أضواء على جذور التطرف البوذي

بعد موجة إبادة جماعية بحق مسلمي الروهينغا

رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
TT

أضواء على جذور التطرف البوذي

رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)

غالباً ما يجري تصوير البوذية لمختلف أرجاء العالم باعتبارها معتقدا مسالما، ومع ذلك شهدت السنوات القليلة الماضية ظهور وانتشار نزعات قومية بوذية مسلحة عبر آسيا. على خلاف الحال داخل الهند التي شهدت مولدها، تدين غالبية السكان بالبوذية في سريلانكا وتايلاند وميانمار.
ويشكل بوذيون في سريلانكا وتايلاند وميانمار الغالبية العظمى من السكان على النحو التالي: 70 في المائة في سريلانكا و88 في المائة في ميانمار و93 في المائة في تايلاند. من بين الدول الأخرى التي يشكل البوذيون نسبة معتبرة بين سكانها، اليابان وكمبوديا وبهوتان ولاوس وفيتنام.
تأتي سريلانكا وميانمار في مقدمة الدول التي تشهد صعوداً خطيراً لحركة قومية بوذية راديكالية. وتكشف حوادث وقعت في الفترة الأخيرة هاجم خلالها رهبان بوذيون مجموعات من المسلمين بوحشية في أعقاب تفجيرات عيد الفصح في سريلانكا واستمرار الإبادة الجماعية بحق مسلمي الروهينغا في ميانمار بوضوح، جانبا مثيراً للقلق لهذه الديانة «التي تنبذ العنف» في كلا البلدين، تعتبر البوذية التيرافادية المذهب الأكثر هيمنة، ويركز بشدة على أول التعاليم المسجلة لبوذا. وتعتبر التيرافادية أقدم مدرسة على وجه الأرض للتعاليم البوذية.
واللافت أنه داخل تايلاند، يتمتع الرهبان البوذيون بنفوذ كبير وتتسم توجهاتهم العرقية المتحاملة بثقل كبير لدى الرأي العام والسلطات الرسمية على نحو يفوق الحال مع نظرائهم في ميانمار وسريلانكا.
وظهرت بعض المؤشرات على اشتعال توترات، مثلما حدث في جنوب البلاد الذي تسكنه غالبية من الملايا يدينون بالإسلام، حيث أسفرت حركة تمرد وحشية عن مقتل أكثر من 7.000 مدني خلال العقد الماضي.

