صراع بين «التيار» و«القوات» على شغل المراكز الكبرى في القضاء

المواقع السنية محسومة للحريري و«المستقبل»

TT

صراع بين «التيار» و«القوات» على شغل المراكز الكبرى في القضاء

تنتظر الحكومة اللبنانية تحريرها من قيود التعطيل، لاستئناف جلساتها وتسيير عجلة الدولة، وحلّ قضايا الناس العالقة منذ أسابيع على حبل الخلافات السياسية، ومن بين هذه القضايا التعيينات الإدارية والقضائية، رغم التوقعات بأن تكون محور صراع على الحصص بين مكونات الحكومة.
وستشكّل التعيينات القضائية الاختبار الأهم لنجاح الحكومة في تخطّي الخلافات، أو بقاء الانقسام الحاد على توزيع المناصب، وبدل أن تكون التعيينات القضائية مدخلاً لسدّ النقص في المواقع القضائية الحساسة، ومعالجة الخلل ومحاربة الفساد، تأتي المحاصصة لتحمي الفساد المتحكم بالمؤسسات. ورجّحت مصادر معنية بهذا الملف أن «تدرج الحكومة بند التعيينات في أقرب جلسة لمجلس الوزراء من أجل انتظام العمل في المؤسسات والإدارات، خصوصاً في القضاء». وشددت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أهمية «ملء الشغور القائم منذ أشهر في عدد من المناصب الحساسة، لا سيما مراكز النائب العام التمييزي، ورئيس مجلس شورى الدولة، ورئيس هيئة التشريع والاستشارات، والمدير العام لوزارة العدل»، متوقعة «عبورها بمخاضٍ عسير، وتؤسس لمعركة داخل مجلس الوزراء، خصوصاً على المواقع المسيحية، بين (التيار الوطني الحرّ) الذي يتهمه خصومه بأنه عازم على أن تكون المواقع المسيحية من حصّته وحده، وبين (القوات اللبنانية) التي تسعى لنيل حصتها»، مشيرة إلى أن «المراكز السنيّة الشاغرة شبه محسومة، وهي ستكون من حصّة رئيس الحكومة سعد الحريري وتيار (المستقبل) دون منازع».
وتسعى المرجعيات السياسية والأحزاب الكبرى إلى الإمساك بالمراكز القضائية البارزة، باعتبارها جزءاً من أدوات الحكم، تماماً كما هي حال المراكز الأمنية، سواء على مستوى رؤساء الأجهزة أو الوحدات أو الأقسام والمفارز في بيروت وكل المحافظات، وتتجه الأنظار لمعرفة من سيشغل منصب النائب العام التمييزي، وهو الأهم بين كل هذه المراكز، لكون النيابات العامة كافة والضابطة العدلية تخضع لسلطته المباشرة، عدا عن كونه عضواً دائماً في مجلس القضاء الأعلى، ونائباً لرئيس مجلس القضاء، وبحكم تواصله الدائم مع السلطة السياسية ولقاءاته الدورية مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء، ويعود هذا المنصب للطائفة السنيّة، وللحريري وتياره السياسي.
وثمة أسماء عدّة مرشحة لتولي منصب النائب العام التمييزي، أبرزها قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات، والنائب العام الاستئنافي في شمال لبنان نبيل وهبة، ورئيس محكمة جنايات بيروت سامي صدقي، وتوكد مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أن «عويدات هو الأوفر حظاً ليشغل هذا المنصب»، مشيرة إلى أن مركز مدير عام وزارة العدل هو من حصّة الطائفة السنيّة، وسيكون من حصّة تيار «المستقبل» أيضاً، وقد يسند إلى القاضية نجاح عيتاني، التي تتميّز بشخصية قوية، وعلاقات جيدة مع زملائها القضاة.
لكنّ التسليم بهوية وانتماء من سيشغل المراكز السنيّة يقابله تشدد في اختيار القضاة المرشحين للمراكز المسيحية، إذ توقعت المصادر القضائية «توافقاً مسيحياً على اسم القاضية كارمن بدوي لتعيينها رئيسة لمجلس شورى الدولة، ومن حصّة (التيار الوطني الحرّ)، فيما يخوض الأخير معركة الاستئثار بمنصب رئيس هيئة التشريع والاستشارات، مقابل ممانعة شديدة من قبل (القوات)، وهو ما ينذر بتفجّر خلاف داخل مجلس الوزراء، قد يهدد سلّة التعيينات برمتها».
ولا يبدو أن التعيينات القضائية، كما الأمنية والإدارية، ستخضع لمعايير الكفاءة والنزاهة والخبرة، حيث إن القيادات السياسية أرست معايير جديدة قاعدتها إنجاز اتفاقاتها خارج الحكومة، ثم التصديق عليها في مجلس الوزراء، وأشار مرجع قانوني إلى أن «الاستمرار في هذا النهج يضرب أسس العدالة وتكافؤ الفرص واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «التدخل السياسي في عمل القضاء، واختيار الأتباع لتعيينهم في المراكز القضائية الحساسة يضرب استقلالية القضاء، ويبقي السلطة الثالثة تحت هيمنة الطبقة السياسية». وقال: «عندما تعيّن المرجعية السياسية قاضياً في موقع حساس، فإنها ستجيّر هذا المركز لخدمتها، ويصبح القاضي موظفاً عند المرجعية التي عينته، بدل أن يكون قاضياً مستقلاً يحكم بقوّة القانون وباسم الشعب اللبناني».
وبعيداً عن الاعتبارات السياسية، باتت التعيينات القضائية ضرورية، بسبب التعثّر في بت قضايا الناس، نتيجة شغور المراكز المشار إليها، والصعوبة التي يواجهها القضاة المنتدبون بسبب توليهم أكثر من مركز في وقت واحد، فيما تبدو طوائف أخرى خارج حلبة صراع التعيينات، لعدم وجود مراكز شاغرة يشغلها قضاة من الطائفتين الشيعية والدرزية، ويتوقّع أن تشهد التشكيلات القضائية المرتقبة أواخر الصيف الحالي، تغييراً كبيراً سيطال قضاة لم يكن أداؤهم في السنوات الأخيرة على مستوى طموح من عينهم في هذه المراكز.



إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تعترض صاروخاً حوثياً عشية «هدنة غزة»

عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)
عنصر حوثي يحمل مجسم صاروخ وهمي خلال تجمع في جامعة صنعاء (أ.ف.ب)

اعترضت إسرائيل صاروخين باليستيين أطلقتهما الجماعة الحوثية في سياق مزاعمها مناصرة الفلسطينيين في غزة، السبت، قبل يوم واحد من بدء سريان الهدنة بين تل أبيب وحركة «حماس» التي ادّعت الجماعة أنها تنسق معها لمواصلة الهجمات في أثناء مراحل تنفيذ الاتفاق في حال حدوث خروق إسرائيلية.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تشن الجماعة المدعومة من إيران هجمات ضد السفن في البحرين الأحمر والعربي، وتطلق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، وتهاجم السفن الحربية الأميركية، ضمن مزاعمها لنصرة الفلسطينيين.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان متلفز، عصر السبت، بتوقيت صنعاء، إن جماعته نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي من نوع «ذو الفقار»، وإن الصاروخ وصل إلى هدفه «بدقة عالية وفشلت المنظومات الاعتراضية في التصدي له»، وهي مزاعم لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي.

وأضاف المتحدث الحوثي أن قوات جماعته تنسق مع «حماس» للتعامل العسكري المناسب مع أي خروق أو تصعيد عسكري إسرائيلي.

من جهته، أفاد الجيش الإسرائيلي باعتراض الصاروخ الحوثي، ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن صافرات الإنذار والانفجارات سُمعت فوق القدس قرابة الساعة 10.20 (الساعة 08.20 ت غ). وقبيل ذلك دوّت صافرات الإنذار في وسط إسرائيل رداً على إطلاق مقذوف من اليمن.

