السلمون... رمز الحكمة والوقار

مخزن البروتينات والفيتامينات

السلمون... رمز الحكمة والوقار
TT

السلمون... رمز الحكمة والوقار

السلمون... رمز الحكمة والوقار

السلمون من الأسماك الطيبة والصحية جداً؛ إذ لا يغذي الصيادين والناس فقط، بل كذلك الدببة السوداء التي تعتمد عليه بوصفه عنصراً أساسياً للغذاء. وما تتركه الدببة من حسك وبقايا يعد من المغذيات المهمة جداً للغابات، خصوصاً الغابات الكندية... أي إنه مفيد ومغذٍّ جداً للتربة والأشجار والنباتات. «وبهذا المعنى، فإن سمك السلمون يغذي الغابات، وفي المقابل يحصل على المياه النظيفة والحصى الذي يفقس وينمو فيه، محمياً من أقصى درجات الحرارة وتدفق المياه في أوقات هطول الأمطار العالية والمنخفضة». وطبعاً قد تشوهت هذه الصورة الطبيعية والنقية مع القطع المتواصل والجائر للأشجار وتدمير الغابات والبيئات الطبيعية في العقود الأخيرة، ولهذا تكثر مزارع السلمون في كثير من دول العالم.
تقول «الموسوعة الحرة» في هذا المضمار إن الغالبية العظمى من سمك السلمون الأطلسي المتاح في جميع أنحاء العالم تربى في مزارع خاصة، في حين أن غالبية سمك السلمون في المحيط الهادي الذي يتم صيده بري، وهو المصدر الرئيسي لعلب السلمون في الولايات المتحدة. السلمون ليس نوعاً واحداً؛ بل أنواع كثيرة؛ منها 9 تجارية تأتي من جنسين محددين؛ هما: الأطلسي (شمال الأطلسي) الذي يشمل التروتة أو السلمون المرقط، والهادئ الذي يطلق عليه اسم «أونكورينوس» - Oncorhynchus ويضم 14 فصيلة. وكما هو معروف، فإن أسماك السلمون تنتمي إلى عائلة أسماك التونة نفسها، وتعد «غير طبيعية» لأنها الأسماك الوحيدة التي تعيش في كل من المياه المالحة والعذبة، فهي تولد في المياه العذبة وتقضي عدة أشهر أو سنوات قبل أن تنتقل إلى البحر، وعندما يحين وقت التفريخ تعود إلى المياه العذبة.
بأي حال؛ فإن السلمون بالنسبة للإنسان من أهم الأغذية الشعبية وأطيبها في كثير من مناطق العالم. وعادة ما يصنف على أنه سمك زيتي مدهن، ومن الأسماك الصحية التي ينصح بتناولها لما تحتويه من كمية كبيرة من البروتينات والفيتامينات مقارنة بالأسماك الأخرى، أضف إلى ذلك احتواؤه على أحماض «أوميغا3» الدهنية المرتفعة والمفيدة جداً للذهن ومحاربة الاكتئاب، والحمل والعين والقلب.
بالطبع هناك جدل حول كمية الكولسترول التي يحتوي عليها السلمون، لكن هذه الكمية لا تشكل خطراً مباشراً على الصحة، وتبقى الفوائد الصحية لتناول السلمون أكبر وأهم بكثير من أي ضرر قد يحدثه هذا الكولسترول؛ كما تقول دراسة «مجلة الجمعية الطبية الأميركية» قبل 13 عاماً. وعادة ما يكون سمك المزارع أغنى بكثير من السمك البري من ناحيتي الكولسترول و«أوميغا3».
يعد سمك السلمون جزءاً حيوياً من النظام الغذائي للشعوب الأصلية على ساحل شمال غربي المحيط الهادئ على وجه التحديد، ومنهم سكان هيدا غواي الأصليون قرب «جزيرة الملكة شارلوت» السابقة في كولومبيا البريطانية بكندا. ولأنهم اصطادوه لقرون عدة، فقد أصبح جزءاً من الحياة العامة، ويتم التعبير عنه في الثقافة والأشكال الفنية والأعياد الاحتفالية. والأكثر من هذا أن السكان الأصليين للمناطق الساحلية لشمال الأطلسي كانوا يكنون احتراماً كبيراً للسلمون الذي يتعيشون عليه؛ وكانت لديهم علاقة روحية معه، ووعي وحكمة إيكولوجية مهمة عند استخدام هذا النوع من الأسماك؛ إذ كانوا يستخدمون السمكة بأكملها «ولا يتركون أي هدر، من خلال إنشاء عناصر، مثل تحويل المثانة إلى غراء وعظام للعب الأطفال، والجلد للملابس والأحذية».
