مذكرات الحلقة الأخيرة (2): العلاقات الروسية ـ السعودية بين مد وجزر

الملك فيصل خلال زيارته إلى موسكو 1932
الملك فيصل خلال زيارته إلى موسكو 1932
TT

مذكرات الحلقة الأخيرة (2): العلاقات الروسية ـ السعودية بين مد وجزر

الملك فيصل خلال زيارته إلى موسكو 1932
الملك فيصل خلال زيارته إلى موسكو 1932

مرت العلاقات بين روسيا (الاتحاد السوفياتي السابق) والسعودية بمراحل مختلفة على مدى أكثر من تسعين عاماً. في البداية كانت موسكو أول دولة اعترفت بالمملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبد العزيز بن سعود، كما كانت بدورها أول بلاد عربية أقام الاتحاد السوفياتي علاقات دبلوماسية معها.
لقد أبدى الاتحاد السوفياتي تأييده للنهج المستقل للملك، وبذل في عشرينيات القرن الماضي، الجهود الدبلوماسية من أجل تحسين العلاقات مع دولتين مستقلتين آخريين في الشرق الأوسط، أقام معهما علاقات وطيدة، وهما تركيا وإيران. وبدأ تطور التعاون الاقتصادي والتجاري. لكن تحقيق تقدم في هذا المضمار كان مآله الفشل.
فقد كان الاتحاد السوفياتي دولة شيوعية ولم يمكن أن تنجح محاولات الرياض، وضمن ذلك في أثناء زيارة الأمير فيصل إلى موسكو وسانت - بطرسبرغ في عام 1932. لزيادة عدد الحجاج إلى الأماكن المقدسة الإسلامية وإلغاء تأميم الأوقاف. كما لم ترغب موسكو، ولم تستطع، تلبية طلب منح المملكة قرضاً كانت بأمس الحاجة إليه في فترة ما قبل اكتشاف النفط هناك.
ووجهت آخر ضربة إلى العلاقات الطيبة بين البلدين حملة التطهير الستالينية في نهاية الثلاثينيات، وخلالها طال القمع الدبلوماسيين السوفيات العاملين في جدة ومنهم كريم حكيموف ونظير تورياكولوف، وكلاهما كانا يتمتعان باحترام الملك. وفي عام 1938 جمدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لفترة طويلة تربو على نصف قرن، وكانت الدولتان في معسكرين مختلفين في أزمان العالم ذي القطبين.
وفي عهد روسيا الجديدة مضت العلاقات بين موسكو والرياض في درب الصعود. وتطور التعاون في المجال الاقتصادي، وساعد على ذلك لحد كبير كون البلدين من أكبر منتجي ومصدري موارد الطاقة في العالم، وتطور كذلك في المجال السياسي. وأكسب نهضة مهمة في العلاقات الروسية - السعودية تخلي روسيا عن الآيديولوجية الشيوعية وبدء الصحوة الإسلامية في البلاد. مع ذلك واجه تطورها إلى الأمام في بعض الأوقات بعض التحديات: على سبيل المثال في أثناء الأزمة في جمهورية الشيشان أو الطور الحاد من الأزمة السورية.
وفي الفترة الأخيرة، تم تجاوز مراحل الأزمات واكتسب التعاون بين البلدين نوعية جديدة. وكانت من ضمن المراحل الهامة في هذا المضمار قيام الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة المملكة العربية السعودية، وكذلك زيارتا الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا، ووقعت خلالها اتفاقيات مهمة بين البلدين.
وقبل أيام واجه التقارب بين موسكو والرياض تحديات جديدة، ولو أنها ليست دراماتيكية كالسابق. وكما هو معروف وافقت المملكة العربية السعودية على أن ترابط في أراضيها جنوب الرياض مجموعة من العسكريين الأميركيين والتقنيات الحربية الأميركية، الرامية كما تعتقد الولايات المتحدة إلى تقوية الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأثار ذلك رد فعل متعدد الأوجه في موسكو، وذلك ليس لأنها لا تريد تعزيز أمن المملكة، بل إنها تعتبر نشر القوات الأميركية لا يمثل أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف.
وأضحت موسكو في وضع حساس: فمن جهة إنها لا ترغب في توجيه النقد إلى الرياض، لتفهمها قلقها، واحترامها لقرار قيادتها واعتزازها بتطوير التعاون المستمر معها. ومن جهة أخرى، إنها لا يمكن أن تخفي قلقها من أي زيادة للحضور العسكري الأميركي الذي يعتبر عاملاً في زعزعة الاستقرار (لا سيما أن روسيا تقيم التعاون مع إيران، وبالأخص فيما يتعلق بسوريا). لكن التعاون مع المملكة يواصل تطوره ليس في مجال الاقتصاد فقط، وبالأخص في مجال موارد الطاقة، بل وفي المجالين السياسي والإنساني. وفي بداية العقد الأول من الشهر الحالي وصل إلى موسكو الشيخ محمد عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الذي أجرى في 23 يوليو (تموز) للقاء لا نظير له مع البطريرك كيريل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