وبعد نحو ست ساعات، تحدث الجيش الإسرائيلي عن اعتراض صاروخ آخر قبل دخوله الأجواء، قال إنه أُطلق من اليمن، في حين لم يتبنّ الحوثيون إطلاقه على الفور.

ومع توقع بدء الهدنة وتنفيذ الاتفاق بين إسرائيل و«حماس»، من غير المعروف إن كان الحوثيون سيتوقفون عن مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر، وخليج عدن؛ إذ لم تحدد الجماعة موقفاً واضحاً كما هو الحال بخصوص شن الهجمات باتجاه إسرائيل، والتي رهنت استمرارها بالخروق التي تحدث للاتفاق.

1255 صاروخاً ومسيّرة

زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي استعرض، الخميس، في خطبته الأسبوعية إنجازات جماعته و«حزب الله» اللبناني والفصائل العراقية خلال الـ15 شهراً من الحرب في غزة.

وقال الحوثي إنه بعد بدء سريان اتفاق الهدنة، الأحد المقبل، في غزة ستبقى جماعته في حال «مواكبة ورصد لمجريات الوضع ومراحل تنفيذ الاتفاق»، مهدداً باستمرار الهجمات في حال عودة إسرائيل إلى التصعيد العسكري.

جزء من حطام صاروخ حوثي وقع فوق سقف منزل في إسرائيل (أ.ف.ب)

وتوعّد زعيم الجماعة المدعومة من إيران بالاستمرار في تطوير القدرات العسكرية، وقال إن جماعته منذ بدء تصعيدها أطلقت 1255 صاروخاً وطائرة مسيرة، بالإضافة إلى العمليات البحرية، والزوارق الحربية.

وأقر الحوثي بمقتل 106 أشخاص وإصابة 328 آخرين في مناطق سيطرة جماعته، جراء الضربات الغربية والإسرائيلية، منذ بدء التصعيد.

وفي وقت سابق من يوم الجمعة، أعلن المتحدث الحوثي خلال حشد في أكبر ميادين صنعاء، تنفيذ ثلاث عمليات ضد إسرائيل، وعملية رابعة ضد حاملة الطائرات «يو إس إس ترومان» شمال البحر الأحمر، دون حديث إسرائيلي عن هذه المزاعم.

وادعى المتحدث سريع أن قوات جماعته قصفت أهدافاً حيوية إسرائيلية في إيلات بـ4 صواريخ مجنحة، كما قصفت بـ3 مسيرات أهدافاً في تل أبيب، وبمسيرة واحدة هدفاً حيوياً في منطقة عسقلان، مدعياً أن العمليات الثلاث حقّقت أهدافها.

كما زعم أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «ترومان» شمال البحر الأحمر، بعدد من الطائرات المسيرة، وهو الاستهداف السابع منذ قدومها إلى البحر الأحمر.

5 ضربات انتقامية

تلقت الجماعة الحوثية، في 10 يناير (كانون الثاني) 2025، أعنف الضربات الإسرائيلية للمرة الخامسة، بالتزامن مع ضربات أميركية - بريطانية استهدفت مواقع عسكرية في صنعاء وعمران ومحطة كهرباء جنوب صنعاء وميناءين في الحديدة على البحر الأحمر غرباً.

وجاءت الضربات الإسرائيلية الانتقامية على الرغم من التأثير المحدود للمئات من الهجمات الحوثية، حيث قتل شخص واحد فقط في تل أبيب جراء انفجار مسيّرة في شقته يوم 19 يوليو (تموز) 2024.

مطار صنعاء الخاضع للحوثيين تعرض لضربة إسرائيلية انتقامية (أ.ف.ب)

وإلى جانب حالات الذعر المتكررة بسبب صفارات الإنذار وحوادث التدافع في أثناء الهروب للملاجئ، تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ حوثي، في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كما أصيب نحو 20 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في الـ21 من الشهر نفسه.

واستدعت الهجمات الحوثية أول رد من إسرائيل، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتَي توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

دخان يتصاعد في صنعاء الخاضعة للحوثيين إثر ضربات غربية وإسرائيلية (أ.ف.ب)

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر 2024، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.