- سريلانكا
جذر البوذية داخل هذا البلد ربما تكون أقوى منها في دول أخرى، وتعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد عندما دخلت البوذية سريلانكا على يد ماهينديرا، نجل الإمبراطور أشوكا، الذي حاكم منطقة جنوب آسيا كلها، بما في ذلك أفغانستان.
داخل سريلانكا، تهيمن البوذية على الخطاب السياسي والثقافي، حيث يسمح للرهبان بالترشح لمناصب سياسية وتكوين أحزاب سياسية.
وتنص مادة في دستور سريلانكا بوضوح على منح «المكانة الكبرى» للبوذية، وتحمل الدولة مسؤولية «حماية وتعزيز حكم بوذا». كما يوجد في سريلانكا وزارة مختصة بشؤون الرهبان البوذيين.
يبلغ عدد سكان سريلانكا 22 مليون نسمة، وينتمي ثلاثة أرباعهم تقريباً إلى عرق السنهاليين، والذين تدين غالبيتهم بالبوذية. وينتمي نحو سدس أبناء سريلانكا إلى عرق التاميل - سواء من أصول سريلانكية أو هندية - ويدينون في معظمهم بالهندوسية، بينما يعتنق نحو 10 في المائة من السكان الإسلام، و7 في المائة يعتنقون المسيحية، وهي مجموعة تضم تاميل وسنهاليين.
وتبعاً لما ذكره الصحافي فيشال أروروا، فإنه: «داخل سريلانكا، بدأت صحوة القومية البوذية بعد نهاية المرحلة الأخيرة من الحرب التي شنتها القوات المسلحة ضد جماعة (نمور التاميل التي كانت تسعى لبناء وطن منفصل للتاميل عام 2009)، وأدى هذا الانتصار إلى إمعان النظر في هوية البلاد، وسمح للنظام بالترويج لقومية عرقية - دينية لاكتساب شرعية لأفعال تتناقض مع الديمقراطية والقانون الدولي. وجرى تصوير الحرب باعتبارها نصراً للبوذية».
وعلى مر السنوات، ترسخت جذور التطرف البوذي مع تكوين الجماعة البوذية المتطرفة الأنشط على مستوى سريلانكا «بودو بالا سينا» (قوة القوة البوذية - بي بي إس). ودخلت «بي بي إس» المعترك السياسي عام 2012 حاملة معها آيديولوجية وأجندة بوذية قومية، وادعى قيادات الجماعة أن أبناء سريلانكا فقدوا بوصلتهم الأخلاقية وتحولوا بعيداً عن البوذية. ومن يلقون عليه باللوم على ذلك؟ مسلمو سريلانكا.
واضطلع الأمين العام لـ«بي بي إس»، غالاغودا أثثي غناناسارا ثيرو، بدور خطير في تأجيج وإطالة أمد الكراهية ضد المسلمين في سريلانكا، وشن حملات ضد ارتداء النساء البرقع وحصول متاجر على شهادات الطعام الحلال.
واتخذ الرئيس مايتريبالا سيريسينا خطوة غير مسبوقة بالعفو عن وإطلاق سراح الراهب البوذي المتعصب المعادي للمسلمين، ثيرو، بعد أن كان يقضي عقوبة السجن ست سنوات لإدانته بإهانة هيئة محكمة. وجاء العفو عنه بعد أسبوع من مهاجمة حشود منازل ومتاجر تخص مسلمين ومساجد في هجمات انتقامية واضحة عن تفجيرات عيد الفصح. وقضى الراهب تسعة أشهر فقط في السجن.
وبعد إطلاق سراحه، طالب ثيرو بإسقاط النظام الحالي وتشكيل «برلمان سنهالي» بدلاً منه.
وقال نشطاء حقوقيون إن إطلاق سراح الراهب المتطرف بعث برسالة مفادها أن الغالبية البوذية بمقدورها التحريض على الكراهية ضد الأقليات. ورأى بعض المحللين في قرار العفو محاولة من جانب الرئيس لاستمالة البوذيين السنهاليين الذين يشكلون 70 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 22 مليون نسمة، قبل عام الانتخابات.
وفي مؤشر حديث آخر على الهيمنة البوذية على المشهد السياسي السريلانكي، دخل راهب بوذي نافذ يدعى أثوراليي راثانا، يعمل عضواً بالبرلمان ومستشاراً للرئيس، في إضراب عن الطعام أسفر عن استقالة جميع الوزراء المسلمين التسعة في الحكومة السريلانكية.
وعلى امتداد سنوات، دخل سياسيون سريلانكيون فيما بينهم في تنافس فج لاستغلال المشاعر الشعبوية والطائفية في خدمة أهدافهم الحزبية بالاعتماد على رهبان بوذيين.
في هذا الصدد، علق الصحافي لاكشمي سوبرامانيا الذي يكتب في مجلة «مغازاين إنديا»، بالإشارة إلى أنه: «بالنظر إلى أنه من المقرر عقد انتخابات رئاسية في ديسمبر (كانون الأول)، وتتبعها انتخابات برلمانية وإقليمية، تعمد الحركة الأصولية البوذية على التأكيد على نفوذها باعتبارها صاحبة الكلمة الأولى في سريلانكا».

