النفط.. في مواجهة عواصف السياسة والتحولات العالمية

انخفضت أسعاره رغم أزمات «داعش» وأوكرانيا.. وتوقعات المدى الطويل إيجابية

النفط.. في مواجهة عواصف السياسة والتحولات العالمية
TT

النفط.. في مواجهة عواصف السياسة والتحولات العالمية

النفط.. في مواجهة عواصف السياسة والتحولات العالمية

تبدو مسألة تراجع أسعار النفط إلى ما دون المائة دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 16 شهرا محيرة بعض الشيء للخبراء في السوق مع الكثير من التكهنات حول أسباب التراجع ومدى استمراريته في المدى المنظور.
وبينما تبدو التوقعات سلبية حتى نهاية عام 2015، فإن توجهات المدى الطويل تبدو إيجابية مع نشاط ملحوظ لتخزين النفط من مستثمرين ومضاربين. على الساحة السياسية والأمنية يعزز الوضع الحالي ارتفاع أسعار النفط وليس انخفاضها خصوصا مع توسع نشاط «داعش» الإرهابي المنتشر في سوريا والعراق وتشكيل التحالف الدولي الذي ينوي إضعاف «داعش» ثم تدميره. ثم هناك الأزمة الأوكرانية وتبادل العقوبات بين روسيا والغرب، والوضع الأمني المتردي في اليمن وليبيا. لكن الواقع يشير إلى تراجع أسعار النفط بنسبة ملحوظة خلال هذا الصيف، مع توقع استمرار التراجع لمدة 15 شهرا أخرى. فما هي أسباب هذا التراجع، وماذا تقول عنه أوساط الصناعة خصوصا من قطبيها، منظمة «أوبك» من ناحية، ووكالة الطاقة الدولية من ناحية أخرى؟
تقرير «أوبك» الأخير الصادر من فيينا هذا الشهر أكد تراجع أسعار سلة «أوبك» بمعدل 4.86 دولار للبرميل خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، وعلل الانخفاض بوجود «إمدادات جيدة في السوق مع تراجع في الطلب». ويبدو التوجه العام لأسعار النفط حاليا مائلا نحو الهبوط التدريجي على الرغم من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وإنجاز اقتصادي عالمي لم يتغير كثيرا هذا الصيف، ويبدو هشا في أوروبا ومتراجعا في الصين.
وفي ما يتعلق بالإنجاز الاقتصادي الدولي والطلب العالمي على النفط، يشير تقرير المنظمة إلى تفاوت الإنجاز الاقتصادي بين انتعاش ملحوظ في السوق الأميركية مقابل تراجع وتحديات في منطقة اليورو وكساد في اليابان، والنتيجة الإجمالية هي نسبة نمو في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قدرها 1.8 في المائة في عام 2014، ترتفع إلى نسبة اثنين في المائة في عام 2015. ونتيجة لذلك من المتوقع أن يظل الطلب العالمي الحالي بلا تغيير، ويرتفع بنحو 1.19 مليون برميل يوميا في العام المقبل. وتعد هذه الزيادة أقل من التوقعات السابقة.
وفي ناحية الإمدادات، وصل إنتاج «أوبك» في شهر أغسطس الماضي إلى 30.35 مليون برميل يوميا، بينما زاد الإنتاج من مصادر خارج «أوبك» بنحو 1.58 مليون برميل يوميا. وبوجه عام تبدو الإمدادات أكثر من كافية للطلب العالمي مع مخزون استراتيجي جيد.

