إطلاق نار على مقاتلة روسية يفجر خلافاً بين موسكو وسيول وطوكيو

انتهاك مزعوم للمجال الجوي بالقرب من جزر تطالب كل من كوريا الجنوبية واليابان بالسيادة عليها

مقاتلة روسية من طراز «سوخوي 30»... (أرشيفية - رويترز)
مقاتلة روسية من طراز «سوخوي 30»... (أرشيفية - رويترز)
TT

إطلاق نار على مقاتلة روسية يفجر خلافاً بين موسكو وسيول وطوكيو

مقاتلة روسية من طراز «سوخوي 30»... (أرشيفية - رويترز)
مقاتلة روسية من طراز «سوخوي 30»... (أرشيفية - رويترز)

أدت تدريبات جوية غير مسبوقة نفذتها مقاتلات تابعة للجيشين الروسي والصيني في أجواء بحر اليابان وبحر الصين الشرقي إلى تعميق الخلاف الدبلوماسي بين بلدان المنطقة، بشأن انتهاك مزعوم للمجال الجوي بالقرب من مجموعة جزر تطالب كل من كوريا الجنوبية واليابان بالسيادة عليها.
وكانت طائرة عسكرية روسية من نوع «إيه50» دخلت المجال الجوي بالقرب من مجموعة جزر تطالب كل من كوريا الجنوبية واليابان بالسيادة عليها، وذلك أثناء دورية طيران مشتركة طويلة المدى بين طائرات روسية وصينية؛ وفقاً لما أعلنته كوريا الجنوبية واليابان، اللتان أرسلتا مقاتلات رداً على ذلك.
وأطلقت الطائرات الحربية الكورية الجنوبية نحو 400 طلقة تحذيرية و20 قذيفة ضوئية نحو الطائرة الروسية. وأثار الحادث سلسلة احتجاجات دبلوماسية من بلدان في المنطقة.
وبعدما أعلنت سيول أن روسيا عبّرت عن «أسفها العميق» إزاء قيام إحدى طائراتها باختراق المجال الجوي لكوريا الجنوبية، متعهدة بإجراء تحقيق في القضية، وعزت الأمر في الوقت نفسه إلى عطل في أحد الأجهزة، نفت السفارة الروسية في سيول اليوم (الأربعاء) أن تكون موسكو قد قدمت اعتذاراً رسمياً لسيول.
وكان يون دو هان، وهو مسؤول صحافي في مكتب رئيس كوريا الجنوبية، قد قال إن ملحقاً عسكرياً روسياً، لم يذكر اسمه، في سيول أبلغ المسؤولين في كوريا الجنوبية بأن الطائرة العسكرية على ما يبدو «دخلت منطقة غير مقصودة نتيجة عطل في جهاز».
وأضاف: «عبّرت روسيا عن أسفها العميق تجاه هذا الحادث، وقالت إن وزارة دفاعها ستبدأ على الفور تحقيقاً وستتخذ الإجراءات الضرورية كافة».
ولم يتضح على الفور ما إذا كان يون يشير إلى أن الملحق كان يتحدث بصورة رسمية نيابة عن الحكومة الروسية، لكن سفارة روسيا في سيول نفت أنها اعتذرت.
وذكرت وكالة «إنترفاكس»؛ نقلاً عن السفارة الروسية: «لم يقدم الجانب الروسي أي اعتذار رسمي»، وأضافت أنها لاحظت كثيراً من الأخطاء في تصريحات كوريا الجنوبية.
ولم تشر التصريحات العلنية الصادرة من روسيا حول الموضوع إلى أي مشكلات فنية، كما لم تعلن موسكو عن إجراء أي تحقيق، ولم تعترف باختراق المجال الجوي لكوريا الجنوبية.
كما اتهمت روسيا طياري كوريا الجنوبية بتهديد سلامة طائرات روسية.
وتعليقاً على ذلك، قالت وزارة الدفاع في كوريا الجنوبية إن «ادعاء روسيا بعدم انتهاك المجال الجوي ما هو إلا تشويه للحقيقة».
من جهتها، دافعت الصين عن التدريبات، التي كانت أول دورية جوية مشتركة بينها وبين روسيا.
