أضواء على جذور التطرف البوذي

بعد موجة إبادة جماعية بحق مسلمي الروهينغا

رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
TT

أضواء على جذور التطرف البوذي

رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)
رهبان بوذيون يشنون مظاهرات احتجاج في أعقاب تفجيرات عيد الفصح بسريلانكا (الشرق الأوسط)

غالباً ما يجري تصوير البوذية لمختلف أرجاء العالم باعتبارها معتقدا مسالما، ومع ذلك شهدت السنوات القليلة الماضية ظهور وانتشار نزعات قومية بوذية مسلحة عبر آسيا. على خلاف الحال داخل الهند التي شهدت مولدها، تدين غالبية السكان بالبوذية في سريلانكا وتايلاند وميانمار.
ويشكل بوذيون في سريلانكا وتايلاند وميانمار الغالبية العظمى من السكان على النحو التالي: 70 في المائة في سريلانكا و88 في المائة في ميانمار و93 في المائة في تايلاند. من بين الدول الأخرى التي يشكل البوذيون نسبة معتبرة بين سكانها، اليابان وكمبوديا وبهوتان ولاوس وفيتنام.
تأتي سريلانكا وميانمار في مقدمة الدول التي تشهد صعوداً خطيراً لحركة قومية بوذية راديكالية. وتكشف حوادث وقعت في الفترة الأخيرة هاجم خلالها رهبان بوذيون مجموعات من المسلمين بوحشية في أعقاب تفجيرات عيد الفصح في سريلانكا واستمرار الإبادة الجماعية بحق مسلمي الروهينغا في ميانمار بوضوح، جانبا مثيراً للقلق لهذه الديانة «التي تنبذ العنف» في كلا البلدين، تعتبر البوذية التيرافادية المذهب الأكثر هيمنة، ويركز بشدة على أول التعاليم المسجلة لبوذا. وتعتبر التيرافادية أقدم مدرسة على وجه الأرض للتعاليم البوذية.
واللافت أنه داخل تايلاند، يتمتع الرهبان البوذيون بنفوذ كبير وتتسم توجهاتهم العرقية المتحاملة بثقل كبير لدى الرأي العام والسلطات الرسمية على نحو يفوق الحال مع نظرائهم في ميانمار وسريلانكا.
وظهرت بعض المؤشرات على اشتعال توترات، مثلما حدث في جنوب البلاد الذي تسكنه غالبية من الملايا يدينون بالإسلام، حيث أسفرت حركة تمرد وحشية عن مقتل أكثر من 7.000 مدني خلال العقد الماضي.