- ميانمار
أسفرت الحركة الوطنية البوذية المتطرفة هنا إلى إبادة جماعية واسعة بحق مسلمي الروهينغا، الذين هاجر أسلافهم إلى البلاد قادمين من بنغلاديش. وأسفرت حملات الإبادة عن مقتل المئات على أيدي بوذيين من عرق الراخين. وما يزال أكثر من 300.000 من مسلمي الروهينغا مشردين في الداخل، بينما فر كثيرون إلى خارج البلاد.
يذكر أنه منذ حصولها على استقلالها السياسي عام 2011، شهدت الأوضاع داخل ميانمار اضطراباً بسبب صعود حركة قومية بوذية متطرفة وانتشار الخطابات المعادية للمسلمين ووقوع أعمال عنف طائفية، ليس داخل ولاية الراخين فحسب، وإنما بمختلف أرجاء البلاد.
وعمدت العصبة العسكرية التي هيمنت على الحكم بالبلاد طوال قرابة خمسة عقود، إلى تعزيز فكرة أن البوذيين البرماويين «أعلى» ممن سواهم. ومن المعروف أن المؤسسة العسكرية تتكون بصورة أساسية من بوذيين برماويين.
ومع أن المسلمين يشكلون 4 في المائة فقط من إجمالي سكان ميانمار، يشعر متطرفون بوذيون بقلق من أن يهيمن المسلمون على البلاد.
عام 2001، أطلق الراهبان المتطرفان أشين ويراثو وأشين ويمالا حركة «969» المعادية للمسلمين. وما تزال هذه الحركة، بجانب «ما با تا» (الاتحاد الوطني لميانمار)، تتمتع بنفوذ كبير في أوساط البوذيين في ميانمار. ويوزع أفراد الحركة كتيبات وخطبا مسجلة على شرائط كاسيت تحذر من خطر الإسلام. ويعمل أعضاء الحركة على تأجيج الخوف من المسلمين، الأمر الذي يدفع بدوره بوذيين بورميين نحو العنف. عام 2015، مارس الكيانان البوذيان ضغوطاً كبيرة لتمرير تشريع موال للبوذيين.
جدير بالذكر أن ويراثو صدر ضده حكم بالسجن 25 عاماً لإدانته بالتحريض على أعمال عنف دموية داخل مسقط رأسه في مدينة كيوكسي.
إلا أنه أطلق سراحه في يناير (كانون الثاني) 2012 من السجن في إطار عفو عام من جانب الرئيس آنذاك، ثين سين، بعد قضائه سبع سنوات بالسجن. جدير بالذكر أن ويراثو يطلق على نفسه «بن لادن بورما». وجدير بالذكر أن ميانمار في ظل الحكم البريطاني كانت تعرف باسم بورما.
من ناحية أخرى، يحمل بعض المراقبين الماضي الاستعماري في هذه الدول مسؤولية القلاقل الدينية الحالية.
والسؤال الآن: هل ثمة تهديد يواجه البوذية حقاً؟
الحقيقة أن البوذيين يشكلون الفئة المهيمنة على السكان في هذه الدول، ما يثير علامات استفهام حول شعورهم بالتهديد من جانب أقليات، خاصة المسلمين. ورغم وجود تفسيرات عرقية واجتماعية واقتصادية لظهور مثل هذه الحركات البوذية المسلحة، فإنه من وجهة نظر الرهبان المسلحين أنفسهم يدور الأمر برمته حول الدين.
في كتاب مثير وقيم بعنوان «إذا التقيت بوذا على الطريق: البوذية والسياسات والعنف»، خلص المؤلف مايكل جيريسون إلى أن النصوص والأساطير والتقاليد البوذية تبرر وتروج لصور معينة من العنف، والتي عادة ما يجري تبريرها باعتبارها دفاعا عن الإيمان. وبذلك يتضح أن البوذية لا تختلف عن أي تقاليد دينية أخرى.
علاوة على ذلك، ثمة اعتقاد سائد في البوذية التيرافادية منذ ألف عام بأن الدين سيتراجع حتماً ويندثر.

- تايلاند
داخل تايلاند ذات الأغلبية البوذية، ثمة توترات قائمة بين المسلمين المنتمين للملايا والبوذيين في جنوب البلاد منذ عام 2004. وأسفرت أعمال العنف بين الجانبين عن مصرع 6.000 شخص على الأقل.
ومن المعتقد أن البوذية التايلاندية أصبحت مسيسة واكتسبت صبغة قومية خاصة في أعقاب وفاة بوداداسا، الفيلسوف البوذي البارز عام 1993، وقد اشتهر خليفته، برايود بايوتو بميوله اليمينية.
من جهتها، شددت المعلمة البوذية أشاراوادي ونغساكون، والتي أنشأت «مؤسسة معرفة بوذا» عام 2012، إلى أن البوذية تحتاج إلى حمايات قانونية ويجب أن يلتزم المجتمع بعدد من الأوامر والنواهي تبعاً لها.
ورغم أن المؤسسة الخاصة بها ليست متطرفة، فإنها تتبع على الأقل أجندة أصولية. ومع هذا، تبدو متوافقة تماماً مع باقي عناصر المشهد العام في تايلاند. يذكر أنه في يونيو (حزيران) 2012، تقدمت «مؤسسة معرفة بوذا» بطلب إلى المكتب الوطني للبوذية بإقرار قانون تجريم الإساءة للمقدسات البوذية، حيث تجري بمقتضاه معاقبة كل من يسيء إلى البوذية. كما تسعى المؤسسة لإعلان البوذية الدين الرسمي للدولة.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».