فلسطين تاريخ بعمق آلاف السنين

جذبت أنظار الكتّاب والرحالة والمؤرخين بدءاً بهيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد

فلسطين تاريخ بعمق آلاف السنين
TT

فلسطين تاريخ بعمق آلاف السنين

فلسطين تاريخ بعمق آلاف السنين

إلى آلاف الصفحات التي كتبت - وستظل تكتب - عن القضية الفلسطينية يضاف كتاب جديد كبير القيمة باللغة الإنجليزية من تأليف نور مصالحة؛ وهو مؤرخ فلسطيني يعيش في لندن ويجيد عدة لغات أجنبية قديمة وحديثة إلى جانب لغته العربية الأم. إنه كتاب «فلسطين: تاريخ أربعة آلاف سنة» (دار النشر: زد، 448 صفحة).
Palestine: A Four Thousand Year History، by Nur Masalha، Zed، 448 pp.
يؤكد الكتاب عراقة الشعب الفلسطيني وتجذره في أرضه منذ أقدم العصور (وإن وجب القول إن أربعة آلاف سنة رقم مبالغ فيه). ويوضح المؤلف أن فلسطين جذبت بحضورها التاريخي أنظار الكتاب والرحالة والمؤرخين منذ القدم بدءا بالمؤرخ الإغريقي هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد، وفي الأعصر التالية ازدادت بؤرة الاهتمام بها سطوعا؛ نظرا لكونها ملتقى الديانات السماوية الثلاث. ففي القرن الثامن عشر تحدث عنها المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون في كتابه «اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها».
وما لبث القرن التاسع عشر أن شهد كتابات عنها بأقلام الروائي والكاتب المسرحي الروسي نيقولاي غوغول الذي قام برحلة حج إلى القدس في 1848، والشاعر الروسي ليرمونتوف الذي نظم قصيدة عن فلسطين، والشاعر والرحالة والرسام الإنجليزي إدوارد لير الذي زار البتراء في 1858 (رسم لير في 1859 لوحة عنوانها (القدس كما ترى من جبل الزيتون عند شروق الشمس)، والروائي الفكه الأميركي مارك توين في كتابه «أبرياء في الخارج» (1869).
أضف إلى ذلك الشاعر الفرنسي جيراردي نرفال في كتابه «رحلة إلى الشرق» (وهو مترجم إلى العربية) في 1851.
برزت فلسطين إلى المقدمة حين بنى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان قبة الصخرة في أواخر القرن السابع الميلادي. وازدهرت في ظل الحكم العربي وجهود الجغرافيين ومن قاموا بسك العملة، وأفادت من تراث الإغريق في الشام.
ومع الزمن وقعت فلسطين تحت الحكم العثماني ثم الانتداب البريطاني ثم نكبة 1948، ولكن أبناء فلسطين لم يتخلوا قط عن موروثهم القومي وهويتهم العربية ومأثوراتهم الاجتماعية وعقيدتهم الدينية (مسلمة ومسيحية) وتقاليد أجدادهم.
بدهي أنه لا يمكن لكتاب واحد أن يستوفي كل جوانب أرض بهذه العراقة، ومن ثم كان من الحتم وجود فجوات في كتاب مصالحة. من هذه الفجوات نقص أشار إليه ج. و. باورسوك، أستاذ التاريخ القديم في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برنستون الأميركية ومؤلف كتاب «بوتقة الإسلام»، وذلك في عرض له لكتاب مصالحة على صفحات مجلة «نيويورك» لعرض الكتب 18 أبريل (نيسان) - 8 مايو (أيار) 2019، (وديني لمقالته تلك كبير). إن مصالحة في الجزء الخاص بتاريخ فلسطين في العصر الحديث لا يذكر شاعر القضية الفلسطينية الأكبر محمود درويش إلا أهون ذكر في ثلاث صفحات؛ وهذا نقص لافت للنظر لكون درويش واحدا من شعراء المقاومة العظماء، مثل بول إيلوار ولوي أراغون وبابلونيرودا ودنيس بروتس، ولكونه - في دواوينه الأخيرة خاصة - قد جاوز هذا البعد السياسي ليوغل جريئا في أرض الحداثة متلاعبا باللغة في تمكن واقتدار جامعا بين التراث الإسلامي والرموز المسيحية والإشارات الأسطورية (صنع بدر شاكر السياب شيئا قريبا من ذلك في فترة أسبق)، وذلك في مركب غني غريب مما يجعله واحدا من أهم شعراء القرن العشرين في أي لغة.
ويذكرني صدور كتاب مصالحة بكتيب صغير الحجم ولكنه عظيم القيمة هو «الثقافة العربية أقدم من ثقافة اليونان والعبريين» لعباس محمود العقاد صدر في أوائل ستينات القرن الماضي في سلسلة «المكتبة الثقافية» التي كانت تصدرها وزارة الثقافة في مصر تحت قيادة وزيرها الدكتور ثروت عكاشة، صاحب الفضل العميم على الحركة الأدبية والفنية والفكرية (كان ثمن الكتاب في السلسلة قرشي صاغ أو ثلاثة قروش). إن الجهود العلمية التي من قبيل رسالة العقاد البليغة - على إيجازها - وكتاب مصالحة الأكثر تفصيلا، هي خير رد موضوعي على مزاعم المستعمرين الذين ادعوا أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، ومن ثم جاز منحها لشعب بلا أرض.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية
TT

