السيطرة على إدلب... حرب استنزاف بطيئة للأسد

تؤوي المحافظة ثلاثة ملايين نسمة نصفهم نازحون من مناطق أخرى

«الخوذ البيضاء» للدفاع المدني قرب موقع استهدفه الطيران الحربي في أريحا بريف إدلب (أ.ف.ب)
«الخوذ البيضاء» للدفاع المدني قرب موقع استهدفه الطيران الحربي في أريحا بريف إدلب (أ.ف.ب)
TT

السيطرة على إدلب... حرب استنزاف بطيئة للأسد

«الخوذ البيضاء» للدفاع المدني قرب موقع استهدفه الطيران الحربي في أريحا بريف إدلب (أ.ف.ب)
«الخوذ البيضاء» للدفاع المدني قرب موقع استهدفه الطيران الحربي في أريحا بريف إدلب (أ.ف.ب)

أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل تسعة مدنيين، أمس الأحد، جراء غارات جوية نفذتها طائرات حربية روسية وسورية على ريفي إدلب وحماة.
وتدكّ طائرات النظام السوري وحليفته روسيا منذ ثلاثة أشهر مناطق في شمال غربي سوريا، مستهدفة المنشآت الطبية والمدارس والأسواق، في تصعيد يعكس وفق محللين، إصرار دمشق على استعادة السيطرة على هذه المنطقة التي تشكل آخر معقل لمعارضيها.
ويصف معارضون هذا التصعيد بـ«الإبادة»، بينما نددت المفوضية العليا لحقوق الإنسان الجمعة بـ«اللامبالاة الدولية» مع استمرار القصف الذي أجبر أكثر من 400 ألف شخص على الفرار إلى مناطق أكثر أماناً. وتتعرض محافظة إدلب ومحيطها لقصف سوري وروسي منذ نهاية أبريل (نيسان)، رغم أن المنطقة مشمولة باتفاق روسي تركي منذ سبتمبر (أيلول)، نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح ونجح في إرساء الهدوء لنحو خمسة أشهر، إلا أن تنفيذه لم يُستكمل.
ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات، ومقره إسطنبول، نوار أوليفر لوكالة الصحافة الفرنسية: «الاستنزاف الحاصل مخيف عبر الاستهداف المباشر للمدنيين والأسواق والمنشآت الصحية والبنى التحتية». ويهدف ذلك بالدرجة الأولى وفق أوليفر إلى «الضغط على الفصائل وحاضنتها الشعبية، بعدما باتت المنطقة تضم كل السوريين المعارضين وعائلات مقاتلي الفصائل». ومن شأن التصعيد الجوي وفق أوليفر، أن «يخدم أي عمل بري في المستقبل»، ذلك أن الاتفاق الروسي التركي «أدى إلى تأجيل أو وقف الهجوم البري للنظام بشكل مؤقت» على المنطقة.
وتعدّ إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتنتشر فيها فصائل إسلامية أقل نفوذاً، أبرز المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق. وتؤوي مع أجزاء من محافظات مجاورة نحو ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم نازحون من مناطق أخرى، وبينهم عشرات آلاف المقاتلين والمدنيين الذين رفضوا البقاء في مناطقهم وإبرام اتفاقات تسوية مع دمشق. ومنذ نهاية أبريل، أحصت الأمم المتحدة 39 هجوماً ضد منشآت صحية وطواقم طبية. وتضررت خمسون مدرسة على الأقل جراء القصف. وقالت رئيسة المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ميشال باشليه في بيان الجمعة إن «هذه الممتلكات مدنية، ويبدو من المستبعد جداً أن تكون قد ضربت عرضاً نظراً إلى النمط المستمر لمثل هذه الهجمات». وذكّرت بأن «الهجمات المتعمدة ضد المدنيين هي جريمة حرب».
ويقول الباحث المتخصص في الشأن السوري سامويل راماني للوكالة، إنّ روسيا «تضغط اليوم أكثر من أي وقت مضى وبشكل متسق من أجل إعادة دمج سوريا بالكامل تحت حكم الأسد». ورغم ضراوة القتال في ريف حماة الشمالي الذي يعدّ البوابة الجنوبية لمحافظة إدلب، إلا أن قوات النظام لم تحقق أي تقدم استراتيجي نحو عمق إدلب. ومع استمرار المعارك والغارات، باتت مدن وقرى كثيرة في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي المجاور خالية من سكانها.
ويردّ محللون هذا الفشل إلى الدعم العسكري الذي تقدّمه تركيا للفصائل في شمال غربي سوريا، حيث تنشر العديد من قواتها على نقاط مراقبة، بموجب الاتفاق مع روسيا. وتريد روسيا من تركيا أن «تكفّ عن تقديم المساعدة العسكرية للفصائل» باعتبار أنها «تعيق تقدم الأسد»، وفق راماني. كما تخشى أن يساعدها هذا الدعم على «تحدي سلطة الأسد» بشكل أكبر إذا ما بقي عالقاً في إدلب. في المقابل، يبدو من الواضح بحسب رأماني أن «أنقرة تدعم الفصائل بحماسة أكبر مما كانت عليه منذ وقت طويل». وتخشى تركيا أن يؤدي أي هجوم فعلي لقوات النظام على إدلب، إلى نزوح المزيد من السوريين باتجاه أراضيها، بعدما تكدست آلاف العائلات في مخيمات وحقول قرب حدودها إثر التصعيد الأخير.
ومن المرجّح أن يطغى التصعيد في إدلب على جدول جولة جديدة من محادثات آستانا تعقد هذا الأسبوع في كازاخستان بحضور ممثلين عن طرفي النزاع، إلى جانب تركيا وروسيا وإيران. ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيرأس لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «تدمير البنية التحتية المدنية في إدلب يجعل السكان أكثر اعتماداً على الدعم التركي». وفي حين لا يبدو واضحاً ما إذا كانت تركيا، الحليفة الأخيرة عملياً للمعارضة، مستعدة للمساومة على المدى القريب في سوريا، يرى هيراس، أنه «يمكن لموسكو التعايش مع النفوذ التركي المتصاعد في إدلب، على المدى القصير، لكن دمشق تريد تركيا خارج سوريا الآن». إلا أن استعادة قوات النظام السوري السيطرة على إدلب لن تكون عملية سهلة. ويقول راماني «السيطرة على إدلب ستكون حرب استنزاف بطيئة للأسد».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».