* ضعف الطلب
* على الجانب الآخر من المعادلة، أصدرت وكالة الطاقة الدولية، التي تمثل جانب المستهلكين، تقريرها هذا الأسبوع، وقدرت فيه تراجع الطلب العالمي على النفط في عامي 2014 و2015 بنحو 0.9 مليون برميل يوميا، و1.2 مليون برميل يوميا على التوالي، وذلك بسبب «تراجع ملحوظ في نمو الطلب خلال الربع الثاني من العام الحالي وضعف توقعات الطلب من أوروبا والصين». وقالت الوكالة إن الإمدادات العالمية انخفضت بنحو 400 ألف برميل يوميا في شهر أغسطس إلى 92.9 مليون برميل يوميا، وهو انخفاض كانت المملكة العربية السعودية قد أعلنت عنه من إنتاجها قبل أن تعلنه وكالة الطاقة.
وعلى الرغم من ادعاء صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية أن السعودية «خفضت إنتاجها بنحو 400 ألف برميل يوميا من أجل الدفاع عن سعر مائة دولار للبرميل»، فإن مصادر أخرى أشارت إلى أن السبب قد يكون لأسباب صيانة أو لتلبية إمدادات الطب المحلي المتزايد أو حتى لاستعادة التوازن في السوق العالمية والمساهمة في استقرار الأسعار. فالمعروف أن السعودية تلعب دور المنتج المرن في الأسواق للمحافظة على التوازن أثناء الفترات غير العادية ارتفاعا أو انخفاضا في السوق. وعلى الرغم من أن منظمة أوبك لم تعد تتحكم إلا في ثلث الإنتاج العالمي، كما أن بورصات النفط العالمية تحدد الأسعار على مدار الساعة من خلال التعاقدات الفورية والآجلة، فإن هناك العديد من المصادر الغربية ما زالت تصر على الإشارة إلى «أوبك» على أنها مجرد «كارتيل» للتحكم في الأسعار ورفعها اصطناعيا. هذه النظرة التي تعود إلى عقد الثمانينات لم تعد مقنعة وترد عليها الدول المنتجة بمنطق أكثر واقعية.
وفي تقرير لوكالة «رويترز»، جاء أن الأسعار السائدة حاليا لن تستمر طويلا، وأنها سوف تعاود الارتفاع قريبا. وأضاف التقرير أن السعر المطلوب لدعم ميزانيات دول في أوبك مثل العراق لا يقل عن 106 دولارات للبرميل. ويزيد هذا السعر المطلوب لموازنة ميزانية روسيا إلى 114 دولارا للبرميل. من ناحية أخرى، صرح وزير النفط الإيراني نامدار زنغنه، الشهر الماضي، بأن الضعف الحالي في أسعار النفط والذي أسفر عن فقدان 13 في المائة من سعر البرميل إلى أقل من مائة دولار يوميا، لن يستمر طويلا، وسوف يعود إلى مستواه الطبيعي مع حلول فصل الشتاء.
وقال خالد الفالح، الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو» السعودية، إن الأسعار يجب ألا تقل عن مستوياتها الحالية من أجل المحافظة على معدلات الاستثمار الموجهة لتلبية حاجات المستقبل من النفط. وأضاف الفالح في مؤتمر نفطي أن نشاط التنقيب عن مصادر نفطية جديدة يحتاج إلى مستويات أسعار تدعم الاستثمارات الجديدة، وأن الأسعار على المدى الطويل تعتمد على استمرار موارد النفط من مواقع أكثر كلفة.

* البحث عن مشترين
* السؤال المحير لخبراء السوق هو تحولات المدى القصير من الآن وحتى صيف عام 2015. وهنا تبدو الصورة غير مشجعة وفقا لتقرير من «وول ستريت جورنال» يشير إلى أن بعض ناقلات النفط المحملة في أعالي البحار تبحث عن مشترين بخفض الأسعار مرارا. كذلك فإن العديد من المضاربين الذين اشتروا تعاقدات آجلة في شهر يونيو (حزيران) الماضي بتوقعات أعلى للأسعار بعد انتشار «داعش» في أرجاء العراق واستيلاء مسلحيها على بعض آبار النفط، أخذوا في تصفية مواقعهم بخسائر في التعاقدات مع تراجع الأسعار في أغسطس. وقالت أرميتا سين، محللة النفط في شركة «إنرجي اسبيكتس» في لندن، إن الوضع الحالي متأثر بالطلب الضعيف، وإن الإمدادات الإضافية تزيد الوضع سوءا للأسعار. وهي ترى صعوبة في الخروج من الوضع الحالي قريبا.
وزاد الطين بلة أن الاتحاد الأوروبي أعلن الشهر الماضي أن نسبة النمو الاقتصادي في منطقة اليورو سوف تكون منعدمة خلال الربع الثاني من العام الحالي. وظل الطلب على النفط من المصافي الأوروبية ضعيفا خلال الأشهر الستة الماضية. ومع توافر الإمدادات تراجع العامل النفسي من مخاوف أعمال عنف في الشرق الأوسط وشرق أوروبا من شأنها تعطيل إمدادات النفط من هذه المناطق.
ويقول جين ماغيلان، من شركة «تراديشنال إنرجي» في مدينة ستانفورد بولاية كونيتكت، إن العامل المؤثر في المعادلة الآن هو حجم الطلب الغربي، والأوروبي على وجه الخصوص، والذي تحتاج الأسواق إلى المزيد منه من أجل سحب الفوائض غير المباعة من الأسواق. ويضيف أنه لاحظ زيادة المضاربات في أسواق بورصات النفط على المزيد من تراجع الأسعار في المدى المنظور. وهو يرى أن المضاربين يبنون توقعاتهم على استمرار ضعف الطلب الأوروبي وتراجع نسب النمو الاقتصادي في الصين.
ويلاحظ المضاربون أيضا أن النفط الليبي الذي كان قد تراجع إلى أقل من النصف في ذروة الأزمة الليبية وإغلاق الموانئ، قد عاد بقوة إلى مستوياته السابقة. ويجري الآن استئناف تحميل الناقلات من ميناءي راس لانوف وسدر.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.