وفي 23 يوليو قدمت وزارة الخارجية الروسية إلى ممثلي الدول العربية وإيران وتركيا والأعضاء «الخمسة» الدائمين في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وبلدان «بريكس» المعتمدين بموسكو عقيدة الأمن الجماعي في منطقة الخليج.
وأعلنها ميخائيل بوغدانوف الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا نائب وزير الخارجية الروسي. إنها تعتمد على مبادئ المرحلية وتعدد الأطراف والشمولية وأحكام القانون الدولي. وتقترح، ضمناً، من بين التدابير الأخرى، عقد اتفاقيات حول الرقابة على التسلح بين بلدان المنطقة، واستحداث مناطق منزوعة السلاح، وإقامة «خطوط ساخنة» بين الدوائر العسكرية، وكذلك بدء الحوار حول تقليص الحضور العسكري الأجنبي في المنطقة.
ونشير بصورة خاصة إلى أهمية الموضوع الأخير في هذا الشأن. وقد تحدثت روسيا لأول مرة في الواقع وبصوت عالٍ حول ضرورة التخلي عن الوجود الدائم للقوات المسلحة للدول الخارجية في المنطقة، وهو ما كانت حتى الآن تبدي التفهم الصامت بشأنه، كما يبدو، علماً أن المقصود ليس فرض المشروع الروسي على دول الخليج التي تقبل بالحضور العسكري للاعبين الدوليين الكبار من أجل ضمان أمنها، أخذاً بنظر الاعتبار الخبرة المريرة السابقة، بل فقط تحديد البارامترات (المعايير) الرئيسية لمشروعها القديم حول استحداث آلية جماعية لبلدان المنطقة هدفها النهائي تكوين منظمة للأمن والتعاون لبلدان الخليج يمكن أن ينضم إليها مراقبون من روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند وبلدان أخرى.
لماذا أقدمت موسكو على هذه الخطوة الآن بالذات؟ لأنها تخشى أن تصعيد التوتر هذا في ظروف تزايد الحضور العسكري للاعبين الخارجيين وتراكم كميات خيالية من الأسلحة في منطقة الخليج، قد يؤدي إلى نشوب حرب كبرى، ربما تؤدي إلى عواقب كارثية، وبالدرجة الأولى لبلدان المنطقة. بالمناسبة، إن بوغدانوف قال بتشكك في إجابته عن سؤال حول موقف بلاده من إعلان الولايات المتحدة عن تشكيل تحالف دولي من أجل «ضمان الملاحة» في مضيق هرمز: «لم يعرض علينا أي أحد شيئاً. وعادة تجري الاتصالات ويتم توضيح الأمر حول ما يريدون، ويطرحون بعض الأفكار».
وجرى في اليوم نفسه، كما لو كان ذلك تأكيداً لما أورده نائب وزير الخارجية، إعلان سيرغي لافروف وزير الخارجية في لقاء مع مجموعة من الصحافيين من بلدان أميركا اللاتينية أن إيران يجب أن تكون جزءاً من حل قضية الأمن في الشرق الأوسط، وألا تعتبر المذنبة في كل ما يحدث هناك. ويرى أن تعزيز تدابير الثقة الجماعية في المنطقة بدعم المنظمات الدولية هو ضرورة أساسية في الخطة التي تطرحها موسكو.
وجدير بالذكر أن الوزير أعرب عن الثقة بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا يريد معالجة النزاع مع إيران بالوسائل العسكرية، لكن «الرؤوس الساخنة» في البنتاغون يمكن أن تدفع البلاد إلى هذا الدرب.
وحسب تقييم الجانب الروسي، فإن مثل هذه المحاولة ستكون تطوراً خطيراً للغاية للأحداث. هل ستعرقل مبادرة موسكو هذه تطور العلاقات قدماً إلى الأمام مع الرياض؟ بالعكس، إن طرحها يدل على أن روسيا تعتبر ضمان الأمن في منطقة مهمة استراتيجياً في العالم، حيث توجد المملكة، من أهم أولويات سياستها الخارجية.
أعتقد أن تطور العلاقات الثنائية بين موسكو والرياض رغم اختلاف وجهات النظر حول عدد من قضايا المنطقة لن يتجمد بل سيكتسب نبضة جديدة. فإن اهتمام البلدين عظيم جداً في ضمان أمن الخليج، وعدم السماح بتنامي التوتر وتحوله إلى حرب كبيرة، وكذلك في مواصلة التعاون المثمر في مجال النفط والغاز وحل طائفة واسعة من مشاكل المنطقة، وفي مقدمتها تسوية الأزمة السورية، حيث تعتبر روسيا لاعباً رئيسياً فيها. ويهتم كلا البلدين بتنويع العلاقات الخارجية لصالح أمنهما والسلام العالمي. لقد شهدت العلاقات بينهما في الماضي اختبارات خطرة، ولكن تتوفر الفرصة اليوم لرفعها إلى درجة أعلى. ولا ريب في أنه ستساعد على ذلك زيارة الرئيس الروسي القادمة إلى المملكة.