- سريلانكا
جذر البوذية داخل هذا البلد ربما تكون أقوى منها في دول أخرى، وتعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد عندما دخلت البوذية سريلانكا على يد ماهينديرا، نجل الإمبراطور أشوكا، الذي حاكم منطقة جنوب آسيا كلها، بما في ذلك أفغانستان.
داخل سريلانكا، تهيمن البوذية على الخطاب السياسي والثقافي، حيث يسمح للرهبان بالترشح لمناصب سياسية وتكوين أحزاب سياسية.
وتنص مادة في دستور سريلانكا بوضوح على منح «المكانة الكبرى» للبوذية، وتحمل الدولة مسؤولية «حماية وتعزيز حكم بوذا». كما يوجد في سريلانكا وزارة مختصة بشؤون الرهبان البوذيين.
يبلغ عدد سكان سريلانكا 22 مليون نسمة، وينتمي ثلاثة أرباعهم تقريباً إلى عرق السنهاليين، والذين تدين غالبيتهم بالبوذية. وينتمي نحو سدس أبناء سريلانكا إلى عرق التاميل - سواء من أصول سريلانكية أو هندية - ويدينون في معظمهم بالهندوسية، بينما يعتنق نحو 10 في المائة من السكان الإسلام، و7 في المائة يعتنقون المسيحية، وهي مجموعة تضم تاميل وسنهاليين.
وتبعاً لما ذكره الصحافي فيشال أروروا، فإنه: «داخل سريلانكا، بدأت صحوة القومية البوذية بعد نهاية المرحلة الأخيرة من الحرب التي شنتها القوات المسلحة ضد جماعة (نمور التاميل التي كانت تسعى لبناء وطن منفصل للتاميل عام 2009)، وأدى هذا الانتصار إلى إمعان النظر في هوية البلاد، وسمح للنظام بالترويج لقومية عرقية - دينية لاكتساب شرعية لأفعال تتناقض مع الديمقراطية والقانون الدولي. وجرى تصوير الحرب باعتبارها نصراً للبوذية».
وعلى مر السنوات، ترسخت جذور التطرف البوذي مع تكوين الجماعة البوذية المتطرفة الأنشط على مستوى سريلانكا «بودو بالا سينا» (قوة القوة البوذية - بي بي إس). ودخلت «بي بي إس» المعترك السياسي عام 2012 حاملة معها آيديولوجية وأجندة بوذية قومية، وادعى قيادات الجماعة أن أبناء سريلانكا فقدوا بوصلتهم الأخلاقية وتحولوا بعيداً عن البوذية. ومن يلقون عليه باللوم على ذلك؟ مسلمو سريلانكا.
واضطلع الأمين العام لـ«بي بي إس»، غالاغودا أثثي غناناسارا ثيرو، بدور خطير في تأجيج وإطالة أمد الكراهية ضد المسلمين في سريلانكا، وشن حملات ضد ارتداء النساء البرقع وحصول متاجر على شهادات الطعام الحلال.
واتخذ الرئيس مايتريبالا سيريسينا خطوة غير مسبوقة بالعفو عن وإطلاق سراح الراهب البوذي المتعصب المعادي للمسلمين، ثيرو، بعد أن كان يقضي عقوبة السجن ست سنوات لإدانته بإهانة هيئة محكمة. وجاء العفو عنه بعد أسبوع من مهاجمة حشود منازل ومتاجر تخص مسلمين ومساجد في هجمات انتقامية واضحة عن تفجيرات عيد الفصح. وقضى الراهب تسعة أشهر فقط في السجن.
وبعد إطلاق سراحه، طالب ثيرو بإسقاط النظام الحالي وتشكيل «برلمان سنهالي» بدلاً منه.
وقال نشطاء حقوقيون إن إطلاق سراح الراهب المتطرف بعث برسالة مفادها أن الغالبية البوذية بمقدورها التحريض على الكراهية ضد الأقليات. ورأى بعض المحللين في قرار العفو محاولة من جانب الرئيس لاستمالة البوذيين السنهاليين الذين يشكلون 70 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 22 مليون نسمة، قبل عام الانتخابات.
وفي مؤشر حديث آخر على الهيمنة البوذية على المشهد السياسي السريلانكي، دخل راهب بوذي نافذ يدعى أثوراليي راثانا، يعمل عضواً بالبرلمان ومستشاراً للرئيس، في إضراب عن الطعام أسفر عن استقالة جميع الوزراء المسلمين التسعة في الحكومة السريلانكية.
وعلى امتداد سنوات، دخل سياسيون سريلانكيون فيما بينهم في تنافس فج لاستغلال المشاعر الشعبوية والطائفية في خدمة أهدافهم الحزبية بالاعتماد على رهبان بوذيين.
في هذا الصدد، علق الصحافي لاكشمي سوبرامانيا الذي يكتب في مجلة «مغازاين إنديا»، بالإشارة إلى أنه: «بالنظر إلى أنه من المقرر عقد انتخابات رئاسية في ديسمبر (كانون الأول)، وتتبعها انتخابات برلمانية وإقليمية، تعمد الحركة الأصولية البوذية على التأكيد على نفوذها باعتبارها صاحبة الكلمة الأولى في سريلانكا».

