«مسار آستانة» أمام سجالات الفشل والنجاح... وخلافات «الحلفاء»

TT

«مسار آستانة» أمام سجالات الفشل والنجاح... وخلافات «الحلفاء»

لا ينظر الخبراء الروس المهتمون بالشأن الروسي بكثير من التفاؤل إلى جولة المحادثات السورية المقبلة في إطار «مسار آستانة». ورغم أن أجندة الجولة التي تنعقد الأسبوع المقبل في العاصمة الكازاخية نور سلطان، تتضمن حدثاً طال انتظاره؛ إذ ينتظر الإعلان عن استكمال الاتفاقات حول تشكيلة وآليات عمل اللجنة الدستورية السورية، فإن الزخم الكبير الذي رافق انطلاقة «مسار آستانة» في يناير (كانون الثاني) 2017 تقلص كثيراً.
والحفاوة التي استقبلت بها الأوساط الروسية ووسائل الإعلام القريبة من الكرملين بعض المحطات الفاصلة في هذا المسار مثل إطلاق «مناطق خفض التصعيد» في مايو (أيار) 2018 خلال الجولة الرابعة من محادثات آستانة، بهت بريقها إلى درجة أن تغطيات وسائل الإعلام لم تعد تولي اهتماماً كبيراً للجولات المتعاقبة.
في الوقت ذاته، يواجه الموقف الروسي الرسمي صعوبة متزايدة في الترويج لـ«إنجازات» هذا المسار، الذي تعمدت موسكو منذ البداية استبعاد الأطراف الأوروبية منه، بينما حضرت واشنطن بعض الجولات بصفة «مراقب» ثم أعلنت مقاطعتها له، من بوابة أن «أي نقاشات يجب أن تجري تحت رعاية الأمم المتحدة وتستند إلى القرار الدولي (2254)» وهو المبرر ذاته الذي طرحته واشنطن قبل أيام، عند إعلان مقاطعة الجولة الجديدة.
في هذه الأثناء، جاء انضمام العراق ولبنان إلى المسار بصفة «مراقب» في الجولة المقبلة، ليمنح الروس تعويضاً عن الفشل في حشد حضور عربي واسع سعت إليه موسكو طويلاً، وطرحته بشكل مباشر على طاولة البحث خلال أعمال المنتدى الوزاري العربي - الروسي الذي انعقد في موسكو في أبريل (نيسان) الماضي.
رغم ذلك، فإن موسكو تصر على رؤيتها حول أن «مسار آستانة» نجح في خفض التوتر في سوريا وتوسيع رقعة وقف النار على غالبية الأراضي السورية، كما وضع، وهو الأمر الأهم من وجهة نظر موسكو، الأساس لإطلاق العملية السياسية وفقاً للتأويل الروسي للقرار «2254»، بمعنى الانطلاق من «ضرورة الحوار بين كل مكونات الشعب السوري»، وهو أمر أطلقته موسكو في مؤتمر سوتشي في 30 يناير 2018 وانتقلت منه إلى النشاط المتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية، متجاهلة البنود الأخرى في القرار الدولي، خصوصاً تلك التي تتحدث عن «عملية سياسية تفضي إلى قيام هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية».
وفي مقابل ترويج موسكو لـ«إنجازات» المسار، تشير أطراف المعارضة إلى «إخفاقاته» المتعددة. ومنذ الجولة الرابعة له تحولت النقاشات فيه إلى ما يشبه «نادياً للحوار» بين موسكو وأنقرة وطهران، مع تراجع دور وأهمية حضور كل من طرفي الأزمة السورية: السلطة والمعارضة. وركز الحوار في كثير من جوانبه على تسوية قضايا عالقة بين «الأطراف الضامنة وقف النار» بينها مسائل مساحات النفوذ وآليات التعامل مع الملفات الخلافية. فضلاً عن العنصر الأهم المتعلق بمسألة «وقف النار»؛ إذ شهدت «مناطق خفض التصعيد» أوسع عمليات قتالية لم تُبقِ من تسميتها شيئاً، وساعدت موسكو وطهران النظام بقوة على بسط سيطرة كاملة على هذه المناطق لـ«تخرج من أجندة الحوار بسبب انتهاء المشكلة فيها»، وفقاً لما قاله الوزير سيرغي لافروف بعد السيطرة على الغوطة الشرقية. ومع تركز الأنظار حالياً على منطقة إدلب لأنها المعقل الأخير للمعارضة، تبدو مسألة نجاح «مسار آستانة» في «تهيئة الوضع الميداني للانتقال إلى عملية سياسية» وفقاً لتأكيدات الخارجية الروسية المتكررة، موضع تساؤلات كثيرة.
