قتلى كواتم الصوت في بغداد يصدرون روايتهم الوثائقية الأولى

خمسة فصول تروى على ألسنة {شهداء الكلمة} بينهم هادي المهدي وكامل شياع

غلاف الرواية الوثائقية
غلاف الرواية الوثائقية
TT

قتلى كواتم الصوت في بغداد يصدرون روايتهم الوثائقية الأولى

غلاف الرواية الوثائقية
غلاف الرواية الوثائقية

لا يمكن اعتبار «الكاتم» رواية وثائقية فقط، ذلك لأنها تتجاوز حدود التوثيق وتدخل إلى فضاء الكشف والتنوير والتحريض، وأكثر من ذلك فهي نص سيكولوجي يعرّي ضعف بعض الشخصيات العراقية، ويكشف عن جبنها رغم أنّ شهداء الحرية الذين كتبوا هذا النص تحديدا كانوا غاية في الشجاعة وأنموذجا للتضحية التي يُحتذى به بدءا بالكاتب والمسرحي هادي المهدي والإعلامية أطوار بهجت والصحافي شِهاب التميمي، مرورا بالكاتب كامل شياع والصحافي أحمد آدم، والشاعر الشعبي رحيم المالكي، وانتهاء بالناشطة تسنيم، والشاعر رعد مطشّر، وعشرات الأسماء الأخرى التي لا يسع المجال لذكرها جميعا، هذا إضافة إلى كُتّاب وناشطين لاذوا بأسماءٍ مستعارة خشية من التصفيات الوحشية التي كانت تتبناها الأجهزة الأمنية أو تُوكلها إلى الميليشيات الحزبية التي أبدت شراسة غير معهودة في الخطف والقتل والتنكيل والاغتصاب.
تتألف رواية «الكاتم» من خمسة فصول تُروى على ألسنة شهداء الكلمة الذين رحلوا إلى العالم الآخر لكن كلماتهم المتوهجة، وأفكارهم التنويرية، ورؤاهم الثاقبة لما تزل حاضرة في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا. ولنعترف بأنهم كانوا أشجع منا، وأكثر بذلا وعطاء من جميع العراقيين في تلك المرحلة لأن «الجُود بالنفس أقصى غاية الجودِ».
يتضح من سياق النص السردي التوثيقي أن مساحة الأدوار التي أُسندت للشخصيات الرئيسة والثانوية مختلفة من شخصية إلى أخرى بسبب طبيعة الأحداث التي وقعت لكل شخصية على انفراد رغم أن كل الشخصيات تتساوى في فكرة التضحية والإيثار أو في الوفاء للقيم الإنسانية النبيلة في أضعف الأحوال.