- ميانمار
أسفرت الحركة الوطنية البوذية المتطرفة هنا إلى إبادة جماعية واسعة بحق مسلمي الروهينغا، الذين هاجر أسلافهم إلى البلاد قادمين من بنغلاديش. وأسفرت حملات الإبادة عن مقتل المئات على أيدي بوذيين من عرق الراخين. وما يزال أكثر من 300.000 من مسلمي الروهينغا مشردين في الداخل، بينما فر كثيرون إلى خارج البلاد.
يذكر أنه منذ حصولها على استقلالها السياسي عام 2011، شهدت الأوضاع داخل ميانمار اضطراباً بسبب صعود حركة قومية بوذية متطرفة وانتشار الخطابات المعادية للمسلمين ووقوع أعمال عنف طائفية، ليس داخل ولاية الراخين فحسب، وإنما بمختلف أرجاء البلاد.
وعمدت العصبة العسكرية التي هيمنت على الحكم بالبلاد طوال قرابة خمسة عقود، إلى تعزيز فكرة أن البوذيين البرماويين «أعلى» ممن سواهم. ومن المعروف أن المؤسسة العسكرية تتكون بصورة أساسية من بوذيين برماويين.
ومع أن المسلمين يشكلون 4 في المائة فقط من إجمالي سكان ميانمار، يشعر متطرفون بوذيون بقلق من أن يهيمن المسلمون على البلاد.
عام 2001، أطلق الراهبان المتطرفان أشين ويراثو وأشين ويمالا حركة «969» المعادية للمسلمين. وما تزال هذه الحركة، بجانب «ما با تا» (الاتحاد الوطني لميانمار)، تتمتع بنفوذ كبير في أوساط البوذيين في ميانمار. ويوزع أفراد الحركة كتيبات وخطبا مسجلة على شرائط كاسيت تحذر من خطر الإسلام. ويعمل أعضاء الحركة على تأجيج الخوف من المسلمين، الأمر الذي يدفع بدوره بوذيين بورميين نحو العنف. عام 2015، مارس الكيانان البوذيان ضغوطاً كبيرة لتمرير تشريع موال للبوذيين.
جدير بالذكر أن ويراثو صدر ضده حكم بالسجن 25 عاماً لإدانته بالتحريض على أعمال عنف دموية داخل مسقط رأسه في مدينة كيوكسي.
إلا أنه أطلق سراحه في يناير (كانون الثاني) 2012 من السجن في إطار عفو عام من جانب الرئيس آنذاك، ثين سين، بعد قضائه سبع سنوات بالسجن. جدير بالذكر أن ويراثو يطلق على نفسه «بن لادن بورما». وجدير بالذكر أن ميانمار في ظل الحكم البريطاني كانت تعرف باسم بورما.
من ناحية أخرى، يحمل بعض المراقبين الماضي الاستعماري في هذه الدول مسؤولية القلاقل الدينية الحالية.
والسؤال الآن: هل ثمة تهديد يواجه البوذية حقاً؟
الحقيقة أن البوذيين يشكلون الفئة المهيمنة على السكان في هذه الدول، ما يثير علامات استفهام حول شعورهم بالتهديد من جانب أقليات، خاصة المسلمين. ورغم وجود تفسيرات عرقية واجتماعية واقتصادية لظهور مثل هذه الحركات البوذية المسلحة، فإنه من وجهة نظر الرهبان المسلحين أنفسهم يدور الأمر برمته حول الدين.
في كتاب مثير وقيم بعنوان «إذا التقيت بوذا على الطريق: البوذية والسياسات والعنف»، خلص المؤلف مايكل جيريسون إلى أن النصوص والأساطير والتقاليد البوذية تبرر وتروج لصور معينة من العنف، والتي عادة ما يجري تبريرها باعتبارها دفاعا عن الإيمان. وبذلك يتضح أن البوذية لا تختلف عن أي تقاليد دينية أخرى.
علاوة على ذلك، ثمة اعتقاد سائد في البوذية التيرافادية منذ ألف عام بأن الدين سيتراجع حتماً ويندثر.

- تايلاند
داخل تايلاند ذات الأغلبية البوذية، ثمة توترات قائمة بين المسلمين المنتمين للملايا والبوذيين في جنوب البلاد منذ عام 2004. وأسفرت أعمال العنف بين الجانبين عن مصرع 6.000 شخص على الأقل.
ومن المعتقد أن البوذية التايلاندية أصبحت مسيسة واكتسبت صبغة قومية خاصة في أعقاب وفاة بوداداسا، الفيلسوف البوذي البارز عام 1993، وقد اشتهر خليفته، برايود بايوتو بميوله اليمينية.
من جهتها، شددت المعلمة البوذية أشاراوادي ونغساكون، والتي أنشأت «مؤسسة معرفة بوذا» عام 2012، إلى أن البوذية تحتاج إلى حمايات قانونية ويجب أن يلتزم المجتمع بعدد من الأوامر والنواهي تبعاً لها.
ورغم أن المؤسسة الخاصة بها ليست متطرفة، فإنها تتبع على الأقل أجندة أصولية. ومع هذا، تبدو متوافقة تماماً مع باقي عناصر المشهد العام في تايلاند. يذكر أنه في يونيو (حزيران) 2012، تقدمت «مؤسسة معرفة بوذا» بطلب إلى المكتب الوطني للبوذية بإقرار قانون تجريم الإساءة للمقدسات البوذية، حيث تجري بمقتضاه معاقبة كل من يسيء إلى البوذية. كما تسعى المؤسسة لإعلان البوذية الدين الرسمي للدولة.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».