نيوزيلندا تعتزم تنفيذ حملة قيود جديدة على الأسلحة النارية

رئيسة الوزراء: ستمنع وقوع مزيد من الهجمات

سيارات الشرطة أمام متاجر بيع الأسلحة في ويلنغتون (رويترز)
سيارات الشرطة أمام متاجر بيع الأسلحة في ويلنغتون (رويترز)
TT

نيوزيلندا تعتزم تنفيذ حملة قيود جديدة على الأسلحة النارية

سيارات الشرطة أمام متاجر بيع الأسلحة في ويلنغتون (رويترز)
سيارات الشرطة أمام متاجر بيع الأسلحة في ويلنغتون (رويترز)

أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، أول من أمس، اعتزام حكومتها فرض قيود جديدة على ملكية الأسلحة، فيما اعتبر موجة ثانية من القيود منذ الاعتداء الوحشي الذي استهدف المصلين في مسجدين بمنطقة كرايستشيرش في وقت سابق من العام الحالي.
وقالت أرديرن إن التغييرات التي تشمل تسجيل الأسلحة الإلزامي وحظر شراء الزوار الأجانب للأسلحة «ستتضمن تعديلاً ينص على أن امتلاك سلاح ناري هو امتياز وليس حقاً كما كان في السابق».
وكانت رئيسة الوزراء قد فرضت حظراً على الأسلحة شبه الآلية بعد 6 أيام من الهجوم الذي وقع في 15 مارس (آذار) الماضي، عندما فتح مسلح النار على المصلين في مسجدين أثناء صلاة الجمعة، ما أسفر عن مقتل 51 شخصاً وإصابة العشرات.
وعندما جرى حظر الأسلحة شبه الآلية قانوناً - بما في ذلك الأسلحة التي استخدمها المسلح في أبريل (نيسان)، قالت أرديرن إن «نيوزيلندا تتفرد عن غيرها في وفرة الأسلحة المدمرة على نطاق واسع، واليوم آن الأوان أن ينتهي هذا التفرد»، بحسب «نيويورك تايمز».
وذكرت أرديرن أن المجموعة الثانية من القيود المقترحة من شأنها أيضاً أن تمنع وقوع مزيد من الهجمات. وقالت في بيان، عبر رسالة نصية، إن «مجموعة التدابير كفيلة بأن تصعب من عملية شراء الأسلحة»، مضيفة أن «الجاني كان من المفترض أن يجتاز اختبار الشخصية. ولو كان سجل بمشتريات الإرهابي من الأسلحة متاحاً للشرطة، لكان من الممكن منعه من الشراء وبالتالي ارتكاب الجريمة».
المتهم بالهجوم مواطن أسترالي انتقل إلى نيوزيلندا قبل إطلاق النار بأكثر من عام، وحصل على رخصة سلاح نيوزيلندية وامتلك ترسانة أسلحة وذخيرة لم يكن مطلوباً منه تسجيلها.
لكن بموجب القواعد الجديدة، سيُمنع الزوار الأجانب إلى البلاد - أولئك الذين يعتزمون البقاء في نيوزيلندا لمدة تقل عن عام واحد - من شراء الأسلحة. ويتعين على الأشخاص الذين يحضرون في رحلات صيد إما استئجار أسلحة أو إحضارها وتسجيلها لدى الشرطة، بشرط ألا تكون ضمن الطرز التي حظرها القانون الجديد.
وسيخضع المتقدمون الجدد للحصول على تراخيص السلاح لفحوصات أكثر صرامة للتأكد من «لياقتهم» لحملها، وسيجري تضمين معيار اختبار الشخصية في القانون الجديد.
سيسمح نظام الإنذار للشرطة بالتحقيق في المخاوف بشأن أصحاب الأسلحة الحاليين أو الطامحين في حيازتها، وستشمل الإجراءات قيام الضباط بتفحص صفحات المتقدمين في وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة ميولهم ووجهات نظر المتطرفين منهم.
كما ستلزم القواعد الجديدة أصحاب الأسلحة النارية بتسجيل جميع الأسلحة وتحديد نطاقات إطلاق النار، وذلك «لأول مرة»، بحسب أرديرن، وستخفض صلاحية تراخيص الأسلحة من 10 سنوات إلى 5 سنوات فقط، وستكون هناك ضوابط جديدة على إعلانات بيع الأسلحة وستفرض عقوبات أكبر على انتهاك لوائح حيازتها.
وذكرت أرديرن أن القانون الجديد سيقدم إلى البرلمان في أغسطس (آب)، وبعد ذلك سيكون أمام الجمهور 3 أشهر لتسجيل آرائهم قبل إقراره المتوقع قبل نهاية العام. بيد أن جماعات تمثل أصحاب السلاح اشتكت من أن الحظر المفروض على الأسلحة شبه الآلية جرى تمريره بسرعة كبيرة، حيث اقتصر سماع المشرعين للطلبات المقدمة من جماعات المصالح على يوم واحد فقط.
وقالت نيكول مكي، المتحدثة باسم مجلس أصحاب الأسلحة النارية المرخصة، إن التغييرات شملت بعض البنود التي حث عليها مجلسها بالفعل - مثل ضرورة الحصول على رخصة سلاح عند شراء مجلات متخصصة في هذا المجال - لكنها عارضت إنشاء سجل لمشتريات للأسلحة النارية.
وأضافت نيكي: «إننا نتساءل عن الأدلة التي تشير إلى أن سجلاً كهذا سيبقي نيوزيلندا آمنة»، مضيفة أن السجلات في بلدان مثل كندا وأستراليا قد تعرضت للانتقاد لأنها مكلفة وغير فعالة.
وشرعت شرطة نيوزيلندا منذ أسبوع واحد في تنفيذ فترة سماح مدتها 6 أشهر لمالكي الأسلحة لتسليم أسلحتهم النارية التي حظرها القانون الجديد. وقد جرى بالفعل تسليم أكثر من 3 آلاف قطعة سلاح حتى الآن، وذكرت أرديرن أن الحكومة دفعت حتى الآن أكثر من 4 ملايين دولار لمالكي الأسلحة النارية مقابل التخلي عنها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