إلى جانب هذه الإخفاقات؛ تضع المعارضة، ومعها الأمم المتحدة، الفشل في تحقيق تقدم على صعيد إجراءات تعزيز الثقة، خصوصاً في الملفات المتعلقة بإطلاق سراح السجناء لدى النظام، وتحسين الظروف الإنسانية ووصول المساعدات إلى المناطق المتضررة. وأكد المبعوث الدولي غير بيدرسن لدى زيارته الأخيرة إلى موسكو أن هذا الملف ضمن أولوياته للنقاش في الجولة المقبلة.
على هذه الخلفية، تبدو التوقعات محدودة في الجولة الـ13، وأشار خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» إلى أن الإنجاز الأهم المتوقع، وهو المتعلق بإعلان تشكيل اللجنة الدستورية، ما زال يواجه تعقيدات كبرى، في شأن مكان وآليات عملها، والقدرة على تحديد سقف زمني لنشاطها، فضلاً عن المرجعية السياسية لها، وما إذا كانت سوف تستند إلى القرار «2254» لمناقشة وضع دستور جديد، أم إن نقاشات الدستور المنتظر سوف تقوم على أساس دستور «2012»، وفقاً لمطالب دمشق؛ وهو أمر ترفضه المعارضة. وهذا يعني أن الطريق أمام اللجنة الدستورية العتيدة ما زالت «طويلة جدا ومليئة بالمطبات» وفقاً لرأي بعض الخبراء.
لكن العقدة الأهم التي تواجه موسكو هي مشكلاتها مع حليفيها الأساسيين؛ إذ تبدو الهواجس الإيرانية من احتمال أن تقدم موسكو على مقايضات حول الوجود الإيراني في سوريا، أكثر وضوحاً من الفترات السابقة، رغم تأكيد موسكو رفضها مبدأ «الصفقات». و«الصراع» على النفوذ في عدد من المناطق السورية بدا واضحاً خلال الفترة الأخيرة.
أما مع «الحليف» التركي، فالمشكلة أكثر تعقيداً، فمن جانب تسعى موسكو وأنقرة إلى إظهار عمق وقوة التعاون، الذي اتخذ بعداً جديداً ومهماً بعد صفقة «إس400»، لكن من جانب آخر، تراقب موسكو بحذر الحوارات التركية - الأميركية حول مسألة «المنطقة الآمنة» في الشمال، وأبلغت الجانب التركي رفضها أي خطوات أحادية في هذا الشأن، كما أن معضلة إدلب ما زالت تشكل نقطة خلافية كبرى، ومع إقرار موسكو بشكل ضمني أخيراً بالفشل في «الحسم العسكري» حتى الآن، فإن هذه المسألة تبقى مفتوحة؛ برأي الخبراء العسكريين، على كل الاحتمالات.
هذه الخلافات يبدو أنها السبب الأساسي وراء تحفظ موسكو في البداية على فكرة الدعوة لقمة روسية - تركية - إيرانية جديدة، وهي المبادرة التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال أعمال قمة العشرين أخيراً. ورغم أن موسكو عادت بعد ذلك وأكدت موافقتها على عقد القمة «بعد جولة آستانة» وفقاً لميخائيل بوغدانوف نائب الوزير، فإنه يبدو أن مساحة الخلافات اضطرت الأطراف إلى «تأجيل الموعد بدلاً من أن يكون بعد الجولة مباشرة، ومواصلة العمل لترتيب أفضل للقمة»، كما قال مصدر دبلوماسي لـ«الشرق الأوسط»، مرجحاً أن تنعقد القمة نهاية أغسطس (آب) المقبل أو بداية الشهر التالي.
ورغم الخلافات، فإن بعض الخبراء يرون أن المهم بالنسبة لموسكو في هذه المرحلة هو المحافظة على وجود «مسار آستانة» بصفته آلية العمل المقبولة للأطراف الثلاثة، وأنه يشكل الآلية المقابلة للدعوات المتكررة من جانب واشنطن والاتحاد الأوروبي وأخيراً الأمم المتحدة أيضاً، إلى العودة لإحياء المسار التفاوضي في جنيف. وقد أبدت موسكو موقفاً متحفظاً على فكرة بيدرسن حول تشكيل المجموعة الموسعة، التي تضم «مسار آستانة» و«المجموعة المصغرة» والبلدان دائمة العضوية في مجلس الأمن.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.