تدريبات روسية ـ صينية مشتركة تثير توتراً مع سيول وطوكيو

تبادلت الأطراف اتهامات بالقيام بعمليات «استفزازية»

صورة أرشيفية لطائرات «تو - 95» روسية تشارك في تدريب على عرض عسكري بموسكو في مايو 2018 (أ.ب)
صورة أرشيفية لطائرات «تو - 95» روسية تشارك في تدريب على عرض عسكري بموسكو في مايو 2018 (أ.ب)
TT

تدريبات روسية ـ صينية مشتركة تثير توتراً مع سيول وطوكيو

صورة أرشيفية لطائرات «تو - 95» روسية تشارك في تدريب على عرض عسكري بموسكو في مايو 2018 (أ.ب)
صورة أرشيفية لطائرات «تو - 95» روسية تشارك في تدريب على عرض عسكري بموسكو في مايو 2018 (أ.ب)

أسفرت تدريبات جوية غير مسبوقة نفذتها مقاتلات ثقيلة تابعة للجيشين الروسي والصيني فوق بحر اليابان عن احتجاجات متبادلة وسجالات قوية بين روسيا وكوريا الجنوبية واليابان، بعدما تبادلت الأطراف اتهامات بالقيام بعمليات «استفزازية» وانتهاك المجال الجوي، ما كاد أن يسفر عن احتكاك مباشر.
وجاء تصعيد التوتر في المنطقة التي تشهد وضعاً أمنياً هشاً بسبب الخلافات الصينية - اليابانية والأزمة مع كوريا الشمالية، على خلفية مناورات روسية - صينية مشتركة تجري للمرة الأولى في أجواء بحر اليابان وبحر الصين الشرقي؛ ما أثار ردود فعل لدى كل من سيول وطوكيو.
وأعلنت روسيا أن القوات الجوية لموسكو وبكين نفّذتا أول دورية مشتركة بطائرات بعيدة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادي، لكنها أكدت أن العملية جرت من دون تسجيل أي خرق لحدود بلدان المنطقة. وأفاد بيان أصدرته وزارة الدفاع الروسية، بأن الدورية المشتركة نفذت، صباح أمس، بمشاركة مجموعة طائرات ضمت قاذفتين استراتيجيتين من طراز «توبوليف - 95» تابعتين للقوات الجوية الروسية، وقاذفتين استراتيجيتين تابعتين للقوات المسلحة الجوية لجيش التحرير الصيني من طراز «هون - 6 ك».
ووفقاً لمعطيات الوزارة، فإن «الدورية الجوية تحركت على مسار تم التخطيط له مسبقاً فوق مياه بحر اليابان وبحر الصين الشرقي»، مشددة على أن «طائرات كلا البلدين عملت خلال تنفيذ مهماتها بالتوافق التام مع بنود القانون الدولي».
ولفت البيان إلى أن «معطيات وسائل المراقبة الجوية دلّت على أنه لم يجر انتهاك المجال الجوي لأي بلد».
وأكّدت الوزارة أن «هدف تسيير الدورية المشتركة تعميق وتعزيز علاقات الشراكة الروسية - الصينية الشاملة، ومواصلة رفع مستوى التنسيق بين القوات المسلحة للبلدين، وتنمية قدراتهما على إجراء عمليات مشتركة، وكذلك تعزيز الاستقرار الاستراتيجي العالمي». كما شدّدت روسيا عبر البيان على أن العملية «نفذت في إطار تطبيق خطة التعاون العسكري بين البلدين الموقعة في عام 2019، ولا تستهدف أي أطراف أخرى».
لكن التأكيدات الروسية قوبلت باحتجاجات شديدة اللهجة من جانب كوريا واليابان كل على حدة. إذ اتهمت اليابان طائرات روسية وصينية بانتهاك مجالها الجوي في المنطقة، في حين احتجت كوريا الجنوبية على اختراق مجموعة المقاتلات منطقة تحديد الهوية لنظام الدفاع الجوي الكوري الجنوبي، وأكدت أن الانتهاك الروسي لم يقتصر على هذه المنطقة، بل تعدى ذلك إلى دخول المقاتلات الأجواء الكورية الجنوبية.