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

فضاءات ومحاور بحث معمق، متخصصة في عوالم التعايش والتناغم المتأصلة والمؤتلِقة ضمن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، يناقشها ويقاربها كتاب «التسامح في الإمارات... سيرة جديدة وضّاءة للأخوة الإنسانية (شهادات وقصص بطلها الآخر)»، للصحافي والباحث السوري رفعت إسماعيل بوعساف، الصادر، أخيراً، عن دار «ميتافيرس برس» للنشر. ويعرض المؤلِّف أبرز شواهد تآلف وتقارب حضارات وأديان وثقافات، موضحاً أهم المقومات التي امتازت بها وعلى رأسها: تجذّر التواصل والانفتاح في المجتمع، وتمسك قادة الإمارات بالقيم الإنسانية، وسماحة أهلها واتسامهم بالوسطية والاعتدال، والمشروعات والمبادرات النوعية الكفيلة بترسيخ التسامح محلياً وعالمياً (مثل: وثيقة الأخوة الإنسانية، وبيت العائلة الإبراهيمية، ووزارة التسامح، والمعهد الدولي للتسامح، والأعمال والمبادرات الخيرية المتنوعة).

يتضمن الكتاب، الواقع في 411 صفحة، على أربعة أبواب رئيسية، وخاتمة تضم مقترحات وتوصيات. وتناقش فصوله جوانب كثيرة شاملة يُجمل فيها بوعساف، وعبر سير مشاهداته ومعايشاته في الإمارات طوال أكثر من 20 عاماً، وكذا في ضوء خلاصات أبحاثه الخاصة بالدراسة، مصادر وينابيع جدارة وتميز مجتمع الإمارات في مدارات التّسامح، مبيناً في مستهلّ إضاءاته الأبعاد والجذور التاريخية لحكاية التسامح في هذه الأرض، في المحطات والأزمان كافّة، طبقاً لأسانيد وتدوينات تاريخية جليّة، فأهلها لطالما تميزوا بكونهم يحتفون بالآخر المختلف عنهم ويرحبون به ولا يرفضونه أو يعزلون أنفسهم عنه، وهكذا ضمّوا وحضنوا بين ظهرانيهم أفراداً من أعراق ومذاهب شتّى بقوا يبادلونهم الحب ويتأثرون ويؤثّرون بهم، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. ويستعرض المؤلف عقبها، حقائق فاعلية وإثمار مساعي وبرامج دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الأديان وأطياف الإنسانية... وكذا إطفاء ألهبة أزمات الهُويات، واستئصال أسباب الصراعات المذهبية وقطع دابر التعصب. ثم يدرس ويحلل ماهيات أعمدة وتجليات التسامح والتعايش في ميادين الحياة بالإمارات: المجتمعية والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. ويقدم، أيضاً، جملة شهادات وإشادات لأبرز السياسيين ورجالات الدين والبحاثة والكتّاب الأجانب حول ثراء الإمارات بقيم الانفتاح والتعايش والتواصل، ومنهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسؤولون أمريكيون، ونجم الكرة الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا، والروائي البرازيلي باولو كويلو، ونجم بوليوود شاروخان، وعالم النفس والباحث الكندي البروفسور إدوارد دينر. كما يُفرد الكتاب محطات موسَّعة لشرح طبيعة وقيمة حصاد جهود الدولة ومبادراتها ورؤى قادتها، الضامنة تمكين وتقوية هياكل ومرتكزات التسامح والتآخي الإنساني في مجتمع الإمارات والعالم أجمع، التي تكللها أعمال ومشروعات عمل خيري وإنساني ترصد لها الإمارات ميزانيات ضخمة، تطول أصقاع الأرض قاطبةً ولا تميز فيها بين دين أو إثنية أو طائفة.

ويحفل الباب الرابع في الكتاب، الموسوم «حوارات وسيمفونية»، بحوارات وأحاديث مع رجال دين ومسؤولين ومثقفين وأطباء وإعلاميين ومهندسين ومبدعين، بعضهم يقيم في الدولة منذ أكثر من 60 عاماً، يروون فيها حقائق ومواقف كثيرة، بشأن التسامح وواقع انفتاح المجتمع وقبوله الآخر المختلف ورسوخ التعايش والمحبة فيه. وتضم قائمة هؤلاء المحاورين: أحمد الحَدَّاد، مفتي دبي وعضو «مجلس الإمارات للإفتاء»، وبول هيندر، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في جنوب شبه الجزيرة العربية (2004-2022م)، وراجو شروف، رئيس معبد «سندي غورو دربار» الهندوسي، وحمّود الحناوي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وسوريندر سينغ كاندهاري، رئيس معبد «غورو ناناك دربار السيخي»، وعشيش بروا، مسؤول «المركز الاجتماعي البوذي» في الشارقة، وإيان فيرسرفيس، الشريك المؤسس ورئيس تحرير «موتيڤيت ميديا غروب»، وزليخة داود، أول طبيبة نسائية في الإمارات (1964م)، وبيتر هارادين، الرئيس السابق لـ«مجلس العمل السويسري»، وراميش شوكلا، أحد أقدم المصورين في الإمارات.