للمرة الأولى... تراجع حصة الدولار لأقل من نصف المدفوعات الصينية لروسيا

تراجعت حصة الدولار لأول مرة إلى ما دون 50 في المائة من المدفوعات الصينية عن الصادرات للشركات الروسية، وذلك خلال الربع الأول من العام الجاري، وفق ما تشير بيانات البنك المركزي الروسي حول النشاط الاقتصادي للفترة الماضية من عام 2019. إلا أن حصته في إجمالي المدفوعات عن التجارة الخارجية بين البلدين تبقى المهيمنة. ولم يأت هذا التغير في بنية المدفوعات الصينية لصالح المساعي الروسية والصينية الرامية إلى زيادة الاعتماد على العملات الوطنية والتقليل من مساهمة الدولار، إذ حصل اليورو على الجزء الأكبر من الحصة التي خسرها الدولار، بينما حصل الروبل الروسي واليوان على جزء بسيط جدا من تلك الحصة. بالمقابل حافظ الدولار على حصته المهيمنة في مدفوعات الدول الأخرى عن الصادرات الروسية. كما لم يطرأ أي تحول يُذكر في بنية المدفوعات الروسية عن الصادرات الصينية، ويبقى الدولار صاحب الحصة الأكبر فيها.
وحسب بيانات في تقرير عن «المركزي» الروسي، تراجعت حصة الدولار في مدفوعات الصين عن صادرات السلع والخدمات الروسية خلال الربع الأول من العام الجاري إلى ما دون النصف لأول مرة، حتى 45.7 في المائة، هذا بعد أن كانت حصة الدولار 75.1 في المائة، من إجمالي المدفوعات الصينية عن الصادرات الروسية عام 2018، وبرز تراجع تلك الحصة مع نهاية العام الماضي، حين استخدمت الصين الدولار الأميركي لتسديد 54.5 في المائة من مدفوعاتها عن الصادرات الروسية. ويرجح مراقبون أن هذا التحول جاء نزولاً عند رغبة المصدرين الروس، لا سيما أن معظمهم يمثلون القطاع العام، ويحاولون التقليل من الاعتماد على الدولار، بغية الحد قدر الإمكان من تأثير العقوبات على نشاطهم. ويبدو أن الصين تفهمت تلك الرغبة.
كما سجلت حصة الدولار تراجعا طفيفا في مدفوعات الدول الأخرى عن الصادرات الروسية، حتى 61.7 في المائة من إجمالي المدفوعات في الربع الأول من العام الجاري، مقابل 67.3 في المائة في الربع الأول من العام الماضي. بموازاة ذلك ارتفعت حصة اليورو من 17.3 في المائة في الربع الأول من العام الماضي حتى 21.9 في المائة في الربع الأول من العام الجاري. أما المدفوعات الروسية عن الواردات الصينية، فإن حصة الدولار فيها تبقى حتى الآن نحو 66.5 في المائة.
وبشكل عام لم يكن الهروب من الدولار في المدفوعات لصالح زيادة حصة العملات الوطنية للبلدين، وإنما جاء لصالح اليورو الأوروبي، الذي ارتفعت حصته في مدفوعات الصين عن الصادرات الروسية من 0.7 في المائة في الربع الأول من العام الماضي، حتى 37.6 في المائة في الربع الأول من العام الجاري. أما حصة الروبل فارتفعت خلال المرحلة ذاتها من 6.8 في المائة مطلع عام 2018 حتى 9.6 في المائة مطلع 2019، وزادت حصة العملات الأخرى، وبينها اليوان الصيني من 4.7 في المائة حتى 7.1 في المائة. مع ذلك لم يفقد الدولار صفة العملة الرئيسية المعتمدة بصورة رئيسية في التجارة الخارجية بين البلدين. وقالت صحيفة «آر بي كا» الروسية، بناء على تحليل بيانات «المركزي» وخدمة الجمارك الروسية، إن الدولار لا يزال يهيمن على الحصة الأكبر من مدفوعات التبادل التجاري بين البلدين، ويغطي 55.7 في المائة منها، أو 14.7 مليار دولار من أصل 26.4 مليار.
ويرى مراقبون أن روسيا التي يشكل النفط الخام ومنتجات الطاقة 74.5 في المائة من إجمالي صادراتها إلى الصين، تسعى عبر مطالبة الشركاء باعتماد اليورو في المدفوعات إلى التخلص من «البترودولار»، وتعمل في الوقت ذاته على تنفيذ خطتها الخاصة بـ«فك الارتباط بالدولار»، وتقليص اعتماده في التعاملات التجارية قدر الإمكان، كخطوة استباقية للحد من مخاطر العقوبات الأميركية.
وترى موسكو في الدولار الأميركي أداة تستخدمها واشنطن في عقوباتها، بينما أثارت «الحروب التجارية» استياء الصين ودفعتها للعمل على التقليص من اعتماده. واتخذ الجانبان خطوات عدة في هذا المجال، إلا أنهما لم يوقعا حتى الأن اتفاقا نهائيا. واقتصر الأمر على «اتفاق إطار» حول اعتماد العملات الوطنية عوضا عن الدولار لتسديد مدفوعات المبادلات التجارية بينهما، وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الزعيم الصيني شي جينبينغ، خلال محادثاتهما الأخيرة في موسكو مطلع يونيو (حزيران) الماضي. ويبدو أن عدم توفر البنى التحتية «المالية» الضرورية، يحول حتى الآن دون تعزيز مساهمة الروبل واليوان في التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما أدى بالتالي إلى تعزيز حصة اليورو الأوروبي.