وقالت هيئة الأركان المشتركة الكورية الجنوبية، إن «قاذفة روسية اخترقت مرتين المجال الجوي التابع لكوريا الجنوبية فوق البحر الشرقي (بحر اليابان)» قرب جزر دوكدو. وأضافت أن القاذفة الروسية، نفذت تحليقين دام كل منهما 3 دقائق، لافتة إلى أن هذا الحادث لاختراق الطيران الحربي الروسي المجال الجوي الكوري الجنوبي «غير مسبوق»؛ كونه كان «متعمداً»، في إشارة إلى رصد «انتهاكات غير متعمدة» لمنطقة تحديد الهوية لنظام الدفاع الجوي الكوري الجنوبي من قبل طائرات روسية في وقت سابق.
ولاحقاً، ذكر مكتب رئيس كوريا الجنوبية، أن مدير إدارة الأمن القومي في الجمهورية، تشون يوي يونغ، أبلغ سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، احتجاج سيول «شديد اللهجة» على الحادث. وحذّر المسؤول الكوري الجنوبي من أن بلاده «تنظر إلى هذا الوضع بغاية الجدية، وسوف تتخذ إجراءات أقوى في حال تكرار مثل هذه التصرفات».
ونفت موسكو بشدة صحة إعلان سيول، واتّهمت في المقابل سلاح الجو في كوريا الجنوبية بإجراء «مناورات غير احترافية» فوق بحر اليابان خلال تنفيذ الطائرتين الروسيتين تحليقاً في المنطقة. وأوضحت وزارة الدفاع، أنه أثناء تنفيذ المقاتلتين «تحليقاً مخططاً في المجال الجوي فوق المياه الدولية ببحر اليابان. اقتربت مقاتلتان كوريتان جنوبيتان من طراز F - 16 في منطقة جزر توكتو من القاذفتين الروسيتين بمسافة خطرة، ونفذتا مناورات غير مهنية، معترضتين مسار حاملتي الصواريخ الاستراتيجيتين الروسيتين؛ ما شكل تهديداً لأمنهما». وأوضحت الوزارة أن «الطيارين الكوريين الجنوبيين لم يتصلوا بطاقمي توبوليف - 95 وأطلقوا بالونات حرارية، قبل تنفيذ مناورة للابتعاد عن الطائرتين الروسيتين».
وشددت الوزارة على أن «مسار طائرتي توبوليف جرى وفقاً لمعطيات وسائل المراقبة من دون أي انحراف عن خطة التحليق على بعد أكثر من 25 كيلومتراً من جزر توكتو، بالتوافق مع القواعد الدولية ودون انتهاك المجال الجوي لكوريا الجنوبية». وزاد البيان الروسي، أن «هذه المرة ليست الأولى عندما يحاول الطيارون الكوريون الجنوبيون عرقلة تحليق الطيران الروسي فوق المياه الدولية ببحر اليابان، مبررين إجراءاتهم بما يسمى بمنطقة تحديد الهوية لنظام الدفاع الجوي، التي أقامها الطرف الكوري الجنوبي بصورة أحادية الجانب، وبشكل يخالف القواعد الدولية». وشدد على أن «الاتحاد الروسي لا يعترف بإقامة مناطق دفاعية بشكل أحادي، وهذا الأمر تم إبلاغه إلى كوريا الجنوبية مراراً عبر قنوات مختلفة».
وبيّنت الدفاع الروسية، أنه «لم يتم إطلاق أي طلقات تحذيرية من قبل المقاتلتين الكوريتين الجنوبيتين، ولو شعر الطيارون الروس بأي تهديد لأمنهم لتم الرد من دون أي مماطلة».
وكانت كوريا الجنوبية أعلنت أنه تم إطلاق طلقات تحذيرية باتجاه طائرة حربية روسية لأنها «خرقت المجال الجوي الكوري الجنوبي، بشكل متكرر».
من جانبها، أعلنت طوكيو احتجاجاً على اختراق مجالها الجوي أثناء الاحتكاك بين المقاتلات الروسية والكورية الجنوبية فوق أجواء جزر تاكيشيما المتنازع عليها بين طوكيو وسيول. ونقلت وكالة «كيودو» عن الحكومة اليابانية، أن «مثل هذه التصرفات فوق أراضينا غير مقبولة»، مضيفة أن الاحتجاج تم نقله عبر القنوات الدبلوماسية.
وتعد جزر تاكيشيما موضع خلاف بين طوكيو وسيول؛ إذ ترى اليابان أن كوريا الجنوبية احتلت بشكل غير قانوني هذه المنطقة التي سبق أن جرى ضمها إلى الإمبراطورية اليابانية عام 1905. من جهتها، تصر السلطات في كل من سيول وبيونغ يانغ على أن هذا الأرخبيل الصغير، الذي تسميه «توكتو»، كان عبر التاريخ جزءاً لا يتجزأ من الدولة الكورية.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.