كيسنجر: النظام العالمي الجديد سيكون شراكة بين أميركا والصين

يرى في كتابه الجديد أن الدولة الحديثة قد تآكلت

غلاف الكتاب   -  هنري كيسنجر
غلاف الكتاب - هنري كيسنجر
TT

كيسنجر: النظام العالمي الجديد سيكون شراكة بين أميركا والصين

غلاف الكتاب   -  هنري كيسنجر
غلاف الكتاب - هنري كيسنجر

يبلغ عمره الآن 91 عاما، وربما هذه آخر كتب هنري كيسنجر، أشهر وزير خارجية في تاريخ أميركا (وتاريخ العالم). وربما أكثر وزير كتب كتبا؛ لم يكتف بكتاب واحد عن مذكراته. بل كتب 3؛ «سنوات البيت الأبيض» (عندما كان مستشارا للأمن القومي للرئيس نيكسون). و«سنوات الخارجية الأولى» (عندما كان وزيرا للخارجية للرئيس نيسكون). و«سنوات الخارجية الثانية» (وزيرا للخارجية للرئيس فورد).
وقبل ذلك هو أستاذ في جامعة هارفارد، نشر 5 كتب: «مترنيخ ومشاكل السلام» و«الأسلحة النووية والسياسة الخارجية» و«خيارات السياسة الخارجية الأميركية» و«حلف الناتو» و«مقالات في السياسة الخارجية».
وبعد تقاعده، وبالإضافة إلى كتابة مذكراته، كتب 10 كتب. بعضها مجرد جمع لخطبه وأعمدة كتبها في صحف أميركية. ومن غيرها الكتب الآتية: «الدبلوماسية» و«فيتنام: تاريخ شخصي». و«عن الصين».
غير أن كتابه الجديد: «ويرلد أوردر» (نظام عالمي) ليس كتاب كشف أسرار. ولا كتاب رأي جديدا.
منذ أول كتاب «مترنيخ ومشاكل السلام» (عن استراتيجية ميزان القوى، والأمر الواقع، اعتمادا على هذا القائد الألماني الذي وحد ألمانيا وحارب أعداءها)، وحتى كتاب «نظام علمي»، لم يغير كيسنجر رأيه الأساسي، الذي اشتهر به؛ «ريال بوليتيك» (سياسة واقعية).
قال إنه منذ نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي (مع سقوط حائط برلين، وانهيار الاتحاد السوفياتي، والحزب الشيوعي الروسي، قبل ربع قرن تقريبا)، صارت أميركا تقود العالم بمفردها. لكن، كما كتب: «صار العالم من دون نظام مستقر». ولهذا، لا بد من «نظام عالمي».
لم يقل كيسنجر إن النظام العالمي المطلوب يجب أن يكون أميركيا، مثل نظرية الرئيس بوش الأب: «نيو ويرلد أوردر» (نظام عالمي جديد) التي في سياقها أرسل أول قوات أميركية إلى الشرق الأوسط (عام 1990 لتحرير الكويت من احتلال العراق). لكن كيسنجر قال إن النظام العالمي الجديد سيكون شراكة بين أميركا والصين.
وهكذا، أخرج روسيا من قيادة العالم. ووضعها بين الشرق (الصين) والغرب (أميركا). ونقل الخط الفاصل (الخط الأحمر) بين الشرق والغرب من نهر «أودر» (بين ألمانيا وشرق أوروبا)، إلى جبال الأورال (وسط روسيا).
وهكذا، «قسم» روسيا بين الشرق والغرب، جغرافيا، وسياسيا، ونفسيا. وكأنه، وإلى الأبد، جعل كل روسي منفصم الشخصية، وكأنه، وإلى الأبد، انتقم لأهله الألمان ضد ألف عام من جبروت قياصرة روسيا (حتى بوتين).
لم يغير كيسنجر رأيه. هذه آخر مراحل سياسة الواقع. لا قيم، ولا أخلاق. لا شيء عن نشر الحرية في الصين. لا شيء عن تقويتها في روسيا. لا شيء عن تقويتها في السياسة الخارجية الأميركية.