وقال وو تشيان، المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، للصحافيين إن الطيارين «يلتزمون بشدة بالقواعد التي يفرضها القانون الدولي، ولم يدخلوا المجال الجوي لبلدان أخرى».
وكانت وزارة الدفاع الروسية، قد أصدرت بياناً أمس قالت فيه إن الدورية المشتركة «تحركت على مسار تم التخطيط له مسبقاً فوق مياه بحر اليابان وبحر الصين الشرقي»، مشددة على أن «طائرات كلا البلدين عملت خلال تنفيذ مهامها بالتوافق التام مع بنود القانون الدولي». ولفت البيان إلى أن «معطيات وسائل المراقبة الجوية دلّت على أنه لم يجرِ انتهاك المجال الجوي لأي بلد».
وأكّدت الوزارة أن «هدف تسيير الدورية المشتركة تعميق وتعزيز علاقات الشراكة الروسية - الصينية الشاملة، ومواصلة رفع مستوى التنسيق بين القوات المسلحة للبلدين، وتنمية قدراتهما على إجراء عمليات مشتركة، وكذلك تعزيز الاستقرار الاستراتيجي العالمي». كما شدّدت روسيا عبر البيان على أن العملية «نفذت في إطار تطبيق خطة التعاون العسكري بين البلدين الموقعة في عام 2019، ولا تستهدف أي أطراف أخرى».
وزاد البيان الروسي أن «هذه المرة ليست الأولى التي يحاول فيها الطيارون الكوريون الجنوبيون عرقلة تحليق الطيران الروسي فوق المياه الدولية في بحر اليابان، مبررين إجراءاتهم بما تسمى (منطقة تحديد الهوية لنظام الدفاع الجوي)، التي أقامها الطرف الكوري الجنوبي بصورة أحادية الجانب، وبشكل يخالف القواعد الدولية». وشدد على أن «الاتحاد الروسي لا يعترف بإقامة مناطق دفاعية بشكل أحادي، وهذا الأمر تم إبلاغه إلى كوريا الجنوبية مراراً عبر قنوات مختلفة».
و«منطقة تحديد الهوية لنظام الدفاع الجوي» هي مجال جوي تقوم دولة ما بتحديده ووضع رقابة عليه بغرض الحفاظ على أمنها القومي من أي تهديد محتمل. ويجب على الطائرات التابعة لأي دولة أخرى تعريف نفسها قبل الدخول إلى هذه المنطقة.
لكن هذه المناطق لا يحكمها القانون الدولي، حيث غالباً ما تقوم كل دولة بتحديدها ذاتياً، مما يجعلها عرضة بشكل أكبر للنزاع بين الدول.
من جانبها، أعلنت طوكيو احتجاجاً ضد كوريا الجنوبية وروسيا على اختراق مجالها الجوي أثناء الاحتكاك بين مقاتلات البلدين فوق أجواء الجزر المتنازع عليها بين طوكيو وسيول.
ونقلت وكالة «كيودو» عن الحكومة اليابانية، أن «مثل هذه التصرفات فوق أراضينا غير مقبولة ومؤسفة للغاية»، مضيفة أن الاحتجاج تم نقله عبر القنوات الدبلوماسية.
والجزر، التي تطلق عليها اليابان اسم «جزر تاكيشيما» في حين تسميها كوريا الجنوبية «توكتو»، موضع خلاف بينهما؛ إذ ترى اليابان أن كوريا الجنوبية احتلت بشكل غير قانوني هذه المنطقة التي سبق أن جرى ضمها إلى الإمبراطورية اليابانية عام 1905.
من جهتها، تصر السلطات في كل من سيول وبيونغ يانغ على أن هذه الجزر كانت عبر التاريخ جزءاً لا يتجزأ من الدولة الكورية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