتولي)، فرمَّمناه، وكذلك فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) في إطار تكريمها. أما فيلم (خلي بالك من زوزو)، فجرى ترميمه بمناسبة مرور 50 عاماً على إنتاجه. واخترنا العام الحالي فيلمَي (نشيد الأمل) و(عايدة) في ذكرى مرور نصف قرن على رحيل أم كلثوم».

ويقدم برنامج «كنوز البحر الأحمر» في دورته الـ5 عروضاً مميزة لعدد من كلاسيكيات السينما العالمية، بينها 3 أفلام قصيرة صامتة: «المهاجر» لشارلي شابلن، و«ليبرتي» للوريل وهاردي، و«أسبوع واحد» لباستر كيتون، مع عزف موسيقي حي يقدمه المؤلف البريطاني نيل براند المتخصص في الموسيقى التصويرية. كما يتضمَّن البرنامج عرض فيلم الإثارة «مسحور» لألفريد هيتشكوك، وفيلم «الأزرق الكبير» الملحمي للمخرج لوك بيسون.