تحدث كيسنجر في كتابه الجديد كثيرا عن «أمن الولايات المتحدة» (أساس نظرية السياسة الواقعية). لكنه أولا: لم يعرف تعريفا واضحا هذا «الأمن».
ثانيا: لم يقل إن «أمن» الولايات المتحدة، وأمن أي دولة (وأي شخص) يختلف من وقت لآخر.
وما دام لا يركز على سياسات أخلاقية، فإنه يصول ويجول في تقييم السياسات المصلحية والأمنية، مثلا قال إن من أسباب عدم وجود نظام عالمي في الوقت الحاضر هو تفكك الدولة الحديثة. وفي أوروبا، حدث هذا عمدا. كجزء من تطوير الاتحاد الأوروبي الذي وافق الأوروبيون على الخضوع له. لكن، قال كيسنجر: جاء هذا «على حساب كون الاتحاد فاعلا دوليا». يعني هذا أن كيسنجر يهتم أكثر بأوروبا كقوة عالمية عنها كرمز تاريخي للوحدة والحرية.
مثلا قال إنه في «الشرق الأوسط»: «تآكلت الدول من الإهمال. وتحولت إلى صراعات طائفية، وعرقية. وتفاقمت هذه الصراعات بسبب قوى خارجية». ولا كلمة واحدة عن أهمية الحرية والديمقراطية في هذه الدول. وهو يرى أيضا أن هناك عدم تطابق بين النظام الاقتصادي في العالم (التدفق الحر للسلع ورأس المال) والنظام السياسي (الوطنية، والمصالح الوطنية، وأمن الأوطان)، وأن هذا من أهم أسباب الأزمات الاقتصادية (بسبب المضاربات والمغامرات). وانتقد منظمات اقتصادية إقليمية، مثل «آسيان» و«ابيك» و«الدول الصناعية الـ7». ولم يقل أي شيء عن أهمية سيطرة الشعوب (عن طريق الحكومات المنتخبة انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة) على اقتصادها، ثم على اقتصاد العالم. ولم يقل أي شيء ضد سيطرة الشركات والبنوك.
لكن، هل سبب ذلك لأنه، منذ أن ترك وزارة الخارجية، وأسس «كيسنجر آند أسوشيتز» (كيسنغر ومستشاريه) صار مليونيرا مضاعفا بسبب «استشاراته» لأكبر بنوك وشركات العالم؟
إنه يتحسر على عهد كان فيه السياسي «لا يخشى المغامرات» (لا يهمه رأي ناخبيه كثيرا)، وهو يذم عصر الإنترنت، عصر الانفتاح: «عصر شراكة من نوع جديد لكل صاحب كومبيوتر في السياسات المحلية والوطنية والخارجية». ويقول في هذا الصدد: «هزمت المعلومات الحكمة». أي حكمة؟ حكمة الرئيس بوش الابن؟ يثني كيسنجر على بوش لأنه «واقعي» و«حريص على أمن أميركا». يكتب ذلك في كتابه هذا، ولم يكن يعرف عنه دفاع قوي وعلني عن بوش. ويقول أيضا إنه أيد غزو العراق، لكنه لم يقل ذلك بهذه الصورة المباشرة من قبل.
لكن، يعود كيسنجر وينتقد صرف أميركا ترليون دولار لبناء الديمقراطية في العراق، وغيره، وكأن للديمقراطية قيمة نقدية.
وأعطى كيسنجر أوباما نصيبه من النقد، إذ يرى أنه صاحب سياسة «سلبية، فشلت في بناء التحالفات، وطمأنة الحلفاء، وتسليح الذين سوف يحاربون الأعداء دون الاستخدام المباشر للقوة الأميركية».
وكأن كيسنجر يريد من أوباما أن يكون مثل معبوده الديكتاتور العسكري الألماني مترنيخ. كيسنجر لم يتغير، ولا يتوقع أن يتغير خلال ما تبقى له من سنوات في هذا العالم.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.