- رئيس مجلس الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو - خاص بـ«الشرق الأوسط»



السعودية تؤكد إدانتها الشديدة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)
TT

السعودية تؤكد إدانتها الشديدة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس جلسة مجلس الوزراء (واس)

شدّدت السعودية على رفضها وإدانتها الشديدة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وانتهاكاته المستمرة للقانون الدولي الإنساني، وذلك خلال جلسة لمجلس الوزراء عقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الرياض الثلاثاء.

وأوضح وزير الإعلام سلمان الدوسري، أن المجلس تابع تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمساعي الدولية المبذولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، كما اطّلع المجلس على مجمل أعمال الدولة خلال الأيام الماضية، لا سيما المتصلة بمجالات التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، والتنسيق في شأن الجهود المشتركة الرامية إلى مواجهة التحديات ومعالجتها، والإسهام في تحقيق التطلعات نحو مستقبل أفضل للمنطقة والعالم أجمع.

تابع المجلس تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمساعي لوقف إطلاق النار بقطاع غزة (واس)

وأشاد المجلس في هذا السياق، بنتائج المحادثات التي جرت بين كبار المسؤولين في المملكة والوفد رفيع المستوى من الإدارة الجديدة في سوريا، مجدداً الموقف السعودي الداعم لأمن هذا البلد واستقراره، والتأكيد على مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوري الشقيق.

وفي الشأن المحلي استعرض مجلس الوزراء التقدم المحرز في تنفيذ عدد من البرامج والمبادرات والمشاريع التنموية الهادفة إلى الاستمرار في الارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين والزائرين، وتنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل، بالإضافة إلى استثمار الإمكانات والطاقات والثروات المتوافرة.

واطّلع المجلس، على الموضوعات المدرجة على جدول أعماله، من بينها موضوعات اشترك مجلس الشورى في دراستها، كما اطّلع على ما انتهى إليه كل من مجلسي الشؤون السياسية والأمنية، والشؤون الاقتصادية والتنمية، واللجنة العامة لمجلس الوزراء، وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء في شأنها.

وقرّر المجلس خلال الجلسة تفويض وزير الرياضة - أو من ينيبه - بالتباحث مع الجانب الأوروغواياني في شأن مشروع مذكرة تفاهم بين وزارة الرياضة السعودية والأمانة الوطنية للرياضة في جمهورية الأوروغواي الشرقية للتعاون في مجال الرياضة، والتوقيع على ذلك.

أشاد المجلس بنتائج المحادثات التي جرت بين كبار المسؤولين في السعودية والوفد رفيع المستوى من الإدارة الجديدة بسوريا (واس)

كما وافق المجلس على مذكرة تفاهم في مجال الشؤون الإسلامية بين وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية والرئاسة الإسلامية العليا في جمهورية مقدونيا الشمالية، وعلى مذكرة تفاهم للتعاون بين وزارة العدل بالمملكة ووزارة القانون بجمهورية سنغافورة، وعلى اتفاقية بين السعودية ومركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري) في شأن توفير الدعم المالي للمركز بالمساهمة في صندوق الوديعة (الوقفي) الاستثماري للمركز، وعلى مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة السعودية ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية في المملكة المغربية للتعاون في المجالات الصحية.

ووافق المجلس أيضاً على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الحكومة الرقمية بين هيئة الحكومة الرقمية في السعودية ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دولة قطر، وعلى اتفاقية الخدمات الجوية بين السعودية ومملكة إسواتيني، على مذكرة تفاهم بين هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية وجامعة «نايف العربية للعلوم الأمنية» للتعاون في التدريب بمجال مكافحة الفساد، وعلى مذكرة تفاهم بين الديوان العام للمحاسبة في المملكة ومكتب المراقب والمراجع العام في جمهورية الهند للتعاون في مجال العمل المحاسبي والرقابي والمهني، وعلى مذكرة تفاهم بين الإدارة العامة للتحريات المالية برئاسة أمن الدولة في السعودية ووحدة الاستخبارات المالية في هيئة الإشراف على مديري البنوك والتأمين وصناديق التقاعد الخاصة في جمهورية البيرو بشأن التعاون في تبادل التحريات المتعلقة بغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والجرائم ذات الصلة.

وقرّر المجلس تعديل نظام المرور بإلغاء المادة (الحادية والسبعين)، وإضافة فقرة في جدول المخالفات بالنص الآتي: «قيادة المركبة في الطرق برخصة سير منتهية»، والموافقة على نظام المواد البترولية والبتروكيماوية، وعلى أن تتولى جامعة «الملك عبد الله للعلوم والتقنية» مهمات استكمال بناء وتأسيس المركز السعودي للقاحات والعلاجات البروتينية، وإدارته وتشغيله والإشراف عليه.

كما اطّلع مجلس الوزراء، على عدد من الموضوعات العامة المدرجة على جدول أعماله، من بينها تقارير سنوية لوزارتي (الرياضة، والحج والعمرة)، والهيئة العامة لعقارات الدولة، والهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين ومن في حكمهم، والهيئة السعودية للسياحة، والمركز الوطني لإدارة الدَّيْن، ومجمع الملك عبد العزيز للمكتبات الوقفية، وجامعة «طيبة»، والمكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة جازان، وقد اتخذ المجلس ما يلزم حيال تلك الموضوعات.