يؤكل السلمون معلباً في المياه المالحة والزيت، نيئاً في عالمي الساشيني والسوشي، ومجففاً، ويتم إعداده بطرق عدة؛ بما في ذلك التدخين والشويّ والقلي وصنع الحساء والفطائر، وشتى أنواع الأطباق مع الصلصات الخاصة والسلطات.
تعود أصول اسم «سالمون» - salmon إلى الاسم الإنجليزي «سامون» – Samoun، وجاء من الكلمة الأنغلو - نورمانية «سامون» – Saumon التي تدرجت من الاسم نفسه بالفرنسية القديمة المأخوذ عن اللاتينية «سامو» salmo - - Salmonem، وتدرجت بدورها من كلمة «salire» التي تعني «قفزة». وقد تضيف أداة «ال» لاحقاً لتبدو الكلمة، أو الاسم، أكثر قرباً إلى جذورها اللاتينية. بعض الخبراء يتجاهلون هذه النظرية ويقولون إن الاسم ذو أصول سلتية بحتة. ومن تعريفات الاسم «سامون» في قاموس «وبستر» أنه: «برتقالي مشوب بالوردي، ومختلف عن الأسماك الكبيرة التي تهاجر عادة من الملح إلى المياه العذبة لتفرخ».
يعود تاريخ استغلال سمك السلمون مادةً غذائية رئيسية إلى 5 آلاف سنة، كما تكشف الآثار التي عثر عليها مع بقايا قبائل النسقلي. وتقول سارة سميث تريب، من كلية ويلسلي الأميركية، في هذا المضمار إن عمليات صيد سلمون «الهادي» بدأت قبل 9 آلاف سنة على الأرجح، وإن وسائل الصيد الأولى كانت تشمل الشباك أو شباك الغمس والصيد باليد عند عودة السلمون للأنهار. وتضيف أنه «يمكن التعرف على أهمية هذه الأسماك من خلال وجود لوائح لحماية مخزونات السلمون منذ عام 1030 على الأقل. وقد لوحظ الانخفاض العام في أعداد السلمون لأول مرة عام 1215، عندما أوقفت شباك الأنهار (خاصة نهر التيمس) عودة السلمون إلى مناطق تفريخه الطبيعية».
وتلعب أسماك السلمون دوراً مهماً في أساطير بعض الشعوب أيضاً، ففي الأساطير الاسكندنافية: «بعد أن يخدع لوكي الإله الأعمى هور لقتل شقيقه بالدر، يقفز لوكي في النهر ويحول نفسه إلى سمكة سلمون هرباً من عقاب الآلهة الأخرى. وعندما نصبوا شبكة لاصطياده حاول القفز فوقها، لكن إله العواصف والصواعق والقوة ثور أمسك ذيله بيده»، وهذا هو السبب في أن ذيل السلمون مدبب الشكل. وفي الأساطير الويلزية، يعدّ السلمون في قصة النثر «Culhwch» و«»Olwen، أقدم حيوان في بريطانيا، والمخلوق الوحيد الذي يعرف موقع «مابون مودرون» وأحد محاربي الملك آرثر. وحسب الأسطورة، يأخذ سمك السلمون على ظهره رجال آرثر لمكان «مابون» في سجن غلوستر.
كما أن السلمون جزء مهم من أشعار وأساطير الثقافة السلتية الآيرلندية، وغالباً ما يرتبط اسمه بالحكمة والوقار. فالمخلوق الذي يسمى «سلمون المعرفة» يلعب دوراً رئيسياً في حكاية القرون الوسطى «صبايا أفعال فيون»، والتي يمنح فيها السلمون صلاحيات المعرفة لمن يأكله.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.