* سؤال الحرية
تُثير شخصيات النص كلها ومن دون استثناء سؤال الحرية غير المبالغ فيها، فهادي المهدي يلخصها بكلمات مقتضبة لا تتجاوز حدود «الخدمات، والأمن، والأمان، والعدالة وحرية السفر». ثم يتوسّع قليلا ويقول: «الحرية التي لا تُقسّمنا إلى شيعة وسنة، أو إلى عرب وأكراد وتركمان، إلى مسيحيين ويهود، إلى صابئة وإيزيديين وشبك». إنه ببساطة يريدنا أن نبقى بشرا كما أنجبتنا أمّهاتنا وليس أشباحَ بشر! وبما أن الرواية هي أنموذج لأدب البوح والقسوة والاعتراف في آنٍ معا، فلا يجد ضيرا في القول بأن صمت شعبه قد خذله، كما خذله بعض زملائه «بكذبهم ودجلهم وجبنهم»، ثم يُصعّد من نبرته إلى أقصاها ليقول: «حتى أنّ النساء والبنات من زميلاتنا كُنّ أشجع بكثير من هؤلاء الرجال، وكانت الواحدة منهنّ بألف رجل من رجال العراق». إذن، هذه الرواية تمجّد نساء العراق على لسان شهيد الحرية هادي المهدي الذي ينتصر للمرأة العراقية المحتجّة التي انتفضت لكنها تعرضت لمعاملة قاسية تجاوزت حدود الشتائم والضرب والاعتقال إلى فعل الاغتصاب المقيت (لمجرد حمْلهن علمَ عراقٍ جديد لم يُكتَب عليه سوى عبارة «أحِبُك يا عراق»).
يعتقد المهدي بأن الطُغاة قد علّمونا على الصمت، أو دجّنونا بعد ترويض طويل إن صحّ التعبير لكنّ المواطن العراقي تململ مثل أقرانه في العالم وقرّر أن يحتج رافعا صوته غير أنّ الطُغاة الجُدد قمعوه، وحينما يئسوا من لعبة تكميم الأفواه أطلقوا عليه في بيته رصاصة من مسدس كاتم للصوت فأردوه قتيلا بينما كان متجها إلى المطبخ يُعّد لهم الشاي بيديه الكريمتين وحجتهم في ذلك أنه غدر بطائفته ومذهبه.
يسلّط هذا الفصل الضوء على اغتيال الإعلامية أطوار بهجت التي كانت على وشك أن تذيع على الملأ تفاصيل دقيقة عن تفجير الإمامين العسكريين وضلوع الحكومة الإيرانية فيها تخطيطا وتنفيذا ونجاحها في إثارة حرب طائفية حصدت آلافا مؤلفة من أرواح العراقيين الأبرياء، وبموتها كما يصرّح القتلة فقد «انطمرت وطمرت معها السرّ الكبير». وفي السياق ذاته تكشف الرواية بعض أسرار «القاعدة» بهُويتها المذهبية، وأسلحتها الإيرانية الصنع، وألغازها التي ظلت محيّرة حتى الآن منها أن الزرقاوي، كما تقول الأخبار، قد دخل من الحدود الإيرانية وأن جواز السفر الذي وُجِد في جيب معطفه كان إيرانيا! إن الحقيقة، كما تقول أطوار، تستحق أن يجازف من أجلها الصحافي، وهذا الموقف بحد ذاته درسٌ في ميثاق الشرف الصحافي، وسمة من سمات الصحافيين الشجعان.
لم تكن أطوار هي المُستهدَفة الأخيرة فلقد تبعها طابور طويل من الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم الغالية من أجل عراقٍ حرٍ جديد لعل أبرزهم شِهاب التميمي الذي اغتاله الأشرار لأنه نداءاته كانت تصُب في إدانة الاحتلال الذي جاء بالظلاميين الجُدد وفسادهم الذي كان الراحل أحد شهوده.

* دولة بوليسية
هناك تُهم جاهزة لكل من يحتج أو يرفع صوته في العراق «الديمقراطي الجديد» وهي البعث و«القاعدة»، وإن لم ينفعا فالغدر بالطائفة أو الطعن بالمذهب! وهذه التهم هي نتاج دولة بوليسية جديدة محكومة بثقافة حزب واحد بامتياز يقصي معارضيه، ويلغي مناوئيه من خارطة الوجود. حكومة ظلامية متخلفة تنظر إلى المتظاهرين والمحتجين كمشاغبين مندسّين سوف يملّون من موضة التظاهر التي يحأكون فيها شباب تونس ومصر وبقية بلدان «الربيع العربي».
نخلص في هذا الفصل إلى أن السلطة الجديدة لا تريد رأس الحسين، وإنما تريد رأس العراق ورؤوس العراقيين جميعا. وإلاّ كيف نفسّر سكوت الخصوم والحلفاء في العراق الجديد على مقبرة الزركة الجماعية التي أفرطت فيها السلطة في استعمال القوة لمجرد أنها ادعت بأنّ المهدي المنتظر هو زعيمها؟! فيما تخّدر هذه السلطة الظلامية شريحة واسعة من شعبها بالغيبيات، وعبادة الموتى، والعيش في الماضي السحيق. يتشاءم المهدي في خاتمة المطاف ليصل إلى قناعة مفادها بأن هذا العالم سخيف وفارغ، ولا شيء على هذه الأرض يستحق الحياة!

* نُصب الحرية
يتكرر حضور بعض الشخصيات الرئيسة في الفصل الثاني المعنون «الأسيرة ساحة التحرير» ونسمع فيها صوت شيطانهم الكبير الذي يحثّ أزلامه وإمعّاته على محاصرة هذه الساحة التي أصبحت رمزا للحرية والاحتجاج، بل إنه يلعن هذه الساحة ونصبها الذي بات يوحّد المحتجين فلا غرابة أن يلعن الفن برمته.
يركز هذا الفصل على أن أي مظاهرة هي إشارة واضحة إلى عدم شرعية الحكومة، ولكي يشوّهوا فكرة الاحتجاج فإنهم يزعمون بأن المتظاهرين يريدون الإطاحة بالمذهب الذي يحكم ويسود في الوقت الراهن.
تتجسّد الفكرة الأساسية لهذا الفصل في الجمل الآتية: «أن تكون كاتبا أو إعلاميا هذا يعني أنك تحمل ضميرا لا ينحاز إلاّ للحقيقة، ضميرا لا يُشترى ولا يُباع حتى ولو بمال العالم كله». ومن خلال الحديث الدائر بين شهاب التميمي وكامل شياع وهادي المهدي نكتشف أن أصدقاء المهدي لم يخذلوه فحسب، وإنما خافوا من موته، ومن رمزية صوته الرافض والمحتج، وبمعنى آخر خافوا من غضب أسيادهم الغارقين في الظلام.

* سُرّاق المال العام
تنطوي الرواية على مفاجآت كثيرة صدمت هادي المهدي الذي اكتشف تباعا من خلال عمله كمترجم من العربية إلى الدنماركية لمصلحة خبير الكومبيوتر الدنماركي الذي كلفته القوات الأميركية بحلّ الشفرات في كلام المسؤولين العراقيين الذين تراقبهم أجهزة التنصت في المنطقة الخضراء من دون علمهم. ولعل أبرز ما في هذا الفصل هو خيبة أمله بوزير الثقافة الذي كان يتبجح بأن مهمته الأولى هي إنهاء الفساد في وزارة الثقافة وفي وزارة سيادية يديرها بالوكالة. لقد خاب ظنه تماما حينما سمع نعت هذا الوزير للعراقيين المغلوبين على أمرهم بأنهم «شعب مثل القرود تعطيهم تجد يدهم تُقبّل رأسك، أما إذا أدرت بوجهك عنهم فإنهم يأكلون من..». ثم يتمادى أكثر حين يقول: «قردا، أي وربّ العزة، قردا ولا أستثني أحدا»!
المتظاهرون لا يحملون سوى الورود وأعلام العراق لكنهم أخافوا الظلاميين ففصلوا الكرخ عن الرصافة بالألواح الكونكريتية، وهاجموا المتظاهرين منتهكين حقوق الإنسان في رابعة النهار ومع ذلك فقد تحولت ساحة التحرير من مجرد ساحة يوشحها نصب لفنان كبير إلى رمز يُقلق السارق والقاتل والكذّاب والمنافق والدجال والتوفيقي والجبان.

* سنغفر ولكننا لن ننسى
يسرد الفصل الرابع قصة الناشطة تسنيم التي اُختطف والدها ثم وجد مقتولا ومرميا في حاوية للقمامة عام 2005 فأُصيبت بالشلل الذي يمنعها من مواصلة دراسة القانون في بلد لا قانون فيه! ولأنها كانت مُصرّة على معرفة القتلة وأسيادهم أردوها قتيلة كي تكون عبرة لكل الناشطات العراقيات. ومع كل هذه القسوة ووحشية الظلاميين إلاّ أن هادي يطلب من أصدقائه أن لا ينتقموا لأنهم رفعوا شعر نيلسون مانديلا «سنغفر ولكننا لن ننسى»!
في الفصل الخامس والأخير يعرّف هادي المهدي الدولة البوليسية بأنها الدولة التي يزعجها الانتقاد، والتي تخطف مواطنيها، وتُسقّط خصومها، وتستوزر حمقاها وأغبيائها إلى أن يقول: «إنها دولة ترى في اللطم والنواح والبكاء قمة ما توصلت إليه البشرية من تقدّم». فينصح هذا الشعب المخدّر بالجهل والخوف والسذاجة بالذهاب فورا إلى ورش الانتحار الجماعي.
يتنبأ منْ ساهموا في تدوين هذه الرواية الوثائقية بنبوءة متشائمة جدا حينما يختتمون النص بالبيتين التاليين: «بلاد.. ها هنا كانت - بلاد كانت تسمّى